شهدت الأيام الثلاثة الماضية تحركات دبلوماسية مكثفة لمجلس القيادة الرئاسي وحكومته المعترف بها دوليا، شملت عقد رئيس المجلس وعدد من أعضاءه ومستشاره العسكري عدة لقاءت مع سفراء الدول الفاعلة في المنطقة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي اعتبره محللون سياسيون مؤشر على أن اليمن باتت على أعتاب مرحلة قادمة مع تصاعد الرغبة الدولية في القضاء على جماعة الحوثيين بعد فشل جهود وقف تهديداتهم للملاحة الدولية في البحر الأحمر.
وتزامن ذلك مع تحركات عسكرية ملحوظة للقوات الحكومية وتشديد قيادات عسكرية رفيعة على ضرورة رفع الجاهزية وحالة التأهب، في الوقت الذي أظهرت فيه جماعة الحوثيين المدعومة من إيران تعاملا مربكا مع الموقف، حيث حرصت على صرف الأنظار إلى عملياتها العسكرية التي تزعم أنها لنصرة غزة في محاولة للبحث عن قاعدة شعبية لها في ظل تصاعد الرفض المجتمعي لسلطات الجماعة نتيجة سياساتها القمعية.
الموقف الأمريكي
كشفت مصادر مطلعة أن الإدارة الأمريكية خاطبت خلال اليومين الماضيين سلطنة عمان والحكومة العراقية، حيث طلبت من الأولى طرد وفد الحوثيين المفاوض ومن الأخرى إغلاق مكتب الجماعة في بغداد، الأمر الذي يشير إلى اعتزام الولايات المتحدة تكثيف إجراءاتها ضد الجماعة المدعومة من إيران، بالتزامن مع تسريبات عن دراسة "البنتاغون" إعادة تصنيف الحوثيين كـ"منظمة إرهابية أجنبية".
وبدا الموقف الأمريكي بوضوح أكثر جدية هذه المرة، من خلال اللقاءات المنفصلة التي عقدها سفير واشنطن لدى اليمن، ستيفن فاجن، ومدير مكتب مكافحة الإرهاب لجنوب ووسط وشرق آسيا بوزارة الخارجية الأمريكية، مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، ونائبيه سلطان العرادة وعبدالرحمن المحرمي، ومستشاره العسكري الفريق محمود الصبيحي، ووزيري الخارجية والداخلية في الحكومة المعترف بها.
وركزت اللقاءات التي عقده المسؤولَين الأمريكيين في مجملها على "التهديدات المتصاعدة التي تشكلها جماعة الحوثيين على الملاحة والتجارة الدولية"، فيما تطلع الجانب اليمني إلى تلقي دعم دولي للقوات الحكومية لردع تهديدات الجماعة والتنظيمات المتخادمة معها.
وبحسب مراقبين فإن استخدام السفارة الأمريكية في اليمن عبارات «عدوان الحوثي على اليمن» و «مواجهة الحوثيين في اليمن» للتعبير عن اللقاءات الأخيرة يبدو غير مألوف ويحمل دلالات رمزية، إذ قد تكون مؤشرًا على تغييرات أو تحركات قادمة لمواجهة الحوثيين، بحكم أن المصطلحات التي يختارها الأمريكيون ليست عشوائية؛ بل تحمل دلالات تستحق التوقف عندها. حد وصفهم.
تعثر جهود السلام
في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي؛ حث المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ الأطراف اليمنية على الانخراط في تنفيذ خارطة الطريق مشددا على ضرورة "عزل اليمن عن تأثير المتغيّرات الإقليمية والشروع في تنفيذ خطوات بناء ثقة تنهي الانقسام الاقتصادي الذي يشهده اليمن منذ تسع سنوات".
تصريحات الوسيط الأممي أتت مناقضة لما أفصح عنه قبل الإحاطة بأسبوع حيث اعتبر أن اليمنيين لا يمكنهم انتظار خريطة طريق للسلام إلى ما لا نهاية، محذرا من انزلاق البلاد مرة أخرى في دوامة الحرب.
ويرى مراقبون أن جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن كان مصيرها الفشل كون جماعة الحوثيين لا تؤمن بالسلام وتضع نفسها في موقف قوة على الرغم من الضعف الذي بدأ يعتريها مؤخرا جراء تهاوي أذرع إيران في المنطقة العربية والتي كان آخرها سقوط نظام الأسد في سوريا.
إلى ذلك، تمسك مجلس القيادة الرئاسي وحكومته المعترف بها خلال اللقاءات الأخيرة بالمرجعيات الثلاث كشرط أساسي لأي جهود لتحقيق السلام في اليمن، دون الحديث عن "خارطة الطريق" التي لم يتم الإفصاح عن بنودها على الرغم من وجود تسريبات تشير إلى أن الخارطة تلغي المرجعيات، وهو ما يعني العودة إلى المربع الأول للتفاوض.
تحركات رسمية مكثفة
يؤكد مراقبون أن التحركات المكثفة التي بدأها المجلس الرئاسي والحكومة مؤخرا، والتي تمثلت بسلسلة لقاءات مع سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا؛ ليست عفوية بل تكشف عن مرحلة قادمة ربما تغير أحداثها واقع البلاد بعد عشر سنوات من الحرب.
الموقف الحكومي شدد في مجمله على ضرورة اتخاذ موقف دولي موحد ورادع لوقف تهديدات الحوثيين المستمرة للأمن الإقليمي والدولي، داعيا إلى فرض عقوبات دولية ضد قيادات الجماعة وداعميها، والعمل على تجفيف مصادر تمويلها وملاحقة شركات وشبكات تهريب الأسلحة والمخدرات وغسيل الأموال التي تستغلها الجماعة لتمويل أنشطتها.
كما اعتبر أن المواقف الدولية الناعمة شجعت جماعة الحوثيين خلال الفترة الماضية على الاستمرار في تصعيدها وشن هجماتها على السفن التجارية، ومواصلة ممارساتها العدائية، التي باتت تمثل تهديداً مباشراً على أمن الملاحة الدولية واستقرار المنطقة.
وأكدت الحكومة المعترف بها أن استمرار الدعم الإيراني لجماعة الحوثيين بعد سقوط أذرعها في سوريا ولبنان "يُهدد المكتسبات التي تم تحقيقها، ويعيد الأوضاع إلى المربع الأول، ويعرض أمن المنطقة والعالم للخطر"، مشيرة أنه لا معنى للحديث تقويض الخطر الإيران في المنطقة في ظل استمرار تهديدات وكيلها في اليمن (الحوثيون) لحركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، والتحكم بسلاسل التوريد العالمية في أحد أهم الممرات البحرية، مما يشكل تهديدا للأمن والسلم الإقليمي والدولي ومصالح العالم بأسره.
فيما كشف مصدر حكومي مطلع عن اجتماع مرتقب للمجلس الرئاسي بجميع أعضائه اليوم الثلاثاء في العاصمة السعودية الرياض لمناقشة جهود إنهاء الحرب وإحلال السلام في اليمن، لافتا إلى أن اجتماعا آخر سيضم المجلس مع سفراء الدول الغربية لبحث جهود المجتمع الدولي لإسناد الحكومة المعترف بها لإنهاء الأزمة في البلاد.
رفع حالة التأهب
على الصعيد العسكري، نفذ رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، الاثنين، زيارة إلى مقر قيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية في اليمن، مستمعا إلى "آليات التنسيق المشتركة، وبرامج التعاون الثنائية لتعزيز قدرات القوات المسلحة اليمنية في الحفاظ على الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، والتهريب، والجريمة المنظمة". بحسب وكالة الأنباء الحكومية (سبأ).
في حين أكد عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد طارق صالح خلال اجتماع عقده بقيادات عسكرية في مدينة المخا الساحلية غربي تعز؛ استعداد القوات الحكومية لخوض "معركة الخلاص" ضد الحوثيين، لافتا إلى أن صنعاء سيتم تحريرها من وكلاء إيران كدمشق.
ومطلع الأسبوع الجاري، عاد وزير الدفاع الفريق الركن محسن الداعري إلى العاصمة المؤقتة عدن بعد زيارة وُصفت بأنها "مهمة" إلى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وبحسب المركز الإعلامي للقوات المسلحة اليمنية، فقد التقى الوزير الداعري خلال زيارته للرياض وأبوظبي عدد من مسؤولي البلدين، وبحث مع قيادة قوات تحالف دعم الشرعية "تعزيز التعاون ودعم القوات المسلحة بما يمكنها من القيام بمهامها في تحقيق الأمن والاستقرار ومحاربة التنظيمات الإرهابية".
من جهته، أوعز مستشار وزير الدفاع قائد القوات البحرية والدفاع الساحلي الفريق الركن عبدالله سالم النخعي، الاثنين، إلى قواته برفع مستوى "الجاهزية القتالية والفنية العالية"، مؤكدا استعداد وحدات وتشكيلات وقواعد القوات البحرية " لتنفيذ المهام الموكلة اليها من القيادة السياسية والعسكرية وقيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الاركان العامة".
وفي وقت سابق، السبت، تحدث رئيس أركان المنطقة العسكرية السادسة العميد محمد بن راسيه عن جاهزية قوات الجيش الوطني لـ" خوض معركة فاصلة لاستعادة المناطق والمحافظات من قبضة مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران".
مخاوف حوثية
التطورات المتسارعة في المنطقة جعلت جماعة الحوثيين التي تصنفها الولايات المتحدة الأمريكية كـ "كيان إرهابي مصنف تصنيفا خاصا"، تعيش حالة من الخوف والتخبط، حيث لم تتوانى الجماعة بعد سقوط نظام الأسد في وصف المرحلة التي تمر بها اليمن بـ"الخطيرة".
لكن الجماعة ذاتها تحاول التغلب على حالة الضعف التي تمر بها من خلال إطلاق التحذيرات من أي تحرك دولي ضدها، مهددة بمئات الآلاف الذين تم تجنيدهم العام الماضي ضمن هجمات الجماعة في البحر الأحمر التي تزعم بأنها "لنصرة غزة".
التخبط في مواقف الحوثيين بدا واضحا في تصريحات الناطق الرسمي للجماعة ورئيس وفدها المفاوض محمد عبدالسلام، الذي ذهب للقول بأن الوضع في اليمن يختلف كليا عما حدث في سوريا، بزعم أن فصائل المعارضة سيطرت على البلاد دون مواجهة.
وحاول ناطق الحوثيين طمأنة أتباع جماعته بأنها "ليست قلقة" مما يحدث في المنطقة، ملوحا بأن أي هجوم على جماعته يعني إشعال حرب نارية في المنطقة كلها، وهي تصريحات دأبت عليها الجماعة المدعومة من إيران في حال وصولها إلى طريق مسدود، وفق مراقبين.
ومع زيادة التكهنات حول عملية عسكرية قادمة قد تشنها القوات الحكومية في أي لحظة ضد الحوثيين؛ تذهب الجماعة بعيدا للحديث عن استعدادها لمواجهة ما أسمته "عدوان أمريكي إسرائيلي" في محاولة يائسة لاستعطاف اليمنيين وإيهامهم بمشروعية حربها العبثية بعد استنفاد معظم خياراتها.
اقرأ أيضا: بعد سقوط ذراعها في سوريا.. هل حان الوقت لقطع ذراع إيران في اليمن؟ (تقرير خاص)