فارس الحباري.. يد الحوثيين لنهب مقدّرات ريمة (تقرير خاص)

فارس الحباري.. يد الحوثيين لنهب مقدّرات ريمة (تقرير خاص)

منذ انقلاب جماعة الحوثي الإرهابية على السلطة الشرعية في اليمن عام 2014، أحكمت الجماعة المدعومة من إيران سيطرتها على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات شمال البلاد، بما في ذلك محافظة ريمة غربي اليمن.

وقد شرعت الجماعة منذ ذلك الحين في ممارسة أبشع الانتهاكات بحق المواطنين ونهب مقدرات المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، وكانت إحدى أبرز مظاهر هذا الفساد تعيين تاجر السلاح المعروف، فارس الحباري، محافظًا لمحافظة ريمة مكافأة له على خدماته للجماعة.

 

هيمنة عائلية مطلقة

 

بعد تعيينه، قام فارس الحباري بتعيين أقاربه في المناصب الحساسة داخل المحافظة. شملت هذه التعيينات شقيقه حاشد الحباري مديرًا لإدارة أمن المحافظة، وشقيقه معين الحباري مديرًا لإدارة المرور وقائدًا للشرطة العسكرية. 

كما عين جلال الحباري مديرًا لمكتبه ليصبح القائم بأعمال المحافظة فعليًا. وتسببت هذه السيطرة العائلية في إقصاء الكوادر المحلية من العمل في الأجهزة الأمنية والعسكرية، ما عزز من تحكم الأسرة في مقدرات المحافظة.

وإثر ذلك، أبدى أبناء محافظ ريمة استياء شديدا من ممارسات الحباري معتبرين أنه يد الحوثيين الطولى لنهب مقدرات المحافظة وتسخيرها لخدمة أفراد السلالة علاوة على تعيين أقاربه بشكل غير قانوني في مناصب عدة مما حول المحافظة إلى إقطاعية خاصة بدعم من جماعة الحوثيين.

 

تعطيل المشاريع ونهب الموارد

 

تعد انتهاكات الحباري في محافظة ريمة متعددة الأوجه، حيث أن تجاوزاته لم تقتصر على السيطرة العائلية، بل امتدت لتعطيل المشاريع الخدمية والصحية والسطو على نفقاتها التشغيلية.

كما قام بتعيين موالين له في المناصب الإدارية، متجاهلًا الكفاءات المحلية، وتعامل مع المحافظة كأنها ملكية خاصة له ولعائلته. 

علاوة على ذلك، افتتح الحباري منافذ جديدة لجني الأموال وابتزاز المواطنين تحت مسميات مختلفة، مثل فرض ضرائب ورسوم غير قانونية.

 

القطاع الصحي.. فساد ممنهج

 

يُعتبر القطاع الصحي في محافظة ريمة من أبرز القطاعات التي تعرضت للنهب على يد الحباري وأعوانه، ويبرز مشروع "رأس المال البشري"، الممول من منظمة اليونيسف، كأحد أكبر الشواهد على ذلك. 

يغطي المشروع النفقات التشغيلية لـ 100 مرفق صحي في المحافظة، لكنه تحول إلى وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية للحباري، الذي قام بتزوير بيانات إدراج أسماء وهمية في قوائم المشروع وتحويل مستحقاتهم إلى حساباته الشخصية. كما فرض على مديري المرافق الصحية توريد نصف النفقات الشهرية إلى مالية المحافظة التي يسيطر عليها.

إضافة إلى ذلك، أوقف الحباري الخدمات الصحية المجانية التي كان يقدمها المشروع، مثل توفير الأدوية وتغطية نفقات الفحوصات الطبية، وحولها إلى خدمات مدفوعة، حتى الأجهزة الطبية الحديثة التي قدمتها اليونيسف، تعرضت للسرقة والبيع.

 

نهب المساعدات الإنسانية

 

امتدت يد الحباري وأسرته إلى المساعدات الإنسانية التي كانت تقدمها المنظمات الدولية والحكومة المحلية. ففي أغسطس/ آب 2024، استحوذ الحباري على 170 مليون ريال يمني (ما يعادل 300 ألف دولار أمريكي) كانت مخصصة لتعويض المتضررين من السيول. 

وقد تسببت السيول في تهدم أكثر من 430 منزلًا في المحافظة وتضرر الطرق الرئيسية والفرعية.

 ورغم ضخامة حجم الكارثة، لم تصل المساعدات إلى مستحقيها. وبدلًا من ذلك، عُين صالح الكسمي، المعروف بفساده، مديرًا للوحدة التنفيذية لإنشاء وصيانة الطرقات ليقوم بتمرير عمليات النهب.

فرض الجبايات وقمع المعارضين

 

أنشأ الحباري ما يسمى بـ"الوحدة التنفيذية لضريبة مبيعات القات"، وهي هيئة تُفرض من خلالها مبالغ مالية كبيرة على بائعي القات، وقد وُزعت فروع هذه الوحدة على مداخل المديريات، لتدر يوميًا ملايين الريالات التي تُحول مباشرة إلى حسابات الأسرة. 

ولم تقتصر عمليات النهب على ذلك، بل أسست جماعة الحوثيين أيضًا "الهيئة العامة للزكاة"، والتي استغلت مظلة الزكاة لابتزاز المواطنين، حيث تم فرض مبالغ مالية كبيرة على الممتلكات الشخصية، بما في ذلك الأبقار والمواشي وحتى الثروة الزراعية.

رافق عمليات الفساد والنهب قمع ممنهج للأصوات المعارضة، ففي مايو/آيار 2022، أصدر الحباري أوامر باعتقال الناشط الحقوقي منصور الدروبي بسبب منشور له على فيسبوك طالب فيه بمعالجة ملفات الفساد في المحافظة. 

احتُجز الدروبي لمدة خمسة أشهر، بينما تم توجيه اتهامات باطلة لآخرين من أبناء المحافظة، مثل "زعزعة الأمن" و"التخابر مع دول العدوان".وفق مصادر محلية وحقوقية.

 

إقصاء متعمد

 

في وقت سابق، ظهر القيادي الحوثي عبدالسلام جحاف، عضو مجلس الشورى المعين من قبل الحوثيين، في مقطع فيديو متداول يشكو مما وصفه بـ"التهميش" و"الإقصاء" الذي يتعرض له أبناء محافظة ريمة على يد قيادات بارزة في الجماعة تنتمي إلى محافظة صعدة.

وأكد جحاف أن أبناء ريمة يعاملون كمواطنين من "الدرجة الخامسة"، متهماً بعض القيادات، وعلى رأسها محافظ ريمة فارس الحباري، المنتمي إلى مديرية أرحب، بتهميش أبناء المحافظة وتعمد إذلالهم. 

وأوضح أن الحباري قام بتعيين مقربين منه في مناصب قيادية في المحافظة، إلى جانب تنفيذ حملات اعتقال طالت مقاتلين من أبناء ريمة المنضويين في صفوف الجماعة.

وأشار جحاف إلى أنه حاول التواصل مع مكتب زعيم الجماعة، إضافة إلى ما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى" و"المكتب السياسي" للمطالبة بإنصاف أبناء ريمة، إلا أن مطالبه لم تلقَ استجابة.

 

انتهاكات مستمرة

 

يقول الناشط سليم المختاري في حديثه لـ"المجهر"، تعليقًا على هذه الممارسات: "أبناء ريمة لا يطالبون فقط بإطلاق سراح المعتقلين، بل بتغيير المحافظ الذي لا يمثل المحافظة، مركز المحافظة، الجبين، بات يعج بموظفين من خارج ريمة، بينما أُقصي أبناؤها من المناصب الإدارية".

وأضاف: "العمل في المحافظة يُدار فعليًا من قبل جلال الحباري، مدير مكتب المحافظ. يمارس جلال أبشع الانتهاكات بحق المواطنين، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والتهم الملفقة، مثل التجنيد لصالح دول العدوان".

من جانبه، كشف الصحفي حافظ مراد عن تصاعد انتهاكات ميليشيا الحوثي بحق المواطنين في محافظة ريمة، حيث صادرت المساعدات الإغاثية المقدمة للأسر الأشد فقراً في مديرية السلفية وخصصتها لعناصرها، مما حرم المستحقين منها، وفقاً لكشوفات الإغاثة المتداولة.

وأشار مراد إلى أن الانتهاكات لم تتوقف عند نهب المساعدات، بل امتدت إلى القطاع التعليمي، حيث افتتحت الجماعة مدارس تحمل اسم "صريع الكهف"، في خطوة تهدف إلى نشر فكرها الطائفي ومحاولة استنساخ التجربة الإيرانية في التعليم، وهي تجربة وصفها بأنها "فاشلة في بيئة متحررة ونقية"، كما قامت بتغيير أسماء عشرات المدارس وإطلاق أسماء قيادات تابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله عليها.

وفي سياق آخر، أوضح مراد أن الجماعة المدعومة من إيران شنت حملة اعتقالات واسعة في محافظة ريمة على خلفية الاحتفالات بذكرى ثورة 26 سبتمبر، حيث اعتقلت أكثر من 170 شخصاً، من بينهم الناشطان أسامة المنتصر ويوسف الجبل، اللذان كانا يوثقان الحياة الريفية في ريمة.

وتم احتجازهما في 25 سبتمبر/أيلول 2024، بسبب مقاطع فيديو وصور نشراها سابقاً لتجمعات ومسيرات مجتمعية خلال تغطيتهما لدوري رياضي في مديرية السلفية، حيث ظهرت مشاهد لأشخاص يحملون العلم الوطني، وهو ما اعتبرته الجماعة "تواصلاً مع وسائل إعلامية معادية".

وأكد مراد أن جماعة الحوثيين تدرك الأهمية الاستراتيجية لمحافظة ريمة، نظراً لموقعها المطل على البحر الأحمر وطريق التجارة الدولي، إلى جانب بسالة رجالها وارتباطهم بالهوية الوطنية.

واعتبر الصحفي حافظ مراد أن الجماعة تحاول استقطاب بعض أبناء المحافظة إلى مشروعها "التدميري والعنصري"، لضمان بقائها وترسيخ نفوذها.

ختاما؛ إن استمرار نهب مقدرات محافظة ريمة من قبل أسرة الحباري يشكل تهديدًا وجوديًا على حياة المواطنين ومستقبل المحافظة، ويمثل الفساد المستشري عائقًا كبيرًا أمام أي جهود للتنمية والاستقرار، بحسب مراقبين. 

ويؤكد المراقبون أن القضاء على هذا الفساد ومحاسبة مرتكبيه هو الحل الوحيد لتحقيق العدالة والتنمية في المحافظة. دون ذلك، ستظل ريمة تحت وطأة المعاناة والجروح الاجتماعية العميقة بفعل استمرار سيطرة الحوثيين عليها.