الاثنين 16/سبتمبر/2024
عاجلعاجل

محور المقاومة.. كيف تستخدم إيران الجماعات المسلحة لضرب المنطقة العربية؟ (تقرير خاص)

محور المقاومة.. كيف تستخدم إيران الجماعات المسلحة لضرب المنطقة العربية؟ (تقرير خاص)

منذ أوائل ثمانينات القرن العشرين، بدأت إيران عملية غرس فصائل وجماعات إرهابية، في عدد من الدول العربية، بدءًا من العراق ولبنان، وصولًا إلى سوريا واليمن، حيث ترتبط هذه الفصائل بطهران ارتباطًا وثيقًا من ناحية التمويل والتسليح والتدريب، شرط أن تتبع توجهات إيران السياسية والعسكرية والدينية.

وتتمثل مهمة هذه الفصائل بأنها الذراع التنفيذي للمشروع التوسعي، المؤمن بالمبادئ الثورية الإيرانية العابرة للحدود، وهذا ما يعرف بـ "محور المقاومة" الذي يدّعي مناهضة إسرائيل، ويزعم أنه يتبنى موقفًا معاديًا للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، بالرغم أن غالبية هذه الجماعات ضمن قائمة "المنظمات الإرهابية".


تخادم علني

 

قبل أيام، ظهرت أسماء محمد، الزوجة الأولى لزعيم تنظيم داعش السابق "أبو بكر البغدادي"، في حوارها الحصري مع "العربية" و"الحدث" تطرقت إلى عدة زوايا وكشفت العديد من الأسرار عن حياة زعيم إرهابيي العالم، الذي تصدرت أفعاله الإجرامية العناوين حول العالم لسنوات طويلة.

وأكدت أن البغدادي تحدث لمرات كثيرة مع قاسم سليماني، وجمعتهم لقاءات عديدة، إضافة إلى أن زوجها زار طهران والتقى بمسؤولين كبار في النظام الإيراني، وأنه كان معجبًا بالشيعة وأفكارهم، الأمر الذي يفسر العلاقة بين "داعش" وإيران، وغيرها من التنظيمات الإرهابية في المنطقة.

ومن هذا المنطلق، هناك أسئلة كثيرة تستدعي الإجابة، حول كيف تدير طهران الفصائل والجماعات في المنطقة، وما الهدف من هذه الميليشيات، وما وراء مشروعها التوسعي، وكيف حاولت استغلال القضية الفلسطينية؟.

 

استغلال مفضوح

 

يقول الصحفي والباحث همدان العليي، لـ "المجهر": "كان من الواضح منذ وقت مبكر الرغبة الخمينية في استغلال القضية الفلسطينية، وهي القضية العادلة لتحقيق الكثير من المآرب والأهداف الخاصة بها ضمن مشروعها في المنطقة.. واستغلالًا لعاطفة العرب والمسلمين تجاه القضية الفلسطينية تم رفع هذا الشعار، وتم إنشاء جماعات إرهابية كفروع لها في عدد من الدول العربية بعضها قد ظهرت مثل جماعه الحوثي في اليمن، وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق وأتباع وجماعات أخرى في سوريا، بالإضافة إلى جماعات لم تظهر بعد في بعض الدول العربية والإسلامية خاصة في افريقيا".

ويؤكد العليي بأن هذه الجماعات استخدمت الشعارات الخاصة بالقضية الفلسطينية لتمرير مشروعها من خلال دفع هذه الجماعات للاصطدام بشكل مباشر مع الأنظمة والمكونات السنية في هذه الدول بهدف الهيمنة والتغيير الديموغرافي والفكري.

ويشير إلى أن القصد بالجانب الفكري والثقافي هو الدين والمذهب (السني) وبالتالي يقوم النظام في إيران وليس الشعب الإيراني بإدارة هذه الجماعات واستخدامها لتحقيق هذه المآرب.

الباحث العليي، أوضح أن أحداث غزة جاءت لتثبت بأن هذا المشروع انتقل إلى طور جديد، حيث أصبحت الجماعات أكثر خطورة؛ كونها باتت تهدد مصالح ليس فقط مصالح الدول التي تتواجد فيها، وإنما مصالح المنطقة ككل، ومصالح دول العالم بأكملها, حد وصفه.

ويستطرد قائلًا بأسف، إن عصابة الحوثي وبقية الأطراف التابعة للمشروع الخميني في المنطقة نجحت في الآونة الأخيرة في تحقيق العديد من الأهداف، بعدما أقنعت نفسها بالقضية الفلسطينية وبأحداث العدوان على غزة.

 

توسيع النفوذ

 

وبهدف الحفاظ على نفوذها في المنطقة، دعمت إيران كل الجماعات السابقة، بل وسعت لتوحيد الخلافات العقائدية بين تلك الجماعات، وهذا ما ساهم في توسع دائرة الهيمنة الإيرانية في المنطقة.

وبحسب دراسات سياسية, فإن طهران تعتمد منذ سنوات على الحرب بالوكالة، من خلال ضلعي المثلث الشيعي "حزب الله" اللبناني، وهو الحليف الاستراتيجي، وأحد أذرعها العسكرية القوية، حيث يمتلك قوة عسكرية تكافئ الجيوش، فضلاً عن الانتماء العقدي لنفس المذهب الشيعي، ففي مواقف عدة أعلن ولاءه للمرشد الأعلى الإيراني صراحةً، وميليشيا الحوثي في اليمن التي تمتلك قدرات عسكرية أقل وتنتمي لنفس المنطقة المذهبية، وتستخدمها إيران لاستهداف أعدائها في المنطقة، باعتبارها الذراع الأخر لها.

وقال باحثون إن إيران عملت على أن يكون لها نفوذ حركي داخل غزة في أوقات سابقة، من خلال تشكيل أجنحة شيعية كحزب الله الفلسطيني، وجماعة عماد مغنية، وحركة الصابرين، وكلفتهم بعمليات في وقت توترت فيه العلاقات مع الحركات السنية "الجهاد، وحماس"، بسبب رفض حماس دعم إيران في موقفها المعادي لبعض الدول العربية، ورفضها تأييد نظام بشار الأسد في سوريا، ورفض "الجهاد" إعلان موقفها من الحرب في اليمن.

وتهدف إيران من دعم الجماعات الإرهابية في المنطقة إلى إعادة تشكيل المنطقة وفقًا لمصالح القلة، ويبدو هذا جليًا من خلال دعم جماعات تدين لها بالولاء، ومحاولة جعلها صاحبة القرار في مستقبل شعوب بالمنطقة، ومن ثم تجيير هذا التمكن والنفوذ لخدمة مصالحها، وتدير عملياتها بالتنسيق مع تنظيمات إرهابية، وهذا ما أكدته شهادة مقرب من زعيم "داعش" البغدادي حول التنسيق مع إيران والخدمات المتبادلة بين الطرفين.

كما تسعى إلى فرض واقع جديد، بحيث تتمكن أذرعها وتصبح هي الحاكمة والممثلة للشعوب، وبالتالي تصبح المنطقة بما تحويه من موارد بشرية ونفطية ومواقع إستراتيجية برًا وبحرًا تحت تصرف الدولة الإيرانية، ومن ثم التأثير في القرارات الدولية والإقليمية لصالح خدمة مشروع إيراني طويل الأمد يسعى في مجمله للنفوذ والسيطرة ونهب الثروات وإسكات المخالفين, وفق مراقبين.


حرب مباشرة

 

يعتقد الصحفي سلمان المقرمي أن الحرب ليست بالوكالة، بل هي حرب مباشرة، قائلا "لكن ما هو موجود ليس إيرانيين الجنسية، بل عرب أو أفغان أو باكستان، يدينون بالولاء لإيران، التي تدير الحرب في المنطقة بواسطة العنف، الطائفية، المذهبية، السيارات المفخخة، والألغام". ويتابع: "الحوثيين يديرون المعركة بالسلالية، بالطائفية، بالمناطقية، بالقبلية، بالألغام، بالقناصة، بالصواريخ والطيران المسير، وبإغلاق الطرقات".

ويشير في حديثه لـ"المجهر" إلى أن الهدف من نشر هذه الجماعات هو حماية طهران، وحماية النظام الإيراني من السقوط.. "أهم أهداف إيران منذ الحرب الإيرانية العراقية، هو عدم وقوع حرب في إيران، والعمل على نقل المعركة إلى مناطق بعيدة عنها، وهي ما حققته بالفعل منذ الغزو الأمريكي للعراق، وإعطاء مساحة للطائفية بالتحرك والمليشيات الوكيلة".

ويرى الصحفي سلمان، أن محور إيران صُمم لتدمير الدول العربية، أبرزها العراق واليمن، سوريا، البحرين والخليج، لافتًا أن هذا المحور يتكامل مع المشروع الصهيوني على المستوى الإيراني اللذان يختلفا عند بعض النقاط حول مدى ومساحة وظيفة كل منهما في مشروع النظام الدولي في استهداف العرب، حيث تبين أنهم أحد المشاريع المدمرة لردة فعل الشارع العربي تجاه الحرب بغزة في أضعف مستوى العداوة التأريخية، لأن المجتمع العربي مدمر وممزق بسبب النظام الإيراني.

 

تقسيم البلدان

 

وفي قراءة لتطور موقف التنظيمات الإرهابية في سياق أحداث غزة، تقول أسماء دياب، رئيس برنامج دراسات الإرهاب والتطرف في المركز المصري "رع" للدراسات الإستراتيجية، إن الطائفتين تتفق في العدو المشترك، حيث تعتبر التنظيمات السنية (القاعدة وداعش وحماس وهيئة تحرير الشام)؛ والشيعية (حزب الله، والحوثي، وفاطميون وأنصار الله، والحشد الشعبي)، أن أمريكا وإسرائيل عدوهم الأول، ويختلفا في أولوية قتال هذا العدو، حيث ترى بعض الجماعات السنية، أن قتال الحكام العرب "الطواغيت" له الأولوية.

وفي أوقات عدة، صرحت قيادات داعشية عدم استعدادهم لقتال إسرائيل بسبب إتباعهم لفقه الأولويات، وأنهم يعتبرون الأولى قتال الحكام العرب وأعوانهم، لتمهيد الطريق لقتال إسرائيل في مرحلة لاحقة، في المقابل تنضوي الجماعات الشيعية تحت قيادة واحدة، ويعملون في ظل نظام الدولة الإسلامية "إيران"، ويتبعون نظام "الولي الفقيه"، لا يهدفون أو يسعون لقتاله أو الانقلاب عليه، ويتوحدون في مقابل الهدف والعدو المستهدف.

وأضافت بأن الجماعات السنية والشيعية، تتوافق بانتمائها التنظيمي لمرشد يدينون له بالسمع والطاعة، وتوظيف دعاوي تحرير القدس في خطابهما لكسب شعبية ومؤيدين، في حين أن الجانبين يسعيان إلى مشروع خلافة عالمي يتجاوز فلسطين ولا يعنيهم تحرير الأرض من محتل، بحيث إذا احتل أرض فلسطين جماعة دينية إسلامية لما حارب أي من الفئتين لتحريرها، فلسطين بالنسبة لكلا الجانيين جزء من أرض الخلافة، وصرحت قيادات حمساوية من قبل، بأن فلسطين لا تعنيهم على الخريطة، كونها لا تتعدى خلة أسنان في مشروعهم العالمي.

 ووفق تقارير فإن هذه الجماعات والتنظيمات تعظم ثقافة الموت وتستهين بالأرواح، فالقطبين يعتقدون بأن الجهاد المسلح فرض على كل مسلم، فهم لا يؤمنون بدور المعاهدات والمواثيق ووقف إطلاق النار في حل الصراعات ضد عدوهم، نتيجة لذلك لا يعبئ الطرفين بأرواح الفلسطينيين من المدنيين الذين يسقطون كل يوم في غزة، ويعتبرون من يموتون مرابطون صامدون من أجل القضية التي لا تعنيهم من الأساس.

ونتيجة العقيدة السابقة؛ تعلن يوميًا جبهة الممانعة وتتفاخر مدعية إحراز نصر على إسرائيل، وتهاجم بعض أذرع تلك الجماعات موقف الدول العربية (محور الاعتدال) وتنكر كل مساعي تلك الدول لصالح الشعب الفلسطيني، من التفاوض لوقف النار، وإدخال مساعدات ومعالجة الجرحى.

الخبير والمحلل العسكري، عبدالباسط البحر، يقول لـ "المجهر": إن التنظيمات الإرهابية المرتبطة بطهران بما فيها جماعة الحوثي، تحاول الاستفادة من أحداث غزة، وكل الدلائل تشير إلى أن ما تقوم به هذا التنظيمات لا يقدم دعمًا للقضية الفلسطينية، وإنما تعد كل التحركات بمثابة محاولة لكسب ود الشعوب في المرتبة الأولى، والحصول على مكاسب سياسية معظمها داخلية في الأقطار التي تتواجد فيها هذه التنظيمات.

ويعتبر البحر "محور الممانعة" مجرد تسمية إعلامية لا تمت لمهمات هذه الجهات بصلة، مشيرًا إلى أن كل الصراعات التي تديرها الفصائل، تصب في سبيل تقسيم الأوطان وزراعة الفرقة فيها، وهذه المهمة تسهل لقوى المصالح الكبرى السيطرة بسهولة على مقدرات البلدان، وأن فكرة الصراعات التي يتبناها من يدعون أنهم محور الممانعة تضعف الشعوب، وتقف حاجزًا أمام مسيرات البناء والتنمية، ولا تسمح لهذه البلدان بالتحرر الاقتصادي والسياسي وهذا يخدم إسرائيل ومن يمولها ويقف معها ويدعمها.

 

تحالف قاعدي حوثي

 

تواردت معلومات من مصادر غربية عن وجود تحالف بين تنظيم "القاعدة" وإيران، من خلال الإرهابي المصري الجنسية "سيف العدل" زعيم التنظيم الحالي المقيم في إيران، وأكدت المصادر عقد اتفاق وتحالف برعاية إيرانية بين الحوثيين وفرع تنظيم "القاعدة" باليمن، مما يبرر رفع كفاءة وجاهزية قوة "الحوثي" منذ مطلع العام 2023، وهو الوقت الذي بدأ التحالف السني الشيعي المذكور، الذي نتج عنه انشقاق قيادات عن تنظيم القاعدة، وصدور أحكام بالإعدام ضد آخرين بسبب التحالف القاعدي الإيراني الحوثي.

وترك هذا الاتفاق، مجالًا آمنًا لتعزيز نشاط جماعة الحوثي، من خلال عدم تنفيذ أي أعمال انتحارية من قبل تنظيم "القاعدة" في نطاق سيطرة الحوثيين، وعدم مشاركة التنظيم لأي جهة في توجيه ضربات للحوثي، مما ترتب عليه توسيع رقعة سيطرة الحوثي، وزيادة معدل التجنيد في الجماعة الحوثية، وزيادة فاعلية التدريب والتسليح، وإفساح المجال لجماعة الحوثي، باستهداف خصوم إيران في المنطقة.

وينعكس تمجيد ثقافة الموت في سلوك العنف الذي تقوم به جماعة الحوثي في مناطق سيطرتها، بقتل الأقارب المخالفين لهم، إلى جانب استغلال القضية الفلسطينية ما أدى إلى نتائج كارثية على كافة الأصعدة، فالشعوب العربية تضغط بالرأي للدفاع عن القضية الفلسطينية في مقابل حكومات غربية تتحالف مع العدو الصهيوني.

وحسب خبراء عسكريين، فإن الأحزمة الناسفة التي تستخدم ضد الشرعية، تأتي إلى القاعدة وداعش من الحوثي وإيران، كونهم الحاضنة والممول الرئيسي للجماعات، حيث تفيد المؤشرات بأن أغلب أعمال التنظيمات الإرهابية، في مناطق الشرعية تجري بتمويل ودعم وإدارة من غرفة يديرها إيرانيون. مؤكدين أن من يقوم بالتفجيرات داخل مناطق الشرعية هي جماعة الحوثية الإرهابية بأيدي القاعدة وداعش.