السبت 23/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

بعد استغلالها لسنوات.. مساعٍ حوثية لإنهاء الشراكة الصورية مع مؤتمر صنعاء (تقرير خاص)

بعد استغلالها لسنوات.. مساعٍ حوثية لإنهاء الشراكة الصورية مع مؤتمر صنعاء (تقرير خاص)

المجهر- تقرير خاص

مع تصاعد التوتر بين جماعة الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام الموالي للجماعة أو ما يطلق عليه جناح "مؤتمر صنعاء" بدأ الحديث عن مساعٍ حوثية لتغيير شكل نظام الحكم في مناطق سيطرة الجماعة، ليبدو أقرب ما يكون إلى النظام المعمول به في إيران، بحيث تكون السلطة ذات قطبٍ وحيد يلغى بموجبه أي شراكات مع المكونات السياسية الأخرى ولو كانت "صوريّة!".

مطلع سبتمبر/أيلول الجاري أقدمت جماعة الحوثيين على خطوات تصعيدية ضد مؤتمر صنعاء وبدأ الخلاف بينهما يظهر للعلن، على خلفية تصريحات أطلقها رئيس المؤتمر الموالي للجماعة صادق أبو راس طالب فيها بصرف المرتبات وتنظيم الموارد والإيرادات، وهو الأمر الذي اعتبرته الأخيرة اتهامات لها بالفساد، كونها غير قادرة على الوفاء بأي التزامات للموظفين في مناطق سيطرتها بذريعة استمرار الحرب أو ما تطلق عليه "العدوان".

صراع داخلي

يرى رئيس مركز أبعاد للراسات عبدالسلام محمد بأن الذي يحدث في صنعاء يأتي من كون جماعة الحوثيين بدأت في البحث عن جبهة خارجية أو صراع داخلي لتمرير قراراتها أو أجندتها، واستخدام شماعة ما يطلقون عليه بـ "العدوان" للتملص من مسؤولياتهم كصرف المرتبات وغيرها.

ويضيف محمد بأن تصاعد السخط الشعبي في مناطق سيطرة الجماعة جعلها تبحث عن مبررات، وبدأت تلصق تهم الخيانة ببعض شركائها، والجماعة كانت قد بدأت تتهيأ لتفجير الوضع العسكري خارجيا لغرض الحفاظ على تماسك جبهتها الداخلية التي تتآكل يومًا بعد آخر.

ويؤكد رئيس مركز أبعاد للدراسات بأن ضغوطات المجتمع الدولي على الحوثيين تجعل من الصعب المجازفة بتفجير أي صراع خارجي لأن ذلك سيكون ثمنه كبير خصوصًا مع تحسن العلاقات السعودية-الإيرانية، الأمر الذي يدفعهم إلى تحويل المعركة إلى ما يسمونه "تنظيف الداخل".

ويشير عبدالسلام محمد أن جماعة الحوثيين من خلال صراعها مع مؤتمر صنعاء لا تنوي بضربه ضربة قاضية، وإنما تسعى لتبرر من خلاله سلوك موقفها من مطالب اليمنيين في مناطق سيطرة الجماعة، وقد يصل بهم الحد إلى تأميم ممتلكات مؤتمر صنعاء بشكل عام على اعتبار أن هذه الممتلكات تعود للدولة.

شراكة صورية

دخل حزب المؤتمر الشعبي العام في تحالف وثيق مع الحوثيين قبل انقلابهم في 2014 لكن ما لبث أن اندلع بينهم صراع على النفوذ والسلطة في ديسمبر/ كانون أول 2017 أفضى إلى مقتل زعيم الحزب والرئيس الأسبق على عبدالله صالح، وعلى إثر ذلك استأثرت الجماعة بالسلطة ومنحت ما تبقى من الموالين لها دورًا هامشيًا.

كما استأثرت جماعة الحوثيين بمنصب رئيس المجلس السياسي الأعلى الذي يعد بمثابة رئاسة الجمهورية، ومن المؤتمر الشعبي العام من الوصول إليه رغم نص الاتفاق الذي يقضي على تبادله بين الطرفين كل ستة أشهر، حيث احتفظت به الجماعة منذ العام 2016، فيما شغل زعيم مؤتمر صنعاء صادق أبو رأس منصب نائب رئيس المجلس.

ويعتقد الصحفي والكاتب سلمان المقرمي أن تنامي الاحتجاجات والغضب الشعبي منذ انتهاء الهدنة في أكتوبر الماضي، وعرقلة الحوثيين لصرف المرتبات، واشتراطه صرف المرتبات لعناصره أولا أدى إلى فشل تمديد الهدنة، مع استمرار عناصرها.

ويضيف المقرمي في تصريح خاص لـ"المجهر" أن تشكيل كيانات نقابية جديدة للمطالبة بصرف المرتبات في مناطق سيطرة الجماعة، أدى إلى ارتفاع صوت المعلمين وكسر حاجز الخوف لدى السكان في تلك المناطق، ومن الطبيعي أن يحصلوا على تأييد من أي طرف سياسي.

ويشير المقرمي إلى أن جماعة الحوثيين رأت في تأييد مؤتمر صنعاء لمطالب صرف المرتبات فرصة للتخلص منه، والاستعداد لجولة جديدة من الصراع، بعد شراكة صورية منذ 2014، كانت الجماعة ترى فيها أن المؤتمر صار عبئًا ثقيلا عليه، ولم تعد تحتاج إليه مع آمالها بالتوصل إلى اتفاق مع السعودية.

إقصاء متعمد

تعرض مؤتمر صنعاء لعمليات تهميش متواصل له ولكوادره في مؤسسات الدولة، كما أدى إنشاء مؤسسات موازية من قبل جماعة الحوثيين وتمسك الجماعة بمنصب رئيس المجلس السياسي الأعلى إلى تهديد خطير لوحدة المؤتمر، الأمر الذي دفع رئيسه "أبو راس" للضغط من أجل المطالبة بتدوير منصب رئاسة المجلس، بعد تصاعد الغضب الشعبي من انقسام الحزب، واستهدافه شخصيًا من قبل أنصاره بتهمة الجبن والتواطؤ مع الجماعة.

وأفادت مصادر دبلوماسية لـ"المجهر" بأن المؤتمر الشعبي العام في صنعاء لم يعد له ممثل في وفد التفاوض الذي كان يشكل نصفه، وأن بقاء تمثيل جلال الرويشان في الوفد صوري، حيث أنه لا يقيم في مسقط رفقة أعضاء وفد الجماعة، ويتم استبعاده من اللقاء مع الوفدين السعودي والعماني ومن اللقاء مع الوفود الدولية أيضًا.

ويتزامن تهميش مؤتمر صنعاء من قبل جماعة الحوثيين في المفاوضات، مع تهميشه في مؤسسات السلطة، خشية أن يكون له دور سياسي في حال نجحت المفاوضات وتم فرض السلام، كونه سيكون شريكًا في حصة صنعاء، وهذا يهدد الاستحواذ الحوثي على كل شيء.

وبحسب المصادر فإن المؤتمر يخشى جديًا من تسوية قادمة تقوم على تصفيته وإنهائه بموجب المفاوضات بين الحوثيين والسعودية، خصوصًا وأنه لا يعلم شيئًا عن طبيعة سير تلك المفاوضات وما يدور فيها.

اتهامات متبادلة

ردًا على تصريحات أدلى بها صادق أبو راس رئيس مؤتمر صنعاء شنت جماعة الحوثيين حملة إعلامية شرسة على قيادات الحزب واتهمتهم بالخيانة، ووصل الأمر حد وصف رئيس المجلس السياسي الأعلى في الجماعة مهدي المشاط لأبو راس بالمهرطق والمنظر والعميل للإمارات والولايات المتحدة.

ونعت المشاط رئيس مؤتمر صنعاء بصفات الحمق والغباء، واصفًا إياه في خطاب تلاه أثناء زيارته لمحافظة عمران بأنه يسعى إلى التحريض عليه والاستقطاب وكأن الحرب قد انتهت، كما اتهم أعضاء المؤتمر في مجلس النواب بالخونة والجواسيس.

وكان صادق أبو رأس قد أدلى بتصريحات جريئة منذ سنوات خلال احتفالية بذكرى تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام، حيث أيد المطالب الشعبية بانتزاع المرتبات، وعرض الإيرادات والنفقات، واصفًا الحوثيين بأنهم يحكمون من البدرومات السرية.

ويعتقد الصحفي عبدالسلام القيسي في تصريح خاص لـ"المجهر" بأن ردة فعل الحوثيين على خطاب أبو رأس كانت "سيئة" لافتًا إلى أن ذلك تمهيد لإقصاء المؤتمر أكثر باعتبارهم مرتزقة وعملاء، حيث تشعر الجماعة أن مؤتمر صنعاء هو المهدد الحقيقي لوجودها السياسي، حد وصفه.

ويستغرب القيسي من وصف المشاط لأبو رأس بـ«الأحمق» قائلا "لم يحدث أن رئيسًا وصف رئيس حزب آخر بأحمق، لمعرفتنا بأن الرئيس يفترض أنه رئيسًا لكل الأحزاب، لكنه يرى فيه عدو، وهنا تظهر عنصرية الحوثي ضد الحزب الذي منحهم ولو قليلا من العملية السياسية أمام خصومهم".

تغيير وشيك

أفادت مصادر مطلعة لـ"المجهر" بأن جماعة الحوثيين تسعى إلى إحداث تغيير جذري في شكل الحكم يتضمن إلغاء منصب رئيس الوزراء الذي يشغله القيادي في مؤتمر صنعاء عبدالعزير بن حبتور، ونقل صلاحياته إلى المجلس السياسي الأعلى التابع للجماعة والذي يرأسه مهدي المشاط، والذي كان مديرًا لمكتب زعيم الجماعة قبل الدفع به إلى هذا المنصب.

وأضافت المصادر أن اللجنة التي تتولى دراسة هذا الإجراء تواجه صعوبة في التعامل معه، كون تغيير نظام الحكم يتطلب تعديلا دستوريا، ولأن الدستور اليمني يحدد السلطات الثلاث ويحدد مواقع السلطة التنفيذية ابتداءً من برئيس الدولة ثم رئيس الحكومة بالترتيب، لافتًا إلى أن أي تغيير في مواد الدستور يتطلب أغلبية برلمانية ومن ثم استفتاء على التعديل، هذا ما لا تمتلكه الجماعة.
 
ورجحت المصادر أن يتم إقرار التعديل الجديد من خلال إصدار لائحة بدلا عن تعديل الدستور، بهدف شرعنة الكيانات الموازية التي أسستها الجماعة لإدارة مناطق سيطرتها، ومنحت تلك الكيانات التابعة لها سلطة المؤسسات الحكومية.

وأكدت المصادر أن استدعاء زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي لرئيس المجلس السياسي مهدي المشاط إلى مخبئة في محافظة صعدة (المعقل الرئيس للجماعة) له علاقة بموضوع التغيير المقترح.

مصادرة الممتلكات

بعد حملة من التراشقات الإعلامية، أمرت جماعة الحوثيين بحصر أملاك ومباني مؤتمر صنعاء التي استولت عليها الجماعة عقب انقلابها في 2014 تمهيدًا لبيعها، بهدف مواجهة إضراب المعلمين والمعلمات الذي يدخل شهره الثالث على التوالي، وأدى إلى توقف العملية التعليمية في معظم المدارس الحكومية.

وهدد القيادي البارز في جماعة الحوثيين محمد علي الحوثي ابن عم زعيم الجماعة وعضو مجلسها السياسي في تدوينة نشرها حسابه على منصة إكس (تويتر سابقا)  بمصادرة مقرات المؤتمر الشعبي العام وعقارات ومنازل المناوئين لجماعته على خلفية المطالبة برواتب الموظفين المتوقفة منذ ثماني سنوات.

وقال محمد علي الحوثي "ما لم يكن هناك مانع شرعيا أو قانونيا نوجه الأخوة في وزارة المالية ومكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والنائب العام ببيع أي مقرات مؤجرة لأنصار الله من ممتلكات النظام السابق"، في إشارة لمقرات حزب المؤتمر وممتلكاته في مناطق سيطرة الجماعة.

وأوضح الحوثي بأن يتم مصادرة تلك الممتلكات "إذا تأكدت الجهات أنها ليست من أموال ورثها المسؤول عن أبيه أو أمه"، وهو الأمر الذي اعتبرته قيادات في مؤتمر صنعاء «تصعيد خطير ينذر بتكرار سيناريو الانقلاب في 2014 وتصفية زعيم الحزب والرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح في 4 ديسمبر/ أيلول 2017".

من جهته، أيد الشيخ الموالي للحوثيين أمين عاطف والذي نصبته الجماعة شيخا لمشائخ حاشد (إحدى أكبر القبائل اليمنية) مساعي الجماعة في الاستيلاء على ممتلكات مؤتمر صنعاء واعتبرها "خطوة موفقة لتطهير الوطن من أخطر الخلايا السرطانية كونها أموال مختلسة من قوت الشعب وأملاك الشعب يجب أن تعود للشعب" حد وصفه.

تنديد حكومي

وإزاء توجه جماعة الحوثيين لبيع أملاك حزب لمؤتمر الشعبي، ندّدت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، بهذا الإجراء ووصفت ما يحدث بـ«حملات الإرهاب والإسفاف» ضد قيادات الحزب، لمجرد إعلان موقفهم المؤيد مطالب موظفي الدولة بصرف رواتبهم المنهوبة منذ تسعة أعوام.

وقال وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة معمر الإرياني "إن التهديدات التي تطلقها ميليشيا الحوثي، بنهب مقرات المؤتمر الشعبي العام ومنازل وممتلكات قياداته، واستهداف حياتهم، وتذكيرهم بمصير الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، يكشف حقيقتها كجماعة إرهابية لا تؤمن بالتعايش والشراكة مع أي فصيل، ولا تقبل الرأي الآخر، وتنتهج العنف وسيلة لفرض أفكارها".

وأضاف الوزير الإرياني إن هذه الحملات، تكشف حالة الهلع والهستيريا التي تعيشها جماعة الحوثيين جراء حالة الغليان الشعبي في مناطق سيطرتها، وارتفاع الأصوات المطالبة بالكشف عن مصير مئات المليارات من إيرادات الدولة، وتخصيصها لصرف المرتبات، ووقف سياسات الإفقار والتجويع الممنهج بحق المواطنين، حد قوله.

واستغرب وزير الإعلام اليمني، من صمت المجتمع الدولي والأمم المتحدة، ومبعوثها الخاص لليمن إزاء هذه الحملات المسعورة التي تستهدف ما بقي من شخصيات سياسية في العاصمة المختطفة صنعاء»، داعيًا إلى "توفير الحماية لهم، والتضامن معهم".

اقرأ أيضا: استهداف ممنهج.. جماعة الحوثي تصعد حربها ضد التيار السلفي في اليمن (تقرير خاص)