اعتاد اليمنيون عند استقبال شهر رمضان كل عام التحضير وتأمين متطلبات واحتياجات الأسر من مواد غذائية وغيرها، إلا أن هذا العام يبدو أنه لا يشبه الأعوام التي خلت, في ظل وضع معيشي صعب.
وتعيش أغلب الأسر اليمنية في فقر مدقع جراء تدهور الوضع الاقتصادي وانعدام فرص العمل منذ أن اجتاحت جماعة الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران المدن اليمنية وسيطرت على مؤسسات الدولة في البلاد.
عام مختلف
محمد الفقيه موظف حكومي يعمل معلم في إحدى المدارس الحكومية بسبب الأزمة الاقتصادية أصبح يشعر باليأس كونه لم يستطع شراء أبسط، يقول " لا نستطيع شراء أبسط المواد الغذائية فماذا يفترض بنا أن نأكل".
ويتحدث محمد عن تفاصيل معاناته لـ"المجهر" :لو كان يجوز صيام الليل والنهار لقررنا الصوم 24 ساعة، لم نعد نحتمل فظاعة الوضع المعيشي الذي نكتوي به والكثير من الناس.
ويستحضر الفقيه السنوات الماضية وخاصة ما قبل الحرب، قائلا "الاستعداد لرمضان كان في الزمن الجميل قبل الحرب، أما في زماننا الحاضر فلا يعلم بحالتنا إلا الله" أصبح محمد يخشى الذهاب الى السوق من الارتفاع الجنوني في أسعار السلع.
الأوضاع الاقتصادية المزرية في البلاد جعلت أغلب الأسر غير قادرة على تحمل تكاليف أبسط الاحتياجات لإطعام أفرادها، خاصة الموظفين الحكوميين كما هو حال محمد الذي أصبح راتبه لا يكفي قيمة إيجار الشقة التي يسكنها، فيما عجز الكثيرين من الحصول على عمل جديد في ظل الوضع الاقتصادي السيء بينما تتقلب الاسعار في كل يوم بل في كل ساعة, حد قوله.
توترات المنطقة
يعتقد مدير مكتب الصناعة والتجارة بتعز مصطفى الأديمي أن توترات البحر الاحمر التي تقودها جماعة الحوثي الإرهابية زادت من معاناة السكان وساهمت في زيادة أسعار السلع التي أثقلت كاهل المواطنين.
ويشير في حديثه لـ"المجهر" إلى أن ارتفاع تكاليف النقل والتامين البحري بفعل أحداث البحر الأحمر أدى إلى ارتفاع شحن الحاويات إلى أسعار مضاعفة.
وأضاف الأديمي " بالنسبة لمادة الدقيق والقمح هناك ارتفاع سعر المصنع من صوامع عدن لهذه المواد الأساسية موازاة مع ارتفاع سعر الصرف ارتفاعاً وانخفاضا، إضافة إلى فارق النقل لتعز وهامش الربح".
وقال "هناك بعض التجار بدلا عن مراعاة الوضع الاقتصادي للمواطن وخاصة في شهر الخير المبارك يغتنم الفرصة باستغلال المواطن سواء بالمغالاة والاحتكار أو بجلب السلع ليست بالجودة المطلوبة" حد تعبيره.
وأكد الأديمي أن مكتب الصناعة والتجارة ينفذ نزول ميداني بشكل يومي، عبر اللجان الميدانية المتمثلة بمأمور الضبط القضائي والرفع بالمخالفات من عدم الالتزام بالإشهار السعري والمغالاة والاحتكار والمواد المنتهية والتالفة وإحالتها للنيابة المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال ذلك بموجب قانون التجارة الداخلية رقم 5 لعام 2007 وقانون حماية المستهلك رقم 46 لعام 2008.
وأوضح أن النزول يتركز في الأسواق ومراقبة مدى انسياب السلع وتوفرها وخاصة السلع الأساسية والزام التاجر بعمل لوحه خاصه بذلك.
ومنذ بداية ديسمبر 2023، استهدفت جماعة الحوثي الإرهابية أكثر من 20 سفينة تجارية بمناطق البحر الأحمر ومضيق باب المندب، باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة، كجزء من أعمالها الإرهابية تحت ذريعة مناصرة غزة، في الوقت ذاته فاقمت من معاناة المواطنين اليمنيين وانعكس ذلك على أسعار السلع وغلاء المعيشة.
تكدس البضائع
من المعتاد أن يحرص التجار على زيادة كمية السلع الاستهلاكية مع اقتراب شهر رمضان، وذلك لزيادة ارتفاع نسبة الطلب، إلا أن هذا الموسم اصطدم التجار بوجود تكدس كبير في البضائع بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
يقول مدير مكتب الصناعة والتجارة مصطفى الاديمي أن الحركة التجارية من حيث تدفق السلع مستمرة، لكن إقبال المواطنين على الشراء انخفض نتيجة الوضع المعيشي من عدم وجود القوة الشرائية والاكتفاء بشراء كميات ضرورية بسيطة ستكون ضعيفة بمائدة رمضان مقارنة بالعام الماضي وأيضا العيد هم أخر لدى المواطن.
ولفت الأديمي إلى أن عدم استقرار سعر صرف العملة الوطنية أمام العملة الأجنبية ينعكس ذلك على ارتفاع أسعار السلع وعدم قدرة مكتب الصناعة على تحديد سعر موحد للسلع والخدمات.
وهذا العام تشهد الحركة التجارية ركود غير مسبوق خاصة مع اقتراب شهر رمضان المبارك والذي ترتفع فيه نسبة التسوق واقتناء السلع، يقول "الحبيشي" وهو تاجر جملة وتجزئة أن نسبة إقبال المواطنين على شراء السلع هذا الموسم انخفضت بشكل كبير مقارنة بالعام الماضي.
ويشير الحبيشي في حديثه لـ"المجهر" إلى أن الأعوام الماضية كانت حركة التسوق ترتفع قبل رمضان بنصف شهر على الأقل، بينما هذا العام لم يتبق على الشهر الفضيل سوى أيام قليلة ومع ذلك يشهد السوق ركود غير طبيعي.
ويوضح الحبيشي أن السلع الغذائية ترتفع بشكل كبير قبل رمضان من قبل الموردين وأصحاب المصانع، وهذا هو الحال في كل سنه مع قدوم شهر رمضان، لكن هذا العام الموطنين ربما غير قادرين على الشراء لذلك نحن لم نلمس أي اقبال يذكر على الشراء، بسبب ارتفاع الأسعار، وينعكس ذلك على التجار من خلال تكدس البضائع متسببا في خسارتهم.
شحة الموارد
أحدثت الحرب التي اندلعت إبان انقلاب جماعة الحوثي على مؤسسات الدولة، تدهور كبير في الوضع الاقتصادي لليمن، والذي انعكس على حياة المواطنين، فيما لعبت الحرب الاقتصادية التي تنتهجها المليشيات الحوثية دوراً بارزاً في تراجع العملة المحلية في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا.
وفي هذا السياق يرى الخبير الاقتصادي فارس النجار أن "شهر رمضان هذا الموسم يعد الأسوأ منذ الانقلاب والحرب الاقتصادية الممنهجة الذي شنتها مليشيات الحوثي على موانئ التصدير وتوقف أهم مورد لموازنة الدولة".
ويشير النجار في تصريح لـ"المجهر" إلى أن الصادرات النفطية كانت تغطي موارد موازنة الدولة بما يقارب المليار ومائتين او المليار ونصف مليون دولار ناهيك أيضا عن انخفاض الرسوم الضريبية والجمركية جراء حرب الحوثيين على موانئ التصدير البضائع الواردة من مناطق الشرعية.
ويوضح النجار أن الأعمال الحربية التي يقوم بها الحوثيين في البحر الأحمر فاقمت من حدة المشكلة الاقتصادية نتيجة تأخر وصول إمدادات الغذاء والدواء الي اليمن وزيادة تكاليف الشحن والتأمين الذي بلغت حسب تقارير تابعة للأمم المتحدة إلى مائة وسبعين في المائة.
ويلفت إلى أن "تدهور قيمة العملة الوطنية نتيجة شحة الإيرادات الدولارية وسيطرة قوة المضاربة على السوق جميعها جعلت اليوم القدرة الشرائية للمواطن تنخفض إلى درجة كبيرة".
ويضيف النجار أن راتب المدرس عام 2014 كان يساوي ما يقارب ألف إلى ألف ومائتين ريال سعودي بينما راتبه اليوم لا يكاد يصل إلى مائة وخمسين إلى مائتين ريال سعودي وهذا يوضح مدى التضخم الكبير في العملة الوطنية وفي أسعار السلع والخدمات وفي فقدان القدرة الشرائية للمواطنين, الأمر الذي جعل نسبة الفقر في اليمن ترتفع إلى 81٪.
كما يشير الخبير الاقتصادي إلى أن 6 مليون يمني دخلوا في المستوى الرابع من حالة انعدام الامن الغذائي وهناك «19» مليون يمني في المستوى الثالث فيما «21» مليون يمني بحاجة إلى مساعدات عاجلة وهناك طفل يموت كل ثلاث دقائق بسبب سوء التغذية وهناك امرأة تموت كل أسبوع بسبب تدني مستوى الخدمات الصحية هذا ما يعيشه المواطن اليمني اليوم في ظل تدهور العملة الوطنية.
وبحسب النجار فإن 21 مليون يمني من أصل 35 مليون يمني تقريبا أصبحوا بحاجة إلى مساعدات عاجلة، حيث أنهم لا يستطيعون الحصول على سلة غذائية متكاملة قيمتها مائة وخمسة وستون ألف ريال يمني وهو أعلى من متوسط دخل المواطن العادي.
ضرورة التنمية المستدامة
وعن الحلول التي يمكن أن تساهم في التخفيف من حدة الغلاء المعيشي يعتقد الخبير الاقتصادي فارس النجار أنه لا يوجد أي حلول قصيرة الأمد، لافتاً إلى أن المؤسسة الاقتصادية اليمنية بدأت في العمل ودخلت كمنافس في السوق، ويجب أن تلعب دور في التخفيف من حدة الغلاء من خلال الاستيراد والبيع للمواطنين باعتبار أنها مؤسسة حكومية تحصل على تسهيلات كثيرة في نشاطها التجاري.
ويرى النجار أن الحلول يمكن أن تكون على المدى البعيد، باللجوء الى تعزيز الانتاج المحلي في القطاعين الزراعي والسمكي لمواجهة حدة انعدام الأمن الغذائي، وتوجيه المساعدات الدولية المالية للبنك لدعم العملة الوطنية والخروج من بوتقة العمل المنظمات من داخل العاصمة صنعاء والتي يستفيد من تدفقات النقد الأجنبي منها الحوثيين.
ويضيف النجار "على وزارة التخطيط إعداد الخطط اللازمة لاستيعاب المساعدات الإنسانية وتوجيهها نحو برامج دعم سبل العيش هذا أهم ما يجب أن يتم التركيز عليه خلال الفترة القادمة".
وأكدت الحكومة اليمنية، أن نسبة الفقر في البلاد ارتفعت إلى 80% وانكماش الاقتصاد بنسبة 50%، في ظل الصراع الذي يشهده اليمن منذ 9 سنوات، جاء ذلك في كلمة لوزير التخطيط والتعاون الدولي واعد باذيب، في المنتدى السياسي الرفيع المستوى للعام 2023، الذي انعقد بمدينة نيويورك الأميركية.
ولفت باذيب إلى أن نسبة انعدام الأمن الغذائي وصلت إلى 60% من السكان، وهناك 80% من السكان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، فضلاً عن نزوج حوالي 4.3 مليون إنسان ويفتقرون إلى الخدمات الأساسية، فيما تقدر ارتفاع المديونية الخارجية وانكماش الاقتصاد بأكثر من 50% من الناتج المحلي، وتراجع الإيرادات العامة، وارتفاع نسبة الفقر إلى حوالي 80%.