في شهر رمضان المبارك من كل عام تتزايد الأعمال الدرامية اليمنية المُنتَجة، باعتباره موسما مصاحبا للأعمال الفنية، خصوصا مع تزايد عدد القنوات التلفزيونية وشركات الإنتاج في البلاد، وهذا العام شهد رمضان إنتاج ما أكثر من 15عملًا فنيًا توزع بين القنوات اليمنية الفضائية وقنوات يوتيوب، ومن إنتاج جهات مختلفة.
وتعد البرامج والمسلسلات والدراما اليمنية خلال رمضان أكثر تميزا وإبداعًا من خلال الانطباع والمحتوى الإخراجي خلال هذا العام، وما يكتسبه الممثلين من تقديم محتوى يجسد في روح المشاهد.
كما تتنوع الأعمال الدرامية المقدمة خلال رمضان، ما بين المسلسلات الاجتماعية والتراثية والكوميدية، لتلبية اهتمامات الجمهور المتنوع، فيما تتميز هذه الأعمال بتناولها للعديد من القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تهم المجتمع اليمني.
تطور ملحوظ
من الملفت أن تلك الأعمال الدرامية تأتي من إنتاج جهات مختلفة، مما يعكس التنوع والتعاون في صناعة الفن في اليمن، يشارك فيها العديد من المخرجين الموهوبين والكتاب والممثلين الشباب في هذه الأعمال، مما يعزز الحركة الفنية ويوفر فرصًا للمواهب الصاعدة.
بينما تظل الدراما في اليمن تواجه، جملة من المشكلات والعوائق التي تجعل تقدمها بطيئًا، وعند النظر إلى سوء الأوضاع في البلد الذي يدخل عامه العاشر تواليا، فإن جزءا من تلك الدراما منفصل عن واقع المجتمع وبيئته الحالية، نتيجة لحالة الانقسام السياسي، فضلًا عن اقتصار الإنتاج الدرامي في معظمه، على ميزانيات منخفضة تقدمها القنوات المحلية، بهدف استقطاب الجمهور والحصول على أكبر قدر من الإعلانات التجارية خلال الموسم الرمضاني.
ويرى الكثير من الجمهور والمشاهدين أن هناك تطور ملحوظ في الدراما اليمنية، ويتغير من عام إلى عام، وهذا يسير مع التطور العالمي والعربي في الجوانب الفنية من ناحية المعدات والتقنية وكل مامن شأنه إنتاج الصورة بشكل جميل.
فيما يعزوا النقاد جوانب القصور في هذا المجال إلى أن الدراما اليمنية تفتقر لوجود الممثل المؤهل أكاديميا، وكذا كاتب النص وطاقم العمل وهذه مشكلة كبيرة يعاني منها المشهد اليمني في جانب الدراما لأننا نفتقر للمسرح والأكاديميات والتخصصات التي تساعد المبدع والموهوب ابتداء من الفكرة وحتى الإخراج في تقديم الأعمال الدرامية بشكل يليق بذائقة المشاهد اليوم، بالإضافة إلى التطور الذي تشهده الدراما في المجتمعات من حولنا.
وفي المقابل, يؤكد النقاد أن الدراما اليمنية استطاعت أن تحقق تقدمًا كميًا في معظمه مع تطور نوعي بسيط خلال سني الحرب، بفضل تزايد عدد القنوات الفضائية، التي فرضها تعدد سلطات الحرب؛ ولولا تعدد القنوات لظل الإنتاج الدرامي اليمني محصورًا في عمل أو عملين أو ثلاثة سنويًا، بينما صار عدد ما يتم إنتاجه لرمضان سنويًا يتجاوز العشرة أعمال؛ ومن بين هذه الأعمال يبرز عمل أو عملان بمستوى احترافي محدود لكنه لافت مقارنة بالواقع.
فجوة درامية
أسهمت الحرب في تزايد عدد الأعمال الدرامية، مع ارتفاع مستوى ذائقة المشاهد اليمني، إلا أنها أسدلت ظلالها على مضمون تلك الأعمال، وما زالت الدراما اليمنية تعيش أزمة الظهور ولم تستطع إقناع المشاهد اليمني بمتابعتها والرضى عنها.
وبعد ما يقارب نصف قرن من الإنتاج الدرامي الرمضاني في اليمن، كان هذا الموسم إضافة إلى الموسم السابق، هما تقريبًا الأضخم من حيث الإنتاج الكمّي، وفي الوقت نفسه، ثار حولها كثير من الجدل، تراوح بين النقد الحاد والوصف بالتكرار والبعد عن مناقشة قضايا واقعية وجديدة، وبين الإشادة والانطباع الإيجابي، إلا أنّ كلا الموقفين كانا في نظر البعض إيجابيين، من منطلق أن النقد يخدم الدراما اليمنية، ويساهم في تصويبها عمومًا.
وعلى الرغم من كثرة المسلسلات اليمنية هذا العام وتنوعها إلا أنها لم تسلم من انتقادات الجمهور اليمني على مواقع التواصل الاجتماعي، فالبعض رأى بأنها لا تمثل طبيعة الحياة والأماكن اليمنية بشكل حقيقي، وآخرون نظروا إليها على أنها لا تقدم أي شيء جديد، أو لا تلامس هموم اليمنيين، والبعض احتفى بها سعيدًا بوجود إنتاجات يمنية جديدة.
وخلال شهر رمضان المبارك تحولت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة للجدل لنقاشات حادة في كثير من الأحيان بين الناقدين وهم أكثرية، والمدافعين عن تلك المسلسلات، إلى جانب برامج أخرى تقدم في قنوات أخرى.
قيود الإمكانات
لا يزال إنتاج المسلسل في الدراما اليمنية مقصورًا على مبالغ بسيطة تحددها القنوات الفضائية، كما تعد شركات الإنتاج المحلية ليست سوى منتج منفذ، وتلك مثلبة تسهم في حصر الدراما اليمنية في ميزانية إنتاجية بسيطة تنعكس سلبًا على الرؤية الإنتاجية والاخراجية.
وبحسب النقاد فإن قيود الإمكانات ومحدوديتها تسببت في تراجع المهنية في التعامل مع التفاصيل الفنية، كما تفرض القنوات الفضائية، بما تحدده من ميزانية للمنتج المنفذ، اختصار كثير من التكاليف والاعتماد على عناصر أحيانًا تكون غير احترافية، وهو ما لا ننكر معه حصول تطور ملحوظ ومحدود نوعًا ما خلال هذا العام.
يؤكد كثيرون من النخبة الفنية أن ضعف الإمكانات يمثل جانبًا كبيرًا من التحديات التي تواجهها الدراما اليمنية، إلى جانب ضيق الوقت الذي يُمنح لكتاب السيناريو، بهدف تقليل النفقات، بالإضافة إلى غياب المسرح في اليمن، وافتقار الأكاديميات والتخصصات التي تساعد كادر العمل، أن يكون مؤهلا أكاديميًا، بحيث يقدم أعمال درامية تناسب ذائقة المشاهد، وهذا ما سبب إلى الركود الفني في اليمن.
وفي هذا السياق, يقول المخرج وليد العلفي في حديثه لـ "المجهر" إن الأعمال الدرامية في اليمن تواجه تحديات عدة، وكانت أبرز هذه التحديات، الإمكانيات والموارد المالية الكافية لتمويل مشاريع الدراما بشكل كامل، وتوفير التقنيات الحديثة في عمليات الإنتاج، وهذا بدوره يؤثر سلبًا على جودة الإنتاج وتنوعه.
موسم رمضاني
تعتبر الدراما اليمنية جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي والفني لليمن، وتمثل مرآة تعكس جوانب مختلفة من المجتمع والثقافة اليمنية، وبالتالي يرى البعض أن بعض الأعمال تقدم صورة واقعية للمجتمع، بينما يرى آخرون أن بعض الأعمال تُقدم صورة مشوهة، أو مُبالغا فيها.
ويرى الناقد الفني الدكتور قائد غيلان، بأن الفن اليمني لا يتضمن كافة المكونات الثقافية في المجتمع، وعزّز ذلك حصره منذ السبعينيات في المناسبات التي تحددها السلطة، فلا تستدعي الدولة المغنّي إلا في المناسبات الوطنية، ولا تنجز المسرحيات إلا من أجل عيد الثورة، ولا تنتج المسلسلات إلا لرمضان، والأغاني هي فقط لموسم الزراعة وحملة تطعيم الأطفال.
ويؤكد غيلان في حديثه لـ"المجهر" أن دور الفن أصبح لا يتعدّى تسلية الناس وتجميل وجه الأنظمة الحاكمة، واقترن بالوظيفة الإرشادية، وهي وظيفة تجرّده من أهم شروطه، أي الإبداع والتجديد.
ويضيف أن تطور الدراما اليمنية مرتبط بجدية بأن يصبح الفن ضرورة لا ترفاً، وليس مجرد واجهة مرتبطة بالمناسبات، فتوكل مهمة الفن لذوي الاختصاص والمبدعين الحقيقيين، لا الهواة والمهرجين القادمين من قنوات يوتيوب.
ويشير الناقد الفني غيلان إلى أن ”جميع المسلسلات اليمنية هذا العام، وبطريقة غير واعية، تعيد إنتاج شخصيات من أعمال عربية مختلفة، بمعنى أن التقليد وإعادة الإنتاج يغلب على الحلقات التي شاهدناها حتى الآن. فالأعمال التي تعد في آخر شعبان، وبعضها في رمضان نفسه، هي أقرب إلى الوجبات السريعة منها إلى الفن“.
ويُرجِع غيلان مشكلة الدراما اليمنية إلى العجلة والارتجال، إضافة إلى غياب الإشراف لدى الجهات المُنتجة للمسلسلات، وافتقارها لمتخصصين فنيين، معتبرا أن مشكلة الإفراط في الكوميديا إلى خطأ في ذهنية الممثل الذي فهم الكوميديا على أنها مجرد تهريج, حد وصفه.
ويختتم غيلان حديثه بالقول : "إن جمال العمل الفني هو ما يبحث عنه الجمهور "ينتظر الناس العمل الجميل الذي يبهرهم بتقنياته ووسائله الجمالية، والمشاهد اليمني متعطش للعمل الجميل، لهذا يبحث عنه في الأفلام والمسلسلات الأجنبية".
أزمة سيناريو
يؤكد النقاد أن العمل الدرامي يتطلّب البِناء المنطقي للأحداث والمواقف بحيث تبدو مقبولة واقعيًا بأن تكون النتائج مرتبطة بالمسببات، في المشهد نفسه, تجعل المشاهد ينسجم مع الأحداث ويلمس فيها نوعا من الواقعية التي يعيشها.
وبهذا الصدد, يرى الكاتب زهير الطاهري أن هناك مشاكل بنائية كثيرة بالنسبة للسيناريو, قائلا "برغم أننا نملك تجارب روائية كبيرة، لكن المنتجون لا يهتمون لهذه التجارب لأهميتها وأعتقد أيضا أن التجربة فقط لم تكرس.. لا يوجد تراكم خبرات، مازلنا في طور التأسيس، وتحتاج الكثير من الجهود وتضافر الخبرات".
ويشير الطاهري إلى أن الوقت مبكر على التطور، لكن يمكن تسميته تأسيس لمستقبل درامي واعد. هناك جهود كبيرة تبذل لذلك، ولكن لأن المشاكل كانت معقدة فما تزال تظهر عيوب كثيرة على مستوى السيناريو، النص، القضايا، على مستوى الديكور.
ويضيف "لقد مثلت قناة الجمهورية فرصة كبيرة للمنافسة بدخولها الساحة الدرامية، وكان مسلسل قرية الوعل سيتفوق لكن السيناريو وطريقة البناء الدرامي كانت ضعيفة، وماء الذهب لولا المشاكل التي حصلت للقي فرصة أفضل. لكن نستطيع أن نقول أن تجربة دروب المرجلة هي تجربة فارقة رغم الثغرات البنائية التي ظهرت لكنه كان تجربة كبيرة".
مشاهدات
تحظى الأعمال الفنية للدراما اليمنية خلال موسم رمضان لهذا العام باهتمام كبير ومتابعة من الجمهور اليمني في الداخل والخارج. فقد تخطى إجمالي عدد المشاهدات حتى الحلقة (24)، 100 مليون مشاهدة. وقد حقق مسلسل دروب المرجلة الذي يعرض على قناة السعيدة المرتبة الأولى بين أعمال الدراما اليمنية لموسم هذا العام بـ 32.2 مليون مشاهد من إجمالي عدد المشاهدات لجميع المسلسلات، حسب داتا بيكرز، وكالة يمنية خاصة تقدم بيانات التسويق الرقمي في اليمن.
ويمثل شهر رمضان الموسم التنافسي للقنوات الفضائية اليمنية لتقديم أعمالها الدرامية المحلية بهدف الفوز بأعلى نسبة مشاهدة عالية، حيث زهاء نحو عشرين قناة فضائية يمنية ويمكن أكثر، ومعظمها تنافس من خلال مسلسل أو أكثر، وبالتالي يتجاوز عدد الأعمال الدرامية التلفزيونية اليمنية الرقم عشرة، وهذا ما لم يكن معهودًا قبل الحرب الراهنة.
ومن أبرز المسلسلات هذا العام، التي حققت مشاهدات عالية وأثارت جدلًا واسعًا، احتل مسلسل ”دروب المرجلة“ من إخراج وليد العلفي، وإنتاج قناة السعيدة، مكانة بارزة كأحد أبرز الإنتاجات، وجاء في المرتبة الثانية مسلسل "خروج نهائي"، من إخراج محمد الربع وإنتاج قناة المهرية، يليه مسلسل "ممر أمن"، من إخراج ياسر الظاهري وإنتاج قناة شباب، ويعرض أيضًا على شاشة قناة العربي 2، وهي القناة العربية التي تعرض مسلسل درامي يمني للعام الثاني على التوالي.
ويأتي عقب "ممر آمن" مسلسل ”لقمة حلال“ وهو مسلسل أكشن وإثارة للمخرج محمد فاروق من إنتاج قناة السعيدة، وفي المرتبة التالية يأتي مسلسل ”العاقبة“ من تأليف عبدالله حسن، وإخراج عبدالرحمن محسن دلاق، وإنتاج مؤسسة الإمام الهادي الثقافية، ويتبعه مسلسل ”قرية الوعل“ من إخراج معتز حسام وإنتاج قناة الجمهورية، وأخيرًا، مسلسل ”ماء الذهب“، إلى جانب العديد من البرامج الثقافية والاجتماعية والدينية والتوعوية وغيرها، وقد شكلت هذه البرامج والمسلسلات الدرامية محور اهتمام الجمهور خلال العام الحالي.