بعد أشهر من الجمود السياسي تعود التحركات الدبلوماسية في اليمن، ضمن جولة مباحثات جديدة دولية واقليمية بهدف إحياء مشاورات السلام ووضع حل سياسي لإنهاء الحرب الحوثية التي تدخل عامها العاشر تواليا, ويؤسس لعملية سياسية شاملة برعاية أممية، فيما يكثر الحديث عن قرب توقيع صفقة بين المملكة العربية السعودية وجماعة الحوثي الإرهابية، بوساطة دولة عربية يرجح بأنها "مسقط".
وخلال الأسابيع الماضية، أجرى المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، جولاته في المنطقة بدءًا من العاصمة العمانية "مسقط" حيث التقى بفريق ولجنة المفاوضات التابعة للحوثيين وعدد من الدبلوماسيين العُمانيين، ثم انتقل إلى العاصمة السعودية الرياض، للقاء رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، ووزير الخارجية في الحكومة المعترف بها دوليًا، شائع الزنداني، والسفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر.
بوادر اتفاق
أواخر ديسمبر/كانون أول 2023، أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ، التزام الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي بمجموعة تدابير لـ"وقف شامل" لإطلاق النار في عموم البلاد، وتحسين ظروف معيشة المواطنين.
وقال مكتب غروندبرغ حينها، في بيان: "بعد سلسلة اجتماعات مع الأطراف في الرياض ومسقط ، بما في ذلك رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وكبير مفاوضي الحوثيين، محمد عبد السلام، رحب غروندبرغ بتوصل الأطراف للالتزام بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن".
ومنتصف مارس/آذار المنصرم، قدم غروندبرغ خلال إحاطة لمجلس الأمن صورة قاتمة لجهود حل الأزمة في اليمن، معتبرا أن "عملية الوساطة باتت أكثر تعقيدًا"، دون تفاصيل.
توترات المنطقة
حرب غزة، ودخول الحوثيون في خط الهجمات ضد السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، أعاق مسار الوساطة الأممية في اتجاه استكمال الترتيب لتوقيع ما تم التوافق عليه من خريطة طريق السلام في اليمن، وحسب مراقبين فإن جولة غروندبرغ تزامنت مع لقاء وفد من مكتبه بنائب وزير المالية في العاصمة المؤقتة عدن، هاني وهاب، الأمر الذي يؤكد أن ثمة مستجدات ستحصل خلال الأيام القليلة القادمة، خصوصًا مع دفع الوسيط الأممي لاستئناف لقاءاته بهذا المستوى.
وفي اللقاءات الدبلوماسية الأخيرة، أحاط غروندبرغ رئيس مجلس القيادة الرئاسي "العليمي" بنتائج اتصالاته الأخيرة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، والأولويات المطلوبة لإحياء مسار العملية السياسية، بما في ذلك النقاشات الجارية بشأن ضمانات وقف الحوثيين لهجماتها على مختلف الجبهات.
إلى ذلك، أكد الرئاسي والحكومة الشرعية الدعم الكامل لجهود السعودية والمبعوث الأممي من أجل إحياء مسار السلام في اليمن، والتخفيف من وطأة الأوضاع المعيشية التي فاقمتها هجمات الحوثيين على المنشآت النفطية وخطوط الملاحة الدولية، مشيرين إلى التزام المجلس والحكومة بالتعاطي الإيجابي مع كافة الجهود الرامية لإحلال السلام في اليمن بموجب المرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية، وخصوصاً القرار 2216.
من جهتها، أشارت الخارجية اليمنية، إلى تطورات الأوضاع على الساحتين اليمنية والإقليمية والجهود المبذولة لإحياء العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة، مشددة على ضرورة إعادة النظر في التعاطي الأممي مع الممارسات الحوثية ووقف انتهاكاتها العدوانية ودفعها للانخراط بجدية في مسار سياسي مبني على المرجعيات المتفق عليها وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وبدوره، أكد المبعوث الأممي على أهمية الدعم الإقليمي المستمر والمنسق لجهود الوساطة التي تضطلع بها الأمم المتحدة في اليمن.
حراك دبلوماسي
ومع عودة الحراك الدبلوماسي والدولي، شهدت العاصمة المؤقتة عدن، العديد من الاجتماعات خلال الأيام الماضية، فضلًا عن الأحزاب والمكونات السياسية التي أعلنت مؤخرًا الاتفاق على إنشاء تكتل سياسي ديمقراطي واسع يضم كافة المكونات المؤمنة باستعادة الدولة.
وأقرت الأحزاب والمكونات السياسية خلال اجتماعها بعدن، تشكيل لجنة تحضيرية لإعداد التكتل الوطني، المتوقع منه العمل على إنهاء الانقلاب الحوثي، وتقديم الدعم اللازم لضمان سير عمل الحكومة.
ودعت المكونات السياسية إلى ضرورة عودة جميع المؤسسات للعمل من العاصمة المؤقتة، مؤكدة أهمية قيام الحكومة بواجبها الدستوري لمواجهة انتهاكات جماعة الحوثي الإرهابية.
وشهدت العاصمة المؤقتة خلال اليومين الماضيين اجتماعًا موسعًا بين الأحزاب والمكونات المنضوية في إطار الشرعية، أكد على اعتبار القضية الجنوبية رئيسية في معالجة القضية الوطنية.
مصادر "المجهر" أفادت بأن اجتماعات الأحزاب والمكونات السياسية، أفضت إلى اتفاق يتكون من سبع نقاط، أبرزها العمل على انهاء الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة، وتوفير الخدمات العامة الحيوية للمواطنين في المحافظات المحررة، إلى جانب ضرورة عودة جميع المؤسسات للعمل من العاصمة المؤقتة عدن، وكذلك تعزيز مكافحة الفساد والإرهاب.
وأوضحت بأن المجتمعين اتفقوا على تقديم الدعم اللازم لضمان سير عمل الحكومة، والعمل على حشد الدعم الدولي لها، بحيث تعود شريكًا فاعلًا مع المجتمع الدولي، بالإضافة إلى أنه جرى تشكيل لجنة تحضيرية لإعداد وإنشاء تكتل سياسي ديمقراطي لكافة الأحزاب والمكونات المؤمنة باستعادة الدولة، إلى جانب ضرورة قيام الحكومة بواجبها الدستوري والقانوني لمواجهة الانتهاكات التي ترتكبها جماعة الحوثي الإرهابية.
وأكدت بأن جلسات حوار قيادات الأحزاب والمكونات السياسية، شارك فيها كل من المؤتمر الشعبي العام، التجمع اليمني للإصلاح، الحزب الاشتراكي اليمني، التنظيم الوحدوي الشعب الناصري، المجلس الانتقالي الجنوبي، المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، حزب اتحاد الرشاد اليمني، حركة النهضة للتغيير السلمي، التجمع الوحدوي اليمني، حزب البعث العربي الاشتراكي، اتحاد القوى الشعبية، حزب العدالة والبناء، حزب التضامن الوطني، حزب السلم والتنمية، مؤتمر حضرموت الجامع، الائتلاف الوطني الجنوبي، الحزب الجمهوري، حزب جبهة التحرير، مجلس حضرموت الوطني، حزب البعث الاشتراكي القومي، حزب الشعب الديمقراطي (حشد)، مجلس شبوة الوطني، الحراك الثوري المشارك في مؤتمر الحوار الوطني، المجلس الثوري للحراك السلمي.
ائتلاف جامع
سياسيون يمنيون أكدوا بأنه للمرة الأولى تجتمع القوى والمكونات السياسية المنضوية في إطار الشرعية اليمنية، في مدينة عدن، مشيرين إلى أن هذا الاجتماع بداية لتحريك العملية السياسية في البلاد، بعد أن جرفتها جماعة الحوثي بانقلابها على الدولة والإجماع الوطني.
يقول رئيس الدائرة الإعلامية للتجمع اليمني للإصلاح، علي الجرادي، إن جميع الأحزاب والقوى السياسية الداعمة للشرعية اليمنية، أقرت إنشاء تكتل وطني واسع لمواجهة الانقلاب وتدعيم مؤسسات الشرعية وتحسين الخدمات في المحافظات المحررة.
وأضاف أن القضية الجنوبية كانت ضمن أولويات الحوار على مدى الأيام الماضية، كونها قضية رئيسية في معالجة القضية الوطنية، مؤكدًا أن هذا التكتل سيعمل على دعم ومساندة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة في مواجهة الانقلاب واستعادة الدولة اليمنية.
فيما أكد رئيس فرع حزب العدالة والبناء في مدينة تعز، أمين المشولي، بأن "خطوات جبارة تنوعت بين سياسية واقتصادية وبعض ايماءات عسكرية تجلت لبدء حملة المشروع الوطني، من خلال لقاء الأحزاب والتنظيمات والقوى والمكونات السياسية، والانخراط في مكون جامع ينضوي تحته كافة تلك المسميات السياسية من أجل تحقيق الهدف الأوحد والأسمى لها وهو استعادة الدولة وانهاء الانقلاب".
واستطرد قائلًا: "أعتقد أن هذه الخطوة تأخرت كثيرًا، لكن أن تأتي متأخرة خير من ألا تأتي، إضافة إلى خطوة هي اقتصادية بامتياز حيث قام البنك المركزي اليمني بتوجيه رسائل للبنوك اليمنية بسرعة العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن، ونقل مقراتهم الرئيسية إليها ومخاطبة الهيئات المالية الدولية بهذا الإجراء، مشيرًا إلى أن الاقتصاد ركيزة أساسية في سبيل استعادة الدولة و تجفيف منابع تمويل الجماعة الحوثية.
وأشار المشولي، إلى أن العديد من الخطوات رافقت هذه التحركات، أهمها زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي بمعية ثلاثة من أعضاء مجلس القيادة إلى مأرب، وحضورهم إلى كلية الدفاع والطيران في مأرب، لافتًا إلى عدم حديث الرئاسي عن السلام هو مؤشر عسكري فرضته هيبة المكان قبل الزمان.
وبحسب المشولي فإن تناغم الخطوات سياسية واقتصادية وايماءات عسكرية، هي ما يحتاجه اليمنيون لتسريع استعادة العاصمة صنعاء، فالسلام غير ممكن مع من لا يؤمن إلا بالموت "الحوثي"، مشيرًا إلى أن هذه التحركات تزعج الجماعة الحوثية، التي تدرك بأن تسارع الخطوات تعجل نهايتها، خاصة وأن الإقليم والعالم أصبح يدرك أهمية الأمن المحلي والإقليمي والدولي.
خطوة هادفة
يعتقد سياسون أن الأحزاب والمكونات السياسية خرجوا مجمعين على أولوية أهم القضايا، وذلك في إطار ترميم صف الشرعية، ضمن تكتل جامع للأحزاب ومختلف المكونات، بحيث يكون أشمل وأوسع مقارنة بالتحالف الوطني للأحزاب الداعمة للشرعية، الذي أشهر في سيئون عام 2019، والذي رغم تأخر إعلانه واتفاق أحزاب التحالف على رؤية وبرنامج لتصحيح الأخطاء التي ارتكبت إلا أن المستفيد من عبث المرحلة السابقة استطاع تعطيل العمل وفق ما اتفق عليه ولهذا يأتي أهمية الخطوة الأخيرة للمكونات الداعمة للشرعية في إطار لملمة الشمل والاصطفاف لإنجاز أهم أولويات المرحلة.
يقول مجيب المقطري، وهو قيادي في حزب الناصري فرع تعز، إن الاتفاق لعمل المكونات عدة نقاط مهمة تتمثل بالعمل على إنهاء الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة، وعمل المؤسسات من داخل العاصمة الموقتة عدن.
ويضيف المقطري: "التكتل سيقدم الدعم اللازم لضمان سير عمل الحكومة، وهذا باعتقادي من أهم النقاط، وذلك من أجل حشد الدعم الدولي للحكومة، كي تكون شريكًا فاعلًا مع المجتمع الدولي، لتقوم الحكومة بواجبها الدستوري والقانوني، في مواجهة الانتهاكات التي ترتكبها جماعة الحوثي الإرهابية، وكذا مكافحة الإرهاب".
وبحسب المقطري، فإن المكونات أفردت أولوية اعتبرها من أهم القضايا التي تعاني منها المحافظات المحررة، تتمثل بتوفير الخدمات العامة الحيوية للمواطنين، كون ذلك سيفضي لخلق نموذجًا جاذبًا لعودة الاستثمار إلى الداخل، وتطبيع الأوضاع في المناطق المحررة، والعمل على حل القضية الجنوبية التي قالت المكونات إنها تعتبر القضية رئيسية ووصفتها بالمفتاح لمعالجة كل القضايا الوطنية.
ووفق ما تم التصريح به فإن الأحزاب والمكونات عملت على تشكل لجنة تحضرية من قيادتها لإنجاز ادبيات هذا التكتل وبرنامجه, حيث يوضح المقطري، أهمية هذه الخطوة الهادفة لإنهاء أي تباينات والعمل مع الأحزاب المكونات السياسية لاستعادة الدولة ومؤسساتها.
مستقبل مجهول
رغم هذه التحركات، أفاد تقرير حديث بأن اليمن يواجه مستقبلًا غامضًا بالنظر إلى التحدِّيات السياسية والاقتصادية الكبيرة، التي تواجه البلاد مستقبلًا. وقال التقرير الصادر عن مركز المخا إن الكثير من القضايا بشأن مستقبل المشهد السياسي يتوقف على تحقيق تقدّم في مسار السلام، وعلى تحسين الوضع الاقتصادي والاداري، وتعزيز القدرات المؤسسية.
وأشار إلى أن ذلك يتوقف على درجة الفاعلين المحليين والإقليميين بإعادة الاستقرار إلى البلاد، وعلى التزام المجتمع الدولي بجهود التسوية السياسية والضغط على الفاعلين المحليين، ورجح التقرير تدهور الأوضاع بصور أكبر إذا لم يتحقق مثل هذه الالتزامات، وتدهورت الأوضاع في المنطقة.
وتوقع التقرير بأن الوضع قد يتحول إلى مزيد من التفكك والاضطراب، وإلى زيادة تعقيدات المشهد، وتحوله إلى بؤرة قلق مستعصية في المنطقة، وتهديدًا لأمنها، حيث تناول مجمل التطوُّرات السياسية، مِن خلال رصد وتحليل استمرار التفاعل المعقَّد بين الحكومة الشرعية، المعترف بها دوليًّا، وجماعة الحوثي الانقلابية.