الثلاثاء 03/ديسمبر/2024
عاجلعاجل

احتفالات سبتمبر.. الوعي الجمهوري يُفشل مشروع الإماميين الجدد (تقرير خاص)

احتفالات سبتمبر.. الوعي الجمهوري يُفشل مشروع الإماميين الجدد (تقرير خاص)

المجهر- تقرير خاص

بالرغم من حالة القمع والاعتقال الذي شنته جماعة الحوثي، بحق مئات اليمنيين في صنعاء، إلا أنهم فضلوا الخروج احتفاءً بذكرى 61 لثورة 26 سبتمبر، التي أطاحت بحكم الأئمة الزيدية في ستينيات القرن الماضي.

وبقدر ما شهدت التظاهرات العفوية، إطلاق نار واعتداء بأعقاب البنادق ونزع الأعلام من على سياراتهم وأكتافهم، وحملات واسعة من الاعتقالات، لاقت تلك الاحتفالات مشاركة واسعة للنساء والأطفال والشباب.

وتعرضت المسيرات لاعتداءات من مسلحين حوثيين، قبل أن يحمل كثير من المدنيين الحجارة، ويقذفون بها عناصر الجماعة، وحدوث اشتباكات أدت إلى سقوط جرحى، خصوصًا في جولة ريماس، جنوب العاصمة صنعاء في محاولة لمنع المتظاهرين التوجه إلى ميدان السبعين.

إلى ذلك، خرجت الحشود في العديد من المدن اليمنية، أبرزها صنعاء وإب والحديدة، حيث توزعت في المدن والقرى للاحتفال بثورة سبتمبر، رافعين الأعلام الوطنية وأصوات الأغاني الثورية، مرددين شعارات سبتمبر، واحياء لروح الجمهورية، الأمر الذي دفع جماعة الحوثي لقمع هذه الحشود، وفرض قيود من أجل كبح هذا الخروج الذي زعزع الجماعة.

وفي وقت سابق، كانت جماعة الحوثي قد استفزت المواطنين بتدنيس العلم الوطني وتكرار عملية إسقاط وتمزيق العلم الجمهوري، ما دفع الناس للاحتشاد في عدد من الشوارع يهتفون للجمهورية بيوم السادس والعشرون الذي أجتث الأمامة رغم الإجراءات الأمنية، التي اتخذتها جماعة الحوثي.

غضب شعبي

يرى سياسيون أن مشاعر الاحتفاء بذكرى الثورة التي يدين لها اليمنيون بالخلاص من الحكم الإمامي، قد تحولت إلى ثورة عفوية، وغضب شعبي واسع، خاصة بعد تحولها إلى تظاهرات في مختلف المحافظات التي يسيطر عليها الحوثي.

وفي تلك الليلة، شهدت صنعاء احتفالات مؤيدة للجمهورية ورافضة لاعتداءات الجماعة بحق المحتفلين، إضافة إلى تظاهرات أخرى شهدتها محافظة إب التي استبقتها الجماعة بإغلاق المركز الثقافي، ليتحول الاحتفاء إلى الشوارع والميادين العامة بشكل أوسع رغم القيود الحوثية ومحاولات المنع.

يقول الصحفي سلمان المقرمي لـ "المجهر"، إن الخروج العفوي، هو انتفاضة شعبية عارمة ضد الحوثي والإمامة وإيران، دفاعًا عن الجمهورية والمستقبل، وأن هذه الثورة تعد امتدادًا لخروج الشعب في 2011، ومواصلة النضال لنفس الأهداف والقناعات.

ويضيف المقرمي: "أهم من خرج هم الفئة الأصغر سنًا، من كان يظن الحوثي، أنهم أصبحوا حوثيين بعد سنوات من  التعبئة في المراكز الصيفية الحوثية، والمساجد والمدارس؛ لكنه تفاجأ بحجم الخروج، وعرف أن الجيل الأصغر الذي عاش وولد في كنف الحرب، أو قبلها بقليل هو الأكثر إيمانًا بالجمهورية، ولا يمكن قمعه حتى بالأسلحة والخطف".

من جهته، يعتقد الكاتب عبد السلام القيسي، أن الحوثي نسي بأن إرادة الشعوب أعمق من أن ترى، وأن ثمة بديهيات لا يمكنهم التنازل عنها وحقائق كبيرة أكبر من الحوثي بألف عهد ولذا تراجع الحوثي ولم يعد يحتاج السلام، هو بحاجة سنوات حرب تتيح اكمال قولبة وعي الناس، لقد فشلوا فشلهم الذريع وسيفشلون وأن هناك  أحرار أفشلوا خططه بيوم الثورة.

ويقول القيسي في تصريح خاص لـ "المجهر": "جماعة الحوثي، تنوي الإعلان عن التغيير الجذري بوجه شعب ميت وجدانياً كما هي تعتقد، وبمناسبة المولد في تأريخ ٢٦ سبتمبر كإهانة للجمهورية وإعلان موتها بذكراها العظيمة، وفجأة وجدت الناس قبالتهِ ينكرون عليها كل شيء وأن خروج الجماهير العفوية رافعة العلم الجمهوري منتمية لثورة ٢٦ سبتمبر تفأجات الجماعة بسقوط كل شيء من يدها".

يأتي هذا الخروج بمناسبة احتفالات الثورة بهذه القوة في كل من صنعاء وإب والحديدة بالدرجة الأولى واحتفالات أقل جماهيرية في ذمار ومحافظات أخرى، يؤكد حقيقة قدرة الشعب على الخروج، وأنه قاب قوسين أو أدنى من الإطاحة بالإمامة الحوثية، وأن الشعب سيقف ضد الفكر الامامي.

قمع الحشود

نشرت جماعة الحوثي عشرات الأطقم والمركبات العسكرية في مداخل الأحياء، والشوارع لكبح الحشود العارمة التي خرجت للاحتفال بعيد الثورة، وانتشرت عناصر حوثية في الشوارع وقيدت حركة السير لمنع تدفق الحشود لأهم الشوارع التي تجمع فيها الناس للاحتفال.

وتعمد الجماعة، نشر تعميم على عناصر تابعين لها لاختراق تلك الحشود، والدخول فيها من أجل تغيير مسار هذا الخروج، ورفع شعارات تابعة للجماعة لكن هذه الخطوة قوبلت بردة فعل كبيرة من الناس، أفشلت مخطط الجماعة لحرف مسار الهتافات ونتج عنها اشتباكات بين المتظاهرين خلفت إصابات بين المحتفلين بذكرى الثورة.

وفي هذا السياق، يوضح الصحفي المقرمي، أن الإجراءات المشددة التي اتخذها الحوثي في عملية احتفاءه وإغلاق الشوارع والأحياء، ووضع قيود وضوابط لحركة السير والتحركات هي سلوك أصيل في جماعة الحوثي نابع من عقيدتها الشيعية وتنظيمها الإيراني وهو سلوك كل نظام مستبد يرى هزيمته وسقوطه قريبا جدًا.

إلى جانب ذلك، وصفت منظمة العفو الدولية، قمع جماعة الحوثي للمشاركين في الاحتفال بأنه عمل وحشي واستعراض للقوة يدل على استخفافها الصارخ بالحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، كما يوضح المدى الذي تذهب إليه من أجل خنق حرية التعبير في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها مطالبة جماعة الحوثي، بسرعة الأفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المتظاهرين بذكرى ثورة سبتمبر.

وقالت غراتسيا كاريتشيا نائبة المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة إنه من المشين أن يجد المتظاهرون الذين يحتفلون بلحظة تاريخية وطنية أنفسهم يتعرضون للهجوم والاعتقال ويواجهون اتهامات لمجرد أنهم كانوا يلوحون بالأعلام الوطنية لبلادهم.

وكانت جماعة الحوثي قد اختطفت أكثر من 1000 شخص بالعاصمة صنعاء بسبب مشاركتهم بالاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر ولفقت لهم تهم كيدية بالبحث الجنائي رافضة الافراج عنهم إلا بضمانات تجارية فيما ما يزال المئات من الشباب معتقلين بسبب عدم الحصول على ضمانات من أجل الخروج.

دلالات الانتفاضة

يرى المقرمي أن الخروج للاحتفال بذكرى ثورة سبتمبر، حدث مفصلي، وملفت علاوة على الإحتفاء المعبأ سنويا رسميا وشعبيا فقد جاء هذا العام بانتفاضة متزامنة وهذا ما يجعل الذكرى مختلفة، بعد تغييب قسري دام لما يقارب العقد في العاصمة صنعاء وذلك منذ سطو الحوثية عليها في 21 سبتمبر 2014.

ويؤكد أن هذا الخروج صراع بين هويتين هوية الشعب والهوية الإيمانية الفيزيقية الحوثية؛ ومواجهة إرادتان إرادة الشعب والإرادة الحوثية، والتي تسقط وتختزل وتسف معنى الهوية ومفهوم الإرادة الشعبية، مشيرًا إلى أن دينامية الشعب، وهويته متحركة حية ونشطة وإيجابية وثورية وهي ثابت سياسيًا واجتماعيًا ووطنيًا بينما الحوثية وهويتها الإيمانية وشعبها المختزل ميت منسلخ من الذات منشطر بين اللاوعي والأنا المنقوصة.

ويلفت إلى أن لهذه الانتفاضة، بعدها الصاخب، فقد رامت في استعادة التوازن المجتمعي والشعبي الذي دمرته جماعة الحوثي، واعتمرته لمواجهة الشعب نفسه لمناوأة هويته ونقض مبادئه وقيمه واجتثاث ثوابته، خاصة أنها جاءت هذه  الانتفاضة واعية بذاتها تحد بإصرار وغضب إزاء امبراطورية الخوف التي استزرعتها واسترعتها الجماعة وتنظيمها الإمامي.

اقرأ أيضا: إقصاء الصحفيين.. كيف دمَّر الحوثيون وكالة “سبأ” في صنعاء؟