السبت 07/سبتمبر/2024
عاجلعاجل

فتح الطرقات.. كيف استقبل سكان مدينة تعز المحاصرة عيد الأضحى؟ (تقرير خاص)

فتح الطرقات.. كيف استقبل سكان مدينة تعز المحاصرة عيد الأضحى؟ (تقرير خاص)

بعد أكثر من تسع سنوات من الحصار الذي فرضته جماعة الحوثي الإرهابية على مدينة تعز (جنوبي غرب البلاد) استجابت الجماعة المدعومة من إيران أخيرًا لنداءات الحكومة المعترف بها دوليا، معلنةً قبولها فتح منذ "الكنب – جولة القصر" لعبور المدنيين من وإلى المدينة.

أتت هذه الاستجابة بعد معاناة طويلة مع الحصار والمناشدات المدنيّة والحكومية والدولية، وعقب ستة أيام من تصفية الخط من الأشجار والستائر الترابية والألغام الذي زرعتهم جماعة الحوثي المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية، ليتمكن المواطنون من العبور عبر منذ جولة القصر، ويعيشون أجواء عيد الاضحى المبارك هذا العام بشكل مختلف.

 

فرحة مميزة

 

بعد ما يقارب عشرة أعوام من الحصار لمدينة تعز، أقبل عيد الأضحى المبارك هذا العام بشكل مختلف، حيث تمثل ذلك في كثافة إقبال الزائرين إلى مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها بعد فتح إحدى طرق المدينة المرتبطة بالحوبان، الأمر الذي أضاف لهذا العيد عبقًا برائحة مختلفة، عن الأعوام الماضية، يرى المصور الصحفي أحمد الشيخ.

ويضيف الشيخ في حديثه لـ"المجهر" أنه كان يعتقد أن فتح طريق جولة القصر سيخفف من وطأة الازدحام في المدينة إلا أنه حدث العكس فقد تدفق إلى المدينة أضعاف من غادرها في رسالة مفادها "العيش في كنف الحرية ولو كنت محاصرًا أهون من العيش تحت اضطهاد الحوثي"، حد قوله.

ويؤكد أن العيد في تعز هذا العام بمثابة استفتاء شعبي على رفض الظلم والاحتلال، وكأن كل مواطن من مواطنيها قد صوت بانتقاله إلى شوارعها المحاصرة".

من جهته، يعتقد الصحفي محمد محروس أن فتح الطرقات ضاعف فرحة العيد في الناس في مدينة تعز، وجعل لأجواء العيد زخم كبير، بعد معاناة استمرت لأكثر من 9 سنوات من الحرب والحصار. 

ويضيف محروس، أن تعز تتفرد بتقديم طقوسها المناسباتية والفرائحية بشكل مختلف ومميز، كون المدينة تستيطع أن تعيش الزخم الفرائحي رغم الأوجاع والآلام.

 

حصار مميت

 

تحاصر جماعة الحوثي الإرهابية محافظة تعز منذ العام 2015 بعد انقلابها على الشرعية في البلاد، ومارست بحق سكان المدينة المحاصرة أبشع الانتهاكات، حيث منعت عنهم وصول الغذاء والدواء، مما اضطرهم إلى البحث عن منافذ بديلة وعرة كمنفذ طالوق في جبل صبر. 

وخلال سنوات الحرب راح ضحية عمليات القتل والقنص الحوثية ومخلفات الألغام التي زرعتها الجماعة الجماعة المدعومة من إيران في المدينة الواقعة جنوبي غرب البلاد أكثر من 27 ألف مدني، بينهم أطفال ونساء وكبار في السن.

 وبحسب إحصائيّات غير رسمية فأن جماعة الحوثيين خرقت أكثر من 44 اتفاقا من 2015-2024 منه تضمنت فتح الطرقات، مع الحكومة اليمنية والتحالف العربي وأخر مع القبائل وأطراف سياسية. 

ويؤكد بلوماسيون في الوفد الحكومي المفاوض أن الجماعة رفضت في أوقات سابقة جميع المبادرات التي طرحتها الحكومة المعترف بها والوسطاء الدوليين والمبعوث الأممي بشأن فتح طرقات تعز أسوة بفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة. 

ولم يكن هناك من مبررات على تمسك الجماعة في قرار حصار تعز، سوى إمعانها في تعذيب سكان المدينة التي رفضت الخضوع واختارت خيار المقاومة المسلحة لصد هجوم الحوثيين على المدينة، وفق الدبلوماسيين. 

في فبراير/ شباط الماضي أعلنت اللجنة الحكومية للتفاوض بشأن فتح الطرقات مبادرة لفتح طريق فرزة صنعاء- عقبة منيف، من جانب واحد كخطوة أولية لفتح منفذ شرقي للمدينة ورفع جزئي للحصار. 

في المقابل، لم توافق جماعة الحوثيين على المقترح الحكومي، وردت عليه بمقترح فتح خط ترابي مستحدث يمر عبر الخمسين- مدينة النور، ويستهدف عمق معسكر الدفاع الجوي التابع للقوات الحكومية شمالي المدينة، في حين وصفت سلطات تعز هذا الإعلان بالهروب من التزامات فتح الطرقات واستغلال الجانب الإنساني لتحقيق مكاسب سياسية. 

 

فتح الطرقات

 

منتصف يونيو/ حزيران الجاري أعلنت جماعة الحوثيين عن فتح خط جولة القصر- الكمب شرقي مدينة تعز، وقوبل ذلك بترحيب من الجانب الحكومي حيث أعلنت لجنة فتح الطرقات أن جميع الطرق من جانبها مفتوحة، في انتظار إجراء مماثل من جانب الحوثيين. 

ويستقبل المنفذ الشرقي لمدينة تعز أكثر من 1700 سيارة يوميا في طريق مزدحمة ووحيدة، مما دفع السكان إلى المطالبة بفتح طرقات أخرى تسهل المرور من وإلى المدينة ذات الكثافة السكانية الأكبر في اليمن.  

 لكن مراقبون يرون أن ثمة مخاوف عدة لهذا القرار المفاجئ كون جماعة الحوثي لا تتخذ قراراتها بناءً على العواطف بل على المصالح، حيث أرجعوا قرار الجماعة المفاجئ إلى جملة من الأسباب منها الخروج من العزلة الاقتصادية التي يعيشها الحوثيون بفعل قررات البنك المركزي في عدن. 

فيما يرى آخرون أن الجماعة حين عحزت عن تحقيق أي مكاسب سياسية ودخولها منذ فترة في هدنة غير معلنة مع القوات الحكومية، لم يدع في أيديها خيار آخر سوى فتح الطرقات، وفي المقابل محاولة الدفع بعناصرها إلى داخل المدينة من خلال تهريبهم عبر هذه المنافذ لجمع معلومات استخباراتية وعسكرية. 

ولأن الطريق الوحيد الذي أعلن الحوثيون عن فتحها، لم تنهي الحصار المفروض لعشر سنوات بشكل كلي، بل أنهت جزء من معاناة السكان، سارعت اللجنة الحكومية إلى إعلان فتح "خط مفرق الذكرة، الستين، مفرق السلام ثم إلى سوق الرمدة عصفيرة" وبعد ذلك طريق أخرى تمر من "مفرق الذكرة، الستين، مفرق شرعب، السمن والصابون، المطر القديم بئر باشا".

 

العيد عيدين

 

تعيش مدينة تعز أوضاعًا إنسانية صعبة جراء الحصار الحوثي الممتد منذ عشر سنوات، إلا أن فتح الطرقات الرئيسية التي تربط المدينة بالمناطق والمحافظات الأخرى يشكّل نقلة نوعية في جميع الجوانب الاقتصادية والانسانية، ويساهم في تحسن الوضع المعيشي. 

في السياق، يقول عبدالرحمن السامعي طالب في جامعة تعز "خرجت من تعز المدينة الساعة العاشرة صباحًا بعد ربع ساعة وصلت جولة القصر، هذه المرة الأولى التي يمر بهذا الوقت القصير، بعد عامين من دخولي تعز والالتحاق في جامعتها".

ويعبر السامعي في حديثه لـ"المجهر" عن حجم المعاناة السابقة أنه عندما كان يمر بطريق الضباب يخرج الساعة 6 صباحا ويصل العين مركز مديرية المواسط الساعة التاسعة والنصف، ثم ثلاث ساعات مشيًا على الأقدام في جبال سامع كي يتمكن الوصول إلى عزلته بني أحمد.

من جهته، يعبر المواطن نور الدين الأصبحي عن فرحته "التي لا توصف"، مضيفًا أن تعز مدينة المحبة والحياة تعيش فرحتين، وعيدها عيدين، عيد الأضحى المبارك وعيد كسر الحصار وفتح المنافذ. 

ومن مصلى العيد في ساحة الحرية، يقول الأصبحي أنه التقى أصدقاء له لم يجتمتع بهم لأكثر من عشر سنوات بفعل الحصار الحوثي المفروض على تعز، لافتا إلى أنه بعض من التقى بهم كان يحسبهم غادروا الحياة أو انتقلوا إلى أماكن أخرى لكنه تفاجئ أنه لم تكن تفصله عنهم سوى بضعة خطوات، حد وصفه. 

وبدوره، يقول عبدالحميد الشرعبي، أن هذه المرة الأولى التي يسافر فيها مع أسرته إلى بلاده، بسبب الحرب، وصعوبة الطريق ووعورتها في الأقروض، حيثُ كانت حجر عثرة أمامه في كل ما ينوي أن يقضي إجازة العيد مع أهله.

ويأمل الشرعبي أن تلتزم جماعة الحوثي في رفع الحصار، و تفتح جميع الطرقات أمام المواطنين والمرضى، وترفع جميع الحواجز الترابية والأشجار والألغام، وتعود تعز إلى ما كانت إليه في السابق.

إلى ذلك، تؤكد المواطنة زينب الصرمي، أن فتح منفذ المدينة الرابط بمنطقة الحوبان مكن المواطنين من العودة إلى أسرهم وزيارة أقاربهم، وظهر ذلك جليا من خلال كثافة الحركة في الأماكن السياحية كجبل صبر.

 

في حضرة الدولة

 

رغم كثافة الداخلين إلى المدينة إلا أن الشرطة العسكرية والأمن في منفذ جولة القصر، تعمل بسرعة وسلاسة في الإجراءات، وتعد أسرع من الوضع الطبيعي، وفق استطلاع أجراه "المجهر" مع المواطنين القادمين إلى مدينة تعز. 

وبهذا الصدد، يقول أحد الزائرين (فضّل عدم ذكر اسم) أن هناك فرق كبير بين ما يقال عن مدينة تعز والوضع الأمني فيها، لافتا إلى أن لمس وجود أمن واستقرار حقيقي، ومظاهر نظامية تجعل القادمين يشعرون أنهم "في حضرة الدولة". 

 وبحسب مصدر عسكري، فإن مدينة تعز استقبلت يوم السبت الماضي عدد 1638 سيارة، خلال 12ساعة من 6 صباحاً إلى 6 مساءً.

فيما تشير الإحصائيات غير الرسمية، أنه في المقابل بلغ عدد السيارات المغادرة من تعز المدينة إلى الحوبان قرابة 500 سيارة طوال اليوم ذاته، وهذا ما يشكل ضغطا على القدرة الاستيعابية لهذا المنفذ. 

في هذا السياق، تقول رحاب الفضلي طالبة الإعلام بجامعة تعز، أن فتح الطريق ومرورها بذلك الوقت القصير، بعد عشر سنوات من المعاناة، أشبه بحلم، لذلك فتح الطرقات أمام المواطنين مهمة جدًا، سيخفف كثير من المعاناة.

من جهتها، تؤكد الناشطة المجتمعية سما المخلافي أنها بعد أن عبرت من جولة القصر لمدة نصف ساعة لم تشعر بالوقت ولا حمى الباص، وهذه المرة الأولى بعد عشر سنوات من الحصار،

 وتوضح أنها كانت قبل سفرها للجهة الأخرى تجلس يومين بلا نوم، تهم الطريق والمرتفعات والجبال والمشاكل الطريق والحوادث، وتستمر ٦ ساعات على الأعصاب، معبرةً عن أملها بفتح بقية الطرقات للمواطنين، وخوفها الكبير أن تكون فرحة مؤقتة فقط".

 

مخاوف أمنية

 

على الرغم من كون فتح الطرقات يشكل إنجازا كبيرا لسكان مدينة تعز، إلا أن ذلك يضع المدينة أمام جملة من التحديات الأمنية والعسكرية، كون الجماعة تصر على فتح طريق فرعي لمرور شاحنات نقل البضائع والنقل الثقيل عبر معسكر الدفاع الجوي بدلا من فتح طريق الستين- عصيفرة.

وبحسب مراقبين، ترتكز المخاوف العسكرية التي أعقبت عملية فتح الطرقات، في مساعٍ للجماعة المدعومة من إيران في البحث عن منافذ لتسهيل دخول عناصرها الاستخباراتية إلى مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها ، والتسلل لتنفيذ عمليات الاغتيالات أو الترصد لقيادات سياسية وعسكرية، ونشر الفوضى داخل المدينة.

في السياق، يؤكد أحمد الشيخ، أن فتح الطريق يُمثل إنجازًا هائلًا لأبناء تعز الذين قاسوا الأمرين خلال سنوات الحصار، لكنه يحذر من أن المشهد سيبقى مزيجًا من الأمل والحذر من جماعة الحوثي.

ويشير الشيخ إلى أن خطوة الحوثيين على إصرار فتح طريق فرعي يمر بجانب الدفاع الجوي، أخطر موقع عسكري في المدينة، مخاوف وتساؤلات، وتزداد هذه المخاوف مع تصريح عضو لجنة فتح الطرقات نبيل جامل بالقبض على خمسة عشر مسلحًا حاولوا التسلل والدخول إلى المدينة.

ويوضح المسؤول الحكومي أن النوايا الخبيثة جراء هذه التطورات تُلقي بظلال من الشك على نوايا جماعة الحوثي، وتُؤكد ضرورة الحذر والترقب.

إلى ذلك، أفاد مراقبون أن جماعة الحوثي استحدثت أنفاق جديدة لأهداف أمنية و عسكرية غير واضحة حتى الآن، إضافةً إلى أنه من غير المعروف مدى طول الأنفاق واتجاهها، وربما تكون تصل إلى مناطق داخل المدينة، حد وصفهم.