في مدينة تعز التي يحاصرها الحوثيون للعام التاسع على التوالي (جنوبي غرب البلاد)، تمر شحنات الأدوية الرسمية و المزورة (البديلة) عبر تصاريح رسمية من السلطات التابعة للحكومة المعترف بها، فيما يسيطر نافذون وتجار على سوق "الأدوية المهربة" ويستخدمون شبكة واسعة من العلاقات لإدخالها إلى المدينة وضخها في السوق.
تؤكد مصادر مطلعة لـ"المجهر" أن آلية عبور شحنات الأدوية_ على اختلاف أصنافها_ إلى مدينة تعز ظلّت ثابتة لسنوات، إلا أن صراعًا خفيًا بدأ يطفو على السطح، بظهور شخصيات نافذة اتجهت مؤخرا إلى "الأدوية المهربة" باعتباره تجارة مربحة، الأمر الذي يفاقم من المشكلات الصحية للسكان كون تلك الأدوية غير مصرحة للاستخدام.
صراع النفوذ
أظهر محضر جمع استدلالات اطلع عليه "المجهر" ضبط شرطة مديرية المسراخ كمية من الأدوية المهربة في الثالث والعشرين من فبراير/ شباط الفائت، والتي تعود ملكيتها لشخص يدعى هشام غازي حسن سيف، حيث أقر بأنه كان ينوي تهريبها إلى مناطق سيطرة الحوثيين.
وبحسب مصدر صيدلاني يعمل في إحدى شركات الأدوية فان دخول جهات وشخصيات في سوق تجارة وتهريب الأدوية ومحاولة السيطرة على السوق بأدوية وأصناف معينة معظمها مهربة وبديلة (مزوّرة) أحدث صراع بين قوى المصالح والنفوذ.
من جهته، أكد مصدر أمني لـ"المجهر" أن تلك الجهات والشخصيات النافذة التي برزت مؤخرا في عملية تهريب الأدوية تتورط فيها قيادات عسكرية وأمنية لم يسمها.
وأوضح أن تلك الشخصيات سعت إلى مضايقة تجار ومافيا الأدوية، ووصل الأمر إلى مرحلة متقدمة من الصراع من خلال الإبلاغ عن بعض الشحنات واستخدام السلطات الرسمية لضبطها وإتلافها.
وأشار المصدر إلى أن تلك الإجراءات أدت إلى إعلان السلطات في الثالث عشر من فبراير/ شباط الفائت إتلاف كمية كبيرة من الأدوية المهربة بلغت 2 طن، وتعود ملكيتها لتجار الجملة في المدينة.
وأضاف "تجار سوق الأدوية لم يلتزموا الصمت بعد إتلاف تلك الكمية وقاموا بعمل مضاد بالإبلاغ عن شحنات الأدوية المهربة التابعة للاعبين الجدد في السوق، وهو ما أدى إلى ضبط كمية تبلغ قيمتها أكثر من 800 مليون ريال في نقطة أمنية بمديرية المسراخ".
ونوّه المصدر إلى أنه تم إيصال تلك الكمية إلى فرع الهيئة العليا للأدوية بتعز وبعد فصحها تبين أنها لا تطابق المواصفات وغير مصرحة للاستخدام، وقامت الهيئة بالترتيب لإتلافها إلا أن مالكي تلك الشحنة حالوا عرقلة عملية الإتلاف، بل وصل بهم الأمر إلى عرض مبلغ مالي كبير للهيئة بغرض إطلاقها.
اقتحام الهيئة
مطلع الأسبوع الجاري اقتحم مسلحون مبنى فرع الهيئة العليا للأدوية بمدينة تعز ونهبوا الكمية المضبوطة من الأدوية المهربة، والتي لم تشر إليها الهيئة بشكل صريح أو تحدد أصنافها.
وقالت الهيئة في بيان أن فرع الهيئة العليا للأدوية بتعز كان يستعد لإتلاف كمية كبيرة من الأدوية المهربة التي تم ضبطها وتحريزها قبل عدة أيام من قبل الهيئة، وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية في نقطة المسراخ صبر أثناء محاولة تهريبها إلى المدينة.
وأوضح البيان أن عشرات المسلحين أقدموا على اقتحام فرع الهيئة في تمام الساعة العاشرة صباحًا في الثالث من مارس/ آذار الجاري ، وقاموا بتطويق المبنى وقطع الطرق، واقتحام العمارة التي بها مقر الفرع، والاعتداء على الموظفين وإشهار الأسلحة في وجوههم وتهديدهم، وأخذوا بالقوة الأدوية المهربة التي كان الفرع بمعية الجهات المعنية يستعد للذهاب بها من أجل القيام بعملية الإتلاف القانوني لها.
وطالب البيان السلطة المحلية والأجهزة الأمنية بضبط المسلحين المعتدين وإيصالهم إلى الجهات المختصة لينالوا جزاءهم الرادع، محذرا من مغبة وكارثة وصول هذه الأدوية المهربة إلى السوق وخطرها على حياة الناس كونها سم قاتل.
إلى ذلك، قال مصدر عسكري لـ"المجهر" إن المسلحين الذين اقتحموا فرع الهيئة العليا للأدوية يبلغ عددهم (45) فردًا يستقلون 6 مركبات نقل عسكرية ومدنية بالإضافة إلى دراجة نارية.
وأوضح المصدر_ فضّل عدم الكشف عن اسمه_ أن المسلحين يقودهم فرد يدعى "م. ج" ولا يحمل أي صفة قيادية أمنية أو عسكرية، وتلقى مبلغ 30 مليون ريال مقابل الاستيلاء على الأدوية المضبوطة من مقر الهيئة، وهو ما تم بالفعل.
وعن تأخر إتلاف الشحنة لأكثر من أسبوع، قال المصدر أن مالكي الأدوية المهربة عرقلوا عملية الإتلاف ثلاث مرات بهدف استعادتها بالتفاوض لكن دون جدوى، ما دفعهم إلى اتخاذ قرار اقتحام مقر الهيئة.
موقف السلطات
في الرابع من مارس/ آذار الجاري، أقرت اللجنة الأمنية بمحافظة تعز غداة اقتحام مقر هيئة الأدوية، تشكيل حملة أمنية مشتركة بقيادة رئيس عمليات محور تعز العسكري العميد عدنان رزيق لضبط مهربي الأدوية والمسلحين الذين اعتدوا على مقر الهيئة وقاموا بنهب كميات من الأدوية المهربة.
وشدد رئيس اللجنة الأمنية محافظ المحافظة نبيل شمسان على سرعة اتخاذ كافة الإجراءات والرفع بأسماء المسلحين الذين اعتدوا على الهيئة كذلك ضبط المهربين وإستعادة الادوية المهربة وإتلافها كونها تشكل جريمة وخطرا كبيرا على صحة وسلامة المواطنين.
من جهته، أكد مدير فرع الهيئة العليا للأدوية بتعز محمد الصوفي أن عشرات المسلحين يستقلون أطقما عسكرية هاجموا فرع الهيئة بعشرات واعتدوا على الموظفين والموظفات والتهديد باستخدام السلاح وأخذوا شحنة الادوية والتي تزيد قيمتها عن 800 مليون ريال بعدد 14 كرتون تحوي أدوية مختلفة.
كما شدد الاجتماع على ضرورة الضرب بيد من حديد وضبط المسلحين ومن يقف ورائهم وتقديمهم للعدالة، وفق إعلام السلطة المحلية بمحافظة تعز.
وفي الوقت الذي لم تفصح فيه الهيئة العليا للأدوية بتعز عن أنواع الأدوية المهربة التي استولى عليها مسلحون، أظهر تعميم صادر عن الهيئة في اليوم التالي لاقتحام مقرها، بإيقاف صرف وبيع واستخدام تشغيلة صنف (Ultrativ-M) التابع للوكيل شركة الفرقان التجارية المحدودة.
كما قضى التعميم الذي حصل "المجهر" على نسخة منه بسحب جميع الكمية من هذا الصنف من السوق الدوائية بسبب تغيّر الخواص الفيزيائية فيه، وإعادته المصدر الذي تم الشراء منه، ليصل في النهاية إلى المستورد أو فروعه.
إلى ذلك، أفاد مصدر أمني لـ"المجهر" أن الحملة الأمنية تمكنت أمس الثلاثاء من ضبط جزء من كمية الأدوية المستولى عليها من فرع الأدوية، حيث بلغت الكمية المضبوطة ثلاثة كراتين تم تحريزها في منزل أحد المطلوبين بمنطقة عقاقة ويدعى "و. ح".
ضبط وإتلاف
في الثالث عشر من فبراير/ شباط الفائت أعلنت هيئة الأدوية بتعز إتلاف كمية كبيرة من الأدوية المهربة، التي تم ضبطها من قبل قوات الشرطة العسكرية في المحافظة في منافذ عدة أثناء محاولة إدخالها إلى المدينة.
وأوضحت الهيئة أن الكمية بلغت 2 طن من الأدوية المهربة، دون الإشارة إلى أنواعها وأصنافها، فيما كشف تحقيق سابق نشره "المجهر" منتصف يناير/ كانون ثاني الماضي أن من أبرز الأدوية المهربة المنتشرة في السوق: "تجريتول" أقراص وشراب – "كونفيلكس" شراب وكبسولات – "ديباكين" أقراص وشراب وقطر – وعلاج السكر "أماريل" رقم 1,2,3,4.
وخلال العام الماضي، أعلنت الشرطة العسكرية بتعز عن عدة عمليات ضبط وإتلاف لأدوية مهربة منها 696,600 كبسولة من صنف برجالين 300 مجم، تم ضبطها في الرابع والعشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي أثناء محاولة إدخالها إلى المدينة عن طريق نقطة الهنجر.
وفي نوفمبر/ تشرين ثاني أعلنت الشرطة العسكرية في غضون يومين عن عمليتي ضبط لأدوية مهربة في نقطتي الهنجر والدمغة.
وتضمنت المضبوطات 42،000 كبسولة، من صنف (phenobarbital) المؤثر العقلي على متن حافلة نقل، حيث تم ضبطها مع السائق، لإحالتهما إلى الجهات المختصة لإتخاذ الإجراءات القانونية، وفق البيان.
كما أتلفت الشرطة العسكرية في سبتمبر/ أيلول الماضي أدوية مخدرة ممنوعة مهربة تم ضبطها في نقطة الهنجر كانت في طريقها إلى مدينة تعز، بلغت 4500 كبسولة صنف برجابالين 300 مجم، و صنف Fentanyl 817m.
تبعات كارثية
في تحقيق "المجهر" حول الادوية المهربة يقول مصدر طبي "إن الأدوية المهربة تتمتع بحماية من داخل الهيئة العليا للأدوية نفسها، مضيفًا أنه على الرغم من " تولي بعضهم مناصب هي في الأصل تحارب تهريب الأدوية إلا أنهم يستغلون ذلك لتمريرها".
ويوضح أن "العماد" من كبار المهربين للأدوية في تعز رغم كونه عاقل سوق الجملة للأدوية، مؤكدًا أن هناك محلات رسمية في حي الأجينات بمدينة تعز لبيع الأدوية المهربة، منها محلات "القريضي، والعماد، والقانوني" إلى جانب بيوت وشقق وسط المدنية خاصة في الحارة القديمة.
وحول هذا الموضوع، يشير رئيس هيئة الأدوية بتعز محمد الصوفي إلى خطورة الأدوية المهربة التي تعد بمثابة القاتل الصامت والسم الرخيص، الذي يتناوله المرضى في طريقهم للعلاج فيكون طريقهم بكل أسف إلى الموت أو مضاعفة أوجاعهم بدلاً من علاجها.
ونوه الصوفي في تصريح سابق إلى أن نسبة كبيرة من الأدوية المهربة لا تحتوي على المادة الفعالة، وهي أيضًا غير مضمونة الصلاحية، وأنها لم تراعي ظروف التخزين والنقل الصحيح للأدوية وحساسية المواد المكونة لها، مما يجعلها تحت جملة من التأثيرات السلبية التي قد تلحق الأذى والضرر بالمرضى.
إلى ذلك، يقول المحامي إيهاب الدهبلي في منشور على منصة فيسبوك عقب حادثة اقتحام هيئة الأدوية "ابني أحمد مريض بالسكر من النوع الاول عافاه وعافاكم الله ويستخدم نوعين من الأنسولين وتحدثت قبل يومين أنا ورئيس الهيئة العليا للأدوية حول الشركات التي تقوم بجلب هذا الدواء بشكل رسمي وما هي الصيدليات الذي تبيعه بشكل مرخص لكي أتجنب شراء المهرب".
ويضيف الدهبلي" الآن أريد أن أعرف هل أنسولين نوفو رابيد وأنسولين لانتوس كانا من ضمن الشحنة المحجوزة والتي تمت سرقتها من مخازن الهيئة أم لا؟!".
ويؤكد المحامي الدهبلي "هذا من حقي كمواطن ووالد لطفل مريض لكي أحذر من ذلك" محملا السلطات المحلية والأمنية بتعز المسؤولية الكاملة جراء أي ضرر قد يتعرض له ولده في حال استخدام هذه الأنواع من السوق وكانت ضمن الشحنة المنهوبة، حد وصفه.