بعد أيام من إعلان بنك مركزي عدن عقوبات ضد البنوك في صنعاء، وتوقيف الحوالات الخارجية إلى مناطق سيطرة الحوثيين، ودعوة الحكومة اليمنية المعترف بها جميع الجهات الدولية لنقل مقراتها إلى العاصمة المؤقتة عدن؛ والبدء بالضغط اقتصاديًا على الحوثيين، شنت الجماعة المدعومة من إيران موجة اعتقالات طالت العشرات من موظفي الوكالات الأممية والمنظمات الدولية الإنسانية والمحلية في صنعاء وغيرها من المدن اليمنية، الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وخلال يوم واحد (الخميس)، اعتقلت جماعة الحوثيين، نحو 35 موظفًا وعاملاً إنسانيًا في صنعاء وحجة والحديدة وعمران وصعدة، وما زالت حملة الملاحقة مستمرة، حيث شملت أكثر من 15 شخصاً من العاملين في مكاتب الأمم المتحدة والمعهد الوطني الديمقراطي الأمريكي، ومنظمات دولية أخرى.
الحملة التي نفذها ما يسمى "جهاز الأمن والمخابرات" التابع للحوثيين، ستة أشخاص من العاملين لدى مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في محافظات حجة والحديدة وصنعاء، إلى جانب ثلاثة من العاملين لدى مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، وثلاثة موظفين لدى مكتب المعهد الوطني الديمقراطي الأمريكي.
وطالت الاعتقالات الحوثية موظفين اثنين كانا يعملان لدى منظمة يمنية محلية، وأحدهم تم اعتراضه أثناء سفره إلى محافظة إبّ مع أسرته، كما تم اعتقال امرأة وزوجها وأطفالها، وموظف آخر لدى منظمة "ديب روت".
مصادر محلية، أكدت أن قوات تابعة للأمن والمخابرات الحوثية، اقتحمت منازل الموظفين الإنسانيين وتفتيش مساكنهم، وهواتفهم وهواتف أقاربهم وأجهزة الكمبيوتر الشخصية، دون الحديث عن أي تهمة واضحة موجهة ضدهم.
وتواصل الحملة الحوثية، البحث عن عاملين سابقين لدى منظمات أممية ودولية محددة لاعتقالهم، امتدادًا لحملة اعتقالات سابقة، نفذتها الجماعة في أكتوبر2021، استهدفت الموظفين المحليين في السفارة الأميركية لدى اليمن، وما زال 11 شخصًا منهم في السجن حتى اليوم؛ إذ يلمح قادة الحوثيين إلى أن هؤلاء كانوا جواسيس لدى الولايات المتحدة.
ورقة ضغط
الباحث في الشأن الاقتصادي اليمني، عبدالواحد العوبلي اعتبر حملة الاعتقالات التي نفذتها جماعة الحوثيين بحق موظفي المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني أن لها علاقة بعملية نهب مالية او استخدام هؤلاء الرهائن في أي مفوضات سياسية.
وأضاف في تصريح خاص لـ "المجهر" بأن الأغلب في حالة مختطفي المنظمات أنهم الوحيدين الذين لازالوا يستلموا رواتب وبالدولار والعملية برمتها هدفها ابتزازهم لنهب أموال منهم لأجل ذلك يتم فبركة تهم سخيفة وغير منطقية وتفتقد لإمكانية التصديق، مؤكدًا أن القرارات الصادرة من البنك المركزي مؤخرًا تؤثر على مصادر تمويل جماعة الحوثيين، وهذا ما يجعلهم يبحثون عن مصادر أخرى.
فيما يرى حسين الصوفي، رئيس مركز البلاد للدراسات، أن "الحملة الحوثية، تاتي ضمن عمل ممنهج لترهيب وابتزاز المنظمات الدولية، وأن جماعة الحوثي تلجأ للتضييق على المنظمات في حال تمنُّعها عن تقديم خدمات لها، وقد تصل في بعض الأحيان إلى التصفية الجسدية كما حدث للموظف في منظمة "انقذوا الأطفال" هشام الحكيمي والذي تم قتله تحت التعذيب بعد الوشاية به من قبل إحدى الموظفات، بريطانية الجنسية، قالت إنه اعترض على الخدمات التي تقدمها تلك الموظفة للجماعة.
يوضح في حديثه لـ "المجهر" بأن جماعة الحوثي تتعامل مع المنظمات الدولية، التي تعمل في المجال الحقوقي أو الإنساني والإغاثي باعتبارها أدوات، تُوظفها لتحقيق أهدافها الخاصة، وتستغلها في عدة اتجاهات، وخصصت لهذه المهمة جهاز أمني وطائفي تحت مسمى المجلس الأعلى لإدارة الشؤون الإنسانية يرأسه عبد المحسن الطاووس والذي كان يقوم بدور مشرف محافظة ذمار منذ عام 2011.
إدانات واسعة
أثارت عملية اختطاف عشرات العاملين في منظمات دولية إنسانية (بينهم 11 موظفاً أممياً) سخطًا يمنيًا واسعًا على المستوى الرسمي والحقوقي والمجتمعي، في حين طالبت الأمم المتحدة بسرعة الإفراج عنهم في أقرب وقت، ودون شروط.
منظمة "ميون" لحقوق الإنسان، أكدت بأن الجماعة الحوثية نفذت حملة مسلحة متزامنة في صنعاء والحديدة وصعدة وعمران استهدفت موظفين يمنيين يعملون لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، مضيفة أنها حصلت على قائمة بالمنظمات الأممية والدولية التي ينتمي إليها المختطفون، منهم موظف واحد يعمل لدى "اليونيسيف"، وستة من موظفي المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وموظف واحد لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وموظف واحد لدى برنامج الأغذية العالمي، وموظف واحد لدى مكتب المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن.
وشملت الاعتقالات موظفًا لدى منظمة "إنقاذ الطفولة"، وثلاثة من موظفي الاستجابة للإغاثة والتنمية (مؤسسة مجتمع مدني يمنية)، وموظفين اثنين لدى منظمة "أوكسفام"، وموظفًا لدى منظمة "كير"، وموظفة لدى الصندوق الاجتماعي للتنمية (مؤسسة يمنية حكومية).
ونددت منظمة "ميون" بأشد العبارات بالتصعيد الحوثي الذي وصفته بالخطير، الذي يشكل انتهاكًا لامتيازات وحصانات موظفي الأمم المتحدة الممنوحة لهم بموجب القانون الدولي، وعدت ما قامت به الجماعة ممارسات قمعية شمولية ابتزازية للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية.
وطالبت المنظمة الحقوقية بالكشف عن مصير المختطفين والإفراج الفوري عنهم وعن زملائهم الذين لا يزالون في معتقلات الجماعة في صنعاء منذ نحو 30 شهراً، وجميع الأشخاص الآخرين المحتجزين بشكل غير قانوني في مناطق سيطرتها.
إلى ذلك، أكد ستيفان دوغاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة، أن الجماعة الحوثية احتجزت 11 موظفًا أمميًا محليًا يعملون في اليمن، وأعرب عن قلقه البالغ بشأن تلك التطورات.
وقال المتحدث الأممي، في بيان نقله موقع الأمم المتحدة، إن المنظمة الدولية "تسعى بشكل فعال للحصول على إيضاحات من سلطات الأمر الواقع الحوثية بشأن ملابسات هذه الاحتجازات. والأهم ضمان الوصول الفوري لموظفي الأمم المتحدة هؤلاء". وأضاف دوغاريك: "نتابع جميع القنوات المتاحة لتأمين الإفراج الآمن ومن دون شروط عنهم جميعاً، في أقرب وقت ممكن".
وردًا على حملة الاعتقالات الحوثية بحق موظفي المنظمات الأممية وعاملي الإغاثة في المنظمات الدولية والمحلية، وقَّعت 116 منظمة إنسانية يمنية بياناً أدانت فيه الحملة التي نفَّذها جهاز الأمن والمخابرات الحوثي.
وقالت المنظمات في بيانها، إن الجماعة شنت حملة مسلحة متزامنة في صنعاء والحديدة وصعدة وعمران، استهدفت موظفين يمنيين يعملون لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية؛ حيث بلغ عدد المختطفين 50 موظفًا في منظمات دولية وهيئات ووكالات الأمم المتحدة ومنظمات مجتمع مدني؛ وأوضحت أن الجماعة داهمت منازلهم والتحقيق معهم، ومصادرة أجهزتهم، قبل اقتيادهم على متن مركبات عسكرية إلى جهة مجهولة، وهو أمر مخالف للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني.
تهمة العمالة
ادعت الجماعة الحوثية، ضبط "شبكة تجسس" أمريكية إسرائيلية بعد حملة اختطاف واسعة ضد العاملين في المنظمات، وزعمت في بيان لها أن الموظفين الذين شملتهم حملة الاختطاف، قاموا بأدوار تجسسية وتخريبية في مؤسسات رسمية وغير رسمية على مدى عقود، عبر عناصرها المرتبطين بشكل مباشر بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الـ "CIA".
وبحسب بيان الحوثيين فإن موظفي المنظمات استغلوا صفاتهم الوظيفية في السفارة الأمريكية لتنفيذ الأنشطة التجسسية والتخريبية بعيداً عن العرف الدبلوماسي، مضيفة أنهم جمعوا معلومات هامة عن مختلف الجوانب الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية والصحية والتعليمية والزراعية والثقافية والاجتماعية.
وفي هذا السياق، يعتقد مراقبون أن إعلان جماعة الحوثي، يأتي ضمن مساعي الجماعة المدعومة من إيران، لإنهاء عمل المنظمات المحلية والدولية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، في الوقت الذي تتعرض لضغوط اقتصادية من قبل الحكومة المعترف بها دوليًا.
يتحدث حسين الصوفي، رئيس مركز البلاد للدراسات، أن العديد من المنظمات أعلنت في الفترة الأخيرة، استجابتها لقرارات الحكومة بنقل مقراتها إلى عدن، وهذا الاجراء ينقذ المنظمات من الابتزاز الحوثي، والتوظيف الطويل لخدماتها فيما يحقق أهدافها الخاصة، لذلك لجأت إلى هذه الحملة الهستيرية والإجرامية، وهو ما يفسر صمتها عنها طول عشر سنوات، وحين قررت نقل مقراتها إلى عدن أظهرت وجهها الحقيقي.
واعتبر الصوفي أن الأحداث خلال السنوات الماضية توضح كيف دخل الحوثي في معارك مع المنظمات الإغاثية والإنسانية، حينما كانت تتعارض أجندات جماعة الحوثي مع عمل هذه المنظمات، تشن عليها حملات دعائية وعدائية ولو كان على حساب مصلحة اليمنيين، منها حملة شيطنة الإغاثة والدقيق الفاسد وغيرها من الحملات التي كان الهدف منها هو ابتزاز المنظمات.
وأشار الرجل قائلًا: "من بين الحملات الدعائية التي تشيطن المنظمات، ما كانت تبثه قناة الهوية في برنامج رمضاني يحمل صبغة الكاميرا الخفية والمقالب، حيث كانت المقالب تتعمد توريط الضيوف المستهدفين، واستضافتهم في مبنى يحمل لافتة اسم منظمات ثم يتم اقتحام المبنى من فرق حقيقية تابعة للأجهزة القمعية التابعة لجماعة الحوثي.
تأتي هذه الحملات الحوثية، بحسب الصوفي، ضمن عمل ممنهج لترهيب وابتزاز المنظمات الدولية، وبالتالي فإن العصابة الحوثية تلجأ للتضييق على المنظمات في حال تمنعها عن تقديم الخدمات لصالح المنتمين للجماعة أو المقربين من القيادات الحوثية.
ادعاءات كاذبة
المركز الأمريكي للعدالة (ACJ)، أكد بأن ادعاء الحوثيين بعمالة يمنيين عملوا في السفارة والمنظمات الأمريكية غير مطابق للواقع، معبرًا عن قلقه من نوايا الجماعة لإعدامهم.
وقال المركز في بيان، إن ادعاءات جماعة الحوثي بأن عدد من موظفي المنظمات عملاء للولايات المتحدة يخالف القوانين المحلية والدولية، ويخالف الحقائق التي تأكد منها. مضيفًا أن نشر الجماعة لمقطع فيديو حول اعتراف بعض الأشخاص على أنفسهم، لا يُعتد به قانونًا خصوصًا في ظل اختطافهم وإخفائهم بشكل قسري، ومخالفة القانون في الإجراءات المتبعة بحقهم.
وعبر الأمريكي للعدالة، عن قلقه من نوايا الجماعة من نشرها لتلك المقاطع، مذكراً بقضية وفاة الموظف السابق في السفارة الأمريكية بصنعاء "عبدالحميد العجمي" في مايو2021، وسط ظروف غامضة ورفض حوثي تشريح جثته لمعرفة أسباب الوفاة.
وقال المحامي "عبد الرحمن برمان" المدير التنفيذي للمركز الأمريكي للعدالة، إن "ما حدث مع الموظفين السابقين في السفارة الأمريكية وبعض الوكالات الأمريكية، وإجبارهم الاعتراف على أنفسهم بتلك الجرائم الخطيرة، لا يمكن الاعتداد به من الناحية القانونية لمخالفة القواعد القانونية التي لا تأخذ باعتراف الشخص على نفسه".
وأضاف: "عدم معرفتنا بالظروف التي دعت الأشخاص للاعتراف على أنفسهم، وما واجهوه أثناء عمليات التحقيق، يضاف لذلك عدم قبول أي مقطع فيديو من الناحية القانونية دون موافقة أولئك الأشخاص". مؤكدًا أن "نشر اعترافات بهذه الصورة ينتهك حقوقهم في الخصوصية وحقهم في البراءة التي تلازم المتهم حتى صدور حكم نهائي يدينه، بل إن ذلك يعد بمثابة حكم إعدام في ظل سيطرة المليشيا المسلحة على القضاء".
إلى ذلك، أدان ماجد فضائل، وكيل وزارة حقوق الإنسان اختطاف العاملين في المجال الإنساني وموظفي الأمم المتحدة، ووصفها بالأعمال الإجرامية وأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وأضاف فضائل: "يجب على جماعة الحوثي الإرهابية الافراج الفوري وغير المشروط عن جميع الموظفين المختطفين، وضمان سلامة وأمن جميع العاملين في المجال الإنساني، حتى النساء العاملات في المجال الإنساني لم يسلمن من بطش وانتهاك هذه الجماعة المجرمة حيث وصل عددهم إلى أربع نساء منهم امرأه خطفت مع زوجها وأطفالها".
وأكدت مصادر مقربة من أهالي موظفي المنظمات المعتقلين، أن جماعة الحوثي الإرهابية عزلتهم كليًا، ومنعت التواصل مع أقاربهم، ورفضت أي زيارات أو السماح بدخول أدوية لبعض المعتقلين الذي يعانون من أمراض مزمنة.