الاثنين 16/سبتمبر/2024
عاجلعاجل

كهرباء تعز.. خدمة حكومية غيّبتها الحرب والمحطات التجارية (تقرير خاص)

كهرباء تعز.. خدمة حكومية غيّبتها الحرب والمحطات التجارية (تقرير خاص)

المجهر- إيناس الحميري

مع اجتياح جماعة الحوثيين لمحافظة تعز (جنوبي غرب البلاد) في مارس/ آذار 2015م تسببت الحرب الحوثية بانهيار منظومة الخدمات الحكومية بما فيها خدمتي الكهرباء والمياه، الأمر الذي فاقم من معاناة السكان بفعل استمرار الحصار التي تفرضه الجماعة الانقلابية على المدينة منذ أكثر من ثماني سنوات.

وعلى مدى سنوات، أضرت الحرب بالكهرباء الحكومية كثيرا، كما تعرضت للنهب وتلفت بعض المولدات والشبكات الداخلية، وغرقت المدينة المحاصرة في ظلام دامس، وبات خيار الحصول على خدمة الكهرباء الخاصة (التجارية) لمن استطاع إليه سبيلا، وارتفاع مقابل ثمن الكيلو وات إلى أكثر من ألف ريال، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة يعيشها السكان.

توقف تام

يوضح المهندس عبدالكريم البركاني مدير مؤسسة الكهرباء بتعز أن خدمة الكهرباء الحكومية توقفت بشكل تام إثر اندلاع الحرب، وخرجت بشكل كامل عن الخدمة.

ويضيف المهندس البركاني "الكهرباء كانت تصل لتعز من المحطات المركزية في المخاء وراس كتنيب ومأرب وكانت تصل الى محطة التحويل الرئيسيه بمنطقة الحوجله ومنها تخرج الكهرباء إلى مدينة تعز وبعض المديريات المجاورة للمدينة".

من جهته، يتحدث الناشط المجتمعي فهد المخلافي الأرحبي لـ"المجهر" قائلا: توقفت محطة عصيفرة في شهر مارس من عام 2015 وذلك لتفادي وصول القصف لها وإمكانية حدوث كوارث بفعل ذلك".

ويؤكد الأرحبي أن "توقف المحطة أدى إلى تضرر المولدات في محطة عصيفرة حيث أنه كان يوجد 19 مولد وكل مولد يبلغ طاقته 100 ميجا وات تعرض بعضهم للتلف بسبب الاهمال وتم نهب وسرقة البعض الآخر".

إهمال حكومي

يعتقد المهندس البركاني أن وجود محطة وحيدة (عصيفرة) داخل مدينة تعز يفاقم من صعوبة عودة الكهرباء كون المحطة تضررت بشكل كبير بفعل الحرب كما انهارت معظم البنى التحتية لمؤسسة الكهرباء.

ويوضح المهندس البركاني في تصريح خاص لـ" المجهر" أن المؤسسة العامة للكهرباء في تعز قامت بإعداد دراسة لاحتياج محطة عصيفرة لإصلاحها وتأهيلها وإعادة تشغيلها حسب القدرة المتاحة فيها التي لاتتجاوز عن 10 ميجا في أحسن الأحوال".

ويشير المهندس البركاني إلى أن الشبكة بحاجة إلى إصلاح وكذلك مكوناتها من محولات وأعمدة وخطوط وتوابعها ومواد أخرى لنقل الكهرباء من المحطة إلى أحياء مدينة تعز.

ونوّه إلى ضرورة إصلاح المبنى الرئيسي للكهرباء وشراء مكاتب وكمبيوترات وأجهزة أخرى وسيارات عمل وعدة عمل واعتماد موازنة تشغيلية للبدء في الإصلاح وتوفير الكهرباء.

وبخصوص عودة الكهرباء الحكومية، يؤكد مدير فرع المؤسسة في تعز بأن هذا الأمر بسيط جدًا ومتى ما توفرت جميع المواد والامكانيات المطلوبة قد يستغرق التنفيذ والإصلاح بين 3 الى 6 أشهر بالكثير، حد وصفه.

ويضيف "حسب دراسات المؤسسة التي رفعت إلى وزارة الكهرباء ورئاسة الوزراء والتي تنص على أن العائق والمانع وراء عدم عودة الكهرباء هو عدم توفير قطع الغيار والأدوات والإمكانيات المطلوبة لإعاده التشغيل".

ويعتبر المهندس البركاني أن الجهة المسؤولة عن عودة الكهرباء هي الحكومة معللا ذلك بأن تكاليف إعادة إصلاح وتشغيل الكهرباء كبيرة على قدرة السلطة المحلية ولا يستطيع توفير المطلوب إلا الحكومة.

ويختتم حديثه " للأسف خاطبنا الجهات المعنية أكثر من مرة لكن لم نجد أي استجابة لطلباتنا حتى الآن".

حلول مؤقتة

غياب خدمة الكهرباء الحكومية فاقم من معاناة السكان، حيث اتجهت الأنظار للبحث عن بدائل مؤقتة لهذه المشكلة، ولجأ المواطنون إلى استخدام منظومات الطاقة الشمسية، والتي غزت الأسواق بشكل مكثف ابتداءً من العام 2016.

وتلى ذلك، ظهور الكهرباء التجارية كبديل آخر، حيث نجحت المحطات التجارية في توصيل التيار الكهربائي إلى أماكن عدة داخل حواري تعز ولكن بأسعار باهضة الثمن، حيث بلغ سعر الاشتراك في الخدمة آنذاك مايقارب 30 ألف.

وأدى غياب المنافسة، إلى احتكار مُلاك محطات الكهرباء التجارية للسوق، وتقسيم المدينة إلى مربعات خاصة، الأمر الذي مهّد لحدوث استغلال بشع نتج عنه ارتفاع سعر الكيلو وات إلى أكثر من ألف ريال، بالإضافة إلى رسوم اشتراك يتم فرضها إلى فاتورة الاستهلاك بشكل غير قانوني.

يتحدث حمدي الهلالي وهو طالب في جامعة تعز عن معاناته مع الكهرباء التجاري قائلا "أبحث عن سكن يستضيفني وأستطيع أن أذاكر فيه وأشحن هاتفي ولابتوبي بعد أن فصلوا عن سكني الكهرباء".

ويضيف الهلالي في تصريح لـ«المجهر»: "نحن مجموعة طلاب نضطر إلى دفع أكثر من خمسين ألف ريال شهريا مقابل الاشتراك بخدمة الكهرباء التجارية وهذا يفاقم من معاناتنا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة".

ويوضح "من المجحف أن ندفع مبلغا كبيرا من المال شهريًا مقابل تشغيل مصباح واحد وشحن أجهزتنا داخل غرفة نتخذها كسكن طلابي!".

ويؤكد الهلالي أن التأخير في عودة الكهرباء العامة يشجع مُلاك المحطات التجارية على استغلال الوضع ورفع الأسعار دون أي ضوابط قانونية، واستمرارها لفترة أطول قد ينقلها من كونها حل مؤقت إلى بديل رسمي لا يتمكن معظم المواطنين من الحصول عليه.

فساد إداري

يرى مصدر في ديوان محافظة تعز أن الفساد الذي يعصف بالأجهزة الإدارية في السلطة المحلية، يقف عائقًا في وجه عودة خدمة الكهرباء الحكومية كون المحطات التجارية تدر أموالا طائلة، يصل جزء منها إلى مسؤولين (لم يُسمهم).

ويؤكد المصدر الذي فضّل عدم ذكر اسمه، في تصريح لـ"المجهر" أن أولئك المسؤولين يريدون الإبقاء على الكهرباء التجارية حفاظًا على مصالحهم، غير آبهين بمعاناة المواطن الذي بات يفتقد أساسيات الحياة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، حد وصفه.

من جهته، يفسر البركاني تأجير المولدات الحكومية والشبكة العمومي للشركات الخاصة بأن نتيجة لانقطاع الكهرباء على كامل محافظة تعز قام بعض ملاك المولدات التجارية باستئجار شبكة الضغط المنخفض التابع للمؤسسة لتوصيل وبيع الكهرباء للمواطنين.

ويضيف مدير المؤسسة العامة للكهربا في تعز "لكن للاسف نتيجة لعدم وجود لائحة تنفيذية تنظم العلاقة بين المؤسسة والمحطات التجارية تم عمل عقود مع هذه المحطات لاستئجار الشبكة فقط ولم تحدد أي بنود أخرى تسمح للمؤسسة بالإشراف على عمل هذه المحطات أو أي تدخل وكان هذا أمر واقع لذلك بقت الأمور على ماهي عليه حتى الآن".

ويشير إلى أن العائق أمام عودة الكهرباء الحكومية هو الفساد داخل مدينة تعز والنافذين المستفيدين من غياب الكهرباء العامة، ومحطات الكهرباء التجارية التي يتم استغلالها لرفع سعر التكلفة، حد قوله.

كما يؤكد البركاني أن ارتفاع سعر الكيلو وات إلى ألف ريال يعود إلى عدم وجود رقابة من الدولة وهنا يعتبر المواطن هو المتضرر الوحيد.

ضغط شعبي

نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في محافظة تعز أطقلوا منذ أسبوعين حملة واسعة للمطالبة بعودة الكهرباء الحكومية، تحت وسم (تعز طافي) ولاقت تفاعل وانتشار واسعين.

وتمكنت الحملة وفق أحد الفاعلين فيها الناشط المجتمعي نائف الوافي "إيصال معاناة المواطنين إلى السلطة المحلية وقاموا بعمل اجتماع بحضور وكيل أول محافظة تعز عبدالقوي المخلافي وعدد من الناشطين والإعلاميين المهتمين بملف كهرباء تعز يناقشون فيه وضع الكهرباء الحكومية".

وفي اللقاء الذي حضره مدير عام مؤسسة الكهرباء بالمحافظة وعدد من ممثلي الكهرباء التجارية ، رحب وكيل أول المحافظة بالحاضرين والناشطين والمهتمين في القضايا العامة والمتابعين لملف الكهرباء والذي اعتبره من الملفات الهامة ذات الأولوية، مشيدًا بهذا التفاعل الكبير في مثل هذه القضايا والخدمات التي تهم المصلحة العامة التي تخفف من معاناة المواطنين في ظل الأوضاع الراهنة.

وأكد المخلافي اهتمام السلطة المحلية بتوفير الخدمات العامة وفقا للإمكانات المتاحة ضمن خطة ومتابعة المشاريع المعتمدة للمحافظة والتي تلامس حياة المواطنين ومتابعة ملف الكهرباء وعودتها إلى المحافظة لدى الحكومة والجهات المعنية تنفيذًا لتوجيهات الرئاسي بعودة الكهرباء إلى تعز ومتابعته لبرنامج الاعمار السعودي باعتماد 30 ميجا.

وفي لقاء آخر، شدد الوكيل المخلافي على إلزام مالكي الكهرباء التجارية بالتقيد بالسعر المحدد من المؤسسة، واتخاذ إجراءات حازمة بهذا الخصوص، وكسر الاحتكار بالتنافس بين الشركات التجارية بأقل كلفة على المواطن حتى يتسنى استكمال إجراءات استعادة الكهرباء الحكومية .

عودة ممكنة

يؤكد الناشط المجتمعي نائف الوافي وهو صحفي أيضًا أن عودة الكهرباء الحكومية ممكنة، وتحتاج تضافر الجهود المجتمعية، وفرض مزيد من الضغط الشعبي عبر أنشطة وفعاليات مختلفة، منها إقامة صلاة كل جمعة جوار محطة عصيفرة.

ويشير الوافي إلى أن هناك إهتمام من رئاسة الدولة ومن جانب السلطة المحلية، واتصال مباشر من رئيس الدولة مع مدير مؤسسة الكهرباء بتعز بشأن الأرض المجهزة لمحطة البرنامج السعودي التي يتابعها مجلس القيادة الرئاسي.

ويضيف بأن ذلك يتضمن "حلحلة عراقيل الجرد وتسليم المحطة للمؤسسة العامة من قبل وكيل المحافظة خالد عبدالجليل ومتابعة مباشرة من محافظ المحافظة وبدء الجرد في المحطة منذ يومين وهذه من ضمن الخطوات التي تأخرت لسنوات".

ويوضح الوافي أنه لا يمكن لأي جهة تجارية أن تحل محل خدمة الكهرباء العامة فالفرق شاسع لأن سعر الكيلو الكهرباء الحكومية (العامة) في محافظتي لحج وعدن 30 ريال وفي تعز الكيلو التجاري يتجاوز الألف ريال.

فيما يعتقد الأرحبي أن الحلول التي يجب اتخاذها قبل عودة الكهرباء الحكومية وهي إدخال منافسين جدد لأصحاب المحطات التجارية لكسر الاحتكار وتقليل أسعار التكلفة.

ويرجح الأرحبي أن الحل الأنسب يتمثل بوجوب قيام السلطة المحلية ومؤسسة الكهرباء بتشغيل المولدات المتنقلة الموجودة داخل محطة عصيفرة حتى وإن بدأ الأمر بتشغيل مولد واحد فسينتهي بإنارة تعز بالكامل.

اقرأ أيضا: عزوف وإقبال ضعيف.. التعليم الجامعي يحتضر تحت سلطة الحوثيين (تقرير خاص)