السبت 07/سبتمبر/2024
عاجلعاجل

يهدمون بها الدولة ثم يهدمونها ببعضها .. هكذا يستخدم الحوثيون القبيلة في اليمن (تقرير خاص)

يهدمون بها الدولة ثم يهدمونها ببعضها .. هكذا يستخدم الحوثيون القبيلة في اليمن (تقرير خاص)

بعد عشر سنوات من الحرب في اليمن، يواصل الحوثيون استغلال القبيلة لصالح تحقيق أجندتهم السياسية والعسكرية، على اعتبار أن المكون الاجتماعي الأكبر في البلاد إحدى الأوراق الرابحة للجماعة المدعومة من إيران، وذلك من خلال الاستمرار في حشد رجال القبائل إلى جبهات القتال، ونهب أموالهم تحت مسميات عدة منها المجهود الحربي، بالإضافة إلى تجنيد الأطفال في المعسكرات الصيفية للزج بهم لاحقا في محارق الموت.

مطلع مايو/ آيار الماضي تداول ناشطون صورة لأحد شيوخ القبائل الموالية للحوثيين، ويظهر بشكل مهين حاملا قسطرة علاجية بعد تعرضه للاختطاف من قبل الجماعة على خلفية مطالباته بإقالة قيادي رفيع في سلطات صنعاء لكنه فشل كون الأخير ينحدر من محافظة صعدة المعقل الرئيس لزعيم الحوثيين.

أعادت صورة الشيخ محسن النهمي إلى الأذهان، التذكير باستغلال الحوثيين للقبيلة اليمنية، والتخلص من بعض شيوخ القبائل بعد استخدامهم لتحقيق مصالحها في توسيع رقعة النفوذ والسيطرة، حيث لم تشفع للنهمي خدماته في صفوف الجماعة وتقديمه للمئات من أبناءه وأقاربه وأبناء قبيلته ليموتوا في حرب الجماعة العبثية على اليمنيين.

 

مكافأة إنهاء خدمة

 

منذ انقلابها على الشرعية في البلاد 2014، وحتى اليوم، اتبعت جماعة الحوثيين أسلوب التصفيات لشيوخ القبائل الموالية لها، ومنحت بعضهم الموت بطرق شنيعة كمكافأة إنهاء خدمة، في حال اصطدمت مصالحها ببقاءهم، أو تعارضت سلطاتهم الاجتماعية مع سلطات "المشرفين" الذين فرضتهم الجماعة على القبائل على حساب تقويض سلطة "المشائخ".

ومطلع أبريل/ نيسان 2019، أقدم المشرف الحوثي المدعو أبو ناجي الماربي على تصفية الشيخ القبلي أحمد سالم السكني، عضو المجلس المحلي بمديرية ريدة التابعة لمحافظة عمران، وعضو اللجنة الدائمة لحزب المؤتمر، في منطقة صرف شرق العاصمة صنعاء.

وانتقلت حمى التصفيات الداخلية داخل أحشاء الجماعة الحوثية إلى المحافظات الأخرى، من بينها محافظة إب، التي شهدت مواجهات بين مراكز نفوذ داخل الجماعة أسفرت عن تصفية القيادي الحوثي العميد عبد القادر سفيان، المعين من قبلهم وكيلا لمحافظة إب، في اشتباكات مع عناصر أمن وسط المدينة، وهو الذي مهد الطريق لسيطرة الانقلابيين على المحافظة نهاية 2014.

وفي سبتمبر/أيلول 2019، عادت التصفيات الداخلية بين أطراف ومراكز النفوذ داخل مليشيات الحوثي في المناطق التي تسيطر عليها، ومن أبرز الشخصيات التي اغتيلت حينها، الشيخ أحمد الشعملي، أحد مشايخ سفيان، أثناء تناوله طعام الغداء بأحد المطاعم أمام ملعب الثورة بحي التلفزيون شمال العاصمة صنعاء.

ويعد الشيخ الشعملي من القيادات القبلية الحوثية في مديرية حرف سفيان ولا يقل تأثيرا عن الشيخ الشتوي الذي قتل في مدينة ريدة على يد مجاهد قشيرة، وكان قد خسر اثنين من أولاده في معارك الحوثيين ضد القوات الحكومية، كما أنه يصنف على جناح أبو علي الحاكم في الجماعة.

ومن التصفيات التي طالت مشايخ قبائل موالين للجماعة المدعومة من إيران ، حادثة اغتيال الشيخ محمد بن عسكر أبو شوارب في منزله بشارع المطار في صنعاء وإحراق جثته بمادة "الأسيد" منتصف مارس/ آذار 2021، فيما سبق ذلك في فبراير/ شباط من ذات العام اغتيال الشيخ الوروي وولده وأحد مرافقيه بكمين نفذه مسلحون حوثيون في قفلة عذر بمحافظة عمران شمالي البلاد.

وفي هذا السياق، يؤكد مصدر قبلي پأنه "لم يشفع للوروي كونه من أبرز ﺍﻟﻮﺟﻬﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻧﺎﺻﺮﻭﺍ ﻣﻠﻴﺸﻴﺎ ﺍﻟﺤﻮﺛﻲ ﻭﺳﻬﻠﻮﺍ ﺩﺧﻮﻟﻬﺎ إلى ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻤﺮﺍﻥ 2013, وتحشيده لرجال القبائل للقتال في صفوفها، لقد كافأته المليشيا بأن قتلته كغيره عبر جهاز الأمن الوقائي".

ويضيف المصدر الذي تحفّظ عن ذكر اسمه لـ"المجهر" أن عملية تصفية الوروي كانت إثر خلافات نشبت بينه وبين الحوثيين، بفعل رفضه شن الحرب على قبائل أخرى، لافتا إلى أن أقدمت في ذات العام 2021 على تصفية الشيخ القبلي مهلهل أحمد حسن ضبعان في شارع المطار بالعاصمة صنعاء، عقب يومين من اغتيال شيخ قبلي آخر يدعى علي حزام أبو نشطان، وهو أحد مشايخ قبائل أرحب الموالين للجماعة، إثر اقتحام لمنزله وتصفيته رفقة ثلاثة من أولاده وشقيقته.

ويشير المصدر القبلي إلى أن قائمة تصفيات شيوخ القبائل الموالين للحوثيين تضمنت العشرات، وفي مجملها يكون السبب هو الخلافات الداخلية، والصراع على مراكز السيطرة والنفوذ بين أجنحة الجماعة، ما يجعل شيوخ القبائل والوجاهات الاجتماعية في صدارة المستهدفين بهذه التصفيات.

ومن الشخصيات الاجتماعية التي تعرضت للتصفية من قبل الحوثيين في محافظة عمران، القيادي الحوثي العميد محمد الشتوي، أحد أبرز قيادات المليشيات الحوثية في المحافظة، وأحد وجهاء قبيلة سفيان، الذي قتل خلال مواجهات مع قيادي حوثي آخر يدعى "مجاهد قشيرة"، وأسفرت عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة عشرة من الجانبين.

وفيما بعد تمت تصفية مجاهد قشيرة والتمثيل بجثته بصورة مرعبة، عكست مدى الوحشة والدموية التي وصل إليها الصراع والتناحر داخل المليشيات.

وقبل ذلك بأيام قليلة، قتل خالد جعمان من أبناء مديرية المدان، برصاص مسلح حوثي آخر من نفس الأسرة يدعى أمين جعمان، وذلك ضمن مسلسل تصفيات تنفذه الجماعة للتخلص من الأدوات التي ساعدتها في إسقاط عمران وصنعاء.

وعملية تصفية جعمان جاءت أيضا بعد أيام من مقتل الشيخ القبلي الحوثي سلطان الوروري، برصاص مسلحين حوثيين، والذي استضاف عناصر حوثية في منزله بإحدى قرى قفلة عذر، وبعد مغادرتهم منزله، أقدموا على قتله ونهب الطقم الذي كان يستقله، وسلاحه الشخصي، ورموا جثته على قارعة الطريق.

 

تغذية الصراعات

 

خلال سنوات الحرب تعمدت جماعة الحوثي الإرهابية تغذية الصراعات القبلية بهدف إضعاف القبائل وضربها ببعضها، حتى لا تشكل خطرا على الجماعة، وظهر ذلك بوضوح من خلال تكرار المواجهات بين القبائل، وتهييج قضايا الثأر القديمة، ودعم قبيلة ضد أخرى.

وخلال النصف الأول من العام الجاري، شهدت مناطق سيطرة الحوثيين مواجهات عدة بين القبائل فيما تارةً، وبينها ومسلحي الجماعة تارةً أخرى، حيث شهدت محافظة عمران في السابع من فبراير/ شباط الماضي قيام مجاميع قبلية بهدم وتخريب منزل وحرق مزرعة وحرق مزرعة تابعة لمواطن، وذلك على خلفية قضية ثأر مضى عليها 15 سنة.

وفي اليوم ذاته، اندلعت مواجهات مسلحة بين قبائل "بني عوير" من منطقتي "الدرب" و"الحصن" في مديرية سحار بمحافظة صعدة، إثر خلافات على الحدود بين القبيلتين، وقدمت على إثر ذلك حملة حوثية بقيادة "أبو بدر الجرادي" لفض الاشتباك ليسفر ذلك عن مقتل مواطن وأخذ رهائن من القبيلتين إلى سلطات الجماعة.

في الثامن عشر من فبراير/ شباط الماضي تسببت اشتباكات قبلية يغذيها الحوثيون في قرية "ثعوب" بعزلة "خباز" بمديرية العدين غربي محافظة إب، بمقتل شخص وإصابة خمسة آخرين، في المواجهات التي اندلعت بين مسلحين من أسرة بيت الشهاري، وآخرين من أسرة بيت الدميني والواصلي.

مطلع مارس/ آذار الماضي اندلعت مواجهات عنيفة بين قبائل الدغسة ذومحمد المنتمية إلى محافظة الجوف وقبائل سفيان محافظة عمران، إثر خلافات على أراض زراعية بوادي الخارد منطقة شوابة، بعد أيام من مواجهات مماثلة بين قبائل آل شنان دهم في منطقة الخراشف بمديرية المتون إثر خلافات على أراضٍ زراعية تسبب بها وأشعل فتيلها مشرف حوثي بالمنطقة.

وفي السادس والعشرين من ذات الشهر، شهدت منطقة "ثعوب" بعزلة خباز بمحافظة  إب توترا بعد فشل صلح قبلي بين أسرة بيت الشهاري من جهة وأسرتي بيت الدميني والواصلي من جهة أخرى، إثر خلافات قبلية تغذيها جماعة الحوثيين، بعد مقتل شيخ قبلي يدعى "حميد أحمد أمين الشهاري" في كمين مسلح، إثر صراع ممتد لأشهر وأسفر عن مقتل وإصابة أكثر من 17 شخصا من الطرفين.

منتصف أبريل/ نيسان الماضي، اندلعت مواجهات عنيفة في مدينة رداع بمحافظة البيضاء بين مسلحين من قبيلتي "آل شيحاط، وآل وادي السر"، إثر صراع على خلفية قضية ثأر قبلية تغذيها قيادات في جماعة الحوثيين، ليسفر ذلك عن قتيل وعدد من الجرحى.

ومطلع مايو/ آيار الماضي اندلعت مواجهات مسلحة بين قبائل ذو فارع وذو مطيع بمنطقة العصيمات في مديرية حوث بمحافظة عمران، إثر خلافات على أرض حدودية بين القبيلتين، أسفر ذلك عن مقتل شخص وإصابة أربعة آخرين، في ظل انحياز واضح للحوثيين مع أتباعها من "ذو فارع"، حيث عززتهم الجماعة بخمس قطع سلاح متوسط من نوع عيارات 14,5 ومبالغ مالية، وفق مصادر قبلية.

وفي الخامس والعشرين من ذات الشهر، دفعت جماعة الحوثيين بأكثر من أربعين آلية عسكرية إلى منطقة الصفراء بأطراف مدينة الروض جنوب مدينة الحزم مركز محافظة الجوف، عقب مقتل مشرف في الجماعة إثر توتر مع من قبائل "الفقمان، دهم".

 

استفزاز واضح

 

في التاسع من فبراير/ شباط الماضي عواد الهياشي تعرض للتصفية في مقر الحوثيين بمديرية الطفة بمحافظة البيضاء عقب احتجازه بحجة التحقيق في مقتل مسلح حوثي جوار هنجر مستأجر معهم، حيث قام أحد العناصر لدى الجماعة بإطلاق النار على الشاب عواد وأرداه قتيلا أمام أعين والده وشقيقه.

وعلى إثر ذلك تداعى آل هياش إلى المنطقة للمطالبة بتسليم الجناة، وإطلاق سراح والد الشاب عواد الذي ظل محتجزا لدى سلطات الجماعة، لكن الجماعة رفضت مطالب القبيلة وعززت إدارة أمن الطفة بأكثر من ثلاثين طقما ومدرعة.

إلى ذلك، أسفرت اشتباكات مسلحة بين جماعة الحوثيين وقبائل غولة عجيب في مدينة ريدة بمحافظة عمران، نهاية يونيو/ حزيران الفائت عن مقتل فتاة برصاص مسلحي الجماعة، عقب محاولة اختطاف شيخ قبلي يدعى "حميد قاسم عويدين"، من قبل مشرف الحوثيين في المدينة "أبو عبدالحميد" ما أسفر عن إصابة الأول بجروح.

وفي العاشر من الشهر الجاري، اختطفت جماعة الحوثيين الشيخ عبدالله محمد أبو شوارب، والد القيادي السابق في ما تسمى "اللجنة الثورية العليا"، التابعة للجماعة، صادق أبو شوارب، للضغط على الأخير لأجل التنازل عن قطعة أرض في محافظة عمران.

وأمس الأول حاصرت جماعة الحوثيين بعدد من الأطقم منطقة الحفرة في مدينة رداع مركز محافظة البيضاء، وذلك على خلفية اشتباكات بين شباب من الحي مع طقم عسكري تابع لها، وأعقب ذلك مواجهات عنيفة مع سكان الحي، واعتداء الجماعة على أملاك ومنازل المواطنين.

 

خسائر كبيرة

 

مثلت حرب الحوثيين عملية استنزاف كبيرة للمخزون البشري الذي تمتلكه القبيلة اليمنية، فدفعت بالآلاف من رجال القبائل في المناطق الخاضعة لسيطرتها للقتال ضمن صفوفها ليعودوا في توابيت مغلقة بفعل حربٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

تشير إحصائية غير رسمية حصل عليها "المجهر" إلى أن قبائل آل عواض و قيفة و مراد و ال سواد و بني وهب و مستنير و العبدية خسرت وحدها أكثر من 7 قتيل ضمن صفوف الحوثيين فيما يفوق عدد الجرحى 17 ألفا، وهذا رقم مخيف إذا ما قورن بخسائر القبائل الأخرى.

في المقابل، بلغ عدد خريجي الجامعات من هذه القبائل مجتمعة خلال الفترة ذاتها (2014- 2024) سبعة أشخاص فقط، وهو ما يكشف استمرار جماعة الحوثي الإرهابية في فرض التجهيل على القبائل لغرض استغلالها لفرض السيطرة على المزيد من المناطق.

مصدر قبلي، خلال حديثه لـ"المجهر" حول قبائل صنعاء، يتوقع أن عدد خسائر قبائل بني مطر وبني حشيش وأرحب وهمدان وسنحان يفوق 20 ألف قتيل ضمن صفوف الحوثيين خلال عشر سنوات من الحرب.

ويشير المصدر إلى أن الجماعة المدعومة من إيران تواصل حشد أبناء القبائل تحت مسمى "التعبئة العامة" مستغلةً مسرحياتها العبثية في البحر الأحمر لإيهام الناس بأنها تتصدر موقف المؤيدين للقضية الفلسطينية والمدافعين عنها.

ويضيف المصدر الذي فضّل عدم ذكر اسمه "مليشيا الحوثي تحشد رجال القبائل للدفاع عن القدس في تعز ومأرب وكلنا نعلم كيف استغلت القبيلة في حربها العبثية ضد اليمنيين، ومن يصدق شعاراتهم فهو جاهل وساذج".

ويؤكد المصدر على أهمية إنهاء المشروع الحوثي من خلال استعادة القبيلة لدورها في الدفاع عن الجمهورية والوقوف إلى جانب القوات الحكومية لاجتثاث هذا الوباء السلالي الخبيث المستورد من إيران، حد وصفه.

 

انتهاكات مستمرة

 

وثّقت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات 866 انتهاك بحق زعماء القبائل، خلال الفترة من 1 يناير 2016م ـ 30 مارس2021م في 13 محافظة تشمل صنعاء، أمانة العاصمة، عمران، حجة، صعدة، ريمة، ذمار، إب، تعز، المحويت، الجوف، البيضاء، الضالع.

وتنوعت الانتهاكات بين جرائم القتل والتصفية والسحل وإحراق الجثث، وقتل العديد من المشايخ أمام أطفالهم ونسائهم والاختطاف، والاخفاء القسري والتعذيب وتفجير المنازل، ونهبها والسطو على ممتلكاتهم الخاصة والتشريد والتهجير الإجباري وجرائم الإصابة.

ووثقّ الفريق الميداني للشبكة 89 واقعة قتل قامت جماعة الحوثي بتصفيتهم خلال الفترة الزمنية للتقرير بينهم 41 حالة قتل بطلق ناري مباشر أمام أطفالهم ونسائهم.

فيما قامت جماعة الحوثيين بإحراق 13 جثة بعد قتلهم بالإضافة إلى 16 حالات قتل وسحل والتمثيل بجثث الضحايا، و10 حالات قتل تصفية واغتيال.

وتشير تقارير حقوقية محلية ودولية إلى أن الجماعة المدعومة من إيران تواصل إجبار القبائل على المشاركة في حربها مستغلةً وثيقة "الغرم القبلي" التي تلزم زعماء القبائل بمساندة الجماعة ودعمها بالمقاتلين والعتاد.