يمثل المهمشون في اليمن إحدى الأقليات السكانية الأكثر حرمانا من حقوق المواطنة المتساوية , ويفتقرون لأبسط الحقوق والخدمات على الرغم من أن أعدادهم تتراوح بين 500 ألف إلى 800 ألف نسمة, أي نحو 1.6% إلى 2.6% من السكان, وفق إحصائيات تقديرية.
ويعيش المهمشون في تجمعات سكانية محيطة بالمدن اليمنية الرئيسية, في مساكن من إطارات السيارات والطرابيل, حيث يحاول مطيع شعبان بناء مسكن لأسرته المكونة من ستة أفراد لكن لك تلك الخيمة لا تقيهم برد الشتاء ولا حر الصيف، معاناة تزداد تعقيدًا، في ظل تردي الوضع الاقتصادي وصعوبة الحصول على الاحتياجات الأساسية.
معاناة السكن
يقول مطيع شعبان ، أحد المهمشين القاطنين في مخيم البيرين ، لـ"المجهر" إن الخيمة المبنية من إطار السيارات والطرابيل ، لا تقيهم من تسرب مياه الأمطار في فصل الصيف بل قد تصبح في ذلك الموسم مسكن للثعابين والحشرات القاتلة.
ويضيف شعبان، " أطفالنا في فصل الشتاء معرضون للأمراض المعدية، كالزكام والحميات بسبب نزول البرد بشدة ، وعدم قدرتي على مواجهته ، لأننا لا نمتلك البطانيات والملابس الشتوية".
ويشير شعبان، إلى أن المهمشين في المخيم البيرين وبقية المخيمات يعانون بشدة خاصة في الشتاء من البرد القارس ، بفعل نقص الملابس الشتوية وندرة المعونات الإغاثية، ويعزو ذلك إلى التهميش المتعمد الذي تتعرض له هذه الفئة من السلطات, حد وصفه.
ويؤكد شعبان ، أن المهمشين كانوا يأملون من المنظمات الإغاثية والسلطة المحلية في محافظة تعز النظر إليهم بعين الرحمة، وتقديم أبسط الحقوق المعيشية لهم ، كالخيم والملابس الشتوية والمعونات الإغاثية، إلا أن ذلك كان " مجرد سراب".
تهميش متعمد
مع حلول شهر رمضان المبارك, تتفاقم معاناة المهمشين خصوصا أولئك الذين يقطنون في مخيمات النزوح غربي محافظة تعز, حيث يعيشون ظروفا إنسانية مأساوية متهمين السلطات بالاستمرار في تهميشهم بشكل متعمد.
وأفاد مهمشو مخيم الرحبة غربي تعز لـ"المجهر" أن منظمات الإغاثة تطلب بياناتهم بشكل متكرر لغرض تسجيلهم والرفع بهم للجهات المانحة لتقديم المساعدات، لكن أغلب تلك المنظمات لا تقدم للمهمشين أي مساعدات، سواء إغاثية أو نقدية.
وفي السياق تقول نجاة حسان، إحدى المهمشات في منطقة الضباب غربي مدينة تعز، إن المنظمات الإغاثية تزور المنطقة بشكل متواصل ، وتطلب منا "المهمشين" البيانات مثل ، عدد الأبناء وماهي احتياجاتنا ، مضيفةً "في كل مرة تقدم لهم كل البيانات التي تحتاجها المنظمات، لكن معظم تلك المنظمات لم تقدم أي شيء لنا".
وتشير نجاة في حديثها لـ"المجهر"، إلى أن حالة أسرتها المادية تتدهور يومًا بعد آخر ولم يلمس السكان أي مساعدات بشكل مستمر من قبل المنظمات، عدا بعض المساعدات الإغاثية والنقدية والتي لا تستمر في أحسن الأحوال أكثر من أربعة أشهر.
وتؤكد نجاة ، "في المناطق التي لا يتواجد فيها المهمشين، المنظمات الاغاثية تستهدف المنطقة بشكل كبير ، وبل وتستمر المعونات الإغاثية لسنوات، هذا يدلل على أن المهمشين يواجهون حالة من التهميش المتعمد وبشكل كبير جداً".
تفشي الأمراض
ساهمت الحرب المستمرة منذُ أكثر من تسع سنوات في تفشي الأمراض بفعل تراجع مستوى الخدمات الصحية, حيث أصبحت الأمراض لا تفارق خيام المهمشين، فالكوليرا والحمى الفيروسية وغيرها من الأمراض المعدية انهكت أجساد الكثيرين منهم ، وأدوت بحياة بعضهم ، في ظل عوز شديد يمنعهم من زيارة المرافق الصحية أو المستشفيات.
وتفتقر العديد من النساء المهمشات إلى غياب الرعاية الصحية ومتابعة الأطباء، خصوصًا أثناء فترة الحمل؛ لأسباب كثيرة، كالفقر وعدم حصولهن على المال، وتدهور المرافق الصحية الحكومية أثناء الحرب، ممّا جعلهن يواجهن الأوبئة والأمراض التي يؤدّي بعضها إلى الوفاة.
وبحسب رهيب اللحجي ، أحد المهمشين الساكنين في منطقة مناقل غربي تعز، أن المهمشين في اليمن محرومون من كل شيء ، ولم يحصلوا على حقوقهم المشروعة والأساسية حتى على مستوى الرعاية الصحية واللقاحات.
ويقول رهيب لـ"المجهر" نحن مهمشون بكل شيء ، أما عن الرعاية الصحية فهي منعدمة أساسًا، وغالبا ما يصاب أطفالنا بالأمراض بسبب عدم حصولهم على اللقاحات بشكل دوري ومنتظم.
إلى ذلك, يرى نعمان الحذيفي رئيس الإتحاد الوطني للمهمشين ورئيس المجلس الوطني للأقليات ، أن غياب الرعاية الصحية للمهمشين ،أثر سليًا على حياتهم بل أصبحوا مهددين بالوفاة، مضيفًا ، أن انعدام المرافق الصحية في مخيمات المهمشين، يجعلهم معرضون للأمراض المعدية.
وهو الأمر الذي تؤيده سميرة سيف، بقولها "نحن المهمشون لا نذهب إلى المستشفيات إلا في وقت ما نكون على فراش الموت، لأننا لا نمتلك المال للكشف عن الأمراض وتلقى العلاج" ، مضيفةً "حالتنا يرثى لها، نمر بأسوأ الأمراض والأوجاع، ولا نعرف الدواء".
استغلال بذريعة المساعدة
تواجه شريحة المهمشين على امتداد سنوات الحرب ، شتى أنوع الاستغلال خصوصا النساء ، تحت ذريعة الحصول على مساعدات إغاثية أو مبالغ مالية.
وبحسب مصدر مطلع "فضل عدم الكشف عن اسمه" فإن النساء المهمشات يتعرضن للابتزاز والتحرش من قبل وسطاء الإغاثة المحليين وقد يصل الأمر إلى طلب الجنس مقابل المساعدة, في أبشع صور الاستغلال لتقديم الخدمات المنقذة للحياة.
ويضيف المصدر" ينطوي هذا الوضع على مخاوف من عواقب رفض الطلب، فتلجأ النساء المهمشات إلى تجنب الحصول على الخدمات خوفًا من الاستغلال الجنسي".
من جهتها, تقول فاطمة العبادي (اسم مستعار) "طلب مني أحد المسؤولين في توزيع السلل الغذائية في المنطقة (لم تذكر المنطقة خوفا من أي ضرر قد تتعرض له) القدوم إليه لتسجيلي للحصول على سلة إغاثية، لكنني تفاجأت بأن ذلك الشخص يحاول استغلال وضعي المعيشي لطلب الجنس, فرفضت وهربت على الفور".
إلى ذلك, تؤكد سعود غانم، بأن النساء المهمشات يتعرضن لأبشع أنواع الاستغلال من خلال فخ المساعدات والسلال الغذائية، كونهن أكثر فقرًا، ويعشن ظروفًا اقتصادية صعبة، ويفتقرن للحماية الاجتماعية والقانونية.
وتشير سعود، إلى أنه منذُ اندلاع الحرب في مارس/ آذار 2015 ازداد الاستغلال والتحرش بالنساء المهمشات ، وذلك بفعل الأزمة الاقتصادية والإنسانية التي تعيشها البلاد.