تقرير خاص-عابد محمد
في التاسع والعشرين من يناير/ كانون الثاني الجاري أصدر رئيس مجلس القيادة اليمني الدكتور رشاد العليمي قرارا بإنشاء قوات جديدة تحت مسمى "قوات درع الوطن"، بقيادة العميد بشير سيف المضربي الصبيحي.
ونص القرار على أن تكون هذه الوحدة "قوات احتياطية للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وخوّل "القائد الأعلى للقوات المسلحة بتحديد حجم القوات ومهامها ومسرح عملياتها".
القرار أثار حفيظة المجلس الانتقالي الجنوبي وبعض التشكيلات العسكرية الأخرى التي أبدت ردود أفعال متباينة وإن كان بصورة خفية لم يصل إلى الرفض العلني، فالانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا يرى في هذه القوات تهديدا كبيرا لمصالحه كون لها ارتباطات قوية مع السعودية.
فيما اعتبره البعض قرارا إيجابيا على اعتبار عدم وجود قوات حقيقية في عدن تستطيع حماية الحكومة اليمنية، والمجلس الرئاسي من تصرفات الانتقالي المستفزة، وينظر البعض لهذه القوات على أنها تُحيي هيبة الدولة المتمثلة بالحكومة ومؤسساتها لكن تزداد المخاوف من أن يتم اختراقها من قِبل الانتقالي فتصبح عبئا جديدا على الدولة.
درع "الرئاسي"
يرى محللون أن الهدف من هذه القوات هو إيجاد نوع من التوازن بين التشكيلات المسلحة المتواجدة والمتشعبة، كونها ستكون مرتبطة مباشرة برئيس المجلس الرئاسي في ظل وجود قوات تابعة لجميع أعضاء المجلس.
ويتوقع بأنها قوات مناوئة ومتوازنة للمجلس الانتقالي الجنوبي والعمالقة لتقليص حضور ونفوذ هذه القوات، فيما يظهر بشكل وأضح أنها ستحل بديلا عن ألوية الحماية الرئاسية التابعة للرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي.
وهذه القوات لم تكن وليدة اللحظة بل أُنشئت منتصف العام الماضي كقوة موازية لقوات أخرى وحملت اسم" قوات العمالقة الجديدة"، وواجهت التسمية حينها اعتراض كبير من قبل العمالقة وجهات عسكرية أخرى ليتم تغيير التسمية في سبتمبر/أيلول الماضي إلى "قوات درع الوطن".
تتلقى هذه القوات دعما عسكريا كبيرا من التحالف ومن السعودية تحديدا، ويتم اختيار منتسبيها بعناية فائقة وإشراف سعودي، وبمعايير خاصة بحيث لا يتجاوز سن المنتسب لهذه القوات 35 عاما.
وتخضع هذه القوات لدورات تدريبية مكثفة على مستوى الضباط والأفراد، ويتم تجهيزهم بأسلحة ومعدات نوعية، وكان آخر ما وصل لهذه القوات نحو 110 مركبة عسكرية حديثة قادمة من السعودية خلال الأسبوع الماضي.
غالبية منتسبي هذه القوات من مناطق جنوب اليمن في الصبيحة ولحج وأبين والضالع وحضرموت وعدن، ويرجح أنها تشكل قوات توازن ميداني بإشراف مباشر من السعودية، ويجري التمهيد لتسليمها مهام تأمين وحماية مجلس القيادة الرئاسي إلى جانب تشكيلات عسكرية أخرى بعد تأهليها.
المسرح العملياتي
تضم قوات درع الوطن وحدات عسكرية تحت مسمّيات مختلفة أشهرها (الفرقة الاولى) و 8 ألوية عسكرية ويخطط لها أن تصبح 15 لواءً عسكريا منتصف العام الحالي، وتنتشر هذه القوات في مناطق عدة منها محافظات: عدن، ولحج، والضالع.
يتمركز اللواء الأول من هذه القوات في محافظة لحج ويقوده مجدي الصبيحي فيما يتمركز اللواء الثاني في محافظة أبين تحت قيادة توفيق عبود المشولي، ويتخذ اللواء الثالث من محافظتي أبين والبيضاء مسرحا لعملياته تحت قيادة عبد ربه ناصر ناصر الرقابي.
وفي محافظة لحج (جنوبا) يتمركز اللواء الرابع تحت قيادة عبدالخالق على بن علي الكعولي، فيما اللواء الخامس وقائده فهد سالم بامؤمن" أبو عيسي" يستقر في محافظة حضرموت (شرقا)، وتنتشر قوات اللواء السادس بقيادة محمد أبوبكر الكازمي "أبو حمزة" في محافظتي أبين وعدن.
ويتخذ اللواء السابع في هذه القوات وقائده العميد علي الشوتري "أبو عبدالرحمن" من محافظة الضالع مسرحا لعملياته، فيما لم تُعهد بعد منطقة تمركز للواء الثامن بقيادة أسامة الردفاني.
القائد العام
العميد بشير سيف قائد الصبيحي المضربي (لانتمائه إلى مديرية المضاربة ورأس العارة في لحج) القائد العام لقوات درع الوطن، رجل يحمل سجلا حافلا بالأحداث، ويتفق الجميع في ولاءه للسعودية ليصل إلى وصف البعض له بأنه الرجل الأول لها في جنوب اليمن.
رجل دين سلفي وقيادي في المقاومة الجنوبية، من هنا بدأت قصة "المضربي" وبدأ يظهر للعلن، على الرغم من كونه من أوائل المشاركين في الحرب ضد جماعة الحوثي منذ حروب صعدة حتى حرب دماج لم يكن للشيخ "المضربي" حضورا ملفتا آنذاك، بل كان يتم تعريفه على أنه أحد رجالات الدين السلفية الذين ينتمون إلى "تيار الحجوري".
ذاع صيت" المضربي" كقائد ميداني في المقاومة الجنوبية أثناء معارك تحرير عدن ولحج وأبين والعند والضالع منتصف العام 2015م، حيث كان المسؤول الأول عن الدعم السعودي للقوات المقاتلة على الأرض في تلك المحافظات، واشتهر بعلاقاته الواسعة مع كل القيادات العسكرية والمقاومة، كفضل حسن وعبدالله الصبيحي وثابت جواس، وجعفر سعد، وغيرهم.
في يوليو/ تموز من العام 2015 كان للمضربي الدور الأبرز في إنجاح فكرة إنزال الأسلحة والذخائر للمقاتلين جوا، وتولى مهمة الإشراف على إنزال العربات العسكرية إلى عدن عبر البحر وتوزيعها على القادة المكلفين بمهمة التحرير في معركة الشريجة.
في تصريحات سابقة له، يصف "المضربي" القوات التي يقودها (درع الوطن) بأنها وُجِدت للدفاع عن الدين والوطن والاعراض، والتصدي للمشروع الفارسي الذي يستهدف كيان الامة، ويوضح أنها قوة دفاع تدفع الشر والأذى وسلام لمن يمد يد السلام، وجاءت من الميادين والجبهات التي أطلقت أولى شرارة المقاومة على التمدد الفارسي.
ويضيف أن تلك القوات (درع الوطن) ترى في جماعة الحوثي العدو الأول لها ويؤكد وقوفها جنبا إلى جنب مع كل المقاومين والقوى المناهضة لهذا المشروع الخبيث، فيما يثني على الدعم السعودي في ويصفها جهودها "بالكبيرة".
الهدف رقم واحد
بعد تحرير العاصمة اليمنية المؤقتة عدن منتصف العام 2015م تسلمت الإمارات المشاركة في التحالف بعد إنزال قواتها ملف المحافظة الساحلية، فيما حوّلت القوات المتواجدة على الأرض باتجاه الساحل الغربي في قوات باسم "العمالقة" أنشأتها في العام 2016 وأشرفت على تمويلها وتدريبها لتكون تابعة لها.
وبدأ حينئذ مسلسل الاغتيالات في المدينة، وتوسعت دائرة الاستهداف لتطال قادة بارزين وخطباء وأئمة مساجد، وبعد كل كل حادثة كانت أصابع الاتهام تشير إلى الإمارات، واشتدت وتيرة ملاحقة المناوئين لسياستها في عدن، حيث بدأت ممارسات الحليف تُظهر تحول مسار المعركة عن وجهتها الحقيقية.
وجد "المضربي" أن التزامه بموقفه الثابت حول المعركة قد يضعه في فوهة البندقية الغادرة، فغادر المدينة بعد أن ثبتت شكوكه حين تسربت "قائمة الاغتيالات" ليجد نفسه في أعلى القائمة، تنقل متخفيا إلى مسقط رأسه في مضاربة لحج، ليتم اخراجه إلى الرياض بمساعدة وترتيب سعودي.
نصح السعوديون المضربي بعدم العودة إلى عدن، مؤكدين حصولهم على معلومات دقيقة تثبت أنه تم الترتيب لاغتياله، وبعد لقاءه الرئيس اليمني السابق عبده ربه منصور هادي تمت ترقيته إلى رتبة عميد، ليستقر في الرياض، ولم يعد إلى اليمن إلا في فترات متقطعة متخفيا.
شخصية متوازنة
في إتفاق الرياض الذي تم بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي تم طرح اسم "المضربي" وقواته كجهة محايدة يتم تسليمها مع قوة من العمالقة القصر الجمهوري والمرافق الحيوية في عدن لحمايتها، إلا أن ذلك قوبل برفض شديد من الانتقالي بناءً على اعتبارات مناطقية.
يصف قائد عسكري (فضل عدم ذكر اسمه) بشير المضربي بأنه شخصية معتدلة ومنفتحة ويغلب عليه الطابع القبلي، ويؤكد أنه من أبرز الرافضين للتحريض على الكراهية ويرفض توجيه السلاح لأي جهة أو تيار يقاتل جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا.
في منتصف مايو/ آيار 2022 أسندت السعودية إليه مهمة إنشاء قوات جديدة وسخرت لها الترتيب والتمويل، فبدأ تشكيل تلك القوات انطلاقا من منطقته وتحديدا في معسكر الجحار على ساحل خور العميرة، تحت مسمى "قوات اليمن السعيدة"، لكن تغيرت اسم تلك القوات فجأة إلى" العمالقة الجديدة".
ورغم حصول هذه القوات على قرار تشكيل جمهوري لكنها ستظل مثار خلاف وتباينات ورفض علني من الانتقالي وبصورة خفية من العمالقة عوضا عن عدم تواجد أيا من هذه القوات في جبهات القتال، بسبب رفض تشكيلات عسكرية أخرى ذلك ما لم يتم مساواتها في المستحقات والاعتمادات أسوة ببقية مقاتلي الجبهات.
وتثير المستحقات المالية المعتمدة بالريال السعودي خلافات حادة ميدانيا جراء الاقتصار على استيعاب فئات محددة بناءً على الانتماء للجماعة الدينية عبر تزكيات من تيار سلفي معين.
ويجزم ناشطون أن الإعلان عن هذه القوات بشكل رسمي قد يثير مشاكل جمة مرتبطة بعمل اللجنة الأمنية العسكرية العليا، وهو ما قد يدفع إلى إنشاء مكونات وتشكيلات أخرى بدعم من دول خارج التحالف، في صورة تجعل المشهد أكثر تعقيدا وعرضةً للاقتتال الداخلي.