السبت 23/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

حصار الحوثيين يحول بين المرضى والمستشفيات في تعز (تقرير خاص)

حصار الحوثيين يحول بين المرضى والمستشفيات في تعز (تقرير خاص)

يعاني أغلب سكان مديريات تعز التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين منذ أكثر من تسع سنوات، يعانون من غياب الخدمات الصحية في ظل انتشار الأمراض والأوبئة في تلك المناطق وعدم قدرتهم الوصول إلى المستشفيات الحكومية جراء استمرار إغلاق الطرق الرئيسية المؤدية إلى تعز من قبل الحوثيين، وارتفاع تكاليف الخدمات الصحية في المستشفيات الخاصة.

 

حصار خانق

 

وتواصل جماعة الحوثيين المدعومة من إيران حصارها الخانق على سكان مدينة تعز منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف يوم، وخلال ذلك يتجرع عشرات الآلاف من المدنيين ويلات المرض وغياب الرعاية الصحية خاصة الأطفال والنساء،  وفاقم من معاناة الأسر في عدة مجالات أبرزها المياه والصحة والتنقل وغيرها من الخدمات الأساسية، في ظل تجاهل واضح من الأمم المتحدة.

في الثاني من أبريل/ نيسان 2022 أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن غروندبرج هدنة لمدة شهرين على أن يتم وقف جميع العمليات العسكرية الهجومية البرية والجوية والبحرية داخل اليمن وخارجه وتجميد المواقع العسكرية الحالية على الأرض.

وتضمن إعلان دخول 18 سفينة من سفن المشتقات النفطية خلال شهري الهدنة إلى موانئ الحديدة، وتشغيل جزئي لمطار صنعاء ، وفتح الطرق.

ومع بدء تنفيذ الهدنة، التزمت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بتنفيذ البنود المتمثلة في فتح مطار صنعاء أمام رحلتين جويتين أسبوعياً ليتم بعد ذلك زيادة الرحلات، وكذلك فتح ميناء الحديدة، فيما رفضت جماعة الحوثي فتح الطرق الرئيسية المؤدية إلى مدينة تعز أو النقاش حوله، الأمر الذي زاد من معاناة السكان وخاصة المرضى.

وفي يونيو/ حزيران 2023م تقدمت الحكومة بمقترح لفتح الطرق في مدينة تعز وتشمل، طريق سوفتيل الجهيم، مسجد الصفا، زيد الموشكي، وطريق مصنع السمن والصابون، المطار القديم ، بئر باشا،  وطريق كرش، الراهدة، الحوبان، جولة القصر، عقبة منيف، وطريق مفرق الذكرة، الستين، مفرق العدين، سوق الرمدة، الحوجلة، عصيفرة، وطريق الحوبان، جولة القصر، وادي صالة، صالة، إلا أن جماعة الحوثي رفضت المقترح.

 

معاناة التنقل

 

 أحمد قاسم (اسم مستعار) «45 عام» من سكان مديرية التعزية، عندما يتعرض أحد أفراد أسرته لوعكة صحية، يضطر أن يسعفه إلى أحد المراكز الصحية التي تفتقد للأطباء ويتواجد فيها ممرضين فقط، ويقول " أنا والله وأسرتي ما نقدر نحصل علاج سع الناس"، كل ذلك بسبب إغلاق الطرق وامعان مليشيات الحوثي احداث الضرر بالمدنيين.

يجد أحمد نفسه في مأزق عندما يكون المريض بحاجة إلى تدخل طبي كبير، فكل الخدمات التي موجودة في تلك المديريات توفرها مستشفيات خاصة بأسعار كبيرة لا يقدر على توفيرها، واصفاً الوضع في منطقته بالكارثي، ومع ذلك ترفض مليشيات الحوثي الانقلابية الحديث عن إنهاء الحصار الذي تستخدمه عقاب للمدنيين من بينهم المرضى والمسنين.

 ويضيف أحمد لـ"المجهر" أنه منذ أن تم إغلاق المدخل الغربي لمدينة تعز (طريق مفرق شرعب المطار القديم) توقف أغلب السكان من الذهاب الى مستشفيات الدولة مثل الثورة والجمهوري والنقطة الرابع، ويضيف "زمان قبل الحرب كنا ندخل نتعالج والنساء كل يوم وهن بالثورة يتعالجين أما الآن والله نتمنى أننا نصل إلى الثورة أو الجمهوري أو أي مركز الأمومة والطفولة".

أما حميد ناجي هو الآخر يتجرع ويلات الحصار الذي أرغمه على استخدام الطرق البديلة للوصول إلى المستشفيات الحكومية لعلاج والدته في مستشفى الثورة قبل أن تتوفى، حيث يقول "أمي كانت مريضة وكنا نعرضها على الأطباء في مستشفى الثورة نظل في المدينة ثلاث أيام في بيت واحد معروف معي، وبعض الاحيان كنا نسكن في فندق بالليلة عشرين ألف".

ويوضح حميد أنه كان يضطر إلى استئجار سيارة خاصة بمبلغ مائة وخمسين ألف ريال للوصل إلى المدينة ، ونفس المبلغ عند العودة إلى القرية، قائلا " هناك ناس أعرفهم لا يقدرون على تكاليف المستشفيات الخاصة في الحوبان وغير قادرين على الوصول إلى مستشفيات الدولة بسبب الحصار والفقر".

ويشير حميد في حديثه لـ"المجهر" أن الناس في تلك المديريات يتمنون أن تفتح الطرق حتى يتمكنوا من الوصول إلى المستشفيات الحكومية، للحصول على رعاية صحية أفضل حالاً.

ووفقاً لتقارير حقوقية فإن عدد ضحايا الأمراض المزمنة (سرطان، فشل كلوي) بسبب حصار جماعة الحوثيين المصنفة على قوائم واشنطن للمنظمات الإرهابية العالمية تجاوز 3643 حالة  بينهم، 664 حالة وفاة نتيجة الحصار، فيما بلغ عدد ضحايا الطرق البديلة لمدينة تعز نتيجة حصار الجماعة أكثر من 142 حالة وفاة حتى نهاية العام 2023، و وفاة 57 حالة بينهم 18 طفلا و7 نساء و6 مسنين، توفوا نتيجة انعدام الأكسجين في مرافق المدينة المحاصرة.

 

تجاهل أممي

 

بحسب مصدر مطلع على لقاء المبعوث الأممي مع السلطة المحلية بمحافظة تعزالأسبوع الماضي، فإن غروندبرج لم يتطرق إلى أي تفاصيل حول ملف الطرق الرئيسية في مدينة تعز، ولم يأتي بجديد سوى حديثه عن نقاشات يجريها مع الأطراف حول ملف الحصار.

وفي السياق ذاته يقول عضو الفريق الحكومي المفاوض بشأن الطرق علي الأجعر، لـ"المجهر" إن الحصار يحتاج إلى كسر وقوة إرادة من السلطة المحلية بتعز وكذلك السلطة الشرعية لإنهاء الحصار الظالم الذي أفسد الحياة.

 ويشير إلى أنه من الواجبات في هذه المرحلة أن ينتهي هذا الحصار من خلال تحريك المياه الراكدة سواء بالمظاهرات في الشوارع او بالهاشتاجات أو في تشكيل لجان شبابية من المنظمات المجتمعية والقوى السياسية.

 ويوضح عضو الوفد الحكومي المفاوض "رسالتنا الحقيقية يجب أن تتوجه الي السلطة الشرعية والسلطة المحلية حتى يتحملوا المسؤولية الكاملة أمام هذا الحصار الجائر الذي أهلك الناس" مؤكدا المجتمع الأممي والدولي سيتحرك وفقًا للأعمال الاحتجاجية من أبناء تعز، والذين يفتقدون منذ ثمانية أعوام إلى الصحة الماء والكهرباء، وخاصة المرضى الذين لا يستطيعون الوصول إلى المستشفيات الحكومية بسبب الحصار.

إلى ذلك قال محافظ تعز نبيل شمسان في تصريح صحفي لوسائل الإعلام أنه طرح على المبعوث الأممي خلال زيارته الأخيرة معاناة سكان مدينة تعز من الحصار والآثار المترتبة على الخدمات الأساسية وتنقل المواطنين وتدفق السلع إلى المحافظة.

وشدد شمسان على أن لا يتم التعامل مع تعز مثل المفاوضات السابقة وتحويل ملف الطرق إلى نقاشات فقط، مشيراً إلى أن المبعوث الأممي أكد أن تعز موجودة في ملف عمله في الوساطة وعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

 

دور الوساطة

 

ومنذ سنوات برزت أعمال الوساطة المحلية بشكل خجول لا ترتقي إلى مستوى المعاناة من الحصار، حيث تشير الناشطة الحقوقية داليا محمد إلى أنه يجب أن يكون عمل الوساطة واضح ومستمر وليس بشكل موسمي كما هو حاصل، فيما شرع المبعوث الأممي في التعامل مع ملف الطرق بتعز بشكل انتقائي مجرد من العمل الانساني والحياد، وإن تم طرحه في طاولة المفاوضات يكون على الهامش فقط.

وتقول "للأسف الحوثيين يتعاملوا مع قضية حصار تعز من جانب سياسي عسكري رغم أنه كانت قدمت العديد من التنازلات والتسهيلات على فتح الطرقات وضمن طرح شروط إلا أنه في كل مرة الحوثيين يرفضون ويرفعون سقف مطالبهم من أجل عرقلة فتح الطرق.

وتؤكد داليا محمد لـ"المجهر" إن المرضى هم الأكثر معاناة من الحصار خاصة الامراض الذين يحتاجون إلى علاج مستمر مثل مرضى السرطان والفشل الكلوي، لا يستطيعون الدخول في الاسبوع مرتين او ثلاث مرات من اجل الغسيل والجرعات الكيماوي بحكم أن المراكز الاساسية والكبيرة وسط المدينة وهي الوحيدة.

 وتضيف " إذا قرر مرضى السرطان والفشل الكلوي أو أي مرضى السكن  في المدينة سيكلفهم أعباء مالية كبيرة، فهم يحتاجون إلى إيجار ومصاريف".

ووفق للمادة 55 من الدستور اليمني، فإنه من حق جميع المواطنين الحصول على الرعاية الصحية، وتكفل الدولة هذا الحق بإنشاء مختلف المستشفيات والمؤسسات، على أن تتعاون جميع مؤسسات الدولة في تسهيل وصول المواطنين إلى المؤسسات الصحية.

 

غياب الخدمات الصحية

 

تعاني مديريات شرعب والتعزية وماوية وحيفان ومقبنة وخدير من غياب مستشفيات ووحدات صحية كبرى تقدم خدمات صحية جيدة.

وفي هذا الشأن يقول الصحفي مكين العوجري في حديثه لـ"المجهر" أن تلك المناطق تنتشر فيها الأمراض والأوبئة ولا يجد السكان الرعاية الطبية بسبب ارتفاع تكاليف الخدمات الصحية في المستشفيات الخاصة.

ويضيف "إذا قرر المواطن الدخول عبر الطرق البديلة لن يستطيع بسبب تكاليف النقل وكذلك السكن في المدينة، لافتاً إلى أن النساء والشيوخ يتجرعوا الويلات والأوجاع، والأمراض تفتك بهم، وأن الكثير من الأسر تتمنى أن تحصل على علاج وخدمات صحيه في المستشفيات الحكومية مثل الثورة والجمهوري، لأن الخدمات في تلك المناطق تكاد تكون معدومة.

ويشير إلى أن أبسط الخدمات الصحية غير متوفرة لهم خاصة ما يتعلق بالأطفال والنساء، موضحا أنه في كل المفاوضات يتم تهميش ملف الطرقات في تعز وترحيله إلى نقاشات هامشية.

وذكر "العوجري" أن هناك بعض المرضى يضطرون إلى بيع ممتلكات خاصة بهم من أجل الوصول إلى مستشفى الثورة ويتم صرف مبالغ مالية كبيرة من أجل ذلك وهذا يحملهم أعباء مالية في ظل وضع معيشي صعب.

ويكفل الدستور اليمني حرية التنقل لجميع المواطنين، حيث تنص المادة (57) أن حرية التنقل من مكان إلى آخر في الأراضي اليمنيـة مكفولة لكل مواطن، ولا يجوز تقييدها إلا في الحالات التي يبينها القانون لمقتضيات أمن وسلامة المواطنين وحرية الدخـول إلى الجمهورية والخروج منها ينظمها القانون.