السبت 23/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

ضغوط أممية لإنقاذ الحوثيين.. ما مصير قرارات "المركزي اليمني" وإجراءاته التصحيحية؟ (تقرير خاص)

ضغوط أممية لإنقاذ الحوثيين.. ما مصير قرارات "المركزي اليمني" وإجراءاته التصحيحية؟ (تقرير خاص)

أحدَث تدخل الأمم المتحدة وضغطها على مجلس القيادة الرئاسي لتأجيل تنفيذ الإجراءات الاقتصادية المتخذة من البنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن، غضبًا شعبيًا واسعًا واستياء عارمًا، معتبرين ذلك انحيازًا واضحًا للحوثيين وإنقاذًا للجماعة الإرهابية في اللحظات الحرجة.

والأربعاء الماضي، وجّه المبعوث الأممي لدى اليمن هانس غروندبرغ برقية عاجلة الى رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، أعرب فيها عن قلقه العميق إزاء قرار البنك المركزي اليمني رقم 30 لعام 2024 الذي يقضي بتعليق تراخيص ستة بنوك، وداعيًا إلى تأجيل تنفيذ هذه القرارات حتى نهاية شهر أغسطس، نظرا للتداعيات الإنسانية، وأبدى دعمه لإطلاق حوار برعاية الأمم المتحدة بين الأطراف اليمنية لمناقشة التطورات الاقتصادية الأخيرة بهدف إيجاد حلول تخدم مصلحة جميع اليمنيين.

وبدوره، ناقش مجلس القيادة الرئاسي، في اجتماعه الطارئ أمس الجمعة، رسالة غروندبرغ، مؤكدًا تمسكه بجدول أعمال واضحة للمشاركة في أي حوار حول الملف الاقتصادي، بما في ذلك: استئناف تصدير النفط، توحيد العملة الوطنية، إلغاء كافة الإجراءات التعسفية بحق القطاع المصرفي ومجتمع المال والأعمال.

وبحسب مصدر حكومي مطلع، فإن الرئاسي في اجتماعه وافق على تعليق الإجراءات المتّخذة ضد البنوك الواقعة في سيطرة الحوثي، وذلك نتيجة للضغوط الخارجية بهدف الدخول بتفاوض اقتصادي حول توحيد العملة واستئناف تصدير النفط.

ومؤخرًا، تصاعدت إجراءات البنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن، من خلال قرار نقل المقرات الرئيسية للبنوك إلى عدن وتعليق تراخيص ستّة من كبارها، وتنظيم النشاط المصرفي من خلال شبكة التحويلات الموحدة، وإيقاف التحويلات الخارجية إلى مناطق سيطرة الجماعة، فضلًا عن قرار سحب الطبعة القديمة من العملة التي طبعت ما قبل سنة 2016، وذلك خلال فترة 60 يومًا.

وحظيت هذه الإجراءات والقرارات الصادرة عن البنك المركزي، بترحيب وتأييد شعبي واسع، في عموم المحافظات اليمنية، حتى تلك الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، كونها تهدف لإنهاء الانقسام النقدي الذي فرضته جماعة الحوثي من خلال استمرار حظرها تداول الطبعة الجديدة من العملة، والذي تسبب بمعاناة واسعة للمواطنين.

غير أن التدخّل الأممي في الضغط على المجلس الرئاسي لتأجيل تنفيذ قرارات البنك المركزي، أغضب اليمنيين الذين بدورهم طالبوا الرئاسي والحكومة والبنك بعدم الاستسلام للضغوط الأممية الهادفة لإنقاذ المتمردين الحوثيين.

 

تأجيل أم تراجع؟

 

ورغم أن برقية المبعوث الأممي العاجلة للرئاسي اليمني تطلب تأجيل تنفيذ قرارات البنك المركزي إلى نهاية أغسطس القادم، والتي قوبلت باستجابة المجلس الرئاسي، بحسب المصدر الحكومي، إلا أن ثمة تخوفات شعبية من أي تراجع عن قرارات البنك دون تنفيذ الحوثيين للشروط التي أكد الرئاسي تمسكه بها، على الأقل.

الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية وفيق صالح، قال إن "هناك فرق بين التراجع والتأجيل"، مشيرًا إلى أن "التراجع كارثة بحق الحكومة والبنك المركزي، في حين التأجيل قد يتم إعطاء فرصة أخيرة أو مهلة للتعاطي بشكل إيجابي مع هذه القرارات، وسد الذرائع أمام الأمم المتحدة أو أي أطراف أخرى من اللعب على وتر الورقة الإنسانية".

وأضاف صالح في حديثه لـ"المجهر" : "سيخسر البنك المركزي كثيراً في حال تراجع عن قراره بنقل المقرات الرئيسية للبنوك إلى عدن، بدءاً من اهتزاز الثقة، وتلاشي المكاسب التي أنجزها لإعادة تنظيم النشاط المصرفي من خلال شبكة التحويلات المالية الموحدة، والإصلاحات الفنية التي أجراها بدعم من صندوق النقد الدولي، إلى شرعنة الانتهاكات والتجاوزات التي مارستها جماعة الحوثي بحق الاقتصاد الوطني والقطاع المصرفي بشكل خاص".

 

مفاوضات فاشلة

 

يرى مراقبون اقتصاديون، أن تنفيذ قرارات البنك المركزي سيتم تأجيلها إلى نهاية أغسطس/ آب القادم، بحسب طلب المبعوث الأممي، وستذهب الشرعية والحوثيين لمفاوضات في الملف الاقتصادي، وستكون شروطها: تصدير النفط وتوحيد العملة وتراجع الحوثي عن كافة إجراءاته".

لكنهم توقّعوا أن المفاوضات الاقتصادية "ستفشل"، لأن جماعة الحوثي لا تبحث عن حلول إطلاقًا، ولا يهمها مصلحة اليمنيين، وتجري فقط وراء مكاسبها".

وبحسب الصحفي توفيق السامعي، يتعرض المجلس الرئاسي لضغوطات جمة من قبل الأمم المتحدة ومن خلفها المجتمع الدولي ليس للتراجع عن قرارات البنك المركزي وإلغائها، بل لتأجيلها، بحسب رسالة المبعوث الأممي للمجلس.

وأضاف السامعي لـ "المجهر" أن المجلس الرئاسي يسير في حقول ألغام بسبب المجتمع الدولي المتماهي مع المليشيا الحوثية والضغط على الرئاسي من جانب واحد دون الضغط على المليشيا الحوثية التي يفترض بهذا المجتمع الدولي مواجهتها نظراً لإرهابها في البحر الأحمر، وكل يوم تتجلى لنا الحقائق والدلائل أنها مسرحية مؤكدة بين الحوثية والقوى العظمى بغطاء الأمم المتحدة.

 

محاولة إنقاذ للحوثيين

 

الناشطة الحقوقية إشراق المقطري، وصفت تدخلات المبعوث الأممي السابق والحالي التي تصب دائما في مصلحة الحوثي، بأنها "غير منطقية"، موضحة أنه "كلما اتخذت الشرعية قرار سياسي أو اقتصادي أو عسكري، أو صارت بموقف أقوى، سارع بإيقافها والضغط والخطابات والزيارات، في حين يصمت ويستسلم لأي إجراء أو تصعيد أمني أو عسكري أو اقتصادي تقوم به جماعة الحوثي وفيه مساس بحقوق وكرامة وسلامة اليمن واليمنيين واليمنيات. والأغرب هو: التلويح أو تناول تدخله السلبي بانه انساني وسيضر باليمنيين".

وأضافت المقطري: "للأسف ليس هناك أسوأ من ما يعيشه فقراء وضحايا اليمن من اليوم.. ولم يعد هناك أسوأ من هكذا حال.. وبالتأكيد أن لدى المبعوث الحالي وفرقه المختلفة معرفة تامه بالوضع اللاإنساني واللاطبيعي لليمن واليمنيين/ات خاصة بالسنوات الاخيرة، ومع إغلاق اكثر التجار لمشاريعهم في مناطق الحوثي بسبب المصادرات والنهب والاعتقالات، ووصل الحال للمنظمات الانسانية والتنموية المحلية والدولية".

وأشارت المقطري إلى أن "التدخل الأممي من خلال المبعوث يجب أن يكون في صالح عدم تقوية طرف وفي إتاحة الفرصة للناس في أخذ حقوقهم ممن ينتهكها، ومنها الحقوق الاقتصادية، لا المساهمة في دعمه اقتصاديا وإضعاف المواطنيين والمواطنات".

 

انحياز أممي واضح

 

ويستذكر اليمنيون الأدوار والمواقف الأممية والدولية المساندة للحوثيين، على رأسها "اتفاق استوكهولم" الذي فُرِض بضغوط كبيرة من الأمم المتحدة وأمريكا وبريطانيا بُغية وقف معركة تحرير الحديدة وإجبار القوات المشتركة على التراجع، وقبل ذلك المساعي الحثيثة التي بذلها المبعوث الأسبق جمال بن عمر، في إطار تعطيل القرار الأممي 2216، فضلًا عن الضغوط على الحكومة المعترف بها للسماح بتشغيل ميناء الحديدة و مطار صنعاء، وكلها ضغوط كان هدفها خدمة الحوثيين، وتحت ذريعة "الجانب الإنساني".

وبالمقابل، لم تتحرك الأمم المتحدة ومبعوثها حين قصفت جماعة الحوثي ميناء الضبة وعطلت تصدير النفط والاقتصاد الوطني تمامًا، ولم تتخذ موقفًا ضاغطًا حين فرضت الجماعة انقسامًا نقديًا وطبعت عملة غير شرعية ونهبت الموارد الوطنية وأموال المواطنين وميزانية المرتبات، وأموال المانحين، واختطفت الطائرات.

 

الأمم المتحدة تحارب اليمن

 

الصحفي والباحث توفيق السامعي، يقول إن "الأمم المتحدة، من خلال رسالة مبعوثها الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ للمجلس الرئاسي في تأجيل قرارات البنك المركزي اليمني، أثبتت أنها هي التي تحارب اليمن واليمنيين، وما المليشيا الحوثية الإرهابية إلا مليشيا رسمية تابعة للأمم المتحدة والقوى التي تتحكم بهذه المنظمة وتسيرها".

ويضيف أن "الأمم المتحدة تتدخّل لإنقاذ الحوثية من السقوط في المنعطفات الخطيرة والأوقات الحرجة منذ عام 2013 وحتى اليوم، مروراً بأهم تدخل لها لإنقاذ الحوثية أثناء عصف القوات المشتركة بهذه المليشيا في ميناء الحديدة عبر اتفاقية استكهولم الذي فرضته بريطانيا بقوة السلاح والتهديد بضرب تلك القوات بالبارجات وإلغاء القرار 2216 والتدخل العسكري المباشر".

ويعتبر أن الذي "ما يزال يراهن على موقف الأمم المتحدة، أو لا ينظر لها كعدو مباشر داعم للحوثية فهو أعمى وأضل سبيلاً"، مؤكدا أنه "لا يمكن أن تسترد الدولة عبر الأمم المتحدة أو قراراتها، بل عبر المقاومة المسلحة، وبقيادات متجردة ليس لديها أية حسابات ولا ترضخ لأي ضغوطات".

وفي حين يتّفق مراقبون على أن المواقف الدولية وتدخلات الأمم المتحدة في اليمن أصبحت بمثابة حماية أممية لمليشيا وظيفية، مهما حاول الحوثيون التخفّي خلف الشعارات الزائفة، فإن خبراء اقتصاديون يحذّرون من المخاطر الكارثية لأي تراجع من قبل البنك المركزي في عدن عن إجراءاته التصحيحية وإنهاء الانقسام المالي.