بعدما أعلنت الأمم المتحدة عن تقليص نشاط منظماتها في مناطق سيطرة جماعة الحوثي الإرهابية، سارعت قيادة الجماعة إلى إلغاء ما يسمى بالمجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي (سكمشا) الذي ظل يقوض عمل المنظمات الإنسانية طيلة الخمس السنوات الماضية.
وأنشأت جماعة الحوثيين مجلسها "سكمشا" كبديل لهيئة كانت تحمل مسمى "الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث" أنشأتها في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2017م عقب انقضاضها على الشراكة مع الرئيس الأسبق صالح.
ومنذ تأسيس المجلس في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2019م شرع الحوثيون في استغلال تواجد مكاتب المنظمات الأممية والدولية في العاصمة المختطفة صنعاء، لنهب المساعدات الإنسانية والتحكم في نشاطها.
وابتكر الحوثيون هذا المجلس كوسيلة مؤسسية لابتزاز المنظمات، وعلى سبيل المثال فرضت الجماعة المدعومة من إيران على منظمات تابعة للأمم المتحدة سداد ميزانية المجلس ونفقاته بشكل قسري.
خطاب ملغوم
مع تصاعد حالات الاختطاف واستمرار التضييق على عمل المنظمات، أعلنت الأمم المتحدة في بيان لها، نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، عن تعليق أنشطتها غير المنقذة للحياة في مناطق سيطرة الحوثيين.
ولامتصاص الضغوط الدولية والأممية، أُجبرت جماعة الحوثي المدرجة على قوائم الإرهاب الأمريكية، على إلغاء مجلس إدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي وقامت بنقل صلاحياته في إطار وزارة الخارجية بحكومتها غير المعترف بها.
واشترطت جماعة الحوثيين في خطابها عدم معارضة المنظمات لمصالح سلطتها ما يعني أنها مستمرة في استهداف النشاط الإنساني والإغاثي للمنظمات، بالرغم من اعلان خارجيتها الالتزام "بالمواثيق والمعاهدات الدولية الموقع عليها وبالأخص احترام الحصانات الممنوحة للأمم المتحدة ومنظماتها وبرامجها ووكالاتها".
لكن وزارة الخارجية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا، لوحت في خطابها الموجه لـ "مكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة في اليمن" عن استمرار الجماعة في التضييق على المنظمات، محددة ما أسمتها بـ "القواعد الحاكمة" لعمل المنظمات الأممية والدولية في مناطق سيطرتها.
ويبدو أن اتخاذ جماعة الحوثيين لهذا القرار جاء لصرف الأنظار الدولية والمحلية عن المجلس الذي كان يمثل قيداً محكماً يطبق على يد المنظمات، في حين قامت بنقل مهامه إلى وزارة الخارجية التابعة لها وربما بنفس فريق العمل.
وتشير تقارير حقوقية إلى ارتكاب الحوثيين انتهاكات واسعة ضد العمل الإنساني في مناطق سيطرتها تحت مظلة المجلس الحوثي سيئة السمعة، كما مارست الجماعة مؤخراً ضغوطات ضد المنظمات الأممية والدولية أبرزها اختطاف العشرات من العاملين فيها.
تداخل إداري
لابد أن نشير هنا إلى مجلس "سكمشا" التابع للحوثيين أخذ جزءا من مهام وزارة التخطيط والتعاون الدولي وبالتالي بقيَ عمل الوزارة محصورا بالتخطيط لأن المجلس أخذ ما يتعلق بالإغاثة الإنسانية ما سمح له بالسيطرة على التمويلات الدولية التي تأتي لمساعدة اليمنيين.
وفي هذا السياق يوضح الباحث اليمني الدكتور عبدالقادر الخراز، أن المنظمات الدولية وكذلك مؤسسات التمويل تعاونت مع مجلس "سكمشا" في السيطرة على التمويلات الدولية وإدارتها، رغم معرفتهم بذلك.
وقام الباحث الخراز، مؤخراً بتفعيل حملة تحت مسمى "لن نصمت" مختصة بمتابعة فساد المنظمات التي قال إنها " شاركت في فساد كبير لهذه التمويلات وصلت إلى أكثر من (32 مليار دولار) من 2015م وحتى الآن".
وذكر الخزار في حديثه لـ"المجهر" أن مجلس "سكمشا" ظل يأخذ نسب هامة من المبلغ الإجمالي للمساعدات، بجانب المبالغ المتعلقة بالفساد والتلاعب في صرف العملة وتوزيع المواد الفاسدة وتمويل مشاريع غير مستدامة.
وأضاف أن منظمات تعمل لصالح الحوثيين كانت تخرج بتقارير غير واقعية بهدف جلب التمويلات التي تعود بالفائدة عليها كمنظمات وتستفيد منها جماعة الحوثي عبر المجلس هذا لتمويل حربها.
وأردف : " تهول هذه التقارير من استمرار المجاعة مستمرة في اليمن بشكل كبير على طول سنوات الحرب فيما لم تقم بالدور المطلوب تجاه الشعب اليمني رغم كل المليارات التي استلمتها".
تراخي الموقف الحكومي
سيطر مجلس "سكمشا" خلال الخمس السنوات الماضية على كل المشاريع الإنسانية في اليمن حتى التي كانت تقدم في مناطق الشرعية وذلك بالاتفاق مع المنظمات الدولية.
ويؤكد الباحث المختص في كشف فساد المنظمات د. عبدالقادر الخراز في حدثيه لـ"المجهر" أن هذه الأمر جرى " بتواطؤ أطراف في الحكومة الشرعية وبالذات وزارة التخطيط ووزارة المياه والبيئة في ترك المجال لميليشيا الحوثي ولم يتم حتى محاسبتهم من قبل القيادة"، حد قوله.
وأوضح أن المجلس الحوثي تلاعب بفارق سعر العملة في المساعدات التي كانت تقدم إلى مناطق الحكومة المعترف بها، فيما يخص مشروع الحوالات النقدية الطارئة التي مُنحت للأسرة المحتاجة بصرف (250 للدولار) في حين المبلغ المخصص لبعض الأسر 20 دولار فتستلم الأسرة 500 فقط بينما يتجاوز سعر الصرف في مناطق الشرعية أضعاف هذا المبلغ.
وذكر الخزار أن الحملة المختصة بكشف فساد المنظمات رفعت شكوى للبنك الدولي بهذا الخصوص، مشيرا إلى أن الوضع تغير بعد ذلك وتم صرف المساعدات النقدية وفقا لسعر العملة في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها.
وأضاف أن وزارات في الحكومة الشرعية مثل التخطيط والتعاون الدولي والمياه والبيئة والصحة، قامت بالتوقيع على إنهاء مشاريع في نطاق سيطرتها فقط لأن المنظمات الدولية في مراكزها الرئيسية تطلب توقيع من جانب الحكومة الشرعية بينما المشرف على هذه المشاريع هو مجلس "سكمشا".
وأشار الخراز إلى أن مثل هذه الجهات داخل الحكومة الشرعية تساهم في الفساد الذي يدعم تقوية جماعة الحوثي، مطالباً قيادة الشرعية بالتحقيق معها ومحاسبتها على القيام بمثل هذه الأعمال.
ومن وجهة نظر الخراز لا تبدو الحكومة الشرعية جاهزة للتعامل مع مثل هذه الأوضاع وترجمة ماذا سيحدث، معتقدا أن عمل المنظمات سيستمر في مناطق الحوثي حتى في ظل هذه المتغيرات.
أيادي ناعمة
تحاول جماعة الحوثي المصنفة على قوائم الإرهاب الأميركي، تغطية كل الجرائم والفساد التي قامت به بمساعدة هذه المنظمات الدولية ومؤسسات خارجية أخرى ذات طابع محلي.
ويمكن أن نطلق عليها اسم "الأيادي الناعمة للحوثي في الخارج" حيث كشف الخراز عن مؤسسات مسجلة خارج اليمن تشتغل في مناطق الحوثي وتديرها شخصيات يمنية ومنها "مركز صنعاء - ديبروت – رنين – مواطنة".
كما لفت الباحث د. عبدالقادر الخراز في حديثه لـ "المجهر" إلى وجود كثير من المساعدات الإغاثية في مواقع جبهات الحوثيين لاسيما التي تحمل شعار منظمة الأغذية العالمية.
وأضاف أن مجلس "سكمشا" كان يقوم بشراء كثير من السيارات ذات الدفع الرباعي (أطقم عسكرية) ثم يقوم بتسليمها لقيادات وعناصر تابعة لجماعة الحوثي.
كما أن هناك تجهيزات وأدوات يتم توريدها باسم منظمة الصحة العالمية بينما هي خاصة بجماعة الحوثي وتستخدم هذه المنظمات كغطاء لذلك. حسبما ذكر للخراز.
أما فيما يتعلق بتمويل نزع الألغام، يقول الباحث الخراز أن المجلس أجبر المنظمات ذات الصلة على تسليم المشروع لجماعة الحوثي التي هي أصلاً من تقوم بزرع الألغام.
تسييس المساعدات
كان واضحاً منذ البداية أن جماعة الحوثيين أنشأت مجلسها "سكمشا" بغرض استخدامه كأداة للسيطرة على المنظمات الإغاثية والإنسانية في اليمن سواء المحلية والدولية أو تلك التابعة للأمم المتحدة.
يقول مسؤول إحدى المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق سيطرة الحوثيين في حديثه لـ"المجهر" إن "المجلس كان يتدخل في نوعية المشاريع ونطاق تنفيذها، ويصدر تصاريح للمنظمات، مما أدى إلى انتهاكات ضد المنظمات وموظفيها".
ويوضح المسؤول الذي رفض ذكر اسمه لأسباب مهنية، أن مجلس "سكمشا" مُتهم "بتحويل المساعدات لصالح المجهود الحربي وعناصر الميليشيا" مبيناً أن ذلك أدى إلى حرمان ملايين اليمنيين من المساعدات الإنسانية.
ويضيف أن جماعة الحوثيين فرضت عبر مجلسها رقابة المشددة على عمل المنظمات الإغاثية، كما حددت نوعية المساعدات التي يتم تقديمها، وأماكن توزيعها.
وهناك اتهامات موجه لقيادات حوثية داخل المجلس، باستغلال المساعدات الإغاثية لأغراض سياسية وعسكرية، وتوجيهها لمناطق معينة على حساب أخرى، أو بيعها في الأسواق السوداء. وفقا للمصدر.
ويشير المسؤول الناشط في العمل الإنساني، إلى أن "العديد من المنظمات الإغاثية واجهت صعوبات كبيرة في العمل تحت سيطرة المجلس، حيث تعرضت للقيود والاعتقالات، وحتى الإغلاق".
الاستجابة للضغوط
بالنظر إلى توقيت قرار الحوثيين بإلغاء مجلس "سكمشا" فعلى ما يبدو أن الجماعة اتخذته فرصة لمحاولة غسل السمعة السيئة التي لحقت به بسبب الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها ضد العمل الإنساني.
وهو ما أتفق مع رؤية مسؤول إحدى المنظمات المحلية التي تتخذ من صنعاء مقراً لها، لافتاً إلى أن "القرار في هذا التوقيت مرتبط بمحاولة تحسين العلاقات مع المنظمات الدولية والاستجابة للضغوط الدولية".
وقد يظهر القرار تطلعات جديدة لدى الحوثيين في إدارة ملف المنظمات بشكل مباشر أكثر من السابق فقررت تغيير استراتيجيتها في التعامل مع المساعدات الإنسانية، وإلغاء طريقة عمل المجلس.
وهذا التوجه يشير إلى أن هناك احتمالية كبيرة بأن القرار يأتي ضمن صراعات داخلية في قيادة الحوثيين حول كيفية إدارة الملف الإنساني، وانتهى بخسارة الطرف الواقف في صف المجلس.
وفي كل الأحوال، من المؤكد أن قرار الإلغاء جاء نتيجة للضغوط الدولية المتزايدة على الحوثيين بسبب سوء إدارة المساعدات الإنسانية واستغلالها لأغراض سياسية.
وضع معقد
يبدو أن هناك لعبة قادمة لتفعيل وزارة الخارجية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا، من أجل القيام بدور عبر المعين جمال عامر نظراً لارتباطه بمؤسسات محلية لعبت دوراً في تجميل صورته سابقاً في إطار خطة لتجميل جماعة الحوثي من جديد تزامنا مع ضربات البحر الأحمر.
ويتوقع الباحث اليمني د. عبدالقادر الخراز أن مركز تنسيق الشؤون الإنسانية (hocc) الذي انشأه الحوثيون بداية هذا العام سيتحول هو الآخر إلى خارجية الحوثيين بعدما تأكد مسؤوليته عن تهديد السفن في البحر الأحمر.
وفي الوقت ذاته، لا يعني أن إلغاء الحوثيين لمجلس "سكمشا" سوف يحد من تعسفاتهم بحق العمل الإنساني ونهب المساعدات، بل على العكس فهم يسعون هذه المرة إلى شرعنة انتهاكاتهم عبر وزارة الخارجية غير الشرعية أصلاً.
وهذا سيقود وفقاً لمسؤول إحدى المنظمات إلى تدهور الوضع الإنساني في مناطق سيطرة الحوثيين، وتزايد الصعوبات في إيصال المساعدات للمحتاجين الذين سيعانون أكثر من السابق في ظل استمرار الصراع وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
كما أن نقل صلاحيات مجلس "سكمشا" لوزارة الخارجية الحوثية يعني وضع المنظمات الإغاثية أمام تحديات أكبر في أداء عملها، حيث يتوقع المسؤول في العمل الإنساني تزايد القيود والرقابة عليها من قبل الحوثيين.
وبطبيعة الحال، يبقى الوضع الإنساني في مناطق سيطرة الحوثيين معقد جداً كون حياة الملايين هناك تعتمد على المساعدات الإنسانية التي قد تتأثر بالتغييرات الإدارية، وحتى إن حدث تغيير في الجوانب الإدارية فإن الوضع على الأرض سيكون أكثر تعقيداً بفعل القيود الأمنية التي يفرضها الجماعة.
أجندة حوثية
برز هدف جماعة الحوثي من إنشاء ما يسمى بالمجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، كمحاولة إيجاد إطار رسمي لتحركاتها في ملف المساعدات الإنسانية.
وهنا تؤكد رئيسة مؤسسة دفاع للحقوق والحريات هدى الصراري، بأن تحركات المجلس بدأت بإجبار المنظمات بالحصول على تصاريح خاصة منه لتنفيذ أنشطتها أو توزيع المساعدات.
وتبين المحامية هدى الصراري في حديثها لـ"المجهر" أن هذه السلوك " أضاف طبقة من البيروقراطية على عمل هذه المنظمات، كما عمل على توجيه المساعدات وفقا لأولويات محددة يضعها هو، لخدمة المصالح السياسية أو العسكرية لجماعة الحوثي".
وكثيرا ما اشتكت المنظمات الإنسانية من تعطيل وتأخير إيصال المساعدات بسبب إجراءات مجلس "سكمشا" سواء من خلال طلبات تعسفية معقدة أو فرض شروط معينة لتوزيع المساعدات. وفقا للصراري.
وتضيف "هناك اتهامات دولية بأن المجلس ومجموعات أخرى داخل الحوثيين استخدموا المساعدات لدعم مجهودهم العسكري، أو لتوزيعها على المناطق التي تخضع لسيطرتهم بطريقة تعزز نفوذ الجماعة".
وكما هو معروف تعامل المجلس الحوثي بمرونة أكبر مع بعض المنظمات التي أبدت استعدادها للتعامل مع شروطه، بينما تعامل بعدائية مع منظمات أخرى تتبع معايير الشفافية والاستقلالية الدولية.
وتشير رئيس مؤسسة دفاع للحقوق والحريات إلى أن المجلس فرض قيودا صارمة على حركة المنظمات وفرق الإغاثة، خاصة في المناطق القريبة من خطوط المواجهة أو في المناطق التي قد تكون ذات أهمية استراتيجية.
كواليس محتملة
ثمة من يرى أن توقيت قرار الحوثيين بإلغاء مجلسهم سيء السمعة، قد يعكس رغبة الجماعة في تعزيز صورتها أو تحسين علاقاتها مع الجهات الفاعلة الخارجية في ظل الضغوط المستمرة على البلاد.
وتشير الناشطة في المجال الحقوقي هدى الصراري، إلى احتمالية تزايد الضغوط من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بسبب الاتهامات الموجه للحوثيين بتسييس المساعدات الإنسانية واستخدامها لأغراض عسكرية.
وتفسر قرار إلغاء المجلس كخطوة لتحسين بيئة العمل الإنساني في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين وزيادة تدفق المساعدات، خاصة مع طلب الحكومة الشرعية للمنظمات نقل كافة مكاتبها للعاصمة وعدن، وتعليق الأمم المتحدة لكافة أنشطتها في مناطق سيطرة الحوثيين.
وأضافت المحامية هدى الصراري "إذا اعتبرنا هذه الخطوة فرصة لإعادة بناء الثقة مع المنظمات الإنسانية التي لطالما اشتكت من تعسفات الحوثيين، فلا بد أن يعتمد ذلك على مدى استبدال المجلس بآليات أخرى أكثر شفافية".
وفي حال بقاء الهدف الأساسي لجماعة الحوثي في السيطرة على تدفق المساعدات وضمان توجيهها وفقا لمصالحهم، فلن يطرأ تغير كبير في سلوك الجماعة تجاه المساعدات الإنسانية، باستثناء تغيير الأسماء أو الهياكل. وفقا للصراري.
كما لا تستبعد هدى الصراري، أن يكون قرار الإلغاء جزءا من استراتيجية إعلامية أو تفاوضية مع التحالف العربي أو الأمم المتحدة تجري خلف الكواليس، لإظهار مرونة الحوثيين واستعدادهم لإصلاح سياساتهم المتعلقة بالمساعدات الإنسانية.
وإذا حاولنا التعامل بإيجابية مع قرار إلغاء المجلس الحوثي باعتباره جزءا من تحرك سياسي لتخفيف الضغط الدولي أو تمهيدا لمفاوضات، فهذا يعني إن وضع الأعمال الإنسانية قد يتحسن في حال تم التوصل إلى اتفاقيات مع الأطراف الدولية.
وبالرغم من ذلك، تظل المخاوف قائمة من استمرا الحوثيين في استخدام المساعدات لأغراض سياسية أو عسكرية، خاصة إذا تم استبدال المجلس بكيانات غير شفافة أو تابعة لقيادات الجماعة. وفقا لتعبير الناشطة هدى الصراري.
انتقائية المساعدات
فرضت الجماعة على المنظمات تسخير كافة برامج الإغاثة لقياداتها وعناصرها، فيما حرمتها على الغالبية العظمى من إجمالي السكان في مناطق سيطرتها، ما أدى إلى تفاقم حدة الأزمة الإنسانية، وتزايد مؤشرات الجوع والبؤس وانعدام الأمن الغذائي.
وبعدما اتضح أن جماعة الحوثي استخدمت هذا الكيان المسمى بـ "سكمشا" غطاء للقيام بنهب المساعدات وابتزاز المنظمات الدولية، والتأثير على مسار المساعدات الإنسانية في الداخل، يعتقد الصحفي اليمني وفيق صالح، أن قرار إلغاؤه هو محاولة التفافيه على الضغوطات الدولية.
وفي حديثه لـ"المجهر" يؤكد الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي وفيق صالح، أن جماعة الحوثي عملت من خلال هذا الكيان على نهب أموال المساعدات الدولية وابتزاز المنظمات والتأثير على عملية التمويل الإنساني للمستحقين.
وبين أن هناك قيادات حوثية " كونت ثروات هائلة من خلال الاستيلاء على أموال المساعدات، والتضييق على عمل المنظمات في توزيع الإغاثة للسكان".
ويتوقع الصحفي وفيق صالح أن الحوثيين سيستمرون في فرض القيود على المنظمات الدولية العاملة في المجال الاغاثي والإنساني بطرق ووسائل مختلفة، حتى وإن ألغت الجماعة مجلسها المشؤوم.
ويعلل ذلك باستمرار الجماعة في اختطاف العشرات من موظفي المنظمات في صنعاء، ومنع المنظمات من القيام بأنشطتها الإنسانية لصالح المستحقين، إلا في حال استفادت قياداتها وعناصرها من هذه البرامج.
مكاسب اقتصادية
وثقت منظمة "ريغن يمن" استحواذ جماعة الحوثي على نحو (13,5 مليار دولار) من المساعدات الإنسانية التي وصلت إلى اليمن منذ بداية الحرب، مشيراً إلى أن المستفيدين الفعليين من المساعدات هم نسبة ضئيلة جداً.
واتهمت المنظمة في تقريرها الذي حمل عنوان "المساعدات وسيلة للإثراء الحوثي والتجنيد" قيادة الحوثي باستغلال المساعدات الإنسانية كأداة رئيسية للإثراء والتجنيد وتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في اليمن.
وذكر التقرير أن الحوثيين مارسوا النهب الممنهج للمساعدات الإنسانية بمعدلات تفوق 80% من خلال الضغط على المنظمات لتوجيه معظم هذه المساعدات إلى مناطق سيطرتهم عبر ما يسمى بـ "سكمشا". - SCMCHA " التابع لها
ويقوم المجلس الحوثي باستخدام مئات المنظمات المحلية التابعة لها كشركاء تنفيذ محليين ومراقبين للمشاريع الإنسانية، مما يتيح لهم فرصة التلاعب بعملية توزيع المساعدات، يضمن لها السيطرة الكاملة على الموارد الموجهة لهذه المشاريع. وفقا لتقرير المنظمة.
وأضاف التقرير إلى أن الحوثيين استغلوا المساعدات لتعزيز عملية التجنيد في صفوف الجماعة، حيث تمنح الدعم الإنساني بشكل متزايد لأسر المقاتلين وأفراد الجماعات الموالية، فيما تقوم بحذف أسماء غير الموالين لها من قوائم المستفيدين.
كما أشار إلى أن جماعة الحوثي تستغل الأزمة الإنسانية في البلاد لتحقيق مكاسب اقتصادية من خلال بيع جزء كبير من المساعدات، لا سيما المساعدات الطبية، في السوق السوداء للصيدليات وتجار الأدوية العاملين تحت سلطتها.
تهديد الموظفين
وجه عدد من الحقوقيين والناشطين في العمل الإنساني، أصابع الاتهام لرئيس مجلس "سكمشا" القيادي الحوثي إبراهيم الحملي، بوقوفه خلف الاختطافات الواسعة التي شنتها جماعة الحوثي ضد موظفي المنظمات في مناطق سيطرتها منذ يونيو/ حزيران من العام الجاري.
وأضافوا أن قيادات حوثية تعمل تحت إدارة القيادي الحملي قامت بالإشراف على تلقين موظفي المنظمات المختطفين لدى الجماعة بالاعترافات الملفقة التي بثتها وسائل إعلامها بغرض إجبارهم على الإقرار بالعمل التجسسي.
وفي أغسطس/ آب الماضي، هدد المدعو الحملي قرابة 3287 من العاملين في المنظمات بالزج بهم في سجون الجماعة بجانب زملائهم المختطفين حتى الآن، ما يعتبره كثيرون كنتيجة طبيعة لإتاحة سلطات الحوثي المجال للمجلس بممارسة انتهاكات واسعة بحق المنظمات والعاملين فيها.
ومن جهتها أدانت عدد من المنظمات الأممية والدولية قيام جماعة الحوثي الإرهابية بإحالة مجموعة من موظفي المنظمات المختطفين لديها الى النيابة الجزائية.
وقال بيان صادر عن رؤساء المنظمات، إن من بين الموظفين الذين أحالتهم الجماعة للمنظمة ثلاثة يعملون لدى منظمات الأمم المتحدة، اثنان من "اليونسكو" وواحد من مكتب "مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان" اختطفوا بين عامي 2021 و2023م.
وأضاف البيان أن هذه الخطوة جاءت في الوقت الذي كانوا يأملوا فيه إطلاق سراح الموظفين، مجددين الدعوة للإفراج الفوري وغير المشروط عنهم ومطالبين بإيقاف الاستهداف الحوثي للعاملين في المجال الإنساني.
وأشار البيان الذي وقع عليه أكثر من عشرة رؤساء لمنظمات أممية ودولية، إلى أن القرارات الحوثية التعسفية ستعيق القدرة على وصول المساعدات الإنسانية لملايين اليمنيين.