تقرير خاص
يعد طريق التربة- تعز المنفذ الوحيد لسكان مدينة تعز المحاصرة، والذي يصلهم بالمحافظات الجنوبية والعاصمة المؤقتة عدن، وعبره تصل المواد الغذائية والمشتقات النفطية والغاز والسلع والبضائع التجارية التي يحتاجها السكان في المدينة.
بين الحين والآخر يتوقف مشروع صيانة الطريق الرابط بين مدينتي التربة بتعز، حيث تعرض المشروع للعرقلة أكثر من مرة منذ اعتماد المشروع، مرورًا بوضع حجر الأساس والإعلان عن تدشينه، وصولًا إلى الأعمال الإنشائية التي بدأ العمل فيها من قبل شركات المقاولات المُنفِذة.
وتم توقيع المشروع مع الجهات المنفذة من قبل صندوق صيانة الطرق والجسور في الثامن والعشرين من أبريل/نيسان 2022، وسُلّم للشركات المنفذة في الشهر ذاته لمعرفة موقع التنفيذ والبدء بالعمل، على أن تكون الفترة الزمنية لتنفيذ المشروع ستة أشهر “مايو/ آيار– أكتوبر/ تشرين الأول” 2022م.
وأعلن محافظ محافظة تعز نبيل شمسان في العاشر من مايو/ أيار 2022 تدشين البدء بتنفيذ المشروع على ثلاث مراحل وبوقت واحد والانتهاء منه خلال الفترة المتفق عليها، بتكلفة 10 مليار ومائة وواحد وتسعين مليون ريال بتمويل من صندوق صيانة الطرق والجسور في عدن.
ويبلغ طول الطريق من جولة نادي الصقر ببير باشا إلى مدخل مدينة التربة 70 كيلو متر ويتضمن بجانب سفلتة الطريق بناء الجدران الساندة وعبّارات المياه.
وتقاسمت المشروع ثلاث شركات مقاولات على أن يبدأ العمل في المقاطع الثلاثة بنفس الوقت بدءا من جولة نادي الصقر ببير باشا إلى مدخل مفرق يفرس بطول 23 كم وهي شركة أرم ستار في المقطع الأول، بينما المقطع الثاني كان من نصيب شركة المليكي يمتد من مفرق يفرس حتى الصافية بطول 24 كم، فيما استحوذت شركة الخضيري على المقطع الثالث والذي يمتد من الصافية حتى مدخل التربة بطول 23 كم.
توقف مفاجئ
مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2022 توقفت أعمال الصيانة في المقاطع الثلاثة دون سابق إنذار، وقامت شركات المقاولات الثلاث بسحب كافة آلياتها المستخدمة في الطريق من المقاطع الثلاثة المخصصة لكل شركة، وهو ما أثار حالة من الاستياء والتساؤلات عن الصراعات الخفية بين قيادات المشروع والذين يسعون للتكسب من خلاله على حساب إنجاز المشروع، والتزام المقاولين بالمواصفات والمعايير الانشائية اللازمة لصيانة الطريق.
تواصلنا برئيس قسم المخالفات بمكتب الأشغال العامة والطرق في محافظة تعز، صدام عجلان، للاستفسار عن حيثيات وأسباب التوقف المفاجئ للمشروع لكنه امتنع عن التعليق حول حول الموضوع.
يقول المهندس معاذ خالد، في منشور له على حائطه في فيسبوك، نشره في في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول 2022 أن محافظ محافظة تعز ومن معه يتحملون كامل المسؤولية جراء التوقف المفاجىء للمشروع، بدون أي إيضاحات.
ويوضح أن الفساد المالي والإداري في منح المناقصات للشركات غير المؤهلة، يعد في صدراة الأسباب التي أدت إلى توقف المشروع، حيث أن هذه الشركات ليس لها أي رصيد ممتاز في مشاريع الطرقات الكبيرة، حد وصفه.
ويؤكد أن الفارق بين الشركات المتقدمة على المناقصات بالجوانب المالية يتجاوز 200 مليون ريال، وتم اختيار أعلى سقف مالي بدون أي معيار يذكر، حد وصفه.
ويضيف المهندس خالد أن الشركات المُنفِذة للمشروع أخلّت بالتزاماتها الجوهرية في تنفيذ العقد، مؤكدا أن من ضمن الشروط في العقد
توفير خدمة المختبرات المتنقلة الذي يسهم في التحقق من جودة المواد(التربة والركام والصخور ومختبر الأسفلت والبيتومين).
نقطة الخلاف
يتحدث مهندس طرق "فضّل عدم ذكر اسمه" عن وجود خلافات بين صندوق صيانة الطرق، والشركات العاملة في طريق التربة تعز، ويقول أن الشركات أخلّت في تنفيذ المواصفات الفنية المدونة في العقود بين الطرفين.
ويوضح أن تلك الشركات أخلت بأهم بنود الاتفاقية المتمثل في طبقة البيسكورس، حيث طالب الصندوق الشركات بعمل بيسكورس آلي لكنها اشتغلت على بيسكورس عادي.
ويؤكد أن هناك أخطاء فنية جسيمة، ويخص بالذكر بداية المقطع الأول، حيث بدأت الأخطاء تظهر على السطح من خلال هبوط الصبيات الخرسانية هناك، وهو ما أدى إلى إقال مدير المشروع خالد الحميقاني، وتعيين نبيل مكي بدلا عنه.
ويعتقد المهندس الذي فضُل عدم ذكر اسمه، أن عودة المشروع وإنجازه تقتضي إعادة النظر في العقود الهندسية والبنود، ومنح المناقصات للشركات الكبيرة التي تلتزم بحثيات العقد الهندسي، وتوفير كادر إشرافي نزيه وذو خبرة، بالإضافة إلى تشكيل لجنة هندسية مجتمعية، حد قوله.
فيما يتحدث المهندس عبدالملك المليكي عن نزول لجنة من صندوق صيانة الطرق والجسور- الإدارة العامة في عدن، لكنها تفاجأت بأن العمل مخالف للمواصفات فرفعت بتقريرها إلى مدير الصندوق، معين الماس، الذي بدوره أوقف العمل واستدعى اللجنة الإشرافية للاستجواب.
معاناة مستمرة
توقف أعمال الصيانة في الطريق أفرز كارثة إنسانية بسبب تصاعد الغبار، وهو ما جعل المسافرين وسائقي الشاحنات ومركبات النقل والمواصلات يعيشيون معاناة مستمرة أثناء تنقلاتهم من وإلى المدينة.
يقول السائق صلاح الرحال أن تعثر الطريق له تبعات خطيرة، حيث سبب الكثير من الأمراض للسالكين عبر هذا الطرق، والأكثر تضررا من الغبار هم مرضى الربو، والمواطنين الذين يسكنون في أماكن قريبة من الخط.
ويضيف الرحال أن ظهور أسنة حادة في الطريق من بقايا حديد التسليح بات يهدد المركبات وشاحنات النقل، كون ذلك يشكل خطرا على الإطارات، ويؤدي إلى انفجارها وربما حصول حوداث خطيرة.
ويشير أن طريق تعز- عدن بكامله بحاجة إلى صيانة عاجلة كونه المنفذ الوحيد لأكثر من خمسة ملايين شخص، حيث شهد الخط أكثر من 150 حادث إنقلاب وتصادم خلال العام 2022، بحسب احصائيات تقريبية.
فيما يعتقد عزالدين الراشدي أن توقف صيانة الطريق مخطط كبير يستهدف تعز وأبناءها بالتحديد، ويتساءل عن الأسباب التي دفعت إلى توقف طريق تعز- التربة الذي تشرف عليه السعودية بينما يتم تنفيذ طريق الكدحة الذي تشرف عليه الإمارات بوتيرة عالية.
ويضيف أن الانتقالي الجنوبي تعمّد إيقاف طريق الزريقه لذات الهدف، ونفس المخطط بعد أن تفاءلنا به كشريان جديد لتعز بدلا عن هيجة العبد، وأروان الجن في القبيطة التي تشهد حوادث بشكل شبه يومي.
ويرى الراشدي أن خط الكدحة الذي يشرف عليه عضو الرئاسي اليمني طارق صالح سيكون هو المنفذ الوحيد لربط تعز بالعاصمة المؤقتة عدن والمحافظات المحررة، في إطار مخطط لفرض واقع سياسي جديد.
حلول ترقيعية
بعد انطلاق المشروع بشهر واحد، كان ما تم تنفيذه هو إزالة الطبقة الاسفلتية السابقة، واجمالي ما تم إنجازه بشكل نهائي هو 200 متر في نهاية المقطع الأول في منطقة يفرس، والذي تنفذه وتشرف عليه شركة أرام ستار.
ويرى المهندس عبدالملك المليكي أن عملية التنفيذ رافقتها بعض الأخطاء في طبقة البيسكورس، التي تُفرش قبل الدك، وهو ما تم تنفيذه بطريقة مخالفة للمواصفات في طريق تعز- التربة.
ويوضح أن إزالة طبقة الأسفلت السابقة تتم في أي عملية صيانة طرق، لكن تعثر إصلاح الطريق وصيانتها في الموعد المحدد، كان له تبعات كارثية على المواطنين والآليات والمركبات التي تمر من خلال الطريق، كونه المنفذ الوحيد لتعز.
فيما يعتقد السائق محمد النقيب، أن صيانة الطريق كان من المقرر أن تتم بطريقة مخالفة للمواصفات، بالاتفاق بين اللجنة الإشرافية التابعة لصندوق صيانة الطرق والجسور- الإدارة العامة عدن من جهة وبين الشركات المُنفِذة للمشروع من جهة أخرى.
ويوضح النقيب أن صندوق صيانة الطرق رفض أن يتم مما أدى إلى توقف المشروع أكثر من مرة بسبب مكايدات سياسية، بالإضافة إلى تقصير المسؤولين في المتابعة، وعقاب حكومي مُتعمد لتعز.
سخرية مريرة
وقد أثارت الحالة المريعة للطريق الذي أصبح أشبه بطريقٍ فرعي بعد نزع الطبقة المتآكلة من الأسفلت، سخطا شعبيًا كبيرا لدى أبناء مدينة تعز، والنشطاء على وجه الخصوص.
يقول المصور خالد القاضي " نجح القائمون على مشروع طريق تعز التربه في دحض قانون الفيزياء واثبتوا إمكانية عودة الزمن الى الوراء مبرهنين بذلك إعادة الطريق 200 عام للوراء"
وتصاعدت شكاوي سائقي الشاحنات ومركبات النقل خلال الأسابيع الأخيرة لتوقف المشروع، بعد أن تفاقمت معاناتهم مع الطريق الذي تضاعفت فيه الحفر ، وبعد أن يئسوا من تقدم العمل في ظل الوتيرة البطيئة التي كان يجري بها خلال الأربعة الأشهر الماضية.
الخارجية الأمريكية تؤكد دعم واشنطن للجهود الأممية بشأن ناقلة “صافر”
ونشر الناشط هيثم القليعة على صفحته في فيسبوك صورة يظهر فيها الغبار مغطيًا الأرجاء، وعلق عليها ساخراً " لا تخف! هذه ليست لقطة انفجار لغم أو قذيفة أو عاصفة رملية ! مجرد مسافر يصور طريق التربة تعز من نافذة السيارة".
وكان المواطنون في تعز قد انتظروا هذا المشروع لسنوات، نظرًا لأهمية الطريق الذي يعد الشريان الرئيسي للبضائع إلى داخل المدينة، والرابط الوحيد بينها وبين ببقية المحافظات ، إضافةً إلى أن اعتماده قد واجه صعوبات كثيرة، وتم إلغاءه أكثر من مرة ، تارةً بدوافع سياسية، وتارةً أخرى في سياق العبث الإداري ومحاولة تربح بعض المسؤولين من ورائه.
في السادس من يناير/ كانون الثاني 2023م أعلن صندوق صيانة الطرق والجسور الإدارة العامة- عدن، عن استئناف العمل بعد توقف دام لأسابيع.
لكن استئناف العمل شمل المقطع الثاني فقط من طريق التربة- تعز، فيما لم يبدأ العمل بعد في المقطعين الأول والثالث.
عودة باهتة اعتبرها نشطاء تعز لتهدئة الوضع لا أكثر، دون معالجات حقيقيقة لمعاناة مستمرة يعيشها سكان المدينة المحاصرة من قِبل جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا منذ أكثر من سبع سنوات.