تقرير خاص
منذ أن اجتاحت جماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا، العاصمة صنعاء وانقلبت على الدولة الشرعية، قبل ثمان سنوات من الآن، مرورًا بتدخل التحالف الذي تزعّمته السعودية، وما لحق ذلك من أحداث وتغيّرات عسكرية وسياسية، ظلّ اليمن يتجه إلى المجهول، تتقاذفه مصالح اللاعبين الإقليميين والدوليين، وسط غياب لسلطات الدولة العليا، وتفاقم لأوجاع ومعاناة المواطنين.
عقب تدخل التحالف الذي تقوده السعودية في 26 مارس 2015، كان اليمنيون يعتقدون أن المعركة ستسير كما يرون ويأملون، ووفقًا للأهداف المعلنة لعاصفة الحزم، وصولًا إلى استعادة صنعاء وإنهاء الانقلاب الحوثي وبسط نفوذ الدولة في أرجاء اليمن، غير أن الوضع في البلد مضى في طريق مجهول وبلا أفق، عكس المأول وخارج التوقعات، مخلّفًا المزيد من الأزمات والمعاناة.
ومع مرور سنوات الحرب، من الأولى حتى الثامنة، كان المشهد اليمني يزداد تعقيدًا، ليتحول إلى ساحة صراع إقليمي، وسط اتهامات للرئاسة والحكومات المتعاقبة بعدم القيام بالمسؤوليات والمهام المنوطة بها، وبما يحتاجه الوضع، وهو ما يؤكده واقع الحال في البلد، سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا ودبلوماسيًا.
لماذا طالت الحرب في اليمن..؟
يتفق الجميع على أن الوضع في اليمن خرج عن سيطرة اللاعبيين المحليين، وأصبحت اليد الطولى في المشهد اليمني للمؤثرين الإقليميين والدوليين، وطالت فترة الحرب بصورة لم تكن متوقعة، نظرًا لفشل السلطات العليا في الدولة.
الباحث السياسي ورئيس مركز أبعاد للدراسات، عبدالسلام محمد، يرى أن هناك عدد من العوامل تسببت وأسهمت في إطالة أمد الحرب في اليمن، لافتًا إلى أن السبب الرئيسي هم اليمنيون أنفسهم، وبالذات الحكومة اليمنية، التي لم تستطع أن تقف على أقدامها وتتحرك وتعلن الطوارئ وتدخل في حالة حرب حاسمة مع الحوثيين إطلاقًا، ومكثت طول الفترة الماضية في الاعتماد على التحالف العربي، ومارست "التكتكة السياسية" باتجاه التحالف وباتجاه الحوثيين، ولم يكن هناك أي قرار جريء لحالة حرب، لا تشكيل حكومة حرب ولا إعلان طوارئ ولا إدخال الحوثيين من وقت مبكر في قائمة الإرهاب ، ولا التحرك على المستوى الدولي والدبلوماسي إلا مؤخرا وبشكل بسيط جدا.
يضيف عبدالسلام ل (المجهر)، أن العامل الثاني لإطالة الحرب يتمثل في أن التحالف لا يريد حسم المعركة، وذلك لاختلاف المكونات اليمنية واعتقاده بعدم وجود بديل واضح للحكم، إضافة إلى أن التحالف لديه ملفات متعددة مع المجتمع الدولي وحالة الحسم تجعل الأخير يستخدم هذه الورقة ضد التحالف، من خلال إبراز الصورة الإنسانية بشكل أكبر مما هي عليه، بهدف الابتزاز في هذا الجانب.
كما يُعد دخول إيران على خط المواجهة ودعم الجماعة الحوثية بقوة بالسلاح وإمدادها والوقوف معها، من أبرز العوامل المؤدية لطول فترة الحرب، حيث تحول الحوثيون من مليشيات بسيطة بدائية إلى مليشيا متطورة تمتلك الدرونز والطائرات الباليستية، وفق رئيس مركز أبعاد للدراسات.
في حين يتمثل العامل الرابع، الذي تحدث عنه عبدالسلام، بالمجتمع الدولي نفسه، فالأمم المتحدة ترى في الأزمة الإنسانية قناة مالية مهمة جدا لرفد موازنتها سنويا من قبل دول التحالف النفطي، السعودية والإمارات.
استهانة الحكومة بالخطر الحوثي
فيما يرى الكاتب الصحفي سلمان المقرمي، أن "الاستهانة بالحوثي وإيران هو الخطر الرئيسي، وهو ما سبب طول أمد الحرب"، مشيرًا إلى أنه "يجب التعامل مع الحوثي على أنه عدو خطير ينبغي القضاء عليه بأسرع وقت".
وقال المقرمي ل (المجهر)، إن الاستهانة بالخطر الحوثي، جاء أصلا من الحكومة، في السنوات السابقة لسقوط صنعاء، واستمرت إلى ما بعد سقوط صنعاء، وعندما تدخل التحالف، بدلا من أن تقوم الحكومة بواجبها، عولت على التحالف القيام بمهامها.
لكن الباحث عبدالله اسماعيل، يعتقد أن "هناك أسباب متداخلة لإطالة أمد الحرب، محلية ودولية"، لافتًا إلى أن هناك إشكالات وتباينات في الصف المناوئ لجماعة الحوثي، وما دامت هذه التباينات موجودة فالحرب ستطول .
وأضاف عبدالله إسماعيل في تصريحه ل (المجهر)، أن الأمر الآخر في إطالة فترة الحرب، رؤية الحلفاء للموازنة بين الخطر الذي تمثله جماعة الحوثي، وبين الضغوط الدولية التي تمارس على الإقليم، مشيرًا إلى أن العامل الثالث هو العامل الدولي.
ومن وجهة نظر الكاتب والباحث السياسي نبيل البكيري، فإن النخبة السياسية هي السبب الأول والرئيسي في وصول اليمن إلى هذه المرحلة، فهي نخبة صنعت على عجل، لا علاقة لها بالنضال، إنما تم صناعتها صناعة واحترافا لأداء هذه المهمة وهذا الدور، وبالتالي تم اختيار هذه النخب منذ مؤتمر الحوار الوطني حتى هذه اللحظة، لتسهيل مهمة تفكيك اليمن وتجزئتها وتجاوز فكرة 11 فبراير.
وأشار البكيري في حديثه ل (المجهر) إلى أننا اليوم "بحاجة ألا نعول على هذه النخب وأن نسعى لإبراز نخب جديدة، نخب صادقة وموجودة في الميدان، لم تغير ولم تبدل مواقفها فيما يتعلق بالثوابت الوطنية المتمثلة بالدولة، الجمهورية، الوحدة، الديمقراطية، هذه الثوابت الوطنية التي يجب أن يشتغل عليها الناس".
تجريف للتعليم وتفخيخ للأجيال.. ما خطورة تحريف الحوثيين للمناهج الدراسية؟ “تحقيق خاص”
"معركة متوقفة"
شهدت سنوات الحرب الماضية، معارك عسكرية ضارية بين الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من جهة، والمليشيا الحوثية من جهة أخرى، حقق فيها الأول تقدمات كبيرة على حساب الثاني وحرر مناطق واسعة، بإسناد من طيران التحالف الذي تقوده السعودية، غير أن الأجندة والحسابات الضيقة أعاقت التقدمات وعرقلة عربة التحرير، بل أعادتها للوراء، كما حدث في نهم وجبهات الشريط الساحلي جنوبي الحديدة، الذي جرى الانسحاب منه لصالح الحوثيين.
وحاليًا، العمل العسكري متوقف والحرب متوقفة، عدا من مناوشات بسيطة لا تكاد تذكر، وهو ما يعني أن الهدنة المنتهية مستمرة، وسارية المفعول دون إعلان من طرفي الحرب، كما أنه لا وجود لأي إشارة إلى الحسم العسكري من جانب التحالف والشرعية، كما كان في السابق، حيث تراجع الحديث عن العمل العسكري، وفق مصدر عسكري في الجيش.
وأضاف المصدر العسكري ل (المجهر) مشترطًا عدم ذكر اسمه، أنه "لا جديد في المعركة، وهي تراوح مكانها"، لافتًا إلى أن "الحكومة لا تهتم بالجانب العسكري، ولا تدير معركة ولا حرب، ولا تقدم إمكانيات حرب للجيش الوطني".
وعبر المصدر عن أسفه في أن المليشيا الحوثية تضرب مصادر التصدير وعصب الاقتصاد للحكومة الشرعية (مينائى الضبة وقنا)، في حين ترد الحكومة ببيان واستجداء العالم، ولا ترد ردًا عسكريًا، وهو ما يعني أن الحكومة تذهب بعيدًا عن الحسم العسكري، وبعيدًا عن دعم الجيش، وبما يتناغم مع مصالح دول التحالف والدول الكبرى من خلال سياسة المهادنة.
وفق الباحث عبدالله اسماعيل، فإن واقع المعركة والصراع مع الحوثي، أقل من المتوقع وأقل مما يمكن أن يبذل في إعطاء هذه المعركة أهميتها في كل المستويات، العسكرية أو الإعلامية، ومسألة الوعي، والمعركة الاقتصادية وغيرها، مضيفًا أن "المعركة مع جماعة الحوثي، ليست صراعًا سياسيًا على الإطلاق، بل هو صراع وجود، صراع الدولة اليمنية مع جماعة إرهابية متطرفة، فالمليشيا لا تهدف فقط للوصول إلى الحكم، بل لإحداث تغيير ديمغرافي".
وقال اسماعيل: "يجب أن ترتقي المعركة إلى مستوى التحديات التي تمثلها هذه الجماعة، لكن للأسف لم نصل إلى هذا المستوى من فهم حقيقة وأهمية هذا الصراع ووجوديته، ولم نستعد له كثيرًا"
ومن جانبه، قال الصحفي والناشط السياسي، صلاح أحمد غالب، لـ(المجهر)، إ الحرب في اليمن دخلت في حالة من المراوحة بين السلم والحرب وهي مرحلة خطيرة، إذ لا يمكن أن تحدث تنمية واستقرار مع استمرار هذا الوضع بين الانقسام السياسي والعسكري الحاصل باليمن.
معللًا ذلك بأن الاستراتيجية العسكرية لدى معسكر سلطة الشرعية فشلت من حيث الأدوات التي أفسدت وأثّرت على حساب المعركة والمواطن أو من حيث التوجهات السياسية والعسكرية المنقسمة على بعضها بدون مبرر سوى رغبات النزوع للسيطرة داخل تجنحات سلطة الشرعية وجعل مصدر الشرعية لهم هو امتلاك القوة .
"واقع سياسي سيء"
يؤكد مراقبون أن أداء الحكومات المتعاقبة في اليمن، خلال الثمان سنوات من الحرب، يؤكد أنها لم تكن جديرة بتحمل المسؤولية في هكذا مرحلة فارقة وخطيرة من التأريخ اليمني، كون المرحلة وطبيعة الصراع يستدعيان وجود حكومة حرب، على اعتبار أن الصراع مع الحوثي وجوديًا.
وفي حين يعتقد عبدالسلام محمد أن الوضع في اليمن ليس وضعًا سياسيًا، بل عسكريًا وفي حالة حرب، وهي الحالة التي انعكست على الداخل اليمني بشكل عام، بما فيها الشرعية، وأحدثت صراعات داخلية، فإن مراقبين آخرين يؤكدون فشل الحكومة في حلحلة معظم الملفات والإشكاليات وفكفكة التعقيدات السياسية.
الكاتب والباحث البكيري، يؤكد في هذا الجانب أن "واقعنا السياسي سيء للغاية ويزداد سوءاً منذ تشكل ما سُمّي بمجلس القيادة الرئاسي".
وأضاف البكيري، أن المجلس الرئاسي بعد تسعة أشهر من تشكيله لم يحدث فارقا في مسار الأزمة والحرب، بل أضاف أزمات جديدة لمشهد يمني مليء بالأزمات والتعقيدات السياسية، وهو ما أدى إلى تشتيت الجهود وتقاسم النفوذ بين مختلف هذه المكونات الممثلة بالمجلس وعلى حساب المعركة الوطنية كلها، التي تتطلب توحيداً لكل الجهود، لا تشتيتها كما فعل المجلس القيادي المٌشكل.
وفي تقييم مشابه، يقول الكاتب الصحفي سلمان المقرمي، إن الحكومة لا تخوض معركة مع الحوثي على الإطلاق، بل معها معركة من أجل عائلاتها فقط، ونهب أكبر قدر ممكن من الأموال قبل الفرار.
مليشيا الحوثي تستأنف حملاتها لمصادرة أراضي المواطنين في صنعاء
"فشل اقتصادي وحرب معيشية"
خلال سنوات الحرب الماضية، انهار الاقتصاد اليمني، وعانى المواطن حربًا معيشية، فانعكس ذلك سلبًا على حياة الشعب، ليتحول الواقع اليمني إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
وضاعف من حجم المأساة، الانقسام المالي، الذي فرضته مليشيا الحوثي، من خلال رفضها تداول الطبعة الجديدة من العملة الوطنية، مما خلق فارق صرف مضاعف بين طبعات العملة الواحدة، في ظل فشل حكومي في وضع حلول جذرية تجبر المليشيا على التسليم بالواقع والخضوع للبنك المركزي في عدن.
ومع نهايات عام 2022، عقب فشل الأمم المتحدة في تجديد الهدنة التي انتهت في الثاني من أكتوبر الماضي، دخلت اليمن مرحلة جديدة من التصعيد، وذلك باستهداف مليشيا الحوثي لميناء الضبة بحضرموت وميناء قنا في شبوة، والتي كان آخرها في 21 نوفمبر الماضي، مما تسبب في توقف تصدير النفط، الأمر الذي دفع رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، للإعلان عن عدم قدرة الحكومة على صرف رواتب الموظفين اعتبارًا من مطلع العام الجديد 2023.
وهنا، يرى مصطفى نصر، رئيس مركز الإعلام الاقتصادي، بأن الحرب العسكرية هدأت لتبدأ حرب اقتصادية أشد ضراوة، يدفع المواطنون اليمنيون ثمنها من قوت يومهم، وذلك في ظل مؤشرات واضحة عن توجه اقليمي ودولي بعدم إنهاء الأزمة اليمنية عسكريا واللجوء للحل السياسي والذي هو الآخر غير واضح المعالم سوى مزيد من التشرذم والانقسام السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ويؤكد نصر، في حديثه ل (المجهر) أن اليمن تعيش أزمة اقتصادية كارثية جراء هذا التصعيد على المستوى الاقتصادي من خلال استهداف تصدير النفط من قبل جماعة الحوثي، وما تلاه من تداعيات تعزز الانقسام على المستوى النقدي وكذلك في البنوك والمؤسسات وما قد يترتب عنه من تداعيات كارثية على كافة التبادلات التجارية والتنقل للاموال والمواطنين بين مناطق اليمن المختلفة.
مضيفًا أننا أمام معركة جديدة تدور رحاها في ملعب الوضع المعيشي للناس وهنا تكمن خطورة الوضع الراهن، لافتًا إلى أن تكاليف قطع الطرقات اليوم تصل إلى ما يزيد عن 15 بالمئة من تكاليف نقل السلع وكذلك هناك كلفة كبيرة لتدهور العملة وتكاليف تحويل الاموال وغيرها من التداعيات التي يدفع الملايين من اليمنيين ثمنها.
وأشار مصطفى نصر، إلى أنه "لدينا سلطة أمر واقع فرضتها جماعة الحوثي تمثل سلطة جباية قهرية وقمع، تسيطر على رقاب الناس أن ان تتحمل المسئولية في تقديم الخدمات ورعاية مصالح الناس، وبالمقابل سلطة شرعية معترف بها دوليا لكنها غير فاعلة ومنقسمة وهشة وتتنازعها قوى لا تمتلك الحد الادنى من الكفاءة الادارية والالتزام بحكم القانون".
وأوضح رئيس مركز الإعلام الاقتصادي، أن هناك عدة سيناريوهات للمستقبل تتمثل بالتالي: سيناريو التصعيد في الحرب الاقتصادية والوصول إلى مرحلة اللاعودة في الانقسام الاقتصادي وما ينتج عنه من تداعيات على القطاع الخاص والمواطنين، وسيناريو الحل سلام هش وغير مستدام قد تفرضه القوى الاقليمية والدولية المتحكمة بملف اليمن وهذا قد يضع اليمن امام ازمات على مدى عقود قادمة".
مضيفًا أن "هناك خيار اللا سلم واللا حرب مع استمرار الصراع بشقيه العسكري والاقتصادي وهو التوصيف لما تمر به اليمن حاليا وإن كنا نتجه نحو السيناريو الأسوأ".
نظرة المجتمع الدولي للمشهد في اليمن
أسهم المجتمع الدولي في مطّ فترة الحرب في اليمن، من خلال رخاوة مواقفه التي صبّت في مجملها لصالح تجذّر التمرد الحوثي، والإضرار بحاضر ومستقبل اليمنيين.
ووفق الباحث عبدالله اسماعيل، فإن القوى المتحكمة في صراعات العالم، تنظر للجماعة الحوثية حتى اليوم على أنها جماعة وظيفية في ملفات مختلفة في المنطقة، ورغم أن تلك القوى تؤمن أن الحوثي جزء من مشروع إرهابي ومتطرف يقوده نظام الملالي في إيران، ورغم أن القوى الدولية والأمم المتحدة، تؤمن أن هذه الجماعة عدمية وفوضوية وتقوم بأعمال إجرامية، لكننا لم نصل إلى مسألة توصيف المجرم على أنه إرهابي دوليًا.
فيما يرى رئيس مركز أبعاد للدراسات، عبدالسلام محمد، أن الموقف الدولي يعتبر الوضع في اليمن أزمة إنسانية بدرجة رئيسية، ولا يبحث عن حلول ولا لإنهاء المشكلة اليمنية من خلال إنهاء الانقلاب، إطلاقًا، بل يبحث عن حلول سياسية تبقي المشكلة كما هي.
وأشار إلى أن المجتمع الدولي ينظر للحرب في اليمن من زاوية سعودية، بمعنى أنه يمكن أن تكون هذه الحرب مؤثرة ومهددة للسعودية، وبالتالي هو يبحث عن أمور أخرى تتعلق بالمواقف والأموال والنفط وغير ذلك.
وبخصوص نظرة المجتمع الدولي للحوثيين، يقول الكاتب سلمان المقرمي إن "العالم ينظر إلى الحوثي وفق ما قدمه الحوثي وإيران للعالم، على أنه أقلية مضطهدة، تريد المشاركة في الحكم".
وأشار المقرمي، إلى أن إلغاء تصنيف الحوثي من المنظمات الإرهابية جاء في هذا السياق، رغم كل الجرائم والتقارير الدولية نفسها عن إجرام الحوثي"، لافتًا إلى أن الفشل في رؤية العالم للحوثي يعود، وهو أمر مهم، نتيجة لأن الحكومة لا تحارب الحوثي مطلقا.
اليمن: الديون تهدد بنسف الإصلاحات الاقتصادية
"اللاعبون الدوليون والإقليميون"
بحسب عبدالسلام، "فإن اللاعبين الإقليميين والدوليين في اليمن، تشمل إيران، دول الخليج، بريطانيا وأمريكا، وهذه الدول الظاهرة، وهناك دول تبحث عن محاولة للدخول في المشكلة اليمنية مثل روسيا والصين، لكن حاليا غير موجودة بشكل مباشر، وكل طرف من هذه الأطراف له مصالحه، وبالتالي طال أمد المشكلة اليمنية".
كما أن الاتفاق النووي الإيراني مع المجتمع الدولي وتعرقله وعدم وصوله، جعل إيران تستخدم اليمن ساحة لتصفية الحسابات مع المجتمع الدولي، وتستخدم الحوثيين كأدوات، يقول الباحث عبدالسلام.
غير أن المصدر في وزارة الدفاع، أكد أن السعودية والإمارات هما اللاعبان الرئيسيان في المشهد اليمني، وهما الأكثر تأثيرًا في القرار اليمني". لافتًا إلى أن دول التحالف (السعودية والإمارات) يمكنهما أن "تقدم المسؤول الفلاني وتؤخر الآخر، تعيّن من تريد وتزيح من تريد، وقد رأينا كيف سحبت الإمارات قوات العمالقة والقوات المشتركة من الحديدة، أكثر من 120 كيلو متر، من أماكن ومواقع استراتيجية على البحر، لصالح الحوثيين، وهو ما يوحي بتخادم مع المليشيا".
التحالف.. تلاشي الأهداف المعلنة
في أواخر مارس 2015، انطلقت عاصفة الحزم، وقال التحالف حينها أنه جاء لمساندة الشرعية اليمنية في دحر الانقلاب الحوثي وتحرير العاصمة صنعاء واستعادة الدولة، غير أن هذه الأهداف المعلنة لم تترجم إلى واقع، رغم الضربات الجوية التي نفذها طيران التحالف على مواقع الحوثيين في مختلف الجبهات والمحافظات الواقعة تحت سيطرة المليشيا.
وفي الثاني من أبريل 2022، عندما بدأت الهدنة الأممية، أوقف التحالف العربي ضرباته الجوية في اليمن، ليتم بعد ذلك إعلان الرئيس السابق هادي تسليم السلطة لمجلس القيادة الرئاسي المشكل من القوى الفاعلة عسكريًا، برئاسة الدكتور رشاد العليمي، في 7 أبريل.
رئيس مركز أبعاد للدراسات، عبدالسلام محمد، يعتقد أن "السعودية والإمارات، لديهما ترتيبات خاصة بشأن اليمن تجعل من حالة الحسم العسكري ضد الحوثيين بعيدًا..ولديهم ربما مخاوف من وصول بعض الأحزاب والكيانات إلى الحكم، ولذلك تبحث عن بدائل".
من ناحيته، أكد المصدر العسكري أن "دول التحالف تدير الأزمة اليمنية لمصلحتها وبما يضمن نفوذها ومصالحها، وبما يضمن عدم تعرضها للأذى من المليشيا الحوثية، لا بالطيران المسير ولا بالصواريخ الباليستية، وتراعي عدم استفزاز الدول الغربية وإيران، وتهدف لإضعاف اليمن من خلال سياسة "فرّق تسدّ"، من خلال دعم التشكيلات المسلحة الخارجة عن إطار وزارة الدفاع، واستبعاد كل القيادات الفاعلة والوطنية المخلصة التي تحمل همّ التحرير وترفض المهادنة مع الحوثي، وقد رأينا كيف غير من شكل الرئاسة والحكومة وغير الشرعية التي جاء لمساعدتها واستعادتها.
وأضاف أن لدى السعودية والإمارات مخططات وأهداف في اليمن، ولديهم مخطِطين غربيين وصناع قرار ومراكز أبحاث يعتمدون عليها في رسم مخططاتهم والسعي لتحقيقها، كما أن لديهم مخاوف من بعض القوى القوية الموجودة في اليمن، مثل الإصلاح والقوى القبلية.
الناشط صلاح غالب، هو الآخر، يرى أن التحالف العربي الداعم للشرعية ليس لديه توجهات واضحة حول مصير المعركة واليمن ففي الوقت ان اعلامهم يوكد على دعم الشرعية ووحدة البلد واقتصادها نجد سياسات عسكرية واقتصادية تعمل عكس ذلك من اضعاف سلطة الشرعية وتجميد المعركة الرئيسية مع الحوثيين ودعم للنزعات الما قبل وطنية على حساب الهوية اليمنية الجامعة .
ما هو الحلّ..؟
يبدو المشهد اليمني بالغ التعقيد، أزماته مركّبة ومأساوية، ظلمات بعضها فوق بعض، وهو ما دفع الكاتب سلمان المقرمي للاعتقاد أنه "لا توجد معالجات سريعة وحاسمة، اليمن تشظى، انفصل الحوثي شمالا، وتعاني الحكومة من تفكك هائل جنوبا، ولم يعد همها تحرير صنعاء، كما لم تدافع عنها سابقا، ربما يكون الوضع القائم أفضل من المستقبل، خاصة إذا انهارات الحكومة".
غير أن خبراء عسكريين ومراقبين وباحثين يؤكدون ل (المجهر) أن حسم المعركة واستعادة العاصمة صنعاء، وإنهاء الانقلاب الحوثي، هو السلبيل لحلحلة الأزمة اليمنية .
حيث يتصوّر الباحث اسماعيل، أن مستقبل هذه الجماعة الحوثية، إما أن يكون هناك حسم واضح يقضي على خطرها المحلي والإقليمي والدولي، أو أنها ستتعاظم للأسف الشديد، في ظل هذه الرخاوة الدولية.
ولفت إلى أن طبيعة المعركة اليمنية تضع الرئاسة اليمنية والحكومة أمام مسؤولية تأريخية، في التفاهم مع الحلفاء بشأن هذا الخطر، والأهم من ذلك اتخاذ قرار الحسم، باعتبار ذلك من استحقاقات الدولة اليمنية ولا يمكن أن تحل القضية اليمنية بغير كسر الجماعة الحوثية وكسر سلاحها.
فيما يرى صلاح احمد غالب، أنه لا يمكن الخروج من هذا الوضع الا بحسم المعركة مع الحوثيين لانهم سلطة طائفية سلالية انقلابية ذات سياسة جبائية قهرية ، وهي المعركة الوحيدة التي تكسب اي كيان سياسي او عسكري يمني شرعية وجود لانه يخوض الحرب ضد الحوثيين من اجل حاجة الناس والبلاد ونظامها الجمهوري ووحدة البلد، مؤكدًا أن أي سلام مع الحوثي هو تأجيل للمعركة وليس حسمًا للصراع، هذا ما يجب أن تفهمه النخب السياسية في اليمن .
وفي وجهة نظر مشابهة، يؤكد الضابط المسؤول أن "ملف اليمن لا حل له إلا بالحسم العسكري، وقبل ذلك بدعم الجيش الوطني والأمن الشرعي، ودعم أجهزة الدولة ومؤسساتها الرسمية، وأن يكون تدخل التحالف أو أي تدخل، عبر الدولة الشرعية ومؤسساتها الرسمية، والبحث عن حلفاء آخرين صادقين، ودمج كل القوات والتشكيلات تحت إطار وزارتي الدفاع والداخلية.
وأضاف أنه من الصعوبة بمكان تخيّل أن المليشيا الحوثية يمكن أن تسلم الأسلحة التي تسيطر عليها، والتجارب تقول أن الحوثيين لم يُسلّموا حتى مسدس واحد رغم توقيعهم على تسليم السلاح في ست اتفاقيات في صعدة، لذلك لا وجود لأي حل سوى الحسم العسكري.