المجهر- تقرير خاص
يدخل الإضراب الشامل للمعلمين أسبوعه الرابع في مناطق سيطرة الحوثيين، للمطالبة بصرف مرتباتهم المتوقفة منذ ثمان سنوات، في تصعيد مستمر يقوده مكون نقابي جديد يحمل اسم "نادي المعلمين".
ويتعرض المدرسون في تلك المناطق لشتى أنواع التهديدات والملاحقات والاختطافات، لإجبارهم على إنهاء الإضراب والكف عن المطالبة بصرف مرتباتهم، في حين تتحكم جماعة الحوثي بكافة الإيرادات هناك وتفرض جبايات وإتاوات على القطاع الخاص والمؤسسات التجارية لصالح مشروعها الطائفي.
إضراب مستمر
تتوالى بيانات "نادي المعلمين" المؤكدة على استمرار الإضراب الشامل لكافة المعلمين حتى تحقيق الهدف منه وصرف جميع مرتبات الكادر التربوي والتعليمي في مناطق الحوثيين بصورة منتظمة وجدولة المرتبات المتأخرة.
وفي بيان صادر عن النادي مع بداية إعلان الإضراب، قال إن هذه التحركات تأتي كإجراء احتجاجي نتيجة تجاهل مطالب موظفي التعليم العام، مفيداً بأن الحال الذي وصل إليه المعلمين في مناطق الحوثي لا يمكن السكوت عنه.
وتبرر جماعة الحوثي بأن مسألة صرف رواتب الموظفين متعلقة بإيرادات النفط والغاز القادمة من محافظات مأرب وشبوة وحضرموت، في محاولة للتنصل من مطالب "نادي المعلمين" لصرف المرتبات.
كما ألمحت قيادات حوثية إلى أن مسألة صرف المرتبات في مناطق الحوثي مرتبطة بنجاح المفاوضات بين الرياض وصنعاء، حيث وعد رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى للحوثيين مهدي المشاط، بتسليم مرتبات المعلمين لكنه قال إنها يجب أن تأتي من السعودية أو من حساب الحكومة الشرعية في البنك الأهلي السعودي.
لكن اللجنة التحضيرية لنادي المعلمين، ذكرت في بيان لها أن المعلمين اكتشفوا مع بداية الهدنة الأممية أن جماعة الحوثي تقوم بصرف المرتبات بصورة منتظمة لمعظم قياداتها إلى جانب معظم العاملين في الوزارات والقطاعات الحكومية باستثناء قطاع التعليم.
وشدد بيان آخر لنادي المعلمين، رفضه المطلق لأي اتهامات توجه للمطالبين بمرتباتهم، إضافة إلى الاختطافات التهديدات الحوثية المستمرة التي تطال الكادر التعليمي والتربوي نتيجة فشلها في إنهاء الإضراب.
حرب ضد التعليم
تواصل جماعة الحوثي حملة تهديدات واختطافات تطال المعلمين في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، إلى جانب عمليات الإقصاء والإقالة للكادر التربوي غير الموالي لها بهدف إحلال كادر من عناصر الجماعة.
وكشف عدد من المعلمين عن تعرضهم لتهديدات حوثية واستدعاءات من قبل جهاز الأمن والمخابرات لعدد من أعضاء نادي المعلمين القائمين على تنظيم الإضراب.
وفي تطور جديد، ذكر النادي أن عائلات المدرسين تلقت اتصالات من قبل قيادات حوثية كوسيلة تهديد وتخويف تستهدف المدرسين لإجبارهم على إنهاء الإضراب، في سابقة لم تقدم عليها أي سلطة من قبل.
واختطفت جماعة الحوثي في مطلع أغسطس/ آيار الجاري، أحد أعضاء نادي المعلمين المدرس عبده صالح النمر (60 عاما) في مديرية وصاب العالي بمحافظة ذمار بتهمة التحريض على الإضراب.
وقبل ذلك بيومين، قامت إدارة أمن مديرية حفاش بمحافظة المحويت الخاضعة لسيطرة الحوثيين باعتقال رئيس فرع نادي المعلمين بالمحافظة ناصر القعيش، كما أقدم قيادي حوثي يدعى مطهر الطويل باقتحام مدرسة النهضة في مديرية بني سعد في نفس المحافظة واختطف جميع المدرسين فيها.
وفي محافظة ريمة قام مدير أمن مديرية السلفية المعين من قبل الحوثيين فؤاد الجرادي، بالتحقيق مع رئيس فرع نادي المعلمين بالمحافظة إبراهيم جديب، للمرة الثانية خلال أسبوع بتهمة زعزعة الصف الداخلي نتيجة مطالبته براتبه.
كما قام مدير مكتب الصناعة والتجارة بمديرية عتمة غربي محافظة ذمار المعين من قبل الحوثيين بشير أحمد الفسوة، بتهديد كافة التربويين في المديرية بالاعتقال والفصل في حال عدم إنهاء الإضراب.
وفي سياق متصل، أصدرت جماعة الحوثي قرار بإقالة مديرة مدرسة الخنساء بمديرية يريم روما الدماسي، وعينت بدلا عنها سلوى عبدالله أبو طالب، كونها من السلالة الحوثية.
وكانت جماعة الحوثي أعطت وعود تخديرية بصرف حافز شهر واحد لقطاع التعليم مشروط بالتزام من المعلمين بإنهاء الإضراب، ثم هددت بقطع الحافز عن أي مدرس سيتمر بالإضراب ومنعه من التوقيع على حوافظ الدوام.
وفي محافظة إب أسقطت جماعة الحوثي أسماء عشرات المعلمين من كشوفات صرف الحافز المخصص للمعلمين، ممن احتجوا على الاستقطاعات التي تطال مستحقاتهم من قبل مسؤولين حوثيين.
ويقدر الحافز الذي تصرفه جماعة الحوثي للمعلمين بـ30 ألف ريال، من صندوق المعلم الذي انشأه الحوثيون مؤخراً تحت تصرف وزير التعليم المعين من قبل الجماعة يحيى الحوثي وقيادات أخرى.
تهميش التعليم
يقدر عدد الكادر التعليمي والتربوي الذين لم يستلموا مرتباتهم في مناطق سيطرة الحوثيين بـ (160000) مائة وستين ألف معلم وتربوي، منذ حوالي ثمان سنوات وفقاً لإحصائية نقابة المعلمين اليمنيين في محافظة تعز.
وقال أمين عام نقابة المعلمين اليمنيين بمحافظة تعز عبدالرحمن محمد المقطري، إن ما أثار حفيظة المعلمين والتربويين لتنفيذ الإضراب الشامل هو استخدام مرتباتهم كورقة سياسية في تفاوضهم مع السلطة الشرعية والتحالف العربي.
وأوضح المقطري في حديثه لـ"المجهر" أن هذه الوسيلة انقلبت ضد الحوثيين وجعلت المعلمين يلجئون إلى الإضراب للمطالبة بمستحقاتهم.
وذكر أن جماعة الحوثي تقوم بسرقة أي حوافز تصل باسم المعلمين كتلك التي دفعتها دول التحالف العربي لأكثر من عامين وصرفت عن طريق منظمة اليونيسيف، ولم تصل إلى مستحقيها من المعلمين والمعلمات وبواقع 50 دولار شهريا.
وأضاف أن هذه الحوافز " وصلت إلى أفراد من السلالة أو بشكل أقل للعملاء المتعاونين من السلالة" مستغرباً في الوقت ذاته كيف يمكن أن يعيش المعلم في أي مكان بالعالم دون راتب لمدة عام على الأقل سواء كان لديه أسرة أم لا.
وأكد أمين عام نقابة المعلمين بمحافظة تعز، أن سلطة الحوثيين لديها إيرادات مهولة من جمارك ميناء الحديدة وضرائب كبار المكلفين وإيرادات الاتصالات والجبايات التي تفرضها، بما يكفي لصرف مرتبات جميع الموظفين في الجمهورية اليمنية.
ولفت إلى أن جماعة الحوثي تهتم بدفع رواتب كبار مسؤوليها وأعضاء مجلس النواب وموظفي الأوعية الإيرادية، إلا أنه لم يدفعوا مرتبات المعلمين المسؤولين عن تربية الأجيال من أجل الحاضر والمستقبل.
وأفاد المقطري، بأن جماعة الحوثي جمعت مئات المليارات جبايات مختلفة ولفترة حوالي أربع سنوات باسم صندوق المعلم إلا أنه فجئوا قبل ثلاثة أشهر بتحويلها إلى المجهود الحربي.
وعبر عبدالرحمن المقطري في حديثه لـ"المجهر" عن تأييد نقابة المعلمين بمحافظة تعز لمطالب المعلمين والمعلمات في تلك المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، مطالباً زملاؤه هناك بمزيد من التكاتف لنيل كامل حقوهم.
وكانت نقابة المعلمين اليمنيين أصدرت بيانا في 9 أغسطس/ آيار الجاري، تضامنت فيه مع المعلمين والمعلمات في مناطق الحوثيين، مناشدة المنظمات الأممية والحقوقية وكذلك المعنية بالتعليم إلى التضامن مع الكادر التعليمي والتربوي هناك.
إنصاف المعلمين
وقفت عدد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية إلى جانب مطالب المعلمين والتربويين في مناطق الحوثيين مشددة على ضرورة وقف الانتهاكات بحقهم وإعادة الاعتبار للعملية التعليمية.
وأعلن المركز الأمريكي للعدالة، عن تضامنه الكامل مع المعلمين، داعيا إلى إنصافهم وإنهاء كافة مظاهر المعاناة التي طالتهم، خلال سنوات الحرب.
وأوضح المركز أن جماعة الحوثي تجاهلت مطالب المعلمين في مناطق سيطرتها بمستحقاتهم، وشرعت في حملة اعتقالات والتهديدات التي طالت العديد من القادة النقابيين والمدرِّسين.
بدورها وقفت منظمة ميون لحقوق الإنسان مع المطالب التي أعلنها نادي المعلمين في صنعاء وفي مقدمتها صرف رواتب المعلمين المنقطعة منذ سنوات في ظل معاناة شديدة يعيشها المعلمون وعائلاتهم.
ونددت منظمة ميون بالأساليب القمعية التي تنتهجها جماعة الحوثي لإجبار المعلمين على مزاولة أعمالهم دون اتخاذ إجراءات تضمن لهم رواتب شهرية أسوة ببقية الهيئات والمؤسسات التابعة للجماعة.
كما عبرت المنظمة في بيانٍ لها، السبت الماضي، عن قلقها من عدم انتظام العملية التعليمية في العام الدراسي الجاري بسبب تعنت جماعة الحوثي وممارساتها بحق المعلمين.
وأشارت إلى أن ذلك يفاقم تسرب أعداد كبيرة من الطلاب والطالبات من المدارس ليكونوا عرضة لاستقطاب الجماعات المتطرفة، وتزايد أعداد الأطفال المجندين.
وفي المقابل، شن زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، هجوماً شرسا ضد نادي المعلمين، ووصف الإضراب بالمؤامرة التي تهدف لزعزعة الاستقرار الداخلي في مناطق سيطرة الجماعة.
وفي كلمة مسجلة بُثت السبت الماضي، توَّعد عبدالملك الحوثي، باجتثاث عدد من الموالين فيما اسماه بمحاربة الفساد كردة فعل للاحتجاجات الشعبية المناهضة للجماعة مطالبة بصرف مرتباتهم.
تطييف التعليم
إلى جانب اضطهاد المعلمين والمعلمات بمرتباتهم، تقوم جماعة الحوثي باضطهادهم فكريا وتجبرهم على تدريس مناهج تخدم أجندتها ومشروعها السلالي.
وشدد أمين عام نقابة المعلمين اليمنيين بمحافظة تعز عبدالرحمن محمد المقطري، على أن هذه المناهج " تتعارض كلية مع عقيدة ودستور وقيم وأخلاق شعبنا اليمني ومبادئ ثورته وإرثه الحضاري والتاريخي". مشيراً إلى من يرفض التعامل معها فإن مصيره السجن.
وعمدت جماعة الحوثي على تحريف المناهج التعليمية منذ سيطرتها مؤسسات الدولة في صنعاء، بهدف طمس الهوية الوطنية واستبدلها بأفكارها العقائدية والسلالية.
ومع بداية العام الدراسي الحالي، أقدمت الجماعة على إزالة فقرة في أهداف ثورة 26 سبتمبر المجيدة تنص على (إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات) فيما يخص إزالة مخلفات الإمامة والاستعمار.
ومؤخراً أزالت الجماعة مناسبة ثورة 26 سبتمبر 1962م من التقويم المدرسي الجديد الصادر عن إدارة الأنشطة في مكتب التربية والتعليم التابع للحوثيين، فيما ظهر تركيزهم على المناسبات الطائفية الخاصة بالجماعة.
وذكرت مصادر مطلعة أن مكتب التربية والتعليم التابع للحوثيين يقوم بإرسال مشرفين إلى المدارس للتأكد من إقامة الفعاليات الطائفية، وتغريم من يخالف ذلك بغرامات مالية تذهب لصالح الجماعة.
وفي يناير من العام الجاري، حذر المركز اليمني للدراسات السياسية من أن التعديلات التي تجريها جماعة الحوثي على المناهج الدراسية ستسهم في تطبيع العنف والصراع لدى الطلاب.
وأوضحت الدراسة الصادر عن المركز تحت عنوان "انتبه! قد يكون ابنك الشهيد التالي" أن التغييرات التي أجرتها جماعة الحوثي على المناهج تظهر رؤية طويلة المدى تغيب عنها آفاق السلام، مشيرة إلى أن هذه التغييرات لها آثار بعيدة المدى على الأطفال.
تسرب الأطفال
أعاقت الحرب في اليمن ما يزيد عن ثمانية مليون طفل للحصول على حقهم في التعليم مما يعرض مستقبل الأجيال للدمار وفقاً لما أعلنته منظمة "اليونيسيف" في فبراير/ شباط الماضي.
وقبلها حذرت الأمم المتحدة من أن نظام التعليم في اليمن على حافة الانهيار جراء تسرب أكثر من مليونين وسبعمائة ألف طفل من المدراس، كما نبهت منظمة "إنقاذ الطفولة" من خطورة ارتفاع معدل تسرب الأطفال من المدراس.
وتفرض جماعة الحوثي رسوماً دراسية على طلاب المدارس الحكومية تقدر بأكثر من 8 آلاف ريال في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية بمناطق الحوثيين نتيجة عدم صرف مرتبات الموظفين.
اقرأ أيضا: تطييف وإقصاء ممنهج.. الحوثيون يواصلون العبث بالجهاز القضائي (تقرير خاص)