عقب تصاعد هجماتها على سفن تجارية في البحر الأحمر تحت مبرر التضامن مع غزة ضد الاحتلال الإسرائيلي، لجأت الولايات المتحدة الأمريكية، لإعادة تصنيف جماعة الحوثي المدعومة من إيران "منظمة إرهابية عالمية"، في خطوة أثارت ردود أفعال واسعة وتنوعت بشأنها التناولات ، خصوصًا أن إدارة الرئيس بايدن ذاتها التي أصدرت القرار، سبق أن ألغت تصنيفًا مماثلًا للجماعة الحوثية في فبراير/شباط 2021.
ويوم الأربعاء الماضي، أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أن واشنطن أعادت إدراج جماعة الحوثي في اليمن "منظمة إرهابية عالمية"، مضيفًا أن التصنيف سيسري خلال 30 يوما لمنحنا الوقت لتقليل آثار هذا القرار على الشعب اليمني، موضحًا أنه "إذا أوقف الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر، فإن واشنطن ستدرس رفع هذا التصنيف".
وصدر قرار التصنيف بعد تنفيذ القوات الأميركية البريطانية عشرات الغارات الجوية ضد مواقع في مناطق تسيطر عليها الجماعة، ردا على هجماتها التي أثرت على حركة الشحن في البحر الأحمر الذي يُعد طريقًا لنحو 15 بالمئة من سفن الشحن العالمية وممرًا حيويًا بين أوروبا وآسيا.
وتنوعت ردود الأفعال اليمنية على قرار التصنيف الأمريكي، ما بين رافضة ومؤيدة وساخرة، فيما انتقد سياسيون ومراقبون توقيت وأسباب صدوره، مشيرين إلى أنه جاء ردًا على الهجمات الحوثية في البحر، ولا علاقة له بجرائم الجماعة بحق اليمنيين.
كيف ردّ الحوثيون؟
على الفور، قلّلت جماعة الحوثي من قرار واشنطن إعادة تصنيفها جماعة إرهابية، واصفة إياه بأنه "بلا أهمية"، وتوعدت بالتصعيد ومواصلة الهجمات على السفن المرتبطة بإسرائيل والأمريكية والبريطانية.
متحدث جماعة الحوثي ورئيس وفدها المفاوض، محمد عبد السلام، قال في تصريحات لقناة الجزيرة، إنه "لا فاعلية على الأرض لقرار واشنطن بشأن تصنيفنا جماعة إرهابية"، مضيفًا أن التصنيف الأمريكي لن يثنينا عن دعمنا لفلسطين، حسب تعبيره.
وأشار إلى أن "القرار الأمريكي الأخير لن يزيدنا سوى التمسك بموقفنا الداعم للفلسطينيين".
القيادي الحوثي حسين العزي، نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين (غير معترف بها دوليًا)، سخر مما أسماه "التخبط الأمريكي" قائلًا: تصنف ثم تلغي ثم تصنف. في إشارة إلى إلغاء إدارة بايدن قرار سلفه ترامب بتصنيف الجماعة منظمة إرهابية.
وأضاف العزي، في تدوينه على حسابه بمنصة إكس: "في الواقع أمريكا تتخبط على نحو مثير للشفقة وتفضح افتقارها الدائم للمنطق القانوني وللحكمة في كل مواقفها تجاه صنعاء وهذا كله ليس مهما".
تصعيد عسكري
ولم تكتفِ جماعة الحوثي بتقليلها من القرار الأمريكي والرمي به في البحر، بل سارعت لاتخاذ موقفًا عسكريًا تصعيدًا، فبعد ساعات من صدور قرار إعادة إدراجها على قوائم الإرهاب، أعلنت الجماعة استهداف سفينة "جينكو بيكاردي" الأمريكية في خليج عدن، بعدد من الصواريخ الباليستية.
وفي وقت متأخر مساء اليوم التالي (الخميس)، أعلنت الجماعة تنفيذ عملية استهداف لسفينة كيم رينجر الأمريكية في خليج عدن بصواريخ مناسبة أصابتها بشكل مباشر.
وأدت الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا على سفن في البحر الأحمر ومحيطه منذ أسابيع إلى تباطؤ حركة التجارة بين آسيا وأوروبا، كما أعلنت العشرات من شركات الشحن العالمية تحويل مسار سفنها حول جنوب القارة الأفريقية، وصولًا إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وهو طريق بديل يزيد مدة الرحلة بين 10 أيام ألى 14 يومًا، مقارنة بمرور السفن عبر البحر الأحمر وقناة السويس.
موقف الحكومة
أما الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها، فإنها سارعت للترحيب بقرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، مؤكدة أنه يأتي استجابة لمطالبها.
وقالت الحكومة في بيان نشرته وكالة سبأ الرسمية، إن القرار ينسجم مع تصنيف الحكومة اليمنية لهذه المليشيا كمنظمة إرهابية وفقاً للقوانين اليمنية، ويأتي استجابة لمطالبة الحكومة المستمرة للمجتمع الدولي بالتحرك الجاد لحماية الشعب اليمني من بطش وإرهاب هذه الجماعة.
قرار شكلي
يرى الباحث العسكري والاستراتيجي د.علي الذهب، أن قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية عالمية، أتى في إطار أوراق الضغط التي تستخدمها الولايات المتحدة على الحوثيين، لكبحهم عن ممارساتهم في منطقة البحر الأحمر، المتمثلة بهجماتهم على السفن التجارية، وتطور الأمر إلى مواجهة بين الحوثيين وبين الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانية.
ووصف الخبير الذهب في تصريح لـ"المجهر"، قرار التصنيف بأنه ورقة سياسية واقتصادية متعددة التأثير، ولكنها أقل من التصنيف السابق الذي كان في عهد ترامب، مشيرًا إلى أنه حتى "اللحظة هذا التصنيف الأخير لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد منتصف فبراير القادم".
فيما يرى الباحث سلمان المقرمي، أن قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية هو "قرار رمزي ومشروط، وفيه عرض لإلغاء التصنيف، وغير فعال، بمعنى سيدخل حيز التنفيذ بعد شهر، كما أنه سيتوقف في حال توقفت الهجمات".
ولفت المقرمي في حديث لـ "المجهر"، إلى أن القرار تضمن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية عالمية، وليس أجنية، مع أن الأهم هو تصنيفها منظمة إرهابية أجنبية، لأنه يترتب على ذلك عقوبات وحظر سفر، أما القرار الحالي فلا يترتب عليه عقوبات ولا حظر التعامل المالي، ولا يشمل جميل أفراد التنظيم الحوثي.
تصنيف متردد
من وجهة نظر الصحفي "تيسير السامعي"، فإن قرار الولايات المتحدة بتصنيف الحوثي جماعة إرهابية عالمية، جاء من باب الضغط على الجماعة لإيقاف هجماتها على السفن في البحر الأحمر، وللحفاظ على المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وليس له علاقة بالجرائم والانتهاكات التي مارستها الجماعة ضد الشعب اليمنية.
وفي حديثه للمجهر، أعاد السامعي التذكير بأن إدارة بايدن هي ذاتها التي ألغت قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، بعد أن جرى إدراجها ضمن الجماعات الإرهابية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. مشيرًا إلى أن إدارة بايدن كانت قد قدمت خدمة كبيرة للحوثيين عندما ألغت تصنيفها جماعة إرهابية، وأعطت لها الضوء الأخضر لمهاجمة المدن اليمنية، على رأسها مدينة مأرب. لافتًا إلى أن قرار التصنيف الذي صدر في عهد ترامب، أقوى من التصنيف الأخير.
وفي حين قال السامعي إن قرار التصنيف الأخير "لا يعنينا كيمنيين، بل يأتي في سياق صراع المصالح بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران الراعية للحوثيين"، استدرك: "لكننا نرفض أي انتهاك للسيادة اليمنية، لأن المتضرر هو الشعب اليمني، وليس المليشيا الحوثية".
في ذات السياق، قال الدكتور محمد جميح، سفير اليمن في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ( اليونسكو)، إنه "عندما كان الحوثي يهاجم القرى والمدن والموانئ والمطارات والمصالح العربية في اليمن وخارجه رفعوه من قائمة الإرهاب، ليزداد قوة، وليبتزوا به اليمن والخليج.
وأضاف في تدوينه على حسابه بمنصة إكس، رصدها (المجهر): "وعندما خرج عن الخط المرسوم له أعادوه اليوم بشكل مخفف، مع وعد برفعه من القائمة إذا ركز على معركته الأصلية"، مضيفًا: يتلاعبون! ما أوقحهم!
عذابات اليمنيين
من جانبه، الدكتور فيصل علي، رئيس مركز يمنيون للدراسات، قال لموقع "المجهر"، إن "هذا التصنيف جاء في هذه المرحلة التي يحكم أميركا الديمقراطيون، وهم بالتحديد من أسهموا في دعم انقلاب الحوثي أيام الرئيس أوباما، هذا الحزب يدعم الأقليات والطوائف والشواذ والحوثيين، لكنهم اضطروا إلى تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية بعد أن أزالوه من القائمة إبان تسلم الرئيس بايدن الحكم".
وأضاف: "هذا التصنيف لم يأتِ وفقا لما فعلته جماعة الحوثيين الإرهابية بالشعب اليمني، من جرائم وإبادات جماعية وإعدامات خارج القانون، وقتل وتشريد وتهجير لملايين اليمنيين، بل جاء لحماية خطوط الملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر والبحر العربي، بمعنى جاء لحماية مصالح أمريكا والعالم وليس لحماية مصالح اليمن واليمنيين". مشيرًا إلى أن هذا القرار "تناسى عذابات اليمنيين. وهو قرار لحماية المصالح الاقتصادية للشركات والدول، وليس لحماية المدنيين في اليمن من الإرهاب الذي تدعمه إيران ودعمه الديمقراطيون مرارا وتكرارا".
تأثُّر الحوثيين
في حين تواصل جماعة الحوثي التقليل من أهمية قرار تصنيفها جماعة إرهابية، وتواصل هجماتها على سفن تجارية في البحر الأحمر والبحر العربي، يرى مراقبون أن قرار التصنيف، في حال دخل حيز التنفيذ، فإنه سيؤثر على الجماعة الحوثية.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور فيصل علي، إن جماعة الحوثي "ستتأثر بالطبع فهي الجماعة الإرهابية التي يدللها الأمريكان والاتحاد الأوربي والمنظمات الدولية وتدللها وتدعمها ماليا وإعلاميا وتعبويا إيران قطر وعمان. الدول التي كانت تدعم السلام الكارثة في اليمن ويتمثل في تمكين جماعة الحوثي الإرهابية من حكم اليمن وتشريع حكمها من قبل العدل من دول العالم. مضيفًا أن "هذا التصنيف سيوقف هذا السلام المشبوه ولو إلى حين، ستتأثر سمعة الجماعة الإرهابية التي طالما حظيت بالتعاطف الإعلامي والمنظماتي والحكومي".
وأشار إلى أن "جماعة الحوثيين الإرهابية اليوم بين خيارين؛ الأول الاستمرار بمهاجمة السفن التجارية في البحر لاستمرار استدرار العطف العالمي بحجة مساعدة غزة. الخيار الثاني هو تراجع جماعة الحوثيين الإرهابية عن مهاجمة السفن التجارية في البحر، وهذا سيمثل نهاية للحملة الإعلامية المضللة التي صنعت من الحوثيين جماعة مساندة لغزة". مضيفًا أن "الجماعة الحوثية في موقف صعب ستحظى بالخسارة ان اتخذت أي الخيارين".
ومن ناحيته، قال الخبير الذهب، إن هناك من يقلل من أثر قرار التصنيف على الحوثيين، لكنني أرى أن القرار له تأثير، وذلك يعتمد على جدية تنفيذ القرار، وسيؤثر على الكيانات الخارجية المرتبطة بعناصر الحوثيين، والتي لديها مصالح واضحة وتشير المعلومات بأنها متورطة في دعم الحوثيين.
وتعليقًا على التصريحات الحوثية المقللة من أهمية قرار تصنيفهم جماعة إرهابية، قال الذهب إنه لا يثق بما يقوله الحوثيون، لأنهم تعرضوا لضربات عنيفة من خلال الغارات التي استهدفتهم، ومع ذلك ينكرون أثرها، وهذا غير منطقي، لأن لو افترضنا أن الجماعة استطاعت نقل الأسلحة القابلة للنقل، فإنهم لن يتمكنوا من نقل البنى والهياكل والإنشاءات الهندسية، والتي تعرضت للضرب والتدمير، بعد أن عملت الجماعة على إعادة بنائها خلال سنتي الهدنة.
وفي ذات السياق، أكد الباحث المقرمي، أن "جماعة الحوثي سيتأثر، حيث ستتأثر الشركات والبنوك، والتحويلات المالية، إذا ظل التصنيف قائما".
التأثير على عملية السلام
مؤخرًا، تصاعدت الجهود الأممية والإقليمية، لاسيما الوساطة العمانية، والرغبة السعودية لإنهاء الحرب في اليمن. وفي 23 ديسمبر الماضي، أعلن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في اليمن هانس غروندبرغ، في بيان عن خارطة طريق تتضمن استعداد أطراف الصراع في اليمن لتنفيذ تدابير ترمي إلى تحقيق وقف إطلاق النار الشامل وتحسين الظروف المعيشية للسكان واستئناف العملية السياسية الشاملة تحت رعاية الأمم المتحدة"
وعن تأثير التصنيف الأمريكي للحوثيين على عملية السلام، قال الدكتور فيصل علي، إن "السلام في اليمن مع جماعة الحوثيين الإرهابية هو كذبة كبرى حاولوا تمريرها من يريدون إنهاء الدولة اليمنية، لم يكن سلاما ولكنه فخ وكارثة تأجيل للحروب بين اليمنيين، السلام مع جماعة إرهابية مستحيل وحماقة لم يسبق إليها أحد.
وأكد فيصل علي في حديثه لـ"المجهر"، أن "أفضل ما حمله قرار تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية من قبل إدارة بايدين هو أنه سينهي السلام بصيغته التي كانت مطروحة في أروقة الحوثيين و العمانيين والسعوديين". مضيفًا "إن كان في هذا التصنيف من موقف أخلاقي فهو إيقاف عملية السلام المهزلة التي كانت ستسلم اليمن للحوثيين وتشرع وجودهم".
من ناحيته، يعتقد الصحفي تيسير السامعي، أن قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية سيؤثر على عملية السلام في اليمن، وربما يعطلها.
وأوضح أنه إذا كانت أمريكا وبريطانيا والغرب جادين في محاربة جماعة الحوثي، فليس لهم إلا طريق واحد، وهو دعم الحكومة الشرعية لتتمكن من بسط نفوذها وسيطرتها على كل مناطق اليمن.
لكنه أعاد التذكير، بأنه لولا الضغوط الأمريكية والبريطانية على الحكومة الشرعية وقواتها ما كانت الحرب توقفت على مشارف صنعاء والحديدة، في إشارة إلى أن واشنطن التي أعادت تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، عملت، إلى جانب بريطانيا، على عرقلة قوات الشرعية، ودعم الحوثيين.
وبالنظر إلى استمرار التصعيد ضد السفن رغم الضربات الأمريكية البريطانية ورغم قرار التصنيف، أكد الخبير الذهب أن جماعة الحوثي لا تعبأ بأي نتائج، وهي تبحث عن نصر بأي ثمن. ط
وأشار الخبير العسكري" علي الذهب" في حديثه لـ"المجهر" إلى أن هناك هدفين للهجمات الحوثية على السفن، الأول مرتبط بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة والسماح بدخول الغذاء والدواء ووسائل الإمداد الإنسانية، مضيفًا أن هناك هدف غير معلن، يتمثل بالتسلق على تضحيات الشعب الفلسطيني للحصول على نصر مستلب.