الاثنين 16/سبتمبر/2024
عاجلعاجل

الحوثيون والمناسبات الدينية .. مواسم سنوية لتفريغ جيوب اليمنيين (تقرير خاص)

الحوثيون والمناسبات الدينية .. مواسم سنوية لتفريغ جيوب اليمنيين (تقرير خاص)

في الوقت الذي يواجه السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكيّة، كوارث طبيعية أدت إلى تخريب ممتلكات المواطنين، وفي ظل ضع معيشي منهار تواصل الجماعة المدعومة من إيران استثمار المناسبات الدينية, باعتبارها مواسم سنوية لتفريغ جيوب اليمنيين, ونهب ما بحوزتهم, تحت ذرائع ومسميات عدة.

قبل أيام, دشن الحوثيون حملة جبايات واسعة, تحت مسمى الاستعداد للاحتفال بـ"المولد النبوي", في خطوة عدها مراقبون, اتجاه تتخذه الجماعة المدعومة من إيران للتخلي عن التزاماتها تجاه السكان في مناطق سيطرتها, وصرف أموال اليمنيين في غير موضعها, خدمةً لأجندة الجماعة الطائفية, واستمرارا لفرض المزيد من الجبايات والتحشيد الشعبي.

 

مواسم للنهب

 

على مدى عشرة أعوام من الانقلاب على الشرعية في اليمن،  يستغل الحوثيون المناسبات الدينية لتحقيق مكاسب مالية وسياسية وطائفية تخدم مشروع الجماعة المستورد من إيران، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمات إنسانية واقتصادية صعبة جراء الحرب التي أشعلتها الجماعة ذاتها.

ومع اقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف, دفعت جماعة الحوثي الإرهابية بفرق الجبايات للنزول الميداني إلى كل المرافق، بما في ذلك: القطاع الخاص و التجار، الوجهاء وعقال الحارات والمواطنين، بما في ذلك أصحاب البسطات والباعة المتجولين.

وفي هذا السياق، يقول مصدر مطلع في العاصمة المختطفة صنعاء في حديثه لـ"المجهر"، أن فرق الجباية المعينة من قبل وزارتي الأوقاف والصناعة والتجارة في حكومة الحوثيين (غير المعترف بها)، بدأت بالنزول إلى الشوارع، وفرضت جبايات مالية فورية على المحلات التجارية حسب النشاط التجاري الذي تعمل بها، وذلك لتمويل فعاليات احتفالية "المولد النبوي".

ويضيف المصدر _ تحفظ عن ذكر اسمه_ أن المؤسسات الرسمية والخاصة والكثير من المحلات التجارية في تلك المناطق بدأت بتزين مبانيها بالأضواء الخضراء ورفع لافتات، بتوجيهات من سلطات الجماعة المدعومة من إيران التي توعدت بمعاقبة المخالفين.

ويشير المصدر إلى أنه في الوقت الذي تواجه المدن انهياراً في بنيتها التحتية، ويعاني السكان من الفقر والجوع، تواصل الجماعة تحصيل الجبايات لتمويل فعالياتها الطائفية, غير آبهة بالوضع المعيشي في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

ويؤكد أن فريق الجبايات "يمرون على البيوت يأخذوا من كل شقة ألف أو يجبروهم لصناعة كعك لليوم المولد" لافتا إلى أن عناصر جماعة الحوثيين تهدد بالسجن والغرامات المالية لمن لا يمتثل لأوامر الدفع وتفرض عليهم تزيين المحلات بالأضواء الخضراء، حد قوله.

من جهته, يتحدث مصدر آخر في مدينة إب الخاضعة لسيطرة الحوثيين قائلا ، أنه يدفع مقابل محل أدوات النجارة، 50 ألف ريال يمني في المولد النبوي "ناهيك عن الجبايات الأخرى".

ويوضح في حديثه لـ"المجهر" أن الدفع يختلف من تاجر إلى آخر، تصل بعضها 150 ألف، مع تزين أبواب المحلات والرصيف, حد قوله.

 

توظيف سياسي ديني

 

يؤكد مراقبون أن جماعة الحوثيين تسعى من خلال الاحتفالات الدينية إلى جانب فرضها لمزيد من الجبايات, تسعى لتحقيق أجندة طائفية وتوظيف هذه الأنشطة توظيفا سياسيا ودينيا لصالح أهدافها الخاصة, ومشروعها السلالي القائم على ادعاء الحق الإلهي في الحكم, والاستحواذ على النصيب الأكبر من الثروة.

وبهذا الصدد, يعتقد حسين الصوفي رئيس مركز البلاد للدراسات والإعلام أن احتفالات الحوثيين بالمناسبات الدينية تعد "مهرجانات دعائية وتتعمد استثمار وتوظيف الدين لتحقيق أهداف سياسية".

ويضيف الصوفي في حديثه لـ"المجهر", بأن هذه الأنشطة هي في الأساس أجندات وظيفية تقوم بها عصابة الحوثي التي تعتبر الذراع التنفيذية لمشروع الاحتلال الإيراني الذي أطلقت عليه طهران "حرث الأرض" بمعنى إعادة تشكيل المنطقة ثقافيا وفكريا وعقديا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا وعلى كل الأصعدة, حد وصفه.

 ويوضح "هذه استراتيجية إحلالية تتطابق مع الاستراتيجية الصهيونية في الاراضي المحتلة الفلسطينية", لافتا إلى أنه ومنذ عشر سنوات تتعمد جماعة الحوثي الإرهابية "الإساءة للمقدسات والمعتقدات الإسلامية وذلك بالسعي الممنهج لانتزاع مكانة الرسول وترسيخ صورة ذهنية لدى الناس أنه مشروع تجاري سلالي طائفي وليس رسول للعالمين".

ويشير رئيس مركز البلاد للدراسات إلى أن الجماعة تعمدت "إفساد الجمعة على المصلين أسبوعيا بفرض خطباء ممن اشتهروا بالسلوك القبيح لدى محيطهم وترديد الصرخة الخمينية في خطب الجمعة ومساجدها، وكذلك تنغيص قدسية وروحانية شهر رمضان على المسلمين بفرض طقوس ومحاضرات يومية لزعيم الجماعة يختار توقيت صلاة التراويح ليؤذي مشاعر الصائمين ويفسد روحانيتهم".

ويختتم الصوفي حديثه بالقول : " هذه وغيرها من الجرائم تتعمد تفكيك المقدسات وتحويلها إلى محل جدل ومناسبات لتكريس الأذى ومضايقة اليمنيين, وهي أجندات طائفية ممنهجة ومقصودة وضمن الأهداف بعيدة المدى للاحتلال الإيراني سعيا للوصول إلى النموذج العراقي".

من جانبه, يعتقد المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي أن "مليشيا الحوثي الطائفية، تتوسل المناسبات الدينية واحتفالات المولد النبوي لتكريس مشروعيتها كجماعة منبوذة من قبل الشعب اليمني الذي يكتنز إرثاً سيئاً من الذكريات عن العهد الإمامي البائد".

ويضيف التميمي في حديثه لـ"المجهر" أن الجماعة تهدف من خلال هذه المواسم والشعائر باسم الدين، في المقام الأول إلى استلاب وعي الشعب اليمني عبر التوسل بهذه المناسبات، التي لم تكن يوماً جزء من الأجندة السياسية للشعب اليمني، حد وصفه.

ويري أن الاحتفاء بالمناسبة يعهد إلى وزارة الأوقاف التي تنظم فعاليات محدودة في بعض مساجد المدن لعرض المناقب النبوية ولتعزيز القيم النبيلة للسيرة النبوية وتعزيز وحدة أمة المسلمين.

ويشير ياسين التميمي إلى أن هذه جماعة الحوثيين اليوم مصرة على فرض منطق الحق الإلهي في الحكم عبر تأكيد صلة النسب التي نفاها القرآن في قوله تعالى" مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّين". الآية(40) من سورة الأحزاب، وتستخدم المولد النبوي كحصان طروادة لتمرير مشروعها السياسي الإمامي البغيض.

كما يؤكد أن للجماعة في هذه المناسبة "غايات اقتصادية كذلك فهي تتوسل المناسبة لتعزيز مكاسب الاقتصاد الموازي الذي يهيمن عليها المشرفون السلاليون وهي جزء من عقيدة اصيلة في سلوكهم للاستحواذ على المال العام والخاص دون جهد أو عمل أو إنتاج".

 

تكريس للطائفية

 

يؤكد الشيخ علي القاضي عضو هيئة علماء اليمن أن الاحتفال بالمولد النبوي عند البعض هو استغلال وانحراف وتحويل الدين إلى أداة لتكريس الطائفيّة والعنصرية, في إشارة إلى أنشطة الحوثيين للاحتفال بهذه المناسبة الدينية.

ويقول القاضي في تصريح خاص لـ "المجهر" إن الغرض من هذه المناسبات، هو الشحن الطائفي، وتحريف المعاني الصحيحة الشرعية الإسلاميّة، لا فتا إلى أن الميلاد النبوي يفرح به المسلمين كميلاد هداية وميلاد رسول الرحمة، لكن من يبالغون بالاحتفال به (الحوثيون) هم أقسى الناس وأكثرهم إجرامًا في حق الناس، ميلاد العدالة وهم أكثر الناس ظلما، ميلاد المساواة وهم أكثر الناس عنصرية.

ويضيف عضو هيئة علماء اليمن أن الحوثيين "يحرفون المعاني الحقيقية ويحتفلون في ميلاد الرسول لأن مؤسس أسرة وميلاد مؤسس آل البيت فقط، جد الحسين وأبو فاطمة وابن عم علي، ويحجمون الرسالة، فهذا ميلاد رسالة لا سلالة".

ويوضح القاضي: "عندما ننتقد هذه المناسبات الذي يفعلها الحوثيون والشيعة، لا ننتقد أصل المناسبة، وإنما الغرض التحذير من تحريفهم لهذه المناسبات، لأنه جاء لأجل الأمة كلها وليس لأهل البيت والشيعة خاصة.

من جهته، يرى الشيخ عبدالحفيظ الشيباني مدير إدارة العلوم الشرعية بجمعية معاذ العلمية لخدمة القرآن الكريم والسنة النبوية, أنه في الأصل أن يكون يوم المولد النبوي من أيام الله الخالدة، الذي أمرنا أن نذكر بها، وهو يوم شكر على النعمة المهده محمد صل الله عليه وسلم، الاحتفال الذي يليق به هو تذكر المبادئ والقيم و الأخلاق والعقائد الذي جاء بها.

ويضيف الشيباني "أين نحنُ من مبدئ المساواة والعدالة والحرية والكرامة والعزة، أين نحنُ من التكافل والتراحم وواحدية الجسد الإسلامي، أين نحنُ من العصبية البغيضة للعرق والنسب والسلالة والطائفة الذي قال عنها صل الله عليه وسلم دعوها فإنها ممكنة".

ويؤكد مدير جمعية معاذ في حديثه لـ"المجهر" إن الاحتفال الحق جرد تريكة النبي من قيم وأخلاق وسلوكيات، وليس الاحتفاء يوم جباية لأموال البسطاء باسم الرسول صل الله عليه وسلم. لافتا إلى أن الرسول الكريم لم يولد جابيا وإنما بعث هاديا، حب النبي لا يكون بالخضرنة ولا القطرنة للإنسان والدواب والحجر والشجر, حد قوله.

ويوضح الشيباني أن "علامة الحب والطاعة والانقياد بشرع النبي، في جميع المجالات، المولد النبوي ليس يوم لزرع الأحقاد على ٩٥٪ من المسلمين السنة، وتقسيم الناس إلى سادة قناديل لهم كل الامتيازات وإلى زنابيل ليس لهم شيء من الامتيازات وهم مجرد توابع وهم بقية الشعب".

ويختتم حديثه بالقول: "الرسول لم يبعث لتأسيس دولة لبني هاشم، وكيف يقزمون الرسالة العالمية بمهمة أسرية لا تليق بنبي ولا رسول، شتان بين من يحبون رسول الله ومن يتخذون رسول الله مصدر للتسلط على رقاب الناس وضرب الأبشار وجمع الأموال وزرع الفتن".

 

تشكيك في المعتقدات

 

خلال الحملة التي أطلقتها جماعة الحوثي الإرهابية ضمن استعداداتها للاحتفال بالمولد النبوي هذا العام, عمدت الجماعة من خلال وسائلها الإعلامية وناشطيها إلى التشكيك في معتقدات كل شخص لا يتجاوب معها في دفع الجبايات وتعليق الزينة الخضراء تعبيرا عن الاحتفاء بهذه المناسبة, ووصفت بأن من يتخلف عن ذلك "مشكوك في إيمانه وإسلامه".

وفي هذا السياق, أحمد (اسم مستعار) طالب في جامعة صنعاء أن المؤسسات الحكومية من وزارات وهيئات ومؤسسات وجامعات ومدارس في مناطق سيطرة الجماعة بدأت منذ أسبوع فعاليات المولد النبوي، عبر سلسلة من الخطب والمحاضرات.

ويضيف في حديثه لـ" المجهر", أن مشرفي الجماعة بدأوا بمحاضرات وحفلات خطابية، وتحضير للموظفين والطلاب الحاضرين والذي يتغيب يشككون في إيمانه وإسلامه, حد قوله.

 ويشير أحمد إلى أن الجماعة أصدرت توجيهات للتجار وأصحاب المحلات التجارية والعمائر بشراء غمازات خضراء لتعليقها فوق محلاتهم وبيوتهم وتعليق حبال قطنية في الشوارع وعملوا في أكبر اللوحات الإعلانية على نفقة الوزارات صور في كل مكان. لافتا إلى أن "المسؤولين يتسابقون على من سيحتفل ويزين أكثر من غيره لكي يظهر إيمانه أمام زعيم ومشرفي الجماعة, من خلال تجهيزات واستعدادات الاحتفال بالمولد الذي عاده بعد أسبوعين".

ويؤكد أن جامعة صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة والجامعات الأخرى بدأت منذ الأسبوع الماضي تنظم اليوم الثقافي كل يوم ثلاثاء, لغرض إجبار الطلبة والأكاديميين على سماع محاضرات طائفية حول هذه المناسبات الدينية.

 ويختتم الطالب في جامعة صنعاء حديثه بالقول : "نحضر ونحضر أسمائنا ونستمع لمحاضرات عن الإيمان وخطط العدو والحرب الناعمة وخطرها وعندنا وقفه مع غزة كل أربعاء في ساحة جامعة صنعاء لطلاب كل الكليات على أساس يجيبوا عشر درجات نهاية العام لكل طالب يحضر الوقفة".

 

إهدار لأموال اليمنيين

 

تشير التقارير إلى أن جماعة الحوثي الإرهابية ومن خلال الاحتفالات الطائفية التي تقوم بها, تهدر أموالا طائلة في أمور تافهة غير مهمة بالنسبة للمواطنين، في الوقت الذي يتضور فيه الناس جوعا وتشهد البلاد انهيارا اقتصاديا وغياب تام لجميع الخدمات.

وبهذا السياق, أحصت تقارير غير حكومية أن جماعة الحوثيين أنفقت العام "ما يزيد عن 80 مليون ريال (الدولار يعادل نحو 530 ريال يمني) تمّ تخصيصه لشراء ألعاب وأعيرة نارية، وأطنان من الإطارات التالفة لإقامة احتفالات في صنعاء عاصمة البلاد المختطفة، وبقية مناطق سيطرتها، إضافة إلى المبالغ التي تمت جبايتها من المواطنين والتجار والشركات التجارية".

وبحسب الإحصائيات، فقد نظمت الجماعة المدعومة من إيران أكثر من 118 احتفالية خلال العام الماضي، وأنفقت ما يعادل 5 ملايين دولار على الفعاليات التي أقامتها أخيراً خلال أسبوعين.

والنصيب الأكبر من هذه الأموال تتحصل عليها الجماعة من الضرائب والإيرادات والجبايات, في الوقت الذي تواصل فيه الامتناع عن صرف رواتب الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرتها منذ ما يزيد عن عشر سنوات.