منذ اليوم الأول لانقلابها المشؤوم على الدولة والشرعية الدستورية وإرادة الشعب اليمني، لم تتوانَ الجماعة الحوثية عن تكثيف جهودها الرامية لطمس وإلغاء الإرث السياسي والثقافي والاجتماعي العظيم لثورة 26 سبتمبر المجيدة، سعيًا لطي صفحة تاريخية مُشرقة ومشرّفة، وتجريف المبادئ والقيم التي أرستها الثورة، في محاولة حثيثة لهدم الهوية اليمنية وإعادة تشكيلها بما يخدم أجندتها الطائفية وأهدافها السلالية، وبما ينسجم مع المشروع الإيراني التوسّعي.
وشملت المحاولات الحوثية لاجتثاث رمزية ثورة 26 سبتمبر ورموزها، تغيير أسماء الشوارع والمدارس والمستشفيات والمؤسسات ذات المدلول المرتبط بالثورة، وحذف دروس متعلقة بتلك الرمزية الوطنية، وفرض اسم نكبة 21 سبتمبر والعديد من قياداتها الصرعى، والعديد من المسمّيات الأخرى التي تخدم مشروعها الطائفي ومساعيها في تجريف الهوية الوطنية لليمنيين، فضلًا عن تنفيذيها حملات اختطافات ضد المحتفلين بذكرى الثورة المجيدة.
تغيير أسماء الشوارع
في أغسطس/آب الماضي، وجهت جماعة الحوثيين، بتغيير اسم شارع الزبيري في صنعاء، إلى اسم شارع الشهيد اسماعيل هنية، وهو إجراء وصفه ناشطون يمنيون بأنه استغلال مفضوح لجريمة اغتيال القائد هنية، في محاولة طمس رمزية الشهيد الزبيري أبرز قادة ورموز ثورة 26 سبتمبر.
وتعدّ هذه المرة الثانية التي تقدم فيها الجماعة المدعومة من إيران على تغيير اسم شارع "الزبيري"، حيث سبق أن أعلنت مطلع 2015، تغييره إلى" شارع الرسول الأعظم"، وذلك ضمن توجيه شمل تغيير أسماء 11 شارعًا رئيسيًا في العاصمة المختطفة صنعاء.
كما أطلقت جماعة الحوثي على ميدان السبعين، تسمية ميدان الصماد (نسبة للقيادي ورئيس المجلس السياسي للجماعة صالح الصماد الذي قُتل بغارة جوية للتحالف في إبريل 2018).
وهناك العديد من الشوارع الأخرى التي غيرت الجماعة الحوثية أسماءها، وأطلقت عليها مُسميات يتسنّى لها استغلالها لصالح مشروعها الطائفي.
المتحف الحربي والنصب التذكاري
وفي إطار محاولاتها لطمس الثورة اليمنية، نهبت جماعة الحوثي، في سبتمبر 2017، صور تاريخية ووثائق مهمة خاصة بثورة 26 سبتمبر 1962م التي قضت على حكم الأئمة، من المتحف الحربي وسط العاصمة صنعاء، ثمّ عملت على تعليق شعاراتها على جدران وصور قياداتها على جدران المتحف، إلى درجة أنها وضعت صور القيادي الهالك "طه المداني" وملابسه وعتاده العسكري، في إحدى حانات المتحف، في محاولة لتسويقه كشخصية ورمز وطني.
وفي مايو 2018، أقدمت الجماعة على الاعتداء النصب التذكاري للجندي المجهول في ميدان السبعين، والذي يعد رمزًا وطنيًا لكل شهداء الثورة اليمنية، وقامت بتحويله إلى قبر للقيادي صالح الصماد، الذي قتل مع مرافقيه يوم الخميس 19 أبريل 2018 إثر غارة لقوات التحالف على مدينة الحديدة.
ولم تكتف الجماعة بانتهاك خصوصية مكان النصب التذكاري واحتلاله وتحويله إلى قبر خاص بقيادي تابع لها، بل نصبت على سطح النصب التذكاري مجسما للقيادي الصماد، في محاولة لتزوير التاريخ، وتحويل المكان إلى مزار طائفي على الطريقة الخمينية الإيرانية، وهو ما تجلّى من خلال الزيارات التي تنفذها عناصر الجماعة لذات المكان.
أسماء المدارس
وعلى مستوى المدارس، عملت جماعة الحوثي على تغيير أسماء الكثير منها، في عموم المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، بينها مدارس تحمل أسماء ودلالة تتعلق بالثورة ورموزها، وأطلقت عليها أسماء قياداتها ومسمّيات أخرى تستغلها لخدمة أفكارها، في سياق عملية التطييف والحوثنة الواسعة التي تمارسها الجماعة المدعومة من إيران.
ومن بين المدارس التي غيرت الجماعة أسماءها في صنعاء، "مدرسة الشهيد علي عبد المغني" (قائد الضباط الأحرار ومهندس ثورة 26 سبتمبر)، والتي تقع في مديرية بلاد الروس، حيث غيرتها إلى مدرسة الحسن بن علي.
وفي محافظة حجة، كشفت وثيقة صادرة عن مدير مكتب التربية والتعليم أواخر مايو 2021، توجيهّا بتغيير أسماء 12 مدرسة حكومية في مديرية الشاهل، وتسميتها بأسماء أخرى طائفية، أبرزها مدرسة الزبيري، التي جرى تغيير اسمها إلى مدرسة الإمام الهادي، ومدرسة النضال الثانوية إلى مدرسة الصمّاد، مدرسة النصر إلى اسم أحد قتلى الجماعة المدعو أبو تراب العابد، ومدرسة 7 يوليو إلى مدرسة السيدة زينب بنت علي.
كما غيرت الجماعة أسماء عشرات المدارس في بقية المناطق التي تسيطر عليها بقوة السلاح، بأسماء قياداتها وذكرى انقلابها، وغيرها من الأسماء التي توظفها طائفيًا.
المستشفيات والمراكز الصحية
وفي سياق التجريف لثورة 26 سبتمبر، لم تسلم حتى المستشفيات والمراكز الصحية التي تحمل أسماء قيادات ورموز ودلالات تتلق بالثورة المجيدة.
حيث غيرت الجماعة، في مايو 2018، اسم مستشفى العلفي بالحديدة إلى مجمع الساحل الغربي الطبي التعليمي، وذلك كنوع من الانتقام للإمام الهالك أحمد حميد الدين من الشهيد العلفي.
كما غيّرت الجماعة اسم مستشفى 7 يوليو في صنعاء، إلى مستشفى الملصي (حسن الملصي القيادي الحوثي الذي قتل في عام 2016 على الحدود اليمنية السعودية).
تجريف الثورة من المناهج الدراسية
ولم تتوقف مساعي الطمس الحوثية للجمهورية والهوية اليمنية عند تغيير أسماء الشوارع والمؤسسات والمدارس والمستشفيات، بل طال حتى المناهج الدراسية والعملية التعليمية بشكل عام.
وتعمدت الجماعة تحريف وتلغيم المناهج الدراسية، من خلال إجراء تغييرات جوهرية خصوصًا مناهج الصفوف الدراسية الأساسية، لاسيما في الخمس المواد المتمثلة بـ"القران الكريم، التربية الإسلامية، اللغة العربية، التربية الوطنية، التأريخ، حيث حذفت الجماعة العديد من الدروس والموضوعات، خصوصا ما يتعلّق بثورة 26 سبتمبر، وحذفت شخصيات الشهيد الزبيري والإمام الشوكاني، وأضافت دروس عن نكبة 21 سبتمبر وعن الهادي الرسي (مؤسس الفكر الهادوي في اليمن)، وعن صالح الصماد، وحسين الحوثي، وأضافت مصطلحات تخدم مشروعها، من قبيل: يوم الولاية، ومظلومية آل البيت، العدوان الأمريكي الصهيوني، معركة كربلاء، وصور قتلاها ومقابرها وأسلحتها.
وفي السنة الماضية 2023، حذفت جماعة الحوثي من المنهج الدراسي، فقرة من الهدف الأول من أهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر التي تنص على "إلغاء الفوارق والامتيازات بين الطبقات"، أحد أهم أهداف الجمهورية، وذلك بالتزامن مع تصاعد تكريسها للمناطقية والطبقية والانقسامات داخل المجتمع اليمني.
وفي هذا السياق، يقول محمد سعيد، وهو اسم مستعار لأستاذ في محافظة إب، إن جماعة الحوثي أصبحت تجبر طلاب المدارس على تخصيص إذاعات تتناول ذكرى 21 سبتمبر بدلا عن ثورة 26 سبتمبر، وحسين الحوثي والصماد بدلا عن الزبيري والنعمان والثلايا والعلفي، والهادي الرسي بدل عن الشوكاني ونشوان الحميري، وقصائد شعراء الجماعة بدلا عن قصائد البردوني والفضول، والكثير من المسميات والموضوعات الطائفية التي تفرضها الجماعة بدلا المناسبات والرموز الوطنية.
هل نجحت المساعي الحوثية؟
رغم المحاولات والمساعي الحوثية لطمس الثورة اليمنية ومكاسبها وتجريف الهوية الوطنية لليمنيين، إلا أن مراقبون يرون أنها لم تنجح سوى في التأثير على قلة قليلة من منتسبيها، وأن مبادئ وقيم الثورة تسري في أرواح ونفوس المواطنين في مناطق سيطرتها، ويتجلى ذلك بالتزامن مع كل ذكرى لثورة 26 سبتمبر.
وفي هذا السياق، يرى الباحث سلمان المقرمي أنه "خلال عشر سنوات لم تستطع مليشيا الحوثي طمس الثورة اليمنية 26 سبتمبر".
وقال المقرمي في حديثه لـ"المجهر"، أنه "بعد عشر سنوات رأينا طلاب المدارس والشباب يهتفون للجمهورية والثورة ويحتفون بها، وهؤلاء الطلاب والشباب كانوا أطفال أو يافعين عند سقوط صنعاء، وهذا يعني أن الحوثية لم تستطع طمس ثورة 26 سبتمبر".
وأشار إلى أن "ما يحصل الآن أن مليشيا الحوثي تسعى للحفاظ على بقائها، في حين أن الشعب هو الذي يتحرك، ثورة 26 سبتمبر هي التي يتحرك للقضاء على الإمامة، وعملية إسقاط المنظومة الحوثية مسألة وقت".
ومنذ أسبوع، تنفذ جماعة الحوثي موجة جديدة من الاختطافات طالت حتى اليوم عشرات الصحفيين والناشطين والمواطنين، ضمنهم الصحفي محمد دبوان الميّاحي، الذي اختطفته من مسكنه في صنعاء، وكذلك الصحفي فؤاد النهاري، الذي زجّت به في سجن البحث الجنائي بمدينة ذمار، كما طالت أكثر من خمسين ناشطًا في محافظة إب، وفق مصادر محلية، وهي حملة مسعورة ومرتبكة جاءت كردة فعل على انتقادات وجهها بعضهم للجماعة، وعلى تجرؤ آخرين على الاحتفاء بثورة 26 سبتمبر عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي كانت الجماعة الانقلابية تعتقد أنها طمست معالم الثورة المجيدة وأنهت ذكراها بمساعيها التجريفية، لتتفاجأ بإصرار المواطنين على إحيائها، في كل ركن من هذا الوطن، كشاهد حيّ على أن الروح الثورية لا تُقهر، وأن ذاكرة الشعوب أقوى من أي قمع أو تكميم للأفواه، وأن جذوة سبتمبر ما تزال مشتعلة، ولا بدّ للحوثية من سقوط.