منذ اندلاع الحرب في اليمن أواخر العام 2014، سعى الحوثيون لتجنيد الأطفال دون سن 18 عامًا، واستخدامهم بشكل مفرط، حيث تعد ظاهرة التجنيد واحدة من أبرز صور انتهاكات حقوق الإنسان، الأمر الذي يجعل الأطفال الذين يعيشون في مناطق سيطرة الجماعة، لا يعرفون شيئا عن طفولتهم، بل وجدوا أنفسهم يحملون السلاح، وآخرون يعملون لتوفير لقمة العيش.
وتواصل جماعة الحوثيين، حتى اليوم حشد وتجنيد الأطفال بذريعة تعزيز الجاهزية القتالية ودعما للقضية الفلسطينية، بينما تقوم بإرسالهم إلى محافظة مأرب والجوف وشبوة بحسب مصادر عسكرية.
وأكدت المصادر أن الجماعة الحوثية تستدرج الأطفال بشكل خطير، وتأخذهم إلى جبهات القتال ضمن مشروعها الطائفي، في تغيير هوية الجيل، ونشر أفكارها ومعتقداتها، بالإضافة إلى استقطاب ما يزيد عن مليون طفل يمني إلى مراكزها الطائفية، والتي تخدم حربها ضد اليمنيين منذ تسع سنوات.
وحسب دراسات بحثية، أكدت أن المعسكرات الصيفية والدورات الطائفية التي تنفذها جماعة الحوثيين، تحت مسمى "المراكز الصيفية"، واحدة من أبرز الوسائل التي تساعد الجماعة على استقطاب الأطفال والشباب والزج بهم إلى محارق الموت، ليكونوا وقودًا لحرب حوثية، باعتبارها مغسلة حقيقية لعقول الأطفال، ناهيك عن استغلال المدارس النظامية بتغيير المناهج واستغلال ظروف المعلمين.
تفخيخ المستقبل
سنويًا، تُطالب عشرات المنظمات بوقف تجنيد الأطفال في اليمن، وعدم إشراكهم في العمليات العسكرية لصالح أي من أطراف الصراع، فيما وصف كثيرون ظاهرة "تجنيد الأطفال"، بأنها تشويه للحاضر وتفخيخ للمستقبل، وأنه من الصعب إعادة دمج الأطفال المسرحين من المدارس إلى المتارس، في المجتمع.
وبالمقابل تفرض جماعة الحوثيين، نشر فكرها الطائفي عبر تنظيم فعاليات ودورات طائفية إجبارية، خُصصت للمعلمين ووكلاء المدارس في كافة المدن الواقعة تحت سيطرتهم.
وأفادت مصادر في صنعاء، أن الحوثيين أجبروا مئات المعلمين والتربويين بالمدارس الحكومية والأهلية، على حضور دورات حوثية نظمت لنشر معتقدات الجماعة في أوساط التربية والتعليم.
يقول عبدالصمد الحرازي، معلم في صنعاء لـ "المجهر": "اليوم نعيش أمام ورش تفخيخ للعنف، والإرهاب ومحاضن تمد الحوثيين بما يحتاجه سوق القتال من مقاتلين، لأن عنصر القوة والعنف والقتال هو العنصر الذي يراه الحوثيون كفيلًا ببقائهم، إضافة لانقسام المجتمع".
ويضيف: "العام الماضي، تم استقطاب ابن أخي.. طفل عمره 14 سنة، من قبل مشرف حوثية في صنعاء إلى المخيم الصيفي، ليعود بأفكار دخيلة وتصرفات مريبة، ورغبة في القتال بصفوف الحوثيين.. وقفنا في وجهه جميعًا ومنعناه من توقيف الدراسة والذهاب للجبهات، لكنه التحق سرًا عنا ليعود هذا العام جثة هامدة".
ويشير الحرازي إلى أن ابن أخيه، لم يكن في السابق يحمل تلك الأفكار، وإنما حصل عليها في المخيم الصيفي الذي يستقطبون من خلاله الأطفال ويلغمون عقولهم بثقافة الموت والإرهاب.
استغلال حرب غزة
في الأشهر الأخيرة، عملت جماعة الحوثيين، على تغذية جبهات القتال بالمقاتلين، مستغلة تعاطف الشعب اليمني بالقضية الفلسطينية وما أنتجته من التصعيد العسكري بالبحر الأحمر، حيث استغلت تجنيد القاصرين ممن يسهل تشكيلهم وفق معتقداتهم، والزج بهم إلى معسكراتها للتجنيد بذريعة نصرة غزة، ودفعهم إلى جبهات القتال بمختلف المحافظات.
وفي أكتوبر 2023، ألقى زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي خطابًا دعا فيه الناس إلى الاستعداد للدفاع عن فلسطين، ردًا على الفظائع خلال القتال بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية المسلحة، ما دفع الجماعة الحوثية إلى توسيع دائرة التجنيد، واستقطاب أطفالًا لا تتجاوز أعمار بعضهم 13 عامًا. حيث تعد تجنيد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة، جريمة حرب.
وقالت نيكو جعفرنيا، باحثة اليمن والبحرين في هيومن رايتس ووتش: "يستغل الحوثيون القضية الفلسطينية لتجنيد المزيد من الأطفال من أجل قتالهم الداخلي في اليمن. ينبغي للحوثيين استثمار الموارد في توفير الاحتياجات الأساسية للأطفال في مناطق سيطرتهم، مثل التعليم الجيد والغذاء والمياه، بدل استبدال طفولتهم بالنزاع".
ونقلت منظمة هيومن رايتس ووتش، عن خمسة نشطاء حقوقيين وأفراد يعملون مع منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء اليمن، "حصول زيادة كبيرة في تجنيد الأطفال خلال الأشهر الأخيرة.. حيث جند الحوثيون أكثر من 70 ألف مقاتل جديد، بما يشمل محافظات ذمار، وحجة، والحديدة، وصنعاء، وصعدة، وعمران".
وأوضح البيان، أن جماعة الحوثي جعلت الأطفال يعتقدون أنهم سيقاتلون من أجل تحرير فلسطين، لكن الأمر انتهى بهم بإرسالهم إلى الخطوط الأمامية في مأرب وتعز.
وفي هذا السياق، يتحدث المحلل السياسي عبدالواسع الفاتكي لـ "المجهر" أن الحوثيين استثمروا هجماتهم، التي يهددون من خلالها الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، ودفعوا بالأطفال لمعسكرات بذريعة التجنيد لنصرة غزة، والزج بهم وحشدهم لجبهات القتال في مأرب وتعز والجوف والضالع استعدادًا لمعاودة عملياتهم العسكرية في المحافظات.
ويضيف الفاتكي، أن الحوثيين استغلوا التعاطف الذي تحظى به القضية الفلسطينية، وقدموا أنفسهم كطرف من أطراف ما يسمى بمحور المقاومة لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية عبرها يرفدون صفوفهم بمزيد من المقاتلين صغار السن، الذين يسهل التأثير عليهم واستغلال عواطفهم الثائرة، تجاه ما يحدث في غزة، وهو ما نجح فيه الحوثيون في أوساط القبائل، والمناطق الريفية بفتح معسكرات جديدة يتم فيه استقبال الأطفال المجندين وتدريبهم على الأسلحة لمواجهة أمريكا كما يزعم الحوثيون.
ويشير إلى أن قيادات حوثية تزعم أن واشنطن هددتهم بشن عمليات عسكرية برية ضدهم عبر قوات الشرعية في محاولة منهم لكسب تأييد شعبي لهم في أي تصعيد عسكري قادم لهم، خصوصًا في مأرب وتعز إضافة لتضليل الرأي العام في مناطق سيطرتهم وإيهام القبائل بأنهم يحاربون عملاء أمريكا.
جرائم جسيمة
تعد عملية تجنيد الأطفال من الجرائم الجسيمة التي تعاقب عليها جميع القوانين، لا سيما اتفاقية حقوق الطفل، وقانون حقوق الطفل اليمني، الذي يلزم جميع الأطراف بعدم تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة؛ باعتبارهم الحلقة الأضعف التي يجب حمايتها.
وحسب الكاتب السياسي عبدالله إسماعيل، فإن اتفاقية حقوق الطفل هي ميثاق دولي يحدد حقوق الأطفال المدنية، السياسية، الاقتصادية والثقافية، إذ تراقب تنفيذ الاتفاقية لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة المكونة من أعضاء من مختلف دول.
ويوضح إسماعيل، أن مجلس الأمن أقر ستة انتهاكات جسيمة لحقوق الطفل هي القتل والتشويه والتجنيد والاغتصاب والاختطاف وتدمير المدارس والمؤسسات الصحية ومنع وصول المساعدات الإنسانية باعتبارها جرائم حرب تستوجب المساءلة.
إلى ذلك، يقول رئيس منظمة "ميون" لحقوق الإنسان، عبده علي الحذيفي لـ "المجهر": إن فرق الرصد وثقت 2233 طفلاً مجندًا تم استخدامهم بشكل مباشر في النزاع المسلح لدى جميع الأطراف، بينهم 2,209 طفلًا جندتهم جماعة الحوثي.. أي ما نسبته (%98.9)، فيما تقع مسؤولية تجنيد (24) طفلاً على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والتشكيلات المسلحة التابعة لها، وهو ما يمثل نسبة (%1.1) من إجمالي الوقائع والحالات.
ويؤكد أن المنظمة وثقت مقتل (1,309) طفلًا أحدهم طفل صومالي الجنسية، وإصابة وتشويه (351) طفلاً، من إجمالي الحالات المجندة في صفوف جماعة الحوثي، موضحًا أن الراصدين وثقوا بلاغات بتجنيد (25) طفلًا ينتمون إلى عائلات مهاجرين أفارقة تحقق من عدد (4) أطفال في صنعاء وحجة.
ووثقت المنظمة منح جماعة الحوثي لـ (556) طفلًا قتلوا في صفوفها رتبا عسكرية موزعة ما بين ضابط وصف ضابط، ومنحت (753) طفلًا قتيلا صفة جنود في كشوفاتها الرسمية، أن هذا الشأن استخدامها إغراءات منح الرتب الوهمية للأطفال بهدف استقطابهم للتجنيد، حسب الحذيفي.
ويشير إلى أن نتائج الرصد توضح أعلى عشر محافظات استقطبت فيها جماعة الحوثي الأطفال المجندين هي: "صنعاء، حجة، ذمار، صعدة، أمانة العاصمة، عمران، إب، الحديدة، تعز، المحويت".
وتستعرض جماعة الحوثيين، أدواتها في استقطاب الأطفال، كان في صدارتها استغلال الظروف المعيشية والاقتصادية للأطفال وأسرهم، يليها منهجية التلقين العقائدي وخطاب الكراهية عبر الإعلام الرسمي والأهلي ومواقع التواصل الاجتماعي، والسيطرة التامة على المؤسسات التعليمة والمؤسسات الدينية، واستغلال المراكز الصيفية، علاوة على استخدام الحيلة والاختطاف وممارسة الضغوط على زعماء القبائل والمشايخ والأعيان.