بعد تسع سنوات من القتال والحرب في اليمن، لا تزال عملية السلام غير واضحة المسار، خاصة مع دخول جماعة الحوثي، بخط ما يحدث في غزة، وتهديهم الملاحة البحرية، بالعديد من الأساليب، تنوعت بين قرصنة السفن، واستهدافها بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.. خلط هذه الأوراق أعاق تقدم المحادثات السعودية الحوثية، وبالمقابل جرى الإعلان بشكل مفاجئ عن خارطة طريق، وصفها كثيرون بالتفاهمات المنقوصة.
ففي نهاية ديسمبر2023، كشف المبعوث الأممي الخاص باليمن هانس غروندبرغ، عن توصل أطراف الصراع في اليمن إلى الالتزام بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل كامل البلاد.
وقال بيان المبعوث، إن التدابير تتضمن الانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن غروندبرغ سيعمل مع الأطراف في المرحلة الراهنة لوضع خارطة طريق نحو سلام دائم وشامل في البلاد.
وتشمل بنود هذه الخارطة، التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة. بالإضافة إلى إنشاء آليات للتنفيذ استعدادًا لعملية سياسية يقودها اليمنيون برعاية الأمم المتحدة.
وفي هذا السياق، علق مراقبون في حديثهم لـ "المجهر" أن العنوان يتحدث عن خارطة سلام أممية، فيما الحقيقة يبدو أنها مفاوضات مباشرة، تخوضها عُمان، ما بين السعودية وجماعة الحوثي من جهة، والصين تدخلت لحسم النزاع والإشكال بين السعودية والإمارات، مشيرين إلى دور الأمم المتحدة المتمثل بالإشراف وتسيير هذه المفاوضات.
اتفاق غامض
ولأن هذه الخطوة "خارطة الطريق" أثارت تساؤلات عدة في أذهان اليمنيين، فقد جعلت المكونات السياسية تنظر في خارطة بدت لهم غير مُزمّنة وبلا آلية محددة، ومن هذا المنطلق قرر "المجهر" إعداد تقريرًا شاملًا حول ما يجري تداوله بشأن صناعة سلام مستدام، ونزع فتيل الحرب، وما هي ردود الأحزاب السياسية من ذلك؟.
في البداية، رحّبت الحكومة اليمنية بالخارطة، مؤكّدة "انخراطها مع جهود السلام، وفق المرجعيات الثلاث، المتمثلة بمخرجات الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2216، والمبادرة الخليجية". هذه الاشتراطات تثبت أن خارطة الطريق، التي تقودها الأمم المتحدة والسعودية بعيدة عن تلك المرجعيات، بل وتشرعن الانقلاب الحوثي، وتنهي مسألة استعادة الدولة.
بينما تلتزم جماعة الحوثي، الصمت أمام إعلان الخارطة، ولم يصدر عنها أي تعليق رسمي بهذا الشأن سواء بالرفض أو القبول، رغم أن المفاوضات اقتصرت بين الحوثي والسعودية، منذ أكثر من عام، واكتفت بانتقادات من بعض قياداتها لفريقها المفاوض، لقبوله بتحول الرياض من طرف إلى وسيط.
أما المجلس الانتقالي، فقد خرج ببيان متحفظ، رحب من خلاله بجهود السعودية وعُمان، مشترطًا مشاركته في المشاورات، والعمل على حل القضية الجنوبية من خلال تضمينها في المسار التفاوضي.
إلى ذلك، رفض مجلس شباب الثورة السلمية، خارطة الطريق لحل الأزمة اليمنية، تبعًا لأنها تُكرِّس الانقسامات وتمنح الجماعات باختلاف أطيافها شرعية مواصلة تفتيت البلاد، مشيرًا إلى أن التفاهمات السعودية الحوثية تمثل صفقات مشبوهة تخدم أجندات مشتركة للطرفين بعيدًا عن إرادة اليمنيين ومصالحهم، وعن المكونات السياسية اليمنية الوطنية.
موقف الأحزاب
وسط ترحيب إقليمي بخارطة الطريق في اليمن، سعى "المجهر" للبحث عن موقف المكونات السياسية اليمنية الأخرى من خلال شخصيات مسؤولة، ولها ثقلها السياسي في المربع اليمني.
رئيس فرع حزب العدالة والتنمية بتعز، أمين المشولي يقول لـ "المجهر": "الشعب اليمني ينشد السلام؛ لكن هل هذه الميليشيا الحوثية ستحقق السلام.. أعتقد أن الخبرة التراكمية والعقل الجمعي للشعب اليمني، الذي عرف الحوثي منذ 2004، وحتى اليوم، يدرك أن الجماعة الحوثية لم تفِ بأي اتفاقية من الاتفاقيات التي وقعتها سواء عندما كانت في صعدة، وصولًا إلى اتفاقية السلم والشراكة، واتفاق استوكهولم، والذي تحولت فيه الجماعة إلى أنها العامل الوحيد والاستراتيجي الذي يسعى لتقويض كل عملية السلام الحالية وربما القادمة".
وأضاف المشولي: "الأحزاب السياسية والشعب كله ينشد ويريد السلام، لكن هذا السلام الذي نسعى لتحقيقه لابد أن يكون الوطن خالي من الميليشيا، وطن تكون فيه الكلمة الأولى والأخيرة هي لمؤسسات الدولة الذي ننشدها جميعًا.. أعتقد أن الطرف الوحيد وهو الذي خبرناه منذ البداية جماعة الحوثي ترفض السلام لأنها لا تعيش إلا وفق بيئة الموت والقتل والتنكيل بالشعب اليمني".
من جهته, يعتقد أحمد عثمان، مسؤول الإعلام بحزب الإصلاح بتعز، بأن "التسوية السياسية قامت بدون أسس سياسية ولا واقعية.. الأمم المتحدة فرّطت بهيبة القرار الدولي، وعملت على شطب القرارات الدولية، مراضاة للحوثيين، ولهذا كل قرار أو بيان لم يلتفت إليه أحد في الشارع اليمني، لأنه لم يعد واثقًا بقرارات الأمم المتحدة.. أي تسوية بدون أفق سياسي ستكون فاشلة".
ويتساءل عثمان عن ماهية الأفق السياسية للقرارات الأممية، مؤكدًا أن جميع القرارات تصب في النهاية لصالح الحوثي، وأنه من الضروري تغيير أسس ومنطلقات التسوية، مشيرًا إلى أن مصير الخارطة السياسية هو الفشل، خاصة أن الحوثي لا يوجد لديه استعداد للحوار السياسي.. "الأصل أنه يكون هناك خارطة سياسية واضحة يوقع عليها الحوثي، خارطة واقعية تحترم قرارات الأمم المتحدة ثم تنطلق على أسس ومعايير صحيحة".
ويتابع بأسف قائلًا: "جميع القرارات تضعف الشرعية، مع العلم أن إضعاف الحكومة ليس لصالح الأمن المحلي، ولا الأمن الإقليمي ولا المصلحة الدولية.. مُزق القرار الشرعي لصالح ميليشيا الحوثي للأسف الشديد، والأمور باتت أشبه بالمجهول، لا أحد يعرف أفق واضح للوصول إلى تسوية".
التمسك بالمرجعيات
تحدث عبدالله حسن، رئيس اتحاد القوى الشعبية بتعز، لـ "المجهر": "نسمع هذه الفترة بأن هناك خارطة طريق سيجري التوقيع عليها، وموقفنا من هذه الخارطة هو أن الشرعية لم تعلم بمضمون الخارطة إلا شفويًا، وهذا خلل في أي تفاوض أو حوار سياسي لحل أي مشكلة، فكون الحكومة هي الدولة المعترف بها شرعيًا، لابد أن تكون المفاوضات بعلمها، وأن تتطلع على أي اتفاق سياسي".
ويرجح مماطلة جماعة الحوثي، بالتوقيع عن هذه الخارطة نظرًا لأن آلة الإعلام الأمريكية والصهيونية تحاول أن تصنع منها رقمًا، من خلال الهجمات التي تقوم بها في البحر الأحمر، الأمر الذي قد يقود الحوثيين إلى الغرور ورفض التوقيع، أما إذا تم إخضاعه من قبل الأمم المتحدة فسوف يستفيد من ذلك، في الإعداد والتحضير لمعركة جديدة.
وعن موقف الأحزاب من أي تسوية، يؤكد أن الأحزاب ترفض رفضًا قاطعًا ومن ورائها الشعب اليمني، أي تسوية لا تنطلق من المرجعيات الثلاث، المعترف بها دوليًا وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، وكذلك قرارات مجلس الأمن، وفي مقدمتها القرار 2216، وبالتالي التسوية التي تصدر الحوثي للمستقبل وتشرع انقلابه وتنتقص من المركز القانوني للدولة الشرعية مرفوضة، ومن الممكن القول إن معركتنا مستمرة مع الحوثي، ولابد أن يسقط الانقلاب وتستعاد العاصمة صنعاء.
وفي هذا السياق، أوضح المسؤول السياسي لحزب المؤتمر في تعز، علي سرحان، موقف الحزب من خارطة الطريق المعلنة قبل أيام قائلًا: "نحن مع اتفاق السلام، شرط عدم المساس بالثوابت الوطنية الجمهورية الدستور، الوحدة اليمنية.. نحن مع قيادتنا السياسية التي تمثيل الشرعية في الجمهورية اليمنية ومع أي اتفاقيات تؤدي إلى السلام والأمن والاستقرار، لكن يجب ألا تنتقص من الثوابت الوطنية.. حتى الآن لا أعتقد أن الحوثيين سيقدمون تنازلات ولن يقبل بالسلام، لأن مصالحه تتجلى في السيطرة على البلد، والاستيلاء على الموارد".
ويرى المسؤول السابق للحزب الاشتراكي بتعز، عبدالحكيم شرف، أن "اليمن قادمة على تسوية سياسية ومباحثات في هذا الجانب بما فيها المبعوث الأمم المتحدة حول رسم مسار السلام.. اليوم الناس أصبحت تبحث عن حلول بأي شكل من الأشكال، نحن نتمنى أن تكون هذه المبادرة إيجابية، وتختلف عن المباحثات السابقة التي انتهت بالفشل".
ويستطرد قائلًا: "الشعب اليمني يضع أمله بإيجاد تسوية سياسية يتم من خلالها حل الأزمة بشكل عام، لا بشكل جزئي.. المواطن بات يعاني خاصة نحن في تعز، المدينة المحاصرة منذ أكثر من 8 سنوات تعز".
وزاد أن اليمنيين تواقون لوجود حل سياسي، ومبادرات تحل الأزمة اليمنية، ويتمنون أن تصل هذه المباحثات إلى طريق يتم من خلالها إنهاء الحرب، وعودة أطراف الصراع لطاولة الحوار، والوقوف على حلول سياسية، وأن يعقب التسوية جانبًا من جوانب الديمقراطية، تمكن هذه الأطراف الانخراط في العمل السياسي".
وبشأن رفع الحوثيون سقف المطالب والبحث عن المزيد من التنازلات، طالب المسؤول في حزب الاشتراكي، دول الخليج بتحقيق المصداقية في التعامل مع التسوية، ودعم الشرعية.
وفي حديثه، أشار "نحن في حالة حرب، وبالتالي لابد الأطراف السياسية أن تقدم تنازلات من أجل مصلحة البلد، وسلام الوطن، سواء من قبل الشرعية أو الحوثيين شرط عدم الخروج عن سياق المرجعيات الثلاث.. نتمنى أيضًا عدم المماطلة بشأن التسوية، وألا يلجأ الحوثيون إلى ابتزاز دول الخليج أو المبعوث الأممي من أجل الحصول على مكاسب سياسية أو مكاسب اقتصادية أخرى".