المجهر- تقرير خاص
تواصل جماعة الحوثي العبث بمؤسسات الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرتها ضمن مخططها لإحكام قبضتها على منافذ القرار في هذه المؤسسات بدوافع سلالية وطائفية.
ولم تسلم مؤسسات القضاء من هذه التصرفات العبثية، حيث استهدفت جماعة الحوثي مؤخراً تقييد صلاحية الترشيح للدراسة في المعهد العالي للقضاء بالعاصمة صنعاء.
فرز سلالي
تسعى جماعة الحوثي من خلال الاستمارة التي أصدرتها تحت مسمى " التقييم النهائي للمرشحين للالتحاق بالمعهد العالي للقضاء" إلى إجراء عملية فرز للطلاب المتقدمين على أساس الولاء والمناصرة لمشروع الجماعة.
وتعد هذه الوثيقة التي اطلع "المجهر" على نسخة منها، بمثابة تزكية من قبل قيادات ومسؤولين حوثيين للطلاب المتقدمين للدراسة في المعهد، حيث لابد أن تشمل كل استمارة على توقيعات لكل من مدير الأمن والمخابرات ومندوب التعبئة العامة ومسؤول فريق النزول ومدير أمن المحافظة ومحافظ المحافظة التي يتقدم منها الطالب بعد ترشيحه من قبل مدير المديرية والمشرف العام بالمديرية.
وتشترط الجماعة على الطالب المرشح للدراسة في المعهد العالي للقضاء أن يكون من "أهل البيوت الصالحة" وفق منهج الحوثيين ومعرفة انتمائها ودورها مع الجماعة.
كما تتضمن الاستمارة معرفة انتماء وتوجه الطالب المتقدم للترشيح وذكر نبذة عن رصيده الجهادي والدورات التي حضرها ودورات المشاركة في الجبهات وتفاعله مع الأنشطة والأعمال التي تقيمها الجماعة.
ومن الواضح أن مسألة تطبيق الآلية الموضحة في استمارة التقييم لم تأخذ وقتاً طويلاً للدراسة والمراجعة وجرى إقرارها على الفور، ما يعني أنه هذه الخطوات تمثل أولوية قصوى لدى قيادة الجماعة في السيطرة على مؤسسات القضاء وبمراحل زمنية متسارعة.
ففي بلاغ صادر عن وزارة الإدارة المحلية في حكومة الحوثي غير المعترف بها دوليا، بتاريخ 1 يونيو/ حزيران الماضي، تحدث عن إقرار نزول لجنة مركزية برئاسة القيادي الحوثي طه الصنعاني، إلى محافظة المحويت لغرض اختيار مرشحين للدراسة في المعهد العالي للقضاء وفق المعايير المذكورة في الاستمارة.
إقصاء ممنهج
لجأت جماعة الحوثي إلى اتخاذ هذه الخطوة في هذا التوقيت بالذات، من أجل استكمال تأهيل قضاة ينتمون للجماعة وتوجهاتها، حيث واجهت الجماعة صعوبات في تمرير الأحكام القضائية عبر القضاء الحالي. وفقا لمصدر قضائي في العاصمة صنعاء.
وأوضح المصدر في حديثه لـ"المجهر" أن هذه الإجراءات تأتي ضمن مخططات الحوثي للتنكيل بالقضاة المعارضين لها ومصادرة ممتلكاتهم، حتى يصبح المجال مفتوحاً للسيطرة على مفاصل السلطة القضائية.
وأكد على أن الهدف من الشروط الجديدة هو فرض فئة بعينها محسوبة على جماعة الحوثي للالتحاق بمعهد القضاء والاستحواذ عليه بشكل كامل.
وأشار المصدر القضائي الذي رفض ذكر اسمه لدواعي أمنية، إلى أن هذا التوجه يأتي من رأس الهرم في سلطة الحوثي بزعامة ما يسمى بـ "المنظومة العدلية" التي يترأسها محمد علي الحوثي، مفيداً بأن المهام التي أُوكلت لهذه المنظومة هي في الأساس من اختصاص وزارة العدل.
وفي السياق، حذرت رئيسة منتدى قاضيات اليمن في العاصمة صنعاء ونائب الأمين العام للاتحاد العربي للقضاء القاضية روضة العريقي، من أن الوصول إلى هذا الحد من تجاوز المعايير الموضوعية في قبول طلاب المعهد العالي للقضاء يمثل كارثة حقيقية للمستقبل المجهول.
وأكدت القاضية روضة العريقي في منشور لها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أن " استقلال القضاء مبدأ متعارف عليه لضمان الحكم بالعدل دون حياد أو ميل أو خوف أو الحكم تحت أي تأثير".
وشددت على أن القاضي يجب ألا يكون له أي انتماء أو ولاء لأي جماعة أو حزب، حيث وهو ملزم بتحقيق العدالة لجميع الأطياف.
وتحرص جماعة الحوثي على إسناد مسؤولية المؤسسات المهمة لقيادات تدين بالولاء التام لمشروعها السلالي، كما هو الحال مع عميد المعهد العالي للقضاء القاضي الدكتور محمد حسين الشامي.
ويعد القاضي الشامي من أبرز القيادات المؤثرة في اتخاذ القرار داخل الجماعة، وهو كذلك أستاذ القانون المدني المشارك بكلية الشريعة والقانون في جامعة صنعاء والمعهد العالي للقضاء، وعضو المحكمة العليا التابعة للحوثيين.
أما نائب العميد القاضي الدكتور يحيى أحمد الخزان، من أبناء محافظة حجة ويعتبر أيضاً عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء، ورغم أنه محسوب على جناح القيادي محمد علي الحوثي، إلا أنه يؤدي دوراً هامشياً داخل معهد القضاء.
استحواذ تام
يُعد الجهاز القضائي بمثابة العمود الذي ترتكز عليه مؤسسات الدولة لضمان تنفيذ النظام والقانون ومعاقبة أي مخالف بصورة عادلة دون تحيز أو محسوبية، فيما تعد الاجراءات التي تمارسها جماعة الحوثي بحق القضاء انتهاكا صارخا لقيم العدل والحقوق القضائية.
وأفاد المحامي توفيق الشعبي، بأن الشروط التي تضمنتها استمارة التقييم الخاصة بالمرشحين للمعهد العالي للقضاء "تأتي في إطار عمل الميليشيات الممنهج لتطييف التعليم العام والعالي واستكمال سيطرتها على سلطة القضاء بشقيها العدلي والتعليمي".
وذكر المحامي الشعبي في حديثه لـ"المجهر" أن هذا السلوك يأتي ضمن مشروع تمزيق النسيج الاجتماعي واحتكار الوظيفة العامة بفئة وطائفة معينة. مضيفاً أن " المليشيات الحوثية تسعى إلى تدمير الجهاز القضائي وملشنته ليكون جهاز خاضع لرغباتها وإدارتها".
وأوضح الشعبي، أن هذه الإجراءات هي استكمال لسيطرة الحوثيين على الجهاز الوظيفي المدني والمتمثل بإصدار مدونة السلوك الوظيفي ذات الطابع المذهبي.
ولفت إلى أن إجبار موظفي الجهاز المدني على الولاء والاتباع للمليشيات فكراً وعملاً هو تكريس لثقافة الإرهاب الطائفي القائم على التمييز.
وفرضت جماعة الحوثي أعضاء تابعين لها في مناصب قضائية مهمة لدعم توجهاتها السياسية والطائفية بصورة مخالفة للقانون، ما يمثل انتهاكاً واضحاً للمعايير القائمة على استقلال ونزاهة القضاء.
ناهيك عن تعيين قضاة غير مؤهلين في عدد من المحاكم والنيابات العامة والمتخصصة، حيث لجأ المواطنون في مناطق سيطرة الحوثي إلى حل قضاياهم بطرق تقليدية نتيجة عدم ثقتهم بالأحكام الصادر عن هؤلاء القضاة، الأمر الذي ساهم في تزايد انتشار حالات الجريمة وتعقيدها.
تحييد القضاء
في العام 2018م قامت الحكومة الشرعية بنقل معهد القضاء العالي إلى العاصمة المؤقتة عدن، نتيجة استبعاد طلاب غير موالين للحوثي من الدراسة في صنعاء لدواعي طائفية وهو ما أكدته الخطوات الموضحة في استمارة الترشيح للالتحاق بالمعهد.
وفي سياق ردها على هذه الإجراءات، حذرت الحكومة الشرعية من مخطط جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا لملشنة الأجهزة القضائية في العاصمة صنعاء من خلال فرض معايير طائفية وسلالية لتقييم المرشحين للالتحاق بالمعهد العالي للقضاء.
وقال وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني في تغريدة له على "تويتر"، إن الجماعة عمدت إلى بسط سيطرتها على مفاصل السلطة القضائية ضمن مخططها الإقصائي لتجريف مؤسسات الدولة وتسخيرها لخدمة الانقلاب.
وأضاف الإرياني أن " مليشيا الحوثي استخدمت القضاء، منذ الانقلاب، أداة لتصفية حساباتها مع مناهضي مشروعها الانقلابي من قيادات الدولة والجيش والأمن والشخصيات السياسية والاجتماعية والصحفيين والإعلاميين، وابتزاز التجار ونهب ومصادرة أموال المواطنين وممتلكاتهم".
وطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمبعوثين الأممي والأمريكي بإدانة هذه الممارسات الإجرامية، والضغط على قيادات الحوثيين لتحييد السلطة القضائية عن الصراع ووقف مساعيها للنيل من استقلال القضاء والمساس بالحريات القضائية.
وفي السياق ذاته استنكر الوزير الإرياني، إجبار جماعة الحوثي منتسبي القضاء على حضور دورات طائفية، ومحاولة اخضاعهم عبر عمليات التصفية والاحتجاز التعسفي والاخفاء القسري.
وذكرت مصادر محلية أن جماعة الحوثي تواصل إخفاء نحو 200 قاضي، منذ 10 يوليو/ تموز، بعد أن استدعتهم لحضور اجتماع في معهد القضاء بصنعاء.
وأوضح المصدر أن جماعة الحوثي صادرت الهواتف المحمولة للقضاة فور وصولهم إلى المعهد، وأدخلتهم في دورة طائفية مغلقة ومنعت عنهم التواصل مع أهاليهم.
تزايد الانتهاكات
تستخدم جماعة الحوثي الأجهزة القضائية لشرعنة ممارساتها الإجرامية وتصفية حساباتها مع السياسيين والإعلاميين والناشطين ومشايخ القبائل، وبدلا من أن يكون أداة لإنصاف المظلومين وتحقيق العدل أصبح القضاء وسيلة قمع وإرهاب للمواطنين.
ويتفق سياسيون وحقوقيون على أن استغلال جماعة الحوثي للأجهزة القضائية بصورة مخالفة للقانون يهدد مسار تحقيق العدالة إلى حد كبير، ما يثير المخاوف حول تزايد انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
اقرأ أيضا: صحيفة: جماعة الحوثي تعتزم حظر "يوتيوب" و "فيسبوك"