شرعنة القمع.. مساع حوثية لإصدار قانون جديد للصحافة في اليمن (تقرير خاص)

شرعنة القمع.. مساع حوثية لإصدار قانون جديد للصحافة في اليمن (تقرير خاص)

تسعى جماعة الحوثي الإرهابية إلى إقرار قانون جديد للصحافة، يستبدل قانون الصحافة والمطبوعات رقم (25) للعام 1990، بهدف تقييد حرية التعبير وتكريس سيطرتها الإعلامية، حيث كشفت مصادر مطلعة، عن تحركات تقوم بها الجماعة عبر ما يسمى بوزارة الإعلام في صنعاء لإعداد مشروع قانون جديد للصحافة.

تأتي هذه الخطوة في سياق مساعي جماعة الحوثيين المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية لتطويع القوانين بما يتناسب مع أجندتها القمعية والطائفية، مما يثير مخاوف من زيادة قمع الحريات الصحفية وتضييق مساحة التعبير في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

 

ملامح القانون الجديد

 

بحسب مصادر إعلامية ونقابية فإن الهدف الرئيسي من استحداث جماعة الحوثيين لقانون جديد هو تضييق الخناق على الإعلاميين والمؤسسات الصحفية في مناطق سيطرة الجماعة، ومنع أي أصوات معارضة أو مستقلة.

وأوضحت المصادر أنه من المتوقع أن يحتوي القانون الجديد على نصوص فضفاضة تُجرّم انتقاد الجماعة أو الكشف عن ممارساتها، ويمنح السلطات التنفيذية حق التحكم المطلق في إصدار تراخيص الإعلام ومراقبة المحتوى، مما يشكل انتهاكًا صارخًا لحرية الصحافة والتعبير.

هذه التحركات تأتي رغم وجود مسودة قانون حديثة أُعدت في عام 2010 بمشاركة نقابة الصحفيين اليمنيين وخبراء قانونيين محليين ودوليين، وكانت تلك المسودة تهدف إلى تحسين بيئة العمل الصحفي وتعزيز حرية التعبير، إلا أنها لم تُقر بسبب الوضع السياسي المتوتر في البلاد، وفق المصادر ذاتها.

في السياق؛ يرى جمال أنعم، رئيس لجنة الحقوق والحريات في نقابة الصحفيين اليمنيين، أن جماعة الحوثيين تسعى لتثبيت سلطتها كأمر واقع من خلال إجراء تغييرات في الأطر القانونية المستندة إلى دستور الجمهورية اليمنية، رغم افتقارها إلى الشرعية الدستورية لإصدار هكذا قوانين. 

وأشار أنعم في حديثه لـ"المجهر" إلى أن هذه التعديلات تهدف إلى منح الإجراءات الحوثية القمعية ضد حرية التعبير والصحافة والإعلام غطاءً قانونيًا، حتى وإن كانت هذه المرجعية بلا أساس شرعي.

وأضاف أن الحوثيين يعملون على إنشاء منظومات تشريعية خاصة تتماشى مع ممارساتهم، بهدف خلق حالة من الانسجام بين أفعالهم ومرجعياتهم القانونية. معتبرا هذا التوجه يشكل خطرًا كبيرًا. 

واختتم الصحفي جمال أنعم في حديثه بالتأكيد على أن إصدار الحوثيين لقانون جديد بشأن الصحافة يكشف عن إصرار الجماعة على الاستمرار في مسار يتعارض كليًا مع مبادئ الحقوق والحريات، كما يهدد أي أمل بتحقيق السلام المنشود أو نجاح مسارات التفاوض.

 

بيئة طاردة للعمل الصحفي

 

يمارس الحوثيون سياسة ممنهجة لإخضاع الصحافة، إذ يُنظر إلى الإعلام كأداة دعائية لا كوسيلة لنقل الحقيقة، حيث يواجه الصحفيين الذين يعملون في مناطق سيطرة الجماعة يواجهون ضغوطًا هائلة، ما يدفعهم غالبًا إلى ممارسة الرقابة الذاتية لتجنب الانتقام.

هذه السياسات أدت إلى اختفاء الصحافة الحرة بشكل شبه كامل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ما يجعل وسائل الإعلام هناك تعمل بحذر شديد وفق السياسات التي ترسمها سلطات الجماعة وبما يخدم أهدافها كون أي مخالفة قد تعرض الصحفي للقمع والمؤسسة للإغلاق.

الصحفي سليمان (اسم مستعار) أحد الصحفيين المتواجدين في العاصمة المختطفة صنعاء الخاضعة للحوثيين يؤكد أن العمل الصحفي في مناطق سيطرة الجماعة أصبح مهنة خطرة ما دفعه والعديد من زملاءه إلى البحث عن أعمال أخرى على الرغم من تخرجهم من قسم الصحافة بكلية الإعلام التابعة لجامعة صنعاء.

ويضيف في حديثه لـ"المجهر" أن حرية الصحافة في تدهور كبير بسبب ممارسات الحوثيين القمعية ما أسفر عن جيل جديد من الدخلاء على المهنة دفعت بهم الجماعة إلى الواجهة وتستخدمهم لتمرير أهدافها في ظل سياسة اللون الوحيد، بل وصل بها الأمر إلى أن تجعل منهم أداة لشرعنة انتهاكاتها ضد صحفيين آخرين غير موالين لها.

ويؤكد سليمان الذي فضل الإشارة إليه باسم مستعار، أن أول من تبنى الترويج لإصدار قانون جديد للصحافة والمطبوعات هي قناة الهوية التي يملكها محمد العماد المعروف بعلاقاته الواسعة مع قيادات الحوثيين، علاوة عن كونه أحد الوجوه البارزة في الماكينة الإعلامية التي يملكها الحوثيون.

وقد أفردت قناة الهوية عدة لقاءات وحلقات للترويج عن القانون الحوثي الجديد، بزعم أن قانون الصحافة والمطبوعات رقم (25) للعام 1990م، "عفى عليه الزمن" ولم يعد يتناسب مع الواقع الذي تفرضه المرحلة، يقول سليمان. 
 


عقد من القمع

 

منذ أن فرض الحوثيون سيطرتهم على صنعاء في عام 2014، شهدت الصحافة اليمنية تراجعًا غير مسبوق في حرية التعبير. حيث تشير تقارير صحفية وحقوقية إلى أن الانتهاكات التي ارتكبها الحوثيون ضد الصحفيين والإعلاميين تجاوزت 1800 حالة بين عامي 2014 و2024.

وبهذا الصدد؛ يرى محمد إسماعيل، مدير مرصد الحريات الإعلامية في اليمن، بأن إصدار جماعة الحوثيين لأي قانون جديد للصحافة والمطبوعات يُعد إجراءً غير قانوني، مؤكدًا أن الجماعة تفتقر إلى الصفة الشرعية لاتخاذ مثل هذه الخطوات. 

وأوضح إسماعيل في حديثه لـ"المجهر" أن الإحصائيات التي وثقها المرصد خلال السنوات العشر الماضية تُظهر أن الحوثيين مسؤولون عن أكثر من 1881 انتهاكًا، أي ما يعادل 72% من إجمالي الانتهاكات المسجلة ضد الصحافة والإعلام في البلاد، والتي بلغت 2600 حالة.

وأشار إلى أن هذه الانتهاكات تشمل السجن، الملاحقة، الاختفاء القسري، وحجب المواقع الإلكترونية. وأضاف أن أربعة صحفيين لا يزالون رهن الاعتقال في سجون الجماعة، بينهم صحفي واحد في حالة اختفاء قسري.

وأكد مدير مرصد الحريات الإعلامية في اليمن أن المنظمة تسعى جاهدة لضمان بيئة إعلامية صحية في اليمن، تُحترم فيها حرية الصحافة والتعبير، من خلال توثيق الانتهاكات والدفاع عن حقوق الصحفيين، بالإضافة إلى توفير الحماية لهم في مواجهة الممارسات القمعية.

 

انتهاكات ممنهجة

 

خلال عشر سنوات من الحرب في اليمن، تصاعدت الانتهاكات الحوثية ضد الصحفيين، حيث احتجزت الجماعة مئات الصحفيين دون توجيه تهم واضحة أو بمحاكمات غير عادلة، ولا يزال بعضهم يقبع في السجون منذ سنوات.

كما تم الإبلاغ عن حالات اختفاء قسري لعدد من الصحفيين، استخدمت كوسيلة لإرهاب الإعلاميين وعائلاتهم. وفي خطوة غير مسبوقة، أصدرت المحاكم الخاضعة لسيطرة الحوثيين أحكامًا بالإعدام على عدد من الصحفيين، كان أبرزها الأحكام بحق أربعة صحفيين في عام 2020، وبفعل الضغوط الدولية، تم الإفراج عنهم لاحقا ضمن صفقة تبادل. 

إضافة إلى ذلك، أغلقت الجماعة المدعومة من إيران عشرات المؤسسات الإعلامية أو صادرتها، وأجبرت بعضها على تغيير سياساتها التحريرية لتتماشى مع أجندتها.

الصحفيون في مناطق سيطرة الحوثيين تعرضوا أيضًا لاعتداءات جسدية مباشرة وتهديدات بالقتل، مما دفع الكثير منهم إلى مغادرة البلاد أو التوقف عن العمل. كما فرضت الجماعة رقابة مشددة على الإنترنت، وحجبت مئات المواقع الإخبارية، ومنعت الصحفيين من تغطية الأحداث بحرية.

ووفقًا لتقرير صادر عن نقابة الصحفيين اليمنيين، شهد عام 2024 تسجيل 101 انتهاك ضد الصحافة، منها 45 حالة ارتكبها الحوثيون، بينما توزعت بقية الانتهاكات بين الأطراف الأخرى، وشملت: اعتقالات تعسفية وتهديدات ومحاكمات صورية.

 

مخاوف محلية ودولية

 

أثارت تحركات الحوثيين لإصدار قانون جديد للصحافة مخاوف محلية ودولية، حيث أدانت نقابة الصحفيين اليمنيين مرارًا وتكرارًا ممارسات الجماعة القمعية ضد الإعلاميين، وناشدت المجتمع الدولي التدخل لوقف هذه الانتهاكات، والضغط للإفراج عن جميع الصحفيين المعتقلين وإنهاء سياسة تكميم الأفواه.

منظمات مثل "مراسلون بلا حدود" و"هيومن رايتس ووتش" أكدت أن اليمن، وبخاصة المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تعاني من بيئة إعلامية خانقة وغير آمنة. وطالبت هذه المنظمات بفرض عقوبات على المسؤولين عن الانتهاكات بحق الصحفيين.

ورغم الجهود الأممية لإيجاد حلول سياسية للأزمة اليمنية، لا يزال ملف الحريات الصحفية مغيبًا عن طاولة المفاوضات، ما يخلق بيئة غير آمنة للعمل الصحفي في البلاد في تصاعد المخاطر وغياب أساليب الحماية للصحفيين.

ختاما؛ توجه الحوثيين لإقرار قانون جديد للصحافة يمثل تهديدًا خطيرًا لحرية التعبير في اليمن، ويعكس نيتهم ترسيخ سيطرتهم الإعلامية على حساب حقوق الصحفيين، الأمر الذي يستدعي مقاومة هذه التوجهات، والسعي لتحقيق العدالة للصحفيين الذين دفعوا ثمن الحقيقة بأغلى ما يملكون.