الثلاثاء 08/أكتوبر/2024
عاجلعاجل

أحدثها حملة البيضاء .. كيف يستخدم الحوثيون الوساطة القبلية لإخماد الانتفاضة الشعبية؟ (تقرير خاص)

أحدثها حملة البيضاء .. كيف يستخدم الحوثيون الوساطة القبلية لإخماد الانتفاضة الشعبية؟ (تقرير خاص)

أعاد حصار الحوثيين لقرية "حمة صرار" في مديرية ولد ربيع قيفة بمحافظة البيضاء، إلى الأذهان سلسلة متواصلة من تمرد قبائل المحافظة على سلطة الجماعة التي يتزايد قلقها مع كل مرة تدفع فيها بتعزيزات لحصار القرى والمناطق هناك.

وفي السابع من أغسطس/ آب الجاري، دفعت جماعة الحوثي الإرهابية بحملة عسكرية إلى محيط القرية وفرضت على الأهالي حصار خانقاً، عطلت من خلاله حركة السكان ومنعت دخول المواد الغذائية كما قامت بالعبث بالمحصولات الزراعية الخاصة بالمواطنين.

وتسيطر جماعة الحوثي المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية، على قرية "حمة صرار" منذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2014م خلال اقتحامها لقرى ومناطق محافظة البيضاء.

 

تفادي الدمار

 

تمكنت وساطة القبلية من إنزال جثث الحوثيين بالتزامن مع تقدم الحملة التابعة للجماعة إلى القرية، كما اقنعت الأهالي بتسليم ثمانية أشخاص من أهالي القرية للتحقيق مع بضمانة عودتهم عبر الوساطة، فيما قال الحوثيون إنهم عناصر مطلوبة أمنياً.

وذكر مدير مكتب وزارة حقوق الإنسان بمحافظة البيضاء صالح الحميقاني، أن أهالي القرية أبدوا مرونة كبيرة في التعامل لتجنيب منطقتهم الدمار، الأمر الذي جعلهم يوافقون على تسليم عدد من أبناء القرية للحملة الحوثية.

وأضاف الحميقاني في حديثه لـ"المجهر" أن جماعة الحوثي "اشترطت دفن القتلى من أبناء قرية حمة صرار، الثلاثاء، بمشاركة مسؤولين من الجماعة في البيضاء، وعمل وقفة جماهيرية تبرر فيها للإعلام تأييد أبناء القرية للحوثيين".

وبدأت القضية لحظة مرور أحد أبناء القرية على متن سيارته من أمام نقطة على مدخل القرية، فقام عناصر الحوثيين بإطلاق النار عليه بحجة أنه مطلوب أمنياً، ما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة في شقة الأيمن.

وتزامن الحادث مع مرور شاب على متن دراجة نارية حاول ربط جرح المصاب إلا أن مسلحي الحوثي أطلقوا عليه النار هو الآخر وأردوه قتيلا، كما توفيَ الجريح بعد يومين من الحادثة متأثرا بإصابته.

وأثارت الحادثة سخطاً كبيراً لدى أهالي القرية الذين احتشدوا إلى المكان واشتبكوا مع أفراد النقطة، ما جعل عناصر الحوثيين يلجئون إلى جامع كبير في القرية كانوا قد حولوه إلى ثكنة عسكرية.

وأثناء الاشتباكات اختبأ عناصر الحوثي بمنارة جامع قرية حمة صرار، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم أحدهم قناص وإصابة آخرين نتيجة احتراق السلالم الخشبية للمنارة من الداخل.

 

وساطة مدفوعة

 

تريد جماعة الحوثي أن توجه رسالة لأبناء البيضاء والمجتمع اليمني على أنها حازمة وشديدة حتى لو اضطرت لارتكاب جرائم بحق الأطفال والنساء واستهداف منازل المدنيين.

ومع اندلاع الاشتباكات الحوثية مع أهالي قرية حمة صرار، سارع الحوثيون إلى إرسال حملة مسلحة معززة بآليات عسكرية ثقيلة ومتوسطة من منطقة رداع إلى القرية وألحقتها بتعزيزات من عدة اتجاهات، قبل أن تتدخل وساطة قبيلة ظاهرها محاولة احتواء الموقف وباطنها تمكين مسلحي الجماعة من اقتحام القرية.

وفي هذا السياق, يرى الخبير العسكري محمد عبدالله الكميم، أن جماعة الحوثي تستخدم الوساطات القبيلة كجزء من تكتيكات الحرب لإسقاط القبائل أو الدولة من الداخل في حال عجزت عنها عسكرياً.

ويشير الكميم في تدوينة له على منصة "إكس" إلى أن اليمنيين لم يستفيدوا من الوساطات التي تدخل بين جماعة الحوثي والمواطنين لكسر إرادة القتال التي يمتلكها اليمنيين في مواجهة الحوثي.

ويضيف: "خسائرنا هي من الوساطات التي أصبحت ١٠٠% وسيلة عسكرية للانقضاض على الخصوم وحسم المعارك لصالح العدو" الذي قال إنه يخترق الصفوف ويدرس الأرض من الداخل.

من جهته أشار الصحفي والناشط الحقوقي همدان العليي في تدوينة له على توتير، إلى أن من كانوا يقدمون أنفسهم كوسطاء بين الدولة والحوثيين خلال الحروب الست، اتضح أنهم يعملون مع الحوثي ومهمتهم تخدير الخصوم.

 

ضغط شعبي

 

يرى مراقبون أن جدوى أدوات الضغط لوقف الانتهاكات الحوثية بحق اليمنيين بات محدوداً، فيما يرى آخرون أن هناك أدوات كثيرة للضغط على الحوثيين مهما حاول التعامل معها وإسكاتها.

ويذهب الطرف الأول إلى الاستدلال بأن تحركات الجماعة التي طالت ممثلي المنظمات المحلية والدولية في مناطق سيطرتها واختطاف بعضا منهم تهدف إلى استخدام الضغط العكسي على المنظمات ومنعها من توثيق انتهاكاتها.

فيما يعتقد مدير مكتب وزارة حقوق الإنسان بمحافظة البيضاء صالح الحميقاني، على أن الضغوطات التي يمكن ممارستها على الحوثي تكمن في اتحاد القبائل لتحديد مصير أبناءها.

ولا يعول الحميقاني، على أدوات الضغط الخارجية بسبب الفرص التي تمنحها الأمم المتحدة وغيرها لإنعاش آمال الحوثيين مبيناً أن " قضية قرارات البنك المركزي الأخيرة خير شاهد".

ويميل مدير منظمة سام للحقوق والحريات توفيق الحميدي، إلى فكرة أن أدوات الضغط أصبحت محدود بيد المجتمع اليمني الذي يعاني من عجز في التمويل الاقتصادي وضعف في القيادة السياسية.

ويرى الحميدي، أن الضغط على الحوثيين يتمحور في توحيد الجبهة الداخلية للحكومة الشرعية على المستوى السياسي والعسكري، مشيراً إلى أن الجماعة تستغل تفكك الجبهة الداخلية للشرعية للاستفراد بكل من يتمرد عليها في مناطق سيطرتها، كما حدث في حجور بحجة وفي عمران وفي رداع وأخيراً في قرية "حمة صرار" بقيفة.

 

صوت الضحايا

 

مازال الكثير يتمسك بفكرة أن أدوات الضغط ممكنة، ومنهم الصحفي عمار زعبل، حيث يشير إلى أن الأدوات يجب أن تتمحور في "صياغة التقارير الحقوقية المستندة إلى شهادات ووثائق، وترجمتها ومن ثم عرضها في المحافل الدولية لفضح تلك الجماعة".

إلى جانب الاهتمام بإيصال أصوات الضحايا الذين استطاعوا الفرار من مناطق سيطرة الحوثيين إلى الأمم المتحدة ومجالس حقوق الإنسان، ودعم تشكيل جماعات ضغط في العواصم الأوروبية والغربية لكي توصل أصوات الضحايا. وفقا لزعبل.

كما أن تقديم ملفات بجرائم الحوثي وأسماء مرتكبيها للمحاكم الدولية وهو الأمر الذي يبدو متاحا خصوصاً في ظل تصعيد الحوثي العسكري على خطوط الشحن التجاري في البحر الأحمر والتضييق على منظمات المجتمع المدني في مناطق سيطرة الجماعة.

وبهذا الصدد, أدانت 113 منظمة مجتمع مدني في اليمن, في بيان مشترك ,حصار جماعة الحوثي على قرية "حمة صرار". معبرة عن أسفها لصمت المجتمع الدولي تجاه هذه الانتهاكات.

ووجهت المنظمات دعوة لمجلس الأمن والمجتمع الدولي لتحمل مسؤولياتهم، كما طالبات الهيئات الحقوقية المحلية والدولية بإدانة الجرائم الحوثية، ومحاسبة المتورطين من قادة وعناصر الحوثيين.

 

صراع متواصل

 

تصطدم جماعة الحوثي مع قبائل وأبناء محافظة البيضاء في يتعلق بتقبل مشروعها الطائفي، ما جعل الجماعة تعتبر صراعها مع أبناء البيضاء ثأراً للانتقام من مواقفهم التاريخية ضد السلالة.

ومن منطلق إدراك الحوثيين أن محافظة البيضاء عصية ومقاومة لمشروعهم السلالي، تسارع الجماعة إلى قمع أي تحرك شعبي في المحافظة أو التعامل معه عبر إرسال وساطة قبلية لتمكينها من اخماد ذلك.

هذه الأساليب القمعية التي يستخدمها الحوثيون، جعلت القبائل تلجأ إلى التهدئة لتجنيب مناطقهم ويلات الدمار كما حدث في انتفاضة حجور في حجة وعتمة في ذمار، والتي جعلت الجماعة تستفرد برجال القبائل هناك. وفقا للصحفي عمار زعبل.

في السياق، يوضح مدير مكتب وزارة حقوق الإنسان بمحافظة البيضاء في حديثه لـ"المجهر" إلى أن الرفض المجتمعي والشعبي لجماعة الحوثي في البيضاء مستمر مهما أبدت الجماعة سيطرتها على المحافظة.

ويشير الحميقاني، إلى أن تحرير محافظة البيضاء هو فك لعقد السيطرة الحوثية على اليمن بأكمله بسبب الموقع الاستراتيجي الذي تحتله هذه المحافظة، مضيفاً: " لا يمكن أن تستتب الأمور في البيضاء مالم يكن الحكم جمهوريا".

ويأتي حصار جماعة الحوثي لقرية "حمة صرار" ضمن سياسة الجماعة لإذلال أي منطقة يعتقدون أنها تشكل بداية تمرد على سلطاتهم، ويذكر رئيس منظمة سام للحقوق والحريات توفيق الحميدي أن الحوثيين ينظرون لمحافظة البيضاء على أنها تحتل قلب الصراع الاستراتيجي الداخلي.

وتشرف محافظة البيضاء على ثمان محافظات ما يجعل سقوط هذه المحافظة بيد الحكومة الشرعية على سبيل المثال علامة فارقة في الخارطة العسكرية للحوثيين لأنه سيجعل المعركة على أبواب صنعاء.

 

استثمار مفضوح

 

تقوم جماعة الحوثيين بحشد مسلحيها لقتل اليمنيين ومحاصرة القرى والمدن اليمنية، في الوقت الذي تدعي فيه الجماعة وقوفها ضد ممارسات إسرائيل بحق الفلسطيني في غزة.

ويعد الحصار الذي فرضته الجماعة المدعومة من إيران على قرية "حمة صرار" في مديرية ولد ربيع بمحافظة البيضاء، امتداداً لانتهاكات متكررة تمارسها بحق اليمنيين معظمها ترقى إلى جرائم حرب كما سبق وأن قامت بمحاصرة قرية حجور في محافظة حجة.

ويرى الصحفي عمار زعبل، أن جماعة الحوثي تعتبر أي تحرك شعبي ضدها في المناطق الذي تسيطر عليها فشلاً لمساعيها في تلميع صورتها خلال الأشهر الماضية، عبر مزاعمها بمناصرة غزة.

كما يستغل الحوثيون التصعيد في البحر الأحمر لتهديد الملاحة باسم مناصرة غزة على المستوى الداخلي خشية من ثورة شعبية جراء تزايد الأزمة الاقتصادية الطاحنة، ويذكر زعبل في حديثه لـ"المجهر" أن "الجماعة تحشد تحت يافطة فلسطين بينما هي تعد العدة للهجوم على محافظات يمنية خاصة مأرب وتعز والضالع ولحج وشبوة".

وبدوره يبين مدير منظمة سام للحقوق والحريات توفيق الحميدي، أن الحوثيين يحاولون البحث عن شرعية خارجية من قبل الأطراف المتعاطفة مع غزة بكونهم القوة الوحيدة الموجودة في اليمن، وتصدير ذلك إعلامياً للخارج الذي يتغافل عن جرائم الجماعة بحق اليمنين.

إلى ذلك, يتطرق الحميدي في حديثه لـ"المجهر" إلى أن موقف الحوثي من القضية الفلسطينية لا علاقة له بالقضايا الإنسانية، بقدر ما ينطلق من هدفها في تثبت سلطتها واستغلال التعاطف مع غزة على المستوى الداخلي والخارجي.