يوميًا، تنتظر مئات المركبات والسيارات المتنقلة دورها في عبور طريق جولة القصر باتجاه مدينة تعز، التي أصبحت مقصدًا للمواطنين الفارين من مناطق جماعة الحوثي الإرهابية وسياسة القمع والانتهاكات والاعتقالات القسرية، وتكميم الأفواه والأصوات المعارضة؛ ليتنفسوا الحرية في هذه المدينة بعيدًا عن سطوة الإرهاب الحوثي.
لكن يبدو أن نية الجماعة الحوثية من فتح المنفذ الشرقي لتعز، لم تكن إنسانية، وبعيدة كل البعد عن الملف الإنساني والتخفيف من معاناة المسافرين، كما روج لها الحوثيون؛ فالحصار الذي فرضته الجماعة بمليشياتها منذ أكثر من تسع سنوات، دون النظر أو الالتفات والمراعاة لتنقل المرضى والمدنيين، يؤكد أن خطة الحوثي هي السيطرة على تعز، المحافظة التي لوت ذراع الجماعة، ورفضت الخضوع لسيطرة السلالة وتصدرت نبذ الفكر الحوثي الإيراني.
محاولة اختراق
تسعى جماعة الحوثيين، إلى تمرير العشرات من عناصرها بين الآف الوافدين إلى المدينة، بهدف خلق الفوضى، وخلخلة الجبهة الداخلية لتعز؛ لكن عناصر الحوثي لن يمروا، فالجيش والأمن المرابطين في المنفذين الشرقي والغربي، يعملون بجهد متواصل، وهمة عالية، ضمن وحدة مشتركة مترابطة، بجانب جهازي الأمن السياسي والقومي، والاستخبارات العسكرية، ما يجعلهم على استعداد تام لضبط متسللي الحوثي، ومراقبة التحركات.
بحسب مراقبين, فإن جماعة الحوثي تسعى من خلال فتح طريق جولة القصر، إلى اختراق المدينة فكريًا وثقافيًا وأمنيًا وعسكريًا، وذلك بعد أن فشلت في إخضاع أبناء تعز من خلال حصارها المفروض منذ بداية الحرب، وحتى اليوم؛ الحصار الذي حولته الجماعة إلى ورقة سياسية، وورقة عقابية للمجتمع، ولأبناء المدينة الذين سطروا الملاحم البطولية في الدفاع عنها، وكسروا شوكة العصابة الحوثية منذ بداية المعركة.
وبالتزامن مع فتح طريق جولة القصر، شيدت الجماعة الحوثية، عشرات الأنفاق الأرضية بالقرب من خطوط النار في الجبهة الشرقية لتعز. ومع ظهور صور الأنفاق والخنادق، عادت المخاوف لدى كثيرين من أن يكون فتح الطريق، مجرد فخ حوثي لإسقاط المدينة، سيما وأن الجماعة رفضت تقديم أية ضمانات أمنية أو عسكرية للجنة الحكومية والسلطة المحلية في المحافظة.
وتوقع قادة ميدانيين في الجبهة الشرقية لتعز، بأن أنفاق الحوثيين، تأتي ضمن خطة مدروسة لخوض معركة هجومية سواء بعد فتح طريق جولة القصر- الكمب، أو في قادم الأيام، بهدف اجتياح المدينة التي ظلت عصية على السقوط.
جاهزية أمنية
يستغل الحوثيون التوافد الكبير للمسافرين عبر منفذ جولة القصر، ودخول ما يزيد عن 1500 سيارة يوميًا، في تمرير عناصر حوثية إلى داخل المدينة، لكن السلطات المعنية، ورجال الأمن يقفون بثبات لهذه الممارسات العشوائية، وبحسب مصادر خاصة فإن الأجهزة الأمنية والعسكرية ألقت القبض على عدد كبير من الحوثيين المتسللين إلى المدينة عبر المنفذ الشرقي، مؤكدة أن الوصول إلى وسط المدينة ليس سهلًا بالنسبة لعناصر وخلايا الحوثيين.
مصدر أمني، أفاد لـ "المجهر"، بأن السلطات الأمنية أعدت بالشراكة مع محور تعز، وكافة الأجهزة والوحدات الأمنية، خطة متكاملة لتأمين الطريق، مضيفًا أن "لجنة مشتركة من الأمن والأجهزة الاستخباراتية، هي المسؤولة عن عملية الإجراءات تجاه العناصر المشتبه بهم.. وتتكون من إدارة الأمن، والاستخبارات والأمن السياسي والأمن القومي والأمن العسكري، يرأس هذه اللجنة نائب مدير الأمن العقيد أنيس الشميري".
وأكد المصدر الأمني، في اللجنة المشتركة، أن "أي شخص مشتبه به وصل إلى وسط المدينة، أو في المنفذ الشرقي أو الغربي، يتم ضبطه وإحالته لهذه اللجنة المعنية بالنظر في حالات الاشتباه وفق التقارير والإثباتات، ووفق التحقيقات التي يتم إجراؤها مع حالات الاشتباه".
وأوضح أن اللجنة تعمل على تقييم حالة المشتبه، وما إذا كان مجرد اشتباه دون وجود ارتباطات مع الحوثيين أو عَمِلَ سابقًا مع الجماعة، فيتم إطلاق سراحه بعد أخذ البيانات والإجراءات الأمنية، والتعريف به من قبل شخصيات معروفة ومضمونة".
واستطرد قائلًا لـ "المجهر": "التحقيق يتضمن بحثًا دقيقًا حول المشتبه، هل الشخص متورط مع الحوثيين سواء من جانب عسكري أو أمني أو معنوي أو شعبي أو اجتماعي، ونوع تورطه ومشاركته مع الحوثي، والهدف من دخوله المدينة، وهل تواجده يؤثر وهل له نشاط وتحركات، أم مشاركته ونشاطه في السابق مع الحوثي محدود وبفترة معينة ولا يؤثر".
وتتخذ اللجنة المشتركة كافة الإجراءات الأمنية، وفرز حالات الاشتباه، وفق الضوابط المعروفة، وبحسب تأكيدات المصدر فإن معظم حالات الضبط تأتي لعدم وجود وثيقة تعريفية، أو بطاقة شخصية، وغيرهم من الوافدين إلى المدينة لقطع جوازات السفر، وهذه الحالات يتم أخذ بياناتهم كاملة والتعريف بهم من قبل شخصيات قريبة أو معروفة لديهم داخل المدينة، ويجري السماح لهم بالدخول.
أما الأشخاص الذين لديهم تصرفات مشبوهة أو مدفوعين من قبل جماعة الحوثي الإرهابية، وشاركوا بالعمل لصالح الحوثي، فإن اللجنة المشتركة تقوم بإحالتهم إلى الأجهزة المعنية، بعد استكمال التحقيقات، كلًا حسب الاختصاص -الأمن العسكري، الاستخبارات، الأمن القومي، الأمن السياسي- والأغلبية يتم نقلهم إلى جهاز الأمن العسكري التابع لقيادة محور تعز.
إحباط المخطط
يقول مصدر خاص في اللجنة المشتركة لـ "المجهر" إنه تم ضبط ما يقارب 800 حالة اشتباه منذ فتح المنفذ الشرقي لتعز، مشيرًا إلى أن عمليات الضبط جرت عند مداخل المدينة، كذلك وسط المدينة والأماكن العامة وغيرها من الفنادق والاستراحات.
وبحسب المصدر فإن: "أكثر من 600 شخصًا، سُمح لهم بالخروج خلال الساعات الأولى التي عقبت عملية التوقيف والضبط، بعد اتخاذ الإجراءات الأمنية والتعريف بهم؛ فيما تبقى ما يقارب 60 حالة اشتباه قيد التحقيق والحجز في مقر إدارة الأمن بنظر اللجنة المشتركة".
وكشف المصدر أنه "تم إحالة نحو 100 شخص إلى جهات الاختصاص وأجهزة الأمن العسكري والاستخبارات وجهازي الأمن السياسي والقومي، بعد التحقيق معهم وثبوت تورطهم بالعمل مع الحوثي، بينهم قادة وضباط من مناطق الحوثيين، ومن مديريات تعز الخاضعة لسيطرة الجماعة".
وتفيد المعلومات التي حصل عليها "المجهر"، بأن شخصًا قادمًا من صنعاء، تم ضبطه لمرتين متتاليتين يوم دخوله مدينة تعز، الأولى في نقطة الهنجر، مدخل تعز الغربي، بعد الاشتباه به وإحالته للتحقيق، حيث تبين أن الشخص يعاني من أزمة نفسية، ليتم السماح له بالدخول إلى وسط المدينة.
وبعد ساعات، قام الرجل بإلقاء محاضرة حوثية في جامع "السعيد" تحتوي على لغة غامضة ومشبوهة، ولهجة تنتمي للمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ليتم ضبطه للمرة الثانية، حيث أظهرت نتائج تحقيقات الأمن أن الشخص يتبع المنطقة العسكرية الثالثة في مأرب، ومتأثرًا بالفكر الحوثي، معترفًا أن الجماعة الحوثية دفعت به للدخول إلى تعز.
تداول السلاح
تشمل الخطة الأمنية، التي أُعدت بالتزامن مع فتح طريق جولة القصر، وبمشاركة كافة الوحدات، عمل آلية محددة لبيع وشراء الأسلحة داخل مدينة تعز، حيث تقوم اللجنة المشتركة والأجهزة المعنية بتتبع ورصد التحركات، ومراقبة الأماكن التي تباع فيها الأسلحة، وتنتشر قوات الأمن عند مداخل الأحياء والحارات، وتتواجد في الأسواق والجولات وغيرها من المناطق السكانية، بهدف مراقبة الوضع ومنع التحركات المشبوهة.
وركزت اللجنة المشتركة على الاجتماع بالعاملين في تجارة الأسلحة، ومالكي المحلات في سوق السلاح، لوضعتم في الصورة، وتوضيح الوضع والموقف، وما يجب عليهم القيام به في سبيل حماية المدينة من أي خلايا حوثية أو نشاطات سرية مسلحة.
وألزمت اللجنة تجار الأسلحة، بالعمل ضمن آلية وإجراءات محددة في عملية بيع وشراء الأسلحة وفق ضوابط ومعايير محددة، تتطلب إثبات وثيقة تعريفية رسمية، موضحًا مكان سكنه، وعمله والغرض من بيع أو شراء السلاح. كما تتعلق هذه الآلية بنوعية السلاح وحجمه ونوعه، وتعبئة استمارة متكاملة قدمتها اللجنة المشتركة والرفع أولًا بأول عن حالة البيع والشراء والحركة اليومية في سوق السلاح بالتعاون مع عقال الحارات وأقسام الشرطة.
مصدر مسؤول في قيادة الجيش والأمن، أوضح لـ "المجهر" أن الأجهزة الأمنية تقوم بواجبها بأكمل وجه، وفي جاهزية عالية لضبط أي تحركات، مشيرًا إلى أن الموقف والحالة الأمنية خطيرة، ويتم مواجهة ذلك بما يتناسب مع خطورة الوضع، رغم الضغوطات في الميدان، وكذلك الضغوطات التي تأتي بهدف الإفراج عن بعض المتورطين بالعمل لصالح الحوثي تحت مبررات سياسية.
ونفى المصدر نفسه، وجود أية حالات ضبط مسيسة أو تعسفية، مؤكدًا أن حالات الضبط والقبض والتحفظ تتم وفق تقارير وتحقيقات وإجراءات أمنية واضحة والتصرف بمسؤولية وحرص شديد، فالأمن بجانب الشعب ويسعى بهذه الآليات والضوابط أن يجنب تعز، فوضى المتسللين الحوثيين، والنشاط الإرهابي للعناصر الحوثية، داعيًا أبناء تعز أن يكونوا على تعاون مع الأجهزة الأمنية، للبلاغ عن أي تحركات أو تجمعات مشبوهة.
ومن خلال التحقيقات التي تمت مع المدانين بالعمل لصالح الحوثي، -أكدت مصادر خاصة- أن المتسللين الحوثيين إلى المدينة، اعترفوا بأن جماعة الحوثي دفعتهم لدخول مدينة تعز، في محاولة حوثية لاختراق جبهة تعز من الداخل، عبر الوافدين إليها كمواطنين، من أجل الانخراط في أعمال تجارية كالدرجات النارية والبقالات والبسطات وغيرها من الأعمال البسيطة، بهدف الاندماج مع المجتمع والتمويه عن الهدف من تواجدهم كخلايا نائمة.