يواجه المعلمون اليمنيون ظروفا صعبة جراء الحرب المستمرة في البلاد للعام العاشر تواليا، والتي تمخضت عنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ففي الوقت الذي يشكوا به المعلمون في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دوليا من تدني الأجور والمرتبات بسبب انهيار العملة المحلية؛ يواصل معلمو الجانب الآخر العمل بدون مرتبات بفعل مصادرة مستحقاتهم من قبل جماعة الحوثيين منذ انقلابها في العام 2014م.
وعلى الرغم من اختلاف الظروف التي يمر بها المعلم في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها أو مناطق سيطرة الحوثيين، إلا أن المأساة باتت واحدة، ودقت ناقوس الخطر بانهيار وشيك للمنظومة التعليمية بسبب التجريف المستمر للتعليم من قبل الحوثيين والظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها المعلم في أنحاء البلاد.
في المقابل، يرى مراقبون أن عدم التوصل إلى حل بين الأطراف اليمنية يفاقم من الأزمة الاقتصادية ويكبد السكان ضريبة مستمرة على مستوى حرمانه من أبسط الخدمات الأساسية التي من ضمنها "مجانية التعليم" المكفولة للجميع بموجب دستور البلاد.
تدني الأجور
تعاني شريحة المعلمين في مناطق نفوذ الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا من تدنٍّ كبير في الأجور نتيجة لانهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية؛ فعلى الرغم من ثبات الرواتب الأساسية، فإن القيمة الفعلية للراتب تراجعت بشكل كبير.
وقد أثر ذلك على وضع المعلم مما جعله غير قادر على تغطية احتياجات المعيشة الأساسية. فوفقًا لتقارير ميدانية، يبلغ متوسط راتب المعلم حوالي 60 ألف ريال يمني، وهو ما يعادل أقل من 30 دولارًا شهريًا بالأسعار الحالية.
في هذا السياق، يشكو منير الشميري مدرس مادة الرياضيات من أن راتبه البالغ 109 آلاف ريال يمني (ما يعادل 54 دولارا) لا يفي بمتطلبات الحياة كون ثلاثة أرباع المبلغ تذهب لإيجار المنزل الذي يسكن فيه مع أسرته المكونة من سبعة أشخاص وسداد فواتير الكهرباء والمياه.
ويضيف الشميري في حديثه لـ"المجهر" أن تدني قيمة الراتب الذي يتحصل عليه يجعله غير قادر على تحمل المصاريف الدراسية لأربعة من أبنائه اثنان منهما في الجامعة، الأمر الذي يفرض عليه التزامات أكبر، حد قوله.
ويؤكد مدرس مادة الرياضيات أن تفكير المعلم في توفير لقمة العيش وتلبية احتياجات أسرته تجعله مشغول الذهن فيتفرق جهده بين عملين أما في مدرستين أو في مدرسة وعمل آخر.
من جهتها، ترى آسية الكمالي مدرسة اللغة العربية أن تدني أجور المعلمين يؤثر تأثيراً سلبياً على معنويات المعلمين حيث يشعر المعلم بالخيبة والاحباط وغياب الأمن النفسي وغياب الرضا وقلة الانتاج والتقديم وعدم الرغبة في العمل، مشيرة إلى أن تأخر صرف المرتبات يؤثر على قدرة المعلم على التدريس.
وتضيف الكمالي في حديثها لـ"المجهر" أن التدريس فن وتأخر صرف مرتبات المعلمين يؤدي إلى غياب الشغف والقيمة في التدريس المتمثلة في اعداد الوسائل التعليمية المناسبة للدرس واختيار الوسائل والانشطة الخاصة به.
وتتساءل: كيف يعول معلم أسرة تحتاج إلى مأكل ومشرب ومسكن وتعليم ورعاية صحية؟ وكيف يستطيع توفير متطلبات الحياة في ظل تدني الأجور وارتفاع وغلاء المعيشة؟ وكيف سيقوم المعلم على التدريس والوقوف بين التلاميذ وبطنة خاوية؟
الموقف النقابي
يؤكد عبدالرحمن المقطري أمين عام نقابة المعلمين اليمنين أن "النقابة تنظر إلى الوضع الذي يمر به المعلم حاليا على أنه وضع غير طبيعي وغير مسبوق من الناحية المعيشية لأن متوسط راتب المعلم اليمني أصبح لا يوفر قيمة كيس دقيق وقطمة سكر ودبة زيت صغيرة".
ويضيف المقطري في حديثه لـ"المجهر" أن المعلم اليمني أصبح غير قادر على الإيفاء بمتطلبات الحياة الضرورية ومنها السكن والدواء، بينما المعلمون في كثير من البلاد يعيشون حياة معيشية توفر لهم الكرامة من حيث توفير احتياجاتهم الضرورية وغير الضرورية، حد قوله.
ويوضح أن نقابة المعلمين اليمنيين قامت بعدة مطالبات من أجل تحسين وضع المعلم اليمني ابتداءً بمذكرات التي تخاطب فيها المسؤولين بالسلطات المحلية والمركزية وقيادات الدولة والحكومة كما عملت بيانات ووقفات ومسيرات، لافتا إلى أن النقابة عقدت مؤخرا مؤتمر صحفي بالتنسيق مع مجلس تنسيق النقابات من أجل مباركة الخطوات الحكومية التي ذكرت أن لديها إصلاحات اقتصادية ومن ضمنها إصلاح الأجور والمرتبات.
ويشير أمين عام نقابة المعلمين اليمنيين إلى فرع النقابة بتعز بعث خلال عشرة أيام مذكرتين لمحافظ المحافظة رئيس مجلس محلي تضمنت المطالبة بزيادة فوق الراتب كحد أدنى 30 ألف ريال مماثلة بعدد من المحافظات التي أضافت للمعلم راتب أو حافز بجانب راتبه.
وبحسب المقطري فإن الزيادة التي أقرتها السلطات المحلية في المحافظات المحررة وكان أحدثها في عدن تختلف من محافظة إلى أخرى وتتراوح ما بين 30 إلى 60 ريال يمني (15-30 دولارا تقريبا).
ضعف المخرجات
انعكست الأزمة المعيشية للمعلمين بشكل سلبي على جودة التعليم في المدارس الحكومية، وبالتالي فإن نقص الكوادر المؤهلة، وغياب الاستقرار الوظيفي، وانشغال المعلمين بأعمال أخرى، أدى إلى تدني مستوى التعليم، وفق مراقبين.
وهو الأمر الذي تؤيده المعلمة آسية الكمالي بقولها: "نلاحظ تغيرا جذرياً في جودة التعليم فالمعلم أصبح لا يملك قيمة علبة حبر للخروج بملخص سبوري يستفيد منه التلاميذ ولا يمتلك قيمة وسيلة تعليمية تقرب المفاهيم الغامضة".
من جهته يقول عبدالرحمن المقطري : "لا شك أن تدني الأجور والمرتبات بل تأخر صرف المرتبات أصلا التي لم تعد تفي بالغالب ثلث احتياجات المعلم وأسرته يؤثر تأثيرا كبيرا على أداء المعلم أو المعلمة".
ويضيف أمين عام نقابة المعلمين اليمنيين في حديثه لـ"المجهر" أن المعلم قد يأتي إلى المدرسة ربما حافيا ودون إفطار وعليه الكثير من الديون والالتزامات والهموم وبالتالي يكون داخل الفصل شارد الذهن ومنكسر فلا يستطيع أن يقدم الدروس كما يجب".
ويشير إلى أن قلة استخدام المعلم للوسائل المعينة والموضحة لشرحه بسبب محدودية الإمكانات ينعكس سلبا على الطالب مما يؤدي في النهاية إلى ضعف المخرجات التعليمية.
امتهان أعمال أخرى
تحت ضغط الأوضاع المعيشية، لجأ الكثير من المعلمين إلى امتهان أعمال أخرى بجانب عملهم في التدريس أو بدلًا منه، يعمل بعضهم كبائعي قات، أو في مهن البناء، أو التجارة البسيطة، بينما اضطر آخرون إلى الهجرة الداخلية أو الخارجية بحثًا عن فرص عمل تدر دخلًا أفضل.
هذا التشتت في التركيز بين التدريس والمهن الأخرى أثر على أداء المعلمين داخل الفصول الدراسية، إذ يجدون أنفسهم منهكين وغير قادرين على تقديم المستوى المطلوب من التعليم، كما أدى ذلك إلى تراجع مستوى التحصيل العلمي لدى الطلاب، الذين باتوا ضحايا مباشرة لهذه الأزمة.
يشكو أحد الطلاب مفضلا عدم ذكر اسمه من غياب الكادر المؤهل في مدرسته نتيجة عزوف معظم المعلمين عن القيام بالتدريس وفرض بدلاء عنهم من خريجي الثانوية العامة للتفرغ لأعمال ومهن أخرى تساعدهم على مواجهة متطلبات المعيشة.
ويضيف الطالب في حديثه لـ"المجهر" أن مدرسيه الذين تلقى تعليمه على يدهم خلال السنوات الماضية لم يعد يراهم بعد أن اتجهوا للعمل في مهن مختلفة للحصول على بعض المال الذي يساعدهم في إعالة أسرهم.
إلى ذلك، يرى مراقبون أن تعيين بدلاء أدى إلى حدوث نقص حاد في أعداد الكوادر التعليمية المؤهلة داخل المدارس الحكومية، إذ لم يعد التدريس مهنة تجذب الشباب ما يؤثر بشكل مباشر على سير العملية التعليمية.
على طاولة الحكومة
بحسب نقابة المعلمين اليمنيين فإنه يتوجب على الحكومة المعترف بها العمل على وضع حلول لإيقاف تدهور العملة الوطنية، وتنفيذ بقية مراحل قانون أجور المرتبات رقم 43 للعام 2005 وتنفيذ الترقيات والترفيعات الموقوفة من بعد عام 2012 وصرف علاوات الأعوام 2021، 2022، 2023.
ويؤكد الأمين العام للنقابة عبدالرحمن المقطري أنه "إذا لم يتم عمل معالجات عاجلة لإيقاف التدهور المستمر للعملة الوطنية فإننا سنكون كمن ينفخ في قربة مثقوبة".
ويضيف المقطري أن أول المطالب التي تطرحها نقابة المعلمين على طاولة الحكومة هي العمل على تحرير النفط والغاز والموانئ البرية والبحرية والجوية وغيرها من الموارد من كل القيود، لضمان رفد خزينة الدولة، بالإضافة إلى تقليل المصروفات غير الضرورية وخاصة تلك التي تصرف بالعملة الصعبة لأشخاص في الخارج لا عمل لهم.
ويشير أمين عام نقابة المعلمين إلى أنه لابد من عودة قيادات الدولة والحكومة ومجلس النواب والشورى إلى الداخل، وتعديل مستحقاتهم لتصبح بالعملة المحلية، ليستشعروا معاناة المواطن، وكذلك، إصلاح قانون الأجور والمرتبات وتنفيذ قانون التأمين الصحي وصرف كل مستحقات المعلمين".
ويختتم المقطري حديثه بالقول :"رسالة النقابة للمعلم اليمني انت انسان عظيم وتؤدي رسالة الانبياء وعليك أن تبذل كل ما تستطيع نحو الجيل حماية وحفاظا على هذا الجيل ونحن من جانبنا سنعمل كل ما نستطيع من أجل أن تنال كافة حقوقك".
ختاما؛ يشكل انهيار العملة المحلية في اليمن تحديًا كبيرًا يهدد استقرار العملية التعليمية وجودتها، فالمعلمون، باعتبارهم ركيزة أساسية في المجتمع، يعانون من أزمة مزدوجة تتمثل في انخفاض القيمة الشرائية لرواتبهم وارتفاع تكاليف المعيشة.
ووفق مراقبين فإن هذه الأزمة تتطلب تدخلاً عاجلاً من قبل الحكومة والمجتمع الدولي والمنظمات المعنية لضمان استدامة التعليم وتحسين أوضاع المعلمين، بما ينعكس إيجابيًا على مستقبل الأجيال القادمة.