في خضم المعركة الاقتصادية المحتدمة في اليمن، تحقق الحكومة المعترف بها تقدمًا ملموسًا على حساب المتمردين الحوثيين، الذين لجأوا إلى إطلاق التهديدات والتلويح بالحرب، بعدما وجدوا أنفسهم محشورين في زاوية، وهو واقع أثار العديد من التساؤلات حول المسار الذي تتّجه إليه الأوضاع في البلاد، خاصة في ظل غياب الأفق السياسي الذي يمكن أن يقدم حلاً للأزمة.
ورغم الضغوط الأممية التي جاءت عبر برقية بعثها المبعوث هانس غروندبرغ لمجلس القيادة الرئاسي، بشأن ضرورة تأجيل تنفيذ قرارات البنك المركزي إلى نهاية أغسطس القادم، والذهاب إلى مفاوضات اقتصادية، إلا أنه لم يصدر بعد أيّ إعلان رسمي واضح من جانب المركزي اليمني أو المجلس الرئاسي، بشأن تأجيل تنفيذ القرارات التي تقضي بسحب تراخيص البنوك الستة (بنك الكريمي، بنك التضامن، بنك اليمن والكويت، بنك الأمل للتمويل الأصغر، بنك اليمن والبحرين الشامل، وبنك اليمن الدولي)، التي تخلّفت عن نقل مقراتها الرئيسية من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، بعد أن انقضت المهلة الممنوحة لها من البنك.
اعتراف بالفشل
والأربعاء الفائت، أعلنت جماعة الحوثي، عن فشلها في إيقاف قرارات البنك المركزي عبر السعودية، وهو ما يؤكد أن البنك المركزي ما يزال متمسكًا بقراراته.
حيث كشف القيادي المقرّب من زعيم الحوثيين، علي ناصر قرشه، في تدوينة على حسابه بمنصة "إكس"، إن جهود التواصل بين جماعته والسعودية تعثّرت.
وقال قرشه في تدوينته: "خاطركم يا رجال، لقد أبلغت جهدي في السلام وفي تهدئة الأمور"، مهددًا بأن الأوضاع ستنقلب ضد من سعى للحرب والحصار الاقتصادي وإغلاق المطارات، حسب تعبيره.
وكان قرشه قد كشف السبت الماضي، عن تواصل مع السفير السعودي، والذي زعم أنه أبلغه عن إلغاء قرارات البنك المركزي التي تقضي بإلغاء تراخيص الستة البنوك التجارية التي تخلّفت عن نقل مقراتها الرئيسية من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن.
رغبة في التصعيد
وأثارت قرارات محافظ المركزي اليمني أحمد المعبقي، جنون عبدالملك الحوثي، ودفعته لإطلاق تهديدات ضد السعودية، ملوحًا بعودة الهجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة ضد بنوك ومطارات وموانئ المملكة، لاسيما بعد أن حصلت جماعته على دورة ترويضية وتأهيلية لدى أمريكا وبريطانيا في البحر الأحمر، تحت يافطة مساندة غزة، كما يرى الكثير من المراقبين اليمنيين والعرب.
وبحسب أحد الوسطاء المحليين المطّلعين على مجريات الأحداث، خصوصًا الملف السياسي والتفاوضي، فإن المؤشرات السياسية والاقتصادية والعسكرية، تظهر أن الأطراف، الداخلية والخارجية، ترغب في التصعيد العسكري، خصوصًا في ظل تصاعد إجراءات وقرارات البنك المركزي التي تبدو أشبه بمعركة كسر عظم.
وأشار الوسيط، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، في تصريح لـ"المجهر"، إلى أن الخطوات العملية لحلّ الملف الاقتصادي هي المخرج من التصعيد الحاصل، وإلا فإنه سيقود إلى حرب استنزاف للاقتصاد الوطني ومزيد من ضحايا الحرب على المستوى المحلي".
وبحسب الوسيط المحلي، فإن السعودية لا تريد التصعيد، لكنها ترغب في تأديب الحوثيين بسبب التصريحات والتهديدات، أما في حال تعرّضها لأي ضربة فإنها ستشارك وتردّ بقوة". مؤكدا على أنه: "في حال نجح الاتفاق على مسار الملف الاقتصادي فسينتهي التصعيد الحاصل".
احتمالات مفتوحة
الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي، قال في تصريح خاص لـ"المجهر" إن "الاحتمالات مفتوحة على تجدد الصراع العسكري، والذي قد يعود الى زخمه خصوصا اذا قرر الحوثيون اختيار العمق السعودي كساحة للمعركة، الى جنب تجدد الاشتباكات في الجبهات الداخلية".
ويعتقد التميمي أن الحوثيين شعروا بوطأة الضغوطات الهائلة التي شكلتها القرارات الصادرة عن البنك المركزي، وهذه هي الحرب الأكثر قسوة على مشروعهم الجيوسياسي المدعوم من إيران والمرحب به من قبل المنظومة الغربية المتواطئة مع المشروع الشيعي".
ويشير إلى أن الحوثيين يدركون أن التصعيد مع السعودية لم يعد مجالا لبناء النفوذ الخارجي والحصول على دعم المنظومة العربية كما كان الحال في السنوات السابقة، فهم اليوم على الأقل مصنفين إرهابيا ويقومون بأعمال يفترض أنها مهددة للمصالح الغربية، هذا بالإضافة إلى التحول في موقف إدارة بايدن من مناهضة السعودية إلى التكامل معها كما يحدث هذه الأيام". لافتا إلى أن المهمة العسكرية القادمة للحوثيين لن تكون سهلة" خصوصا إذا عاودت التصادم مع السعودية".
مجرّد تهديد
ومنذ بدأت المعركة الاقتصادية التي يقودها المركزي اليمني، وجدت جماعة الحوثي أن الخناق يشتدّ حول عنقها، فهرولت لإطلاق التهديدات ضد السعودية، وهي خطوة اعتبرها محلّلون مجرد مناورات إعلامية هدفها دفع السعودية للضغط من أجل تراجع البنك المركزي اليمني عن قراراته وإجراءاته.
من جانبه، يرى الدكتور علي الذهب، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن "تلويح الحوثيين باستخدام القوة من تجاه السعودية وتصاعد الهجمات الإعلامية من جانب قيادة الجماعة ورموزها الإعلامية، يشير إلى أن طاقة الحوثيين حاليًا لا يمكن أن تزيد عن مستوى التهديد، لأن القرار مرتبط بإرادة إيران، وإيران ما تزال تعيش النكبة السياسية المتمثّلة بمقتل رئيسها إبراهيم رئيسي ووزير خارجيتها ومسؤولين آخرين في حادثة الطائرة المعروفة".
وأشار إلى أن "إرادة الحوثيين قُيّدت بالاتفاقية الإيرانية السعودية وعودة العلاقات بين البلدين برعاية صينية". مضيفًا: "ولم نشهد منذ أكثر من سنتين، أي هجوم أو حتى مقذوف حوثي يتخطّى الحدود باتجاه السعودي، حيث اقتصرت هجمات الجماعة على الجبهات الداخلية".
ووفق الخبير الذهب، فإن "سقف الحوثيين في هذه المرحلة هو التلويح باستخدام القوة، فضلا عن بعض الإجراءات والتدابير التي يتخذونها بخصوص العملة وإزاء قرارات البنك المركزي اليمني تجاه المصارف".
ويرى الذهب بأنه ما يزال في الأمر متسع لعملية سياسية، وما يجري الآن من تهديدات هو محاولة لفرض شروط التفاوض".
لكن الخبير الذهب، أشار إلى أنه في حال حدث وعادت المعارك وشن الحوثيون هجمات على السعودية، فإن قوات المملكة ستردّ بهجمات مماثلة ولن تقف مكتوفة اليدين، مضيفًا: "أما إذا دارت الحرب في الجبهات الداخلية، دون أن تتضرر السعودية، فإن المعارك ستستمر داخليا". مشيرًا إلى أن غاية الحوثيين من إطلاق التهديدات ضد السعودية، هو تحييد طيرانها الحربي في إسناد الحكومة المعترف بها".
وقال الذهب إن "الولايات المتحدة والغرب صنعوا جماعة الحوثي ليستخدمونها، ومكّنوها في أرض الواقع، حتى منحوها منفذا بحريًا على البحر الأحمر، للتزود بالأسلحة، لتعزيز وجودها على الأرض، من أجل الإبقاء عليها كإحدى أوراق الضغط وعنصر من عناصر التهديد تجاه دول الإقليم وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ومصر، ودول الخليج".
الاستجابة تفاديًا للمعركة
ورغم أن قرارات المركزي اليمني حظيت بالتفاف شعبي واسع، وتأييد من مختلف الأحزاب والمكونات اليمنية، التي حذّرت في بيانها من مخاطر التراجع عن تنفيذها، إلا أن ثمّة مراقبون يتوقّعون أن يستجيب مجلس القيادة الرئاسي للضغوط الإقليمية والدولية بشأن تأجيل وتعليق قرارات البنك المركزي وإجراءاته التصحيحية، مع وضع اشتراطات مسبقة لضمان عدم الالتفاف عليها.
وبحسب المراقبين، الذين تحدّثوا لـ"المجهر"، فإن هذه الاستجابة تأتي، كخيار مناسب، تفاديًا للدخول في معركة عنيفة، لاسيما أن الإقليم والسعودية تحديدًا لا يريدون هذه المعركة أن تندلع في هذه المرحلة، خصوصًا أن جماعة الحوثي ستدخل الحرب مجبرة، هروبًا من قرارات المركزي اليمني التي أوجعتها، وتهدد اقتصادها، ومن شأنها أن تجفّف العرض النقدي للدولار الذي كان يتدفّق عبر الحوالات الدولية لمناطق سيطرتها.
هل استعدّت الحكومة عسكريًا..؟
وفي ظل تمسّك البنك المركزي بقراراته، يشدد سياسيون وعسكريون على ضرورة أن يتزامن ذلك مع استعدادات عسكرية واسعة في مختلف الجبهات ورفع مستوى اليقظة للتعامل مع أي ردّات فعل حوثية، لاسيما أن المؤشرات القائمة تكشف أن الجماعة المعروفة برفضها للسلام، لن تهرب سوى إلى الحرب، بحثًا عن مخرج.
في هذا السياق، قال الباحث السياسي عبدالسلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث: "لأول مرة تسبق الحكومة الشرعية الحوثيين بخطوة في الحرب". مضيفًا: "البداية من الحرب الاقتصادية التي شنتها الحكومة على الانقلابيين وها هم على وشك شعورهم بالهزيمة وسيهربون إلى حرب عسكرية".
وأردف في تدوينة على حسابه بمنصة إكس، متسائلًا: "فهل استعدت الحكومة أن تتقدم خطوات في الحرب العسكرية المتوقعة مع الحوثيين؟.
ولفت عبدالسلام محمد إلى أنه "في الحرب، عندما تسبق عدوك خطوة وتتركه يلاحقك، فقد ضمنت نصف النصر قبل بدء المعركة!".
وفي ظل استمرار المعركة الاقتصادية والضغوط الأممية، وغياب الأفق السياسي وتصاعد التهديدات الحوثية، يؤكد مراقبون سياسيون وعسكريون أن الأيام أو الأسابيع القادمة، ستكشف بوضوح عن المسار الذي ستؤول إليه الأوضاع في اليمن، مع أن المتابع لحقيقة المشروع الحوثي المدعوم إقليميًا ودوليًا، يدرك أن الجماعة لن تسلك سوى طريق التصعيد والحرب هروبًا من المأزق ورغبة في التوسع، ولأن أيّ تراجع من البنك عن تنفيذ قراراته هو انتصار للجماعة؛ يتوجّب على الحكومة وقواتها البقاء على درجة عالية من اليقظة والانتباه والجاهزية، من أجل الانتصار اقتصاديًا وعسكريًا.