مؤخرا، عادت معركة التحويلات المالية بين مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها ومناطق سيطرة الحوثيين إلى الواجهة، ففي الوقت الذي أطلق البنك المركزي اليمني في العاصمة عدن، شبكة موحدة للتحويلات المالية، رفضت جماعة الحوثي الإرهابية التعامل معها، بل وأصدرت قرارًا يمنع تسلّم الحوالات الخارجية بالدولار الأمريكي أو العملة اليمنية، وألزمت شركات الصرافة تسليمها بما يعادلها بالريال السعودي.
وتسبب تصاعد الصراع بين الحكومة والحوثيين، بزيادة صعوبة إرسال الحوالات إلى مناطق سيطرة الجماعة، أو تسلم الحوالات التي ترسل من تلك المناطق إلى المحافظات الواقعة ضمن نفوذ الحكومة.
شبكة موحدة
في وقت سابق, أعلن البنك المركزي اليمني التابع للحكومة المعترف بها في العاصمة المؤقتة عدن تأسيس شبكة موحدة للتحويلات المالية، وإلزام شركات الصرافة بإيقاف التحويلات عبر الشركات الأخرى، والتحويل فقط عبر هذه الشبكة، مؤكدًا أن من يخالف ذلك سيتعرض للعقوبة.
وتلا ذلك إيقاف عدد من البنوك المخالفة لسياسات مركزي عدن، حيث أصدر البنك المركزي قرارا بإيقاف خمسة من أكبر البنوك والمؤسسات المصرفية والمالية في البلاد، هي التضامن، وبنك اليمن الكويت، والأمل للتمويل الأصغر، ومصرف اليمن والبحرين الشامل، وبنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي، بالإضافة إلى إيقاف التعامل مع 13 شركة صرافة في محافظة مأرب بسبب مخالفة التعليمات.
جاءت هذه التطورات بعد استجابة تلك البنوك لقرارات البنك المركزي بصنعاء "الواقع تحت سيطرة جماعة الحوثي" بعدم التعامل مع أعضاء في شركة التحويلات المالية التي أنشأها البنك المركزي اليمن في عدن بحجة أنها غير مرخصة من قبله.
وبحسب مسؤول رفيع في البنك المركزي بعدن، فإن أسباب إيقاف التعامل مع البنوك الخمسة وشركات الصرافة في مأرب هي عدم التزامها بتعليمات البنك المتعلقة بحصر تحويل الأموال على الشبكة الموحدة لتحويل الأموال التي يشرف عليها البنك في عدن واستمرار تلك المنشآت بالتعامل مع شبكات تحويل الأموال إلى مناطق الحوثيين.
ضبط الصرف
وسط تحركات جادة، أجمع خبراء اقتصاديون على أهمية تحركات البنك المركزي اليمني في عدن، بشأن الشبكة الموحدة للتحويلات وقراراته الأخيرة ضد شركات الصرافة والبنوك الأهلية التي امتنعت عن التعامل مع هذه الشبكة، مؤكدين على أهمية دعم توجهات قيادة البنك المركزي التي يرون أنها تأخرت كثيراً.
وأضاف الخبراء أن الخطوة التي أقدم عليها البنك المركزي في عدن هدفها ضبط السوق والتلاعب الحاصل في سعر العملة، بعد سنوات من الفوضى والتحكم بأسعار الصرف، محذرين من إقدام الحوثيين على فتح جبهة مواجهة، والتي سيدفع السكان في مناطق سيطرتهم ثمنها، وسيقود إلى معركة مجهولة النهايات.
إلى ذلك، قالت مصادر محلية لـ"المجهر" إن مجلس إدارة بنك مركزي صنعاء، الخاضع لسيطرة الحوثيين، اجتمع في وقت سابق، لدراسة قرار إلغاء التعامل بالأوراق النقدية التالفة، في محاولة لتصدير نفسه كبنك معترف به، ولديه الإمكانية لطبع كميات جديدة.
ولأن غالبية الطبعات القديمة في مناطق الحوثيين تالفة، وتعاني من أزمة سيولة حادة، يتوقع مراقبون أن قرار الحوثي بتجنب التعامل بالأوراق النقدية الموجودة في السوق، سيفاقم الأزمة كون خيارات الحل منعدمة فالعالم لا يعترف بفرع البنك المركزي في صنعاء.
وأشاروا إلى أن سبب المضاربة بين بنك مركزي عدن الحكومي، ومركزي صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين، هي عمولة المصارفة وعمولة تحويل الأموال، التي تذهب للبنك المركزي بعد كل عملية، وطالما أن النظام الإلكتروني الذي ينظم هذه العملية غير حاصل على أي شهادة ولا يطبق أي امتثال معين من البنكين، يعني أنه الوحيد القادر على فض النزاع وحل الاشكالية، فالشركة المرخصة من بنك صنعاء تكون فروعها التي في مناطق بنك عدن مرخصة من بنك عدن والعكس.
خطوة مهمة
يستعرض الصحفي الاقتصادي، ماجد الداعري، أهمية عقوبات البنك المركزي بحق البنوك وشركات الصرافة المتمردة وأثرها في تحسين استقرار صرف العملة. حيث قال في حسابه على "فيسبوك" إن عقوبات مركزي عدن، لم ولن تقتصر على خمسة بنوك وعدد من شركات الصرافة المشمولة بالدفعة الأولى.
وأضاف أن هذه العقوبات الشجاعة تحتاج لدعم وتكاتف الجميع رئاسة وحكومة وشعبًا من أجل إنجاحها والانتقال إلى مراحل أخرى مهمة منها أيضا، كون تلك العقوبات والإجراءات التنظيمية التي لا بد منها ولا تراجع عنها، ستمتد لاحقًا إلى بنوك جديدة وعشرات الشركات الأخرى التي لم تستكمل إجراءات عملها من جهة، ولم تمتثل لتعليمات البنك المركزي أيضا سواء بخصوص اقتصار تحويلاتها على شبكة التحويلات المالية الموحدة، أو لعدم إيقاف التعامل بالتحويلات مع وعبر هذه البنوك المعاقبة".
وبشأن جدوى تلك العقوبات ومدى أثرها على استقرار الصرف وتحسين قيمة العملة وخدمة الاقتصاد الوطني، أكد الداعري أنها خطوات مهمة لا بد من دعمها من الجميع للسير نحو خطوات أكبر مقبلة نحتاجها لتصحيح الاختلالات الكبيرة القائمة في إدارة القطاع المصرفي المختطف اليوم من قبل الجماعة الحوثية، ومجموعة من الصرافين وهوامير النفوذ ومافيا تهريب وتجريف العملة.
وأشار إلى أن تلك العقوبات ستؤتي ثمارها لاحقًا بتعاون وتكامل ووعي الجميع بأهميتها والتجرد من أي مصالح شخصية وفئوية قد تقف أمام استكمال مراحلها الأهم، الساعية لوقف العبث المصرفي والمضاربات بالعملة وتجفيف مصادر دخل جماعة الحوثي من القطاع المصرفي وفارق الصرف وقيمة التحويلات إلى مناطق سيطرتها، ولو بمقايضتها بذلك في قبول التعامل بالأوراق النقدية الصغيرة المطبوعة حديثًا أو التوافق على عملة واحدة بقيمة صرف واحد، كونها المستفيد الأول من كل فوارق الصرف وتقسيم القطاع المصرفي بخلق بنكين مركزيين ونظامين مصرفيين.
من جهته، يوضح المحلل الاقتصادي، عبدالواحد العوبلي لـ"المجهر" أن ما يروج له في وسائل التواصل على أن قرار بنك مركزي عدن هو تأهيل وتعبيد لطريق الإنفصال غير صحيح، مشيرًا إلى أن الإنفصال النقدي فرضته جماعة الحوثي منذ سنوات، والتي سعت لتثبيت سعر صرف بالقوة في مناطق سيطرتها، وهذا ما تسبب بأزمة اقتصادية في البلد، ومضاعفة معاناة الساكنين في مناطق الحوثي.