يواجه خريجو الثانوية العامة في اليمن تحديات كثيرة، بعد إنهاء التعليم المدرسي بمراحله الثلاث، والوقوف على أعتاب مرحلة دراسية جديدة، الأمر الذي يمثل إحدى عقبات الالتحاق المبكر بالتعليم الجامعي قبل الحصول على التأهيل اللازم عبر برامج تمهد لاجتياز امتحانات القبول والاستعداد للانخراط في بيئة تعليمية تختلف عن سابقاتها.
وبسبب ضعف البنية التعليم في اليمن تزايدت خلال السنوات الأخيرة حاجة الطلبة الذين تجاوزا المدرسة للتو، إلى الحصول على برامج "التأهيل الجامعي" كضرورة تعليمية فرضتها عدد من العوامل أهمها ضعف المخرجات، واتساع الفجوة بين مرحلتين دراستين، بالإضافة إلى اختلاف البيئة والتحديات الاقتصادية التي فاقمتها الحرب المستمرة للعام العاشر تواليا.
اختلاف البيئة وضعف المخرجات
يواجه الطلاب القادمون من خلفيات وبيئات مختلفة تحديات متعددة خلال الانتقال من مرحلة الثانوية إلى الحياة الجامعية، خصوصا أولئك القادمون من المناطق الريفية، للالتحاق بالجامعات في المدن.
توهيب الشميري، طالب في المستوى الأول بكلية طب الأسنان، تحدث عن صعوبة الانتقال من قريته إلى المدينة، قائلاً: "أصعب تحدٍ واجهته هو اختلاف البيئة المحيطة، انتقلت من حياة مليئة بالأهل والأصدقاء في قريتي إلى السكن وحيدًا في المدينة".
وأضاف الشميري في حديثه لـ"المجهر" أن اختلاف البيئة بين المرحلتين الدراسيتين كان له تأثير كبير على حياته، وهو ما قد يؤثر على مستوى تحصيله العلمي خلال دراسته الجامعة، حد قوله.
من جانبه، أشار سامر عاصم، طالب تقنية معلومات، إلى التحديات التي واجهته عقب تخرجه من الثانوية العامة وقدومه من منطقته الريفية إلى مدينة تعز للالتحاق بالجامعة الحكومية الوحيدة فيها، التي تحمل الاسم ذاته.
وقال عاصم في حديثه لـ"المجهر" أنه بمجرد انتقاله إلى المدينة وجد نفسه في بيئة تعليمية مختلفة عن المرحلة الدراسية السابقة، الأمر الذي دفعه للالتحاق ببرامج التأهيل الجامعي قبل التسجيل في الجامعة.
كما أكد على أن تدني مستوى التعليم في المناطق الريفية كان أحد العقبات التي واجهته، قائلاً: "واجهنا صعوبة في المذاكرة بسبب ضعف التدريس في المدارس الريفية مقارنة بما يتم تقديمه في التأهيل الجامعي."
وبدوره، يعتقد الأستاذ رشاد المخلافي، مدرس مادة الرياضيات، أن غياب التنسيق بين وزارة التربية والتعليم والجامعات يزيد من صعوبة المرحلة الانتقالية، حيث يتعرض الطلاب لمواد جديدة لم يسبق لهم دراستها، مما يتطلب جهدًا إضافيًا لتعويض هذا الفارق.
إلى ذلك، يرى خبراء تربويون أن التعليم المدرسي في اليمن يتسم بالعديد من المشكلات التي تؤثر على جودة المخرجات التعليمية، حيث يفتقر النظام التعليمي إلى تحديث المناهج، بالإضافة إلى الاعتماد على أساليب تقليدية بعيدة عن الابتكار والتفاعل، مما يجعل الطالب يفتقر إلى المهارات التي تؤهله لمواجهة متطلبات التعليم الجامعي.
وبحسب الخبراء فإن المدارس تعاني من نقص شديد في الكوادر المؤهلة والبنية التحتية اللازمة لتوفير تعليم نوعي، وغياب البيئة التعليمية المحفزة، وبالتالي عند انتقال الطالب إلى الجامعة يجد نفسه أمام متطلبات أكاديمية جديدة تعتمد على التفكير النقدي والبحث المستقل، وهو ما لم يتم تعليمه أو تدريبه عليه في المرحلة المدرسية.
التأهيل الجامعي كضرورة
تمثل برامج التأهيل الجامعي جسراً بين الثانوية والجامعة، وتهيئ الطلاب لمواجهة تحديات الحياة الأكاديمية، ومع تزايد الإقبال على هذه البرامج، يبرز دورها المحوري في بناء جيل من الطلاب المؤهلين الذين يمتلكون الثقة والمهارات اللازمة لتحقيق النجاح.
وفي هذا السياق، يؤكد الأستاذ الدكتور رياض العقاب، نائب رئيس جامعة تعز لشؤون الطلبة، أن مراكز التأهيل الجامعي تلعب دورًا حيويًا في تعزيز الشراكة المجتمعية وإعداد الطلاب للمرحلة الجامعية.
ويضيف في حديثه لـ"المجهر" أن هذه البرامج، التي أُطلقت منذ عام 2018، تندرج ضمن رؤية الجامعة لخدمة المجتمع، وتساهم في تهيئة الطلاب أكاديميًا ونفسيًا.
من جهته، أوضح الدكتور محمد الخطيب، أستاذ الفيزياء في برنامج بالجامعة، أن هذه الدورات تشمل مواد ترتبط مباشرة باختبارات القبول في الكليات المختلفة، مشيرا إلى أن الإقبال على هذه البرامج يزداد سنويًا، حيث تخدم شريحة واسعة من الطلاب.
وأضاف الخطيب، في حديثه لـ"المجهر" أن جامعة تعز تقيم برامج التأهيل الجامعي تحت اشراف الأنشطة الطلابية بعمادة شؤون الطلبة، ويتم تقسيم الطلاب حسب التخصصات التي يختارونها.
وأردف :" لذلك فبرامج التأهيل ممتازة وأكثر أهمية للطلاب ومن الأجدر بجميع الطلاب الالتحاق بمثل هكذا برامج لأنها تكسبهم الثقة بالنفس وتنمي مهاراتهم ومعلوماتهم".
نقطة تحول إيجابية
رغم الصعوبات، يؤكد الطلاب أن التأهيل الجامعي كان نقطة تحول إيجابية، حيث يوضح توهيب الشميري كيف ساعده البرنامج في تطوير ثقافته ومهاراته الأكاديمية قائلا :"تعلمت الكثير من أنماط الحياة والثقافات المختلفة. الصعوبات التي واجهتها زادت من قوتي وإصراري، حتى أنني تفوقت على زملاء كنت أظنهم أكثر ذكاءً مني."
ويؤكد الشميري في حديثه لـ"المجهر" على أهمية الالتزام والجدية خلال مرحلة التأهيل. ناصحا الطلاب بالتركيز الكامل والإخلاص لتحقيق الفائدة المرجوة :"التأهيل يستحق بذل أقصى جهد، التركيز على الدراسة وترك الملهيات هو سر النجاح."
من جهته، يقول سامر عاصم :"كان للتأهيل الجامعي أثر كبير، خصوصًا في مواد مثل اللغة الإنجليزية التي ساعدتني في اجتياز امتحانات القبول ومواصلة دراستي الجامعية."
وفي حديثه لـ"المجهر" يحث عاصم الطلبة على ضرورة الالتحاق بالمعاهد التأهيلية، خاصة لمن يفتقرون لمهارات أساسية مثل اللغة الإنجليزية، قائلاً :"من الأفضل البدء بدورات تأسيسية للغة الإنجليزية، لأنها ضرورية للتأهيل الجامعي المكثف، النجاح يتطلب اجتهادًا مستمرًا."
وعلى الرغم من ذلك، يجد الطلاب صعوبات كبيرة في الالتحاق ببرامج التأهيل الجامعي بفعل تدهور الوضع الاقتصادي، وعدم القدرة على الإيفاء بمتطلبات التأهيل، مما يشكل تحديا إضافيا للتعليم في اليمن.
تعزيز مهارات الطلبة
يرى التربوي ضرار الأصبحي أنه لمواجهة الفجوة التعليمية بين المدرسة والجامعة يمكن للطلاب والمعلمين وأولياء الأمور اتخاذ بعض الخطوات التربوية التي تساعد في تعزيز مهارات الطلاب وتهيئتهم للمرحلة الجامعية.
ويوضح الأصبحي في حديثه لـ"المجهر" أن تلك المهارات يمكن اكتسابها من خلال تعزيز مهارات التعلم الذاتي، والاستفادة من التكنولوجيا، التشجيع على القراءة والاطلاع، وتحفيز الطلاب للتفاعل مع الأنشطة المدرسية.
ويؤكد أن إكساب خريجي الثانوية العامة تلك المهارات يعزز من قدرتهم على التكيف مع متطلبات الجامعة، وينمي ثقتهم بأنفسهم، مما ينعكس إيجابياً على أدائهم الأكاديمي.
وبحسب التربوي ضرار الخامري فإنه لتحقيق تعليم جيد ومستقبل أفضل للطلاب اليمنيين، لا بد من تضافر جهود الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية لتحسين النظام التعليمي، من خلال تحديث المناهج الدراسية لتتناسب مع متطلبات العصر وسوق العمل، مع التركيز على المهارات العملية والتفكير النقدي.
كما يجب أن يتضمن ذلك تحسين بيئة التعليم، ودعم برامج التأهيل الجامعي، وإعادة تأهيل المدارس والجامعات المتضررة، وإطلاق مبادرات تعليمية مجتمعية، يضيف الخامري.
ختاما؛ تمثل الفجوة التعليمية بين المدرسة والجامعة في اليمن تحدياً كبيراً يواجه الأجيال الشابة ويؤثر على مستقبلهم الأكاديمي والمهني، ومع أن الوضع الحالي مليء بالصعوبات، فإن تحسين التعليم في اليمن يتطلب استراتيجيات طويلة المدى تستند إلى معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة.