الخميس 21/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

جرائم منظمة.. مساعٍ مستمرة لإفشال الجهود الأمنية في تعز (تقرير خاص)

جرائم منظمة.. مساعٍ مستمرة لإفشال الجهود الأمنية في تعز (تقرير خاص)

المجهر-تقرير خاص

في ظل مسيرة التعافي التي تشهدها مدينة تعز وتحسّن صورتها ووضعها الأمني، وكسبها ثقة المواطنين، وصولًا إلى المنظمات الدولية، رغمًا عن الحرب والحصار الخانق، كان هناك من يخطط ويرتب ويتحيّن الفرص لإرباك المشهد، من خلال محاولة فرض جزء جديد من مسلسل الاغتيالات الذي كان قد انتهى في المدينة، بجهود أجهزتها الأمنية.

في 21 يوليو/ تموز الماضي، فجعت تعز باغتيال موظف الغذاء العالمي "مؤيد حميدي" وهو يتناول وجبة الغداء في أحد مطاعم مدينة التربة (جنوبي تعز)، برصاص مسلحين على متن دراجة نارية، فرّوا عقب ارتكابهم الجريمة، لكن الأجهزة الأمنية، وخلال أقل من 24 ساعة، تمكنت من القبض على المنفذ الرئيسي "احمد يوسف الصرّة" ومعه زكريا الشرجبي، ونحو عشرين شخصًا آخرين، مشبوهين بالتورط في هذه جريمة الاغتيال.

هزّت جريمة اغتيال "حميدي" مدينة تعز وكل اليمن، وتفاعلت معها دول ومنظمات دولية والأمم المتحدة، لكن النجاح الأمني في القبض على الجناة كان مذهلًا للجميع، فصُعق من يقفون وراء الجريمة النكراء، لكنهم لم يتوقفوا عند تلك الجريمة، فدفعوا أذرعًا أخرى لاغتيال النقيب "عدنان المحيا"، في 15 أغسطس الجاري في الجحملية في مدينة تعز، وهو عضو لجنة التحقيق في حادثة اغتيال الموظف الأممي، وكان قد تلقى تهديدات من منتمين لتنظيمات إرهابية، طالبوه بالتخلي عن ملف اغتيال" حميدي"، وفق ما ذكرته مصادر أمنية.

مرحلة استثنائية

عقب دحر جماعة الحوثيين إلى أطراف المحافظة، مرت مدينة تعز بمرحلة أمنية استثنائية، من حيث انعدام الأمن وانتشار العناصر الخارجة عن النظام والقانون والمطلوبين أمنيا، وكان هناك استهدافا ممنهجا لعناصر الجيش والمقاومة الشعبية، وقد خسرت تعز الكثير منهم نتيجة لتلك الاغتيالات، وتشكلت اللجنة الأمنية عقب تلك الأحداث المأساوية وجرى مطاردة العناصر الخارجة عن القانون وحصلت مواجهات فيما بين اللجنة الأمنية وتلك العناصر، خصوصًا من المدينة القديم التي كانت تسيطر عليها كتائب أبو العباس التي تحوي العشرات من المطلوبين.

يقول المحامي علي الصراري، لـ (الموقع بوست)، إن مدينة تعز كانت قد استقرت بشكل نسبي نتيجة خروج العناصر الخارجة عن القانون من المدينة، ونتيجة القبض على بعض تلك العناصر واحالتها الى القضاء، واستمر الجانب الأمني في تحسن مستمر حتى نستطيع القول بان الاغتيالات وأعمال القتل أصبحت شبه متوقفة، حتى عادت لتغتال مسؤول الغذاء العالمي مؤيد حميدي في مدينة التربة التابعة لمحافظة تعز، وتلتها واقعة اغتيال الضابط عدنان المحيا في منطقة الجحملية وهو الضابط المحقق في واقعة اغتيال مؤيد حميدي".

ويضيف الصراري بأن "الواقعة لها ارتباط وثيق بنفس العناصر الخارجة عن النظام والقانون".

ويوضح بأن اللجنة الأمنية أصبحت في تحدٍ حقيقي لمكافحة تلك العناصر وبسط الأمن داخل المدينة.

ويشير إلى أن مثل هذه الوقائق تعتبر جزءا لا يتجزأ من الحرب ضد هذه المدينة، والتي تحاصرها جماعة الحوثي منذ أكثر من تسع سنوات، وقد اشتدت المؤامرات عليها من جميع الجهات وفي كل المجالات.

عودة الاغتيالات

يقول الدكتور يحيى العتواني، المستشار الإعلامي لمدير أمن تعز، إن "هناك متربصين بتعز وبأمنها، يريدون تعكير الصفو والأمان الذي تعيشه المحافظة، ولكن بفضل الله، شرطة تعز وأبناء تعز يقظين لوأد مثل هذه الأعمال المخلة بالأمن والمقلقة للسكينة، وسنتصدى لها بكل حزم وبكل قوة، ولن نسمح لأحد أن يعبث بأمن هذه المحافظة".

ويضيف العتواني في حديثه لـ" المجهر" بأن اغتيال موظف الغذاء العالمي مؤيد حميدي والنقيب عدنان المحيا، هدفها التأثير سلبًا، لكن بفضل الله لن تؤثر على تعز ولا على أمن تعز، ولن تكون سببا لأي تأثير سلبي.

ويشير إلى أن عمليتي اغتيال مؤيد حميدي والنقيب عدنان المحيا،  لا تعتبران عودة لظاهرة الاغتيالات لتعز، لافتًا إلى عدم حدوث حالة اغتيال في تعز منذ سنتين تقريبًا.

وكان الهدف من وراء هذه الاغتيالات، بحسب العتواني، إرباك المشهد الذي تنعم به تعز، من أمن وأمان وحرية صحافة وحرية الرأي، وكذلك هدوء غير مسبوق في المحافظة، فأرادوا تعكير صفو المحافظة بهذه الأعمال الإرهابية التي لن تثنينا عن مواصلة العمل الذي بدأناه ونذرنا أنفسنا لخدمة المحافظة وأمنها.

من جانبه، يقول العقيد عبدالباسط البحر ناطق محور تعز، إن حادثتي اغتيال مؤيد حميدي والنقيب المحيا تدق ناقوس الخطر ويجب على الأمن والجيش والسلطة المحلية وكل الأجهزة المعنية، أن يكونوا على أهبة الاستعداد، مع اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة والكافية لمنع حدوث مثل هذه الجرائم السياسية المركبة.
 
ويضيف البحر أن هذه جرائم منظمة وممنهجة لها أهداف سياسية وأجندة معادية تخدم جهات ودول، وتقف خلفها إمكانيات ضخمة من حيث التنفيذ والرصد، وهي عمليات تحتاج إلى أجهزة دول وليس مجرد أجهزة عادية، فهي ليست جرائم فردية أو بسيطة، بل هي من الجرائم المعقدة والمركبة، وهي بحاجة إلى يقظة عالية من أبناء تعز، وخصوصا الأجهزة الأمنية والجهات المعنية،  لأن الأمن مسؤولية الجميع، يجب أن يقف الجميع لإنهاء هذه الجرائم التي بدأت تطل بقرونها من جديد.

تحقيقات جارية

ردًا على سؤالنا عن النتائج التي وصلت إليها الأجهزة الأمنية، أكد المستشار الإعلامي لمدير أمن تعز، أن "هناك اعترافات من قبل المقبوض عليهم بالقيام بهذه العملية الإجرامية النكراء التي حدثت للشهيد مؤيد حميدي، وهناك نتائج طيبة وقريبا إن شاء الله سترون اخبارا سارة". مشيرًا إلى أن" الخلية الإرهابية المقبوض عليها كانت تهدف لتنفيذ أكثر من مخطط لإرباك تعز ولإفشال الأمن الذي تعيشه تعز".

ويضيف الدكتور العتواني: سنكشف في الأيام القادمة كل ما توصلنا إليه بخصوص قضية اغتيال مؤيد حميدي، وقضايا أخرى.

جرائم منظمة

يؤكد مراقبون سياسيون وعسكريون، أن الاغتيالات ليست جرائم فردية، ولا تنفذ بالسهولة، وهذا ما حدث مع موظف الغذاء العالمي والنقيب المحيا، حيث جرى التخطيط لاغتيالهما بعناية، وهناك من رتّب وراقب ونفّذ، وموّل.

من جانبه، يؤكد العقيد عبدالباسط البحر، أن العدو الحوثي هو من يقف وراء جرائم الاغتيالات، فهي المستفيد الأول منها، وهي العدو الأول الذي توجه إليه أصابع الاتهام دائما، فنحن في معركة مع مليشيا الحوثي، وأي جرائم تحدث في المناطق المحررة فهو منها، باعتبارها المستفيد الأول.

ويوضح ناطق محور تعز بأن الحوثي لا ينفّذ هذه الجرائم بنفسه، بل بواسطة أدوات داخلية ومحلية، ومن خلال ضعاف النفوس والطابور الخامس والخلايا النائمة والمتخادمين والمتخابرين معه، وهذا يوجد في كل زمان ومكان، وفي كلّ حرب لا بد من "أبي رغال"، لا بدّ من وجود من يبيع قومه، من يبيع وطنه، فإذا وجد من يدفع فستجد من يبيع، وهذه قاعدة، ومن غير المعقول ألا تجد بين خمسة ملايين مواطن خمسة أو عشرة أشخاص، أو أكثر، بيّاعين، وصحيح أنهم شواذ، لكن ستجد من يبيع نفسه للعدو، ومن يتخادم مع أجندات أجنبية مغرضة لتعز. لافتًا إلى أن التنفيذ من أدوات محلية داخلية، ولها ارتباطات بجهات، قد تكون متطرفة، لأنه يوجد تخادم بين الجماعات المتطرفة الإرهابية وبين المليشيات شمالًا وجنوبًا.

ويشير إلى أن الأدوات الإرهابية التي نفذت تقف خلفها جهات معروفة معادية لتعز، ومعروف أيضا حتى من أين تأتي هذه العناصر، وكيف عادت إلى تعز، ومن ضغط من أجل أن تعود مثل هذه العناصر إلى تعز. (في إشارة إلى عودتها تحت غطاء المصالحة وتوحيد الصف الوطني).
 
ويضيف العقيد البحر "معروف أيضا إلى أين يفرّوا بعد تنفيذ الجرائم، هناك أماكن في جهات تعز الأربع، وتعز الشرعية لها جهات أربع، وكلها تأوي مطلوبين أمنيين ومجرميين حقيقيين وعناصر إرهابية.

في السياق ذاته، قال الدكتور العتواني مستشار مدير أمن تعز، نحن نخوض مع جماعة الحوثي حربًا شعواء منذ ثمان سنوات، وهي لا تنفك إلا بإقلاق السكينة العامة في أي محافظة، وقد جندت الكثير من الخلايا، وتم القبض عليها، ولا ننسى تلك الخلية التي قامت السنة الماضية بتفجير أحد الأطقم في مدينة تعز، وقتلت الكثير وزرعت العبوات الناسفة، فقد كانت ذراع من أذرع الحوثي". لافتًا إلى أن جماعة الحوثي "لن تتوقف عن زرع مثل هذه الخلايا في المناطق المحررة، لكي تربك المشهد العام فيها، ولكن نقول لهم هيهات أن تنالوا من تعز أو من سمعة تعز، أو من أي محافظة محررة تتواجد فيها قوات الشرطة والجيش الوطني والمقاومة والمواطنين المخلصين للوطن".

مدينة التربة

عقب اغتيال موظف الغذاء العالمي، تداول نشطاء أنباء وتوقعات وتحذيرات، مضمونها أن عدد من الخلايا الإرهابية والمطلوبين أمنيًا الذين طاردتهم اللجنة الأمنية من داخل المدينة القديم بتعز، استقرّوا في مدينة التربة.

لكن المستشار الإعلامي لمدير أمن تعز، أكد أن "الخلايا الإرهابية لا تنشط في مدينة التربة ولا في مدينة تعز". مضيفًا أن الحاصل هو أن "جماعة الحوثي تقوم باستخدام الكثير من أياديها وأذرعها، سواء في تعز أو التربة، أو في أي منطقة محررة".

جهود أمنية

وبخصوص الجهود التي تبذلها شرطة تعز للحد من الاغتيالات والجرائم، قال المستشار الإعلامي لمدير الأمن، إن "شرطة تعز تبذل جهودا جبارة وتقوم برصد وتتبع العناصر المطلوبة أمنيا التي تقوم بزعزعة الأمن والاستقرار، وستقبض على أي عنصر له أهداف ضد أمن واستقرار المحافظة، وستضرب بيد من حديد، ولن نتهاون مع أي عنصر، كائنا من كان، خارج عن النظام والقانون".

وأكد أن تعز اليوم تشهد استقرارا أمنيا غير مسبوق، ومنذ سنتين تقريبًا لم تحدث أي عملية اغتيال بفضل الله وبفضل رجال الشرطة وقيادة الشرطة ممثلة بالعميد منصور الأكحلي الذي يبذل كل جهوده في سبيل أمن هذه المحافظة، وكذلك التدريب النوعي الذي تتلقاه شرطة تعز، حيث يقومون بعمليات احترافية وإنجازات غير مسبوقة خلال فترات قصيرة لا تتعدى الساعات، أو اليومين والأسبوع بالكثير.

ولو نظرنا إلى النصف الأول من سنة 2023، لوجدنا أن هناك أنجازات غير مسبوقة لشرطة تعز، تقوم بها خلال فترات بسيطة وبإمكانيات شحيحة، لكن إيمانا من قيادة شرطة تعز وأفرادها صف وضباط الشرطة، تقوم بأداء عملها بحرفية ومعنويات عالية، بحسب العتواني.

إمكانات شحيحة

يدرك الجميع أن الأجهزة الأمنية في تعز تفتقر للإمكانيات اللازمة والكافية، وهي بحاجة للأطقم والآليات والوقود والمصاريف، ومختلف الإمكانيات، مادية وبشرية وتقنية وأجهزة وكاميرات مراقبة وتدريب عناصر على التحريات والأمن المنظور والأمن المخفي، وغيرها من العناصر التي تحتاج إلى توفير وتفعيل.

ووفق العقيد البحر، يجب أن تتوفر لشرطة الأمن والشرطة العسكرية الإمكانيات اللازمة لتوفير المهام الموكلة إليها، ومع ذلك لا أحد يستطيع أن يصل إلى "صفر جريمة"، فلا يوجد صفر جريمة إلا في المقابر ومجتمع الموتى، لكن يمكن تلافي الكثير من الجرائم في حال توفرت الإمكانيات اللازمة.

فيما يؤكد المحامي علي الصراري، أن التحدي في تعز يواجه الجميع، سواء المواطنين أو الجهات الأمنية والقضائية، والمطلوب هو تعاون الجميع وليس التهاون مع من يقلق أمن وسكينة مدينة تعز، ويجب على الجهات المختصة الضرب بيد من حديد حتى لا يبقى من تسوّل له نفسه العبث بأمن أبناء مدينة تعز.

غياب القضاء

يؤكد مراقبون عسكريون على ضرورة أن تتفهم السلطة المحلية والمجلس الرئاسي والقضاء الأعلى، الظروف التي تمر بها تعز، كونها في حالة حرب مفتوحة من جميع الجهات، وذلك من خلال تشكيل القضاء التخصصي، للبت في القضايا، وتنفيذ الأحكام.

ويقصد بالقضاء التخصصي، النيابات الجزائية المتخصصة بأمن الدولة والمحاكم المتخصصة ونيابة الصحافة والنشر والمطبوعات، والنيابة العسكرية والمحكمة العسكرية.

وبهذا الخصوص، قال العقيد عبدالباسط البحر، "تعز تتبع المنطقة الرابعة في عدن فيما يخص القضاء التخصصي، ومحور تعز محور كبير ويخوض معركة كبيرة، وبالتالي نحن بحاجة إلى القضاء المتخصص بدلا من الارتباط بعدن، لأنه سيكون عامل ردع إذا نُفذت الأحكام، من خلال سرعة البتّ بالقضايا في مثل هذه الحوادث". مشيرًا إلى أن "التمادي في الحوادث سببه عدم وجود الردع، فتضيع الملفات ولا توجد المتابعة ولا تصدر الأحكام ولا يوجد تنفيذ".
 
وأشار إلى أن الجميع لاحظ كيف كان هناك تغطية إعلامية مساندة للجريمة، رافقها ومهّد لها، ثم حرض المجتمع على اللجنة الأمنية والحملة الأمنية، بما يشبه الإرهاب الإعلامي، إن جاز التعبير.

اقرأ أيضا: حقوق مسلوبة وقمع مستمر للمعلمين في مناطق سيطرة الحوثيين (تقرير خاص)