الاثنين 16/سبتمبر/2024
عاجلعاجل

تعز: حمى الضنك تنهك سكان المدينة المحاصرة (تقرير خاص)

تعز: حمى الضنك تنهك سكان المدينة المحاصرة (تقرير خاص)

سنويًا، يواصل فيروس حمى الضنك التفشي وحصد أرواح الأطفال والشباب وكذلك كبار السن، وسط مدينة تعز المحاصرة، والتي تشهد ارتفاعًا ملحوظًا بأعداد المصابين بهذا الوباء.

الطفل محمد علي، البالغ من العمر 8 سنوات، من سكان حي الجحملية، وسط تعز، لم يساعده الوضع الصحي في مدينة تعز، على تجاوز أزمة الوباء، فبعد أيام من إصابته بفيروس حمى الضنك، توفي أمام نظرات حزن والديه، اللذين كانا ينتظران شفاء طفلهم الوحيد، بكثير من الصبر.. هكذا خلف الوباء أحزان في زوايا هذه المدينة المكلومة.

وبنبرة حزن، يقول والد محمد: "تنقَّلت بين العديد من المستشفيات الخاصة والحكومية، بدءًا من الصفوة ثم الحكمة وصولًا إلى مستشفى الجمهوري، ولم يطرأ أي تحسن على حالة الطفل، بل ازدادت سوءاً يوماً بعد يوم، حتى توفي بعد معاناة مع الفيروس".

وحمى الضنك عدوى فيروسية تنتقل بواسطة لدغة أنثى بعوضة تدعى "الزاعجة المصرية"، تصيب الرضّع وصغار الأطفال والبالغين دون استثناء، وسجلت تعز أولى إصابة بحمى ضنك في منتصف تسعينات القرن الماضي، وحسب تأكيدات مكتب صحة تعز، فإن هناك تزايد كبير لحالات الإصابة خلال العام المنصرم؛ ففي شهر سبتمبر الماضي وحده سُجلت أكثر من 2000 حالة إصابة في تعز.

قلة المراكز

وتعاني المدينة من قلة المراكز الطبية المتخصصة في رعاية مرضى الحميات، وغياب شبه كامل لدور وزارة الصحة العامة وهيئاتها لمواجهة تفشي هذا الوباء.

وفي هذا السياق، عبر والد الطفل عن استيائه من تعامل بعض الأطباء في المستشفيات التي زارها في المدينة لمعالجة ولده، حيث أن اهتمامهم ينصبُّ على جني أكبر قدر من المال، في مقابل إهمال المصابين، والذي يؤدي إلى تفاقم حالتهم الصحية.

وأضاف قائلًا بأسف: "لقد انهار كل شيء بعد وفاة ولدي، ونعيش انا وأم محمد حالة من الحزن الذي لا أستطيع وصفه".

قصة محمد، هي واحدة من عشرات القصص، التي تسبب بها هذا الفيروس الذي بدأ يغزو المدينة بشكل كامل، الأمر الذي قد يضاعف أرقام الضحايا والمصابين، في ظل قلة الاحترازات والتدابير التي يتخذها مكتب الصحة في المدينة.

كانت محافظة تعز ولا تزال، واحدة من أكثر المدن اليمنية انتشارًا للأمراض والأوبئة، يرافق ذلك حالة من الانهيار الصحي الصعب، سيما مع استمرار الحصار الخانق منذ أكثر من تسع سنوات، من قبل جماعة الحوثيين.

ثنائي الوباء والحصار

ومع بداية هذا العام، يحل وباء حمى الضنك ليضيف ضنكاً جديداً إلى ضنك العيش في تعز المحاصرة منذ مارس 2015، من قبل جماعة الحوثي، وبين الحين والآخر، تظهر الكثير من العدوى والأوبئة في المدينة المكتظة بالسكان، الأمر الذي يشكل عبئًا جديدًا على المواطنين.

إلى ذلك، تسبب الحصار الحوثي، بانهيار المنظومة الصحية والبنية التحتية، الأمر الذي دفع السكان لاتباع خيارات بديلة للحصول على المياه وتوفيرها، حيث أصبحت المياه المعبأة من الأمطار في خزانات مكشوفة مصدراً لنمو يرقات البعوض.

وحسب أطباء فإن ارتفاع عدد المصابين بهذا الوباء داخل مدينة تعز، يعود إلى المستنقعات المائية التي تنتشر في الأحياء السكنية تفاقم من الكارثة، نظراً لعدم وجود صيانة حقيقية للشوارع في أحياء المدينة المحاصرة.

يقول ياسين الشريحي مدير الرصد الوبائي في محافظة تعز، لـ "المجهر" إن وباء حمى الضنك بدأ ضهوره، بشكل ملحوظ وكبير، في بداية سنين الحرب، وقد عانى منه الكثير من أبناء تعز بين الحين والآخر.

ويضيف الشريحي: "مع تغير أحوال المناخ وانتشار البعوض، تزداد عدد الإصابة بهذا الوباء، ويعد المسبب الرئيسي لوباء حمى الضنك هو البعوض الناقل، حيث ينتشر في المدينة الكثير من البؤر التي تولد هذا البعوض كالمياه الراكدة، ومياه الصرف الصحي".

ويرشد الشريحي إلى عدد من الأساليب، التي يمكن اتخاذها للحد من هذا الوباء، منها مكافحة انتشار البعوض قدر الإمكان وردم برك المياه الراكدة والتخلص من الأكياس والمخلفات التي تعمل على تجميع مياه الأمطار في الشوارع.

كما يشير إلى أهمية الخروج بحملات توعوية توجه لسكان المدينة، من أجل التوعية المجتمعية بعدم تجميع المياه بأواني مكشوفة، وعمل شبك عازل على النوافذ، والنوم تحت الناموسيات.

ويوضح أن الأوبئة كانت متواجدة بكثرة في المحافظة، إلا أنها مؤخراً اضمحلت بعض الشىء، وينتشر حالياً وباء حمى الضنك، والاسهالات المائية الحادة.

مضاعفات الحمى

وعن الإسهالات المائية الحادة، يبيّن الشريحي بأن إهمال النظافة الشخصية من قبل الأشخاص نفسهم، وعدم توفر المياه النظيفة الصالحة لشرب، هو المسبب بهذه الإسهالات التي تحمل العديد من المخاطر والمضاعفات التي قد يصاب بها المواطنين والتي قد تصل بهم إلى الوفاة، خصوصياً الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية.

وينصح الشريحي بأن للوقاية من هذه الإسهالات، يجب الاهتمام بالنظافة الشخصية، وتوفير مياه شرب نظيفة،  ولا يقتصر الدور على المواطن نفسه فقط بل على الجهات المسؤولة تفعيل الدور الرقابي على محطات توزيع المياه، ومتابعتها، وإجراء فحوصات مختبرية عن المياه التي تقدم للمواطنين، وتوفير مياه غير ملوثة للاستخدام الآدمي.

احصائيات وأرقام

نظرًا لسجل الاوبئة المحيطة بالمدينة لعام 2022، تشكل الأوبئة المنتشرة داخل مدينة تعز تهديدا مباشرا على السكان المقيمين، وعلى القطاعات الصحية التي تفقد للكثير من مستلزمات الوقاية، عوضًا عن ندرة وجود قطاعات صحية تستوعب جميع مرضى، دون ان يكون هناك أي اشكالات في سير عملية المعالجة يمكنها أن تسبب عرقلة لوصول المريض إلى العلاج الكامل.

ومثلت الأمراض الوبائية تحدٍ كبيرٍ أمام المدينة المحاصرة، حيث رصدت إدارة وحدة الترصد الوبائي التابعة لمكتب الصحة، في عام 2022، أكثر من 26 نوع من الأوبئة التي تتركز في عموم المديريات المحررة، وتشمل هذه الاحصائيات تفصيلًا عن كل مديرية من مديريات المحافظة.

وحسب السجل الاحصائي لمكتب الصحة بمحافظة تعز، فقد بلغ اجمالي العدد الذي رصدته وحدة الترصد الوبائي من المصابين أو المشتبه بهم اكثر من 904 الف شخص، ويشمل العدد انواع الاوبئة المختلفة، حيث بلغ في نفس العام 2022، عدد المصابين بـ الضنك 133338 مصابًا، وهذه كمية لايمكن الاستهانة بها، كما أن المصابين بالملاريا يبلغ عدد الحالات المرصودة 39574، بالإضافة إلى العديد من الأرقام المخيفة في الموضحة في الجدل أعلاه.

من جهته، يقول لـ "المجهر" مدير المركز الوطني لمختبرات الصحة العامة المركزي في تعز، إن الأوبئة الأكثر انتشارًا خلال هذه السنة هي الكوليرا والدفتيريا بنسبة كبيرة بالإضافة إلى الحميات التي هي بنسبة متوسطة كحمى الضنك والمكرفس وحمى غرب النيل، وتعتبر نسبتها متوسطة مقارنة بالسنوات الماضية حيث كانت الحالات تملأ المستشفيات آنذاك.

وأشار إلى أن عدد المصابين خلال هذه الفترة، وفي أقل من أسبوع وصلت إلينا حالتين إيجابية مصابة بالكوليرا وهذا يعتبر مؤشر خطير بوجود وباء قادم مؤكدًا أن سبب انتشار مثل هذه الأوبئة هو قدوم المهاجرين الأفارقة من المناطق الموبوءة إلى المدينة مما أدى إلى إصابة العديد من الحالات بهذه الأوبئة.

ومع عودة أمراض الطفولة القاتلة التي تهدد حياة الأطفال في المحافظة، بالإضافة إلى بقية الأوبئة الأخرى التي تمثل كذلك خطرًا على سكان المحافظة بشكل عام.