السبت 07/سبتمبر/2024
عاجلعاجل

المعركة الاقتصادية تتصاعد.. ماذا يعني إغلاق البنوك الستة فروعها في مناطق الحكومة؟ (تقرير خاص)

المعركة الاقتصادية تتصاعد.. ماذا يعني إغلاق البنوك الستة فروعها في مناطق الحكومة؟ (تقرير خاص)

أقدمت البنوك الستة المشمولة بقرار البنك المركزي اليمني القاضي بسحب تراخيصها، صباح الأحد، على إغلاق فروعها في عدد من المحافظات الواقعة في نطاق سيطرة الحكومة المعترف بها، قبل أن تجبرها حملات أمنية على فتح أبوابها، وسط مخاوف واسعة من مآلات المعركة الاقتصادية بين الحكومة المعترف بها وجماعة الحوثي الإرهابية.

وقالت مصادر محلية لـ"المجهر"، إن المواطنين في عدن وتعز ومأرب وحضرموت، تفاجأوا صباح أمس الأحد بإغلاق فروع البنوك الستة، على رأسها الكريمي والتضامن، واستمر الإغلاق لساعات، قبل خروج حملات أمنية، بناء على مذكرات من فروع البنك المركزي، أجبرتها على إعادة فتح أبوابها.

وكان البنك المركزي اليمني، أوقف، الأسبوع الماضي، تصاريح البنوك الستة، الواقعة مراكزها في مناطق سيطرة الحوثيين، بعد أن انقضت المهلة التي منحها لها لنقل مراكز عملياتها إلى العاصمة المؤقتة عدن، كما أبلغ نظام "سويفت" بوقف التعامل معها.. في الوقت الذي سمح المركزي اليمني لتلك البنوك بمزاولة أعمالها في مناطق الشرعية.

والبنوك الستة المشمولة بقرار البنك المركزي هي: "بنك الكريمي، بنك التضامن، بنك اليمن والكويت، بنك الأمل للتمويل الأصغر، بنك اليمن والبحرين الشامل، وبنك اليمن الدولي". 

وجاءت خطوة البنوك الستة بإغلاق فروعها في مناطق الحكومة المعترف بها، عقب ضغوط مارستها الأمم المتحدة على مجلس القيادة الرئاسي بهدف تأجيل تنفيذ قرارات البنك المركزي وإجراءاته التصحيحية، حيث بعث المبعوث الأممي هانس غروندبرغ برقية عاجلة الثلاثاء الماضي، إلى المجلس الرئاسي طالبه بتأجيل تنفيذ قرارات المركزي اليمني لدواعٍ إنسانية، والذهاب إلى مفاوضات اقتصادية.

وصباح اليوم الاثنين، تظاهر آلاف اليمنيين، في مدينة تعز، دعما لإجراءات البنك المركزي، ومحذرين من أي تراجع عن تنفيذها، كما نددوا بالضغوط الأممية والدولية لوقفها والتي اعتبروها تجاوزات لخدمة المتمردين الحوثيين.

 

ضغوط حوثية

 

وقال مدير أحد البنوك الأهلية لـ "المجهر"، إن "حملة أمنية حوثية من جهاز الأمن والمخابرات قدمت الساعة السابعة صباح الأحد إلى المقرات الرئيسية للبنوك الستة في صنعاء وأجبروهم على إغلاق فروعهم في مناطق الشرعية وهددوهم تحت الضغط على القيام بذلك ما لم سيتم أخذ الموظفين للأمن والمخابرات بتهمة التواطؤ".

وأضاف المصدر: "كانت كافة فروعنا الساعة ثمانية مفتوحة وتم إغلاق الأبواب أمام العملاء الساعة التاسعة صباحًا، بينما موظفي الفروع جميعهم بالداخل كعمل احترازي حتى نتعامل مع المشكلة الطارئة في صنعاء".

وفي أول تعليق من جانب البنوك الستة عقب خطوة إغلاق الفروع، طمأن بنك التضامن عملاءه، في بيان، بأنه مستمر بتقديم الخدمات المالية والمصرفية بشكل طبيعي ومنتظم وبكفاءة عالية وفي كافة فروع البنك.

لكنّ البنك لم يتطّرق في بيانه إلى إغلاق فروعه في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها، ولم يذكر أسباب تلك الخطوة التي أثارت تناولات واسعة، غير أنه أكّد في معرض ردّه على تعليقات المتابعين، أن حوالات سويفت شغالة، وهو النظام الذي كان المركزي اليمني أبلغه بوقف التعامل مع البنوك الستة، التي من بينها بنك التضامن الإسلامي.

من جهته, أكد بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي, في بيان, الاثنين, أنه مستمر في تقديم خدماته عبر جميع قنواته وفروعه الالكترونية المختلفة, لافتا إلى أن هدفه تعزيز الشمول المالي, والعمل على تجاوز أي صعوبات تتعلق ببيئة الأعمال في ظل انقسام مؤسسات البلد.

وطمأن الكريمي عملائه بأنه "ليس هناك أي تأثير على حسابات وودائع العملاء وكذا الحوالات المالية المختلفة أو على تقديم مختلف الخدمات التي ترغبون بالحصول عليه..."

 

مخاوف المودعين

 

وأثارت خطوة إغلاق البنوك الستة فروعها في مناطق الحكومة، مخاوف واسعة لدى العملاء والمودعين، لاسيما في ظل اتهامات لهذه البنوك بتنفيذ توجيهات الحوثيين بإغلاق فروعها، فيما هي ذاتها ترفض قرار البنك المركزي في عدن بنقل مقراتها إلى عدن.

وقال المحامي عمر الحميري، إن "البنوك التي أغلقت فروعها في مناطق الشرعية بقرار من مراكزها الرئيسة في صنعاء، لا تملك قرارها من السهل عليها سحب أرصدة تلك الفروع الى صنعاء، وبالتالي ضياع حقوق المودعين في مناطق الشرعية". مشيرًا إلى أنه "لا منفعة من إلزامها فتح فروعها بالقوة اذا كانت خالية على عروشها".

وشدد الحميري على ضرورة وضع الحراسة القضائية على كافة الفروع وجرد الخزنات ومنع التصرف بها دون موافقة البنك المركزي.

 

ابتزاز للمركزي والشرعية

 

الصحفي الاقتصادي وفيق صالح، وصف إغلاق البنوك الستة فروعها في المحافظات المحررة بأنها "محاولة للضغط على البنك المركزي اليمني للتراجع عن قراراته".

وأضاف لـ"المجهر" أن هذه الفروع بررت أن لديها أوامر من البنوك الرئيسية في صنعاء، وهذا يعني أن جماعة الحوثي هي من ضغطت على هذه البنوك لإغلاق فروعها في مناطق سيطرة الحكومة".

وبحسب صالح، فإن ما حدث يوحي بارتهان قرارات تلك البنوك للحوثيين، والمليشيا تسعى لإثبات تفوقها وجدارتها في المعركة الاقتصادية.

فيما اعتبر الصحفي هاشم محمد أن "حركة البنوك الستة مستفزة صراحة وهو توجه واضح من قبلهم لابتزاز الشرعية إذا كان الغرض هو فعلاً أوامر من الإدارات الرئيسية في صنعاء لإغلاق فروعها بمناطق الشرعية بشكل مفاجئ".

وأضاف محمد أنه: "مهما كانت مبررات هذه البنوك ومهما كانت الضغوطات الحوثية عليهم إلا أن هذه التصرفات غير مسؤولة ومؤشر واضح إلى أنهم غير آبهين بعملائهم وأموال المودعين والتي كان يفترض على الأقل إشعارهم قبل ذلك بفترة إذا كانوا يمتلكون ذرة أخلاق أو مسؤولية".

 

المركزي اليمني.. ماذا قال؟

 

وبدوره، اتهم البنك المركزي اليمني، جماعة الحوثي بالضغط على البنوك الستة لإغلاق فروعها في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها.

وأدان المركزي اليمني، في بيان نشره في وقت متأخر مساء الأحد، بأشد العبارات الممارسات التعسفية الحوثية ضد القطاع المصرفي الوطني وخاصة البنوك التجارية والاسلامية وبنوك التمويل الأصغر التي ما زالت اداراتها الرئيسية بالعاصمة المحتلة صنعاء وفروعها العاملة بالمحافظات المحررة واستخدام المليشيات كل وسائل الضغط والإكراه والابتزاز لإجبارها على قفل فروعها وتجميد أعمالها بالتجاوز لكل القوانين والأعراف المصرفية.

واعتبر البنك أن هذا التصرف غير المسؤول دليلًا كاشفًا عن مدى تغول المليشيا الحوثية على هذا القطاع الحيوي الهام وإصرارها على العبث به من جهة.

كما اعتبر البنك أن ما حدث هو أيضا مؤشر عن عجز إدارات تلك البنوك عن مقاومة الضغوط الحوثية وممارسة مهامها المصرفية وفقاً للقوانين المنظمة المحلية والدولية للعمل المصرفي بما يحافظ على سلامة القطاع المصرفي وعلى حقوق وأموال المواطنين، مما قد يعرض تلك البنوك وإداراتها لإجراءات قانونية صارمة من قبل البنك المركزي اليمني.

وحذر المركزي المليشيات من استمرارها بالممارسات العبثية بحق البنوك الوطنية، داعيًا إدارة البنوك وفروعها للالتزام بضوابط العمل المصرفي، وعدم الرضوخ لضغوط المليشيات، مطمئنا في الوقت ذاته جمهور المتعاملين والمودعين لدى فروع هذه البنوك أن فروعها بالمحافظات المحررة مستمرة في ممارسة أعمالها وخدمة عملائها والوفاء بالتزاماتها كالمعتاد.

 

من حقّها غلق فروعها

 

وفي حين انتقد محللون اقتصاديون إغلاق البنوك الستة فروعها في مناطق سيطرة الحكومة، ذهب آخرون إلى أنه من حق تلك البنوك أن تغلق أبوابها، بعد أن سحب المركزي اليمني تراخيصها.

الباحث والمحلل الاقتصادي وحيد الفودعي، يرى أن من حق البنوك التي صدرت بحقها قرارات بسحب تراخيصها أن تغلق أبوابها، لأن سحب ترخيص النشاط يعني وقف النشاط، وبالتالي إغلاق البنك.

وقال الفودعي، إن "المطالبة بفتح فروع البنوك في المناطق المحررة بعد سحب تراخيص نشاطها ليس قانونياً ولا منطقياً"، مضيفًا أن "سحب الترخيص يشمل المقرات الرئيسية والفروع معاً، ولا يجوز الفصل بينهما".

واعتبر أن قرارات البنك المركزي بسحب تراخيص النشاط كانت متسرعة وغير منظمة، ولا تستند إلى نص قانوني واضح يكفل حقوق المودعين. لافتًا إلى أنه "كان يمكن اتخاذ بدائل أخرى كعقوبات للبنوك مثل قطع السويفت (مع التحفظ حول ذلك لأنه كان بالإمكان تلافي العقوبات ابتداء، ومساعدة البنوك في نقل مراكز عملياتها بدلاً من التمسك بالمراكز الرئيسية)".

ولفت الفودعي إلى أن "نشاط البنك واستمرار التعاملات المحلية، فهي مطلوبة لحماية المودعين والمتعاملين المحليين، بالإضافة إلى صغار الملاك وحملة الأسهم". داعيًا إلى "البحث عن أسباب إغلاق البنوك فروعها، ومن ثم اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية حقوق المودعين في حال أن الاغلاق من قبلها نهائي، لأنه قد يكون اضراب ويحق لها ذلك ايضا. إجبارها على الفتح ليس قانونياً".

 

تدمير القطاع الخاص

 

وفي حين علت الانتقادات للبنوك الستة، برزت تحذيرات من خطورة تدمير مؤسسات القطاع الخاص، في ظل المعركة الاقتصادية المشتعلة بين الشرعية والحوثيين.

في هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي، مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي في اليمن، أن "أي دعوة لتدمير مؤسسات القطاع الخاص هي كمن يطلق النار على رجليه"!

وقال نصر: "من يمتلك القوة لتنفيذ قراراته فليفعل لاسيما بعد أن خرج الأمر عن كونه اقتصادي الى معركة كسر عظم لها أبعاد تتعلق بمن يحكم ويسيطر!".

فيما توقع الصحفي الاقتصادي وفيق صالح أن تلحق بالقطاع الخاص والقطاع المصرفي الكثير من الخسائر في حال استمرت جماعة الحوثي في المقامرة واستخدام هذه القطاعات كورقة مساومة وابتزاز أمام الحكومة الشرعية.

وشدد صالح على أن ينفذ البنك المركزي اليمني رقابة صارمة على الأنشطة المصرفية، وعلى نشاط هذه البنوك في المناطق المحررة، حتى لا تتحول إلى أداة تستخدمها جماعة الحوثي للإضرار بسوق الصرف، كما تفعل منذ سنوات.

ورغم المخاوف والانتقادات التي أثارتها خطوة إغلاق هذه البنوك فروعها في مناطق الحكومة، إلا أن ثمّة تأييد شعبي واسع لقرارات البنك المركزي اليمني وتأكيدات على ضرورة تنفيذها وعدم الاستجابة لأي ضغوط، وذلك أملًا في إنهاء الانقسام النقدي الذي فرضته جماعة الحوثي الإرهابية، والذي تسبب بمعاناة بالغة الوجع للمواطنين.