الخميس 21/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

شرطة الأخلاق.. كيف حولت مليشيا الحوثي صنعاء إلى نسخة من طهران؟

شرطة الأخلاق.. كيف حولت مليشيا الحوثي صنعاء إلى نسخة من طهران؟

تقرير خاص- ضيف الله الصوفي

منذ البدايات الأولى لسيطرة ميليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء، سعت هذه الجماعة إلى فرض جملة من القيود على الحريات العامة والخاصة، وتدخلت في خصوصيات المدنيين، كما عملت على تطبيق عدد من القواعد الاجتماعية والدينية المتشددة، بهدف تنميط الحياة، وحصرها ضمن دائرة محددة بضوابط ومعايير تدعي الميليشيا بأنها أخلاقية.

وعلى الطريقة الإيرانية، قررت جماعة الحوثي الإرهابية، استنساخ تجربة "شرطة الأخلاق" الإيرانية؛ لفرض الوصاية على أخلاق الشعب اليمني، وقيمه الدينية والثقافية، ففي الأشهر الأخيرة من العام 2022، اتخذت الميليشيا، عددا من الإجراءات ضد اليمنيين، بجانب فرضها قيودًا إضافية على النساء في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

في هذا الملف، يحاول "المجهر" تسليط الضوء على جملة من الانتهاكات التي حدثت وما زالت تحدث يوميًا بحق المرأة، ضمن سلسلة الانتهاكات التي تطال المدنيين في تلك المناطق، وكيف يحاول الحوثيون تطبيق قيم مختلفة، وبعيدة عن المجتمع اليمني .

شرطة الأخلاق

تتكون شرطة الأخلاق، من وحدات خاصة بمتابعة ومراقبة فئات الشباب، بينما كُلفت وحدة "الزينبيات" بتنظيم وفرض النظام في مختلف الأماكن الخاصة بالنساء، نزولًا عند قانون الأحوال الشخصية الذي يحدد الهيئة والمظهر للمدنيين، إضافة إلى منع الاختلاط سواء أثناء التعليم أو العمل، ومنع التجمعات في المقاهي والمطاعم والحدائق .

وشكلت فرق الرقابة الحوثية كابوسًا لدى طلاب وطالبات الجامعات والمعاهد، ابتداءً من منع الحديث بين الجنسين إلى تحديد نوعية الملابس .

طلاب اليمن.. معاناةٌ وحرمان في المهجر “محمود القرشي يحكي لنا قصته”

وتفيد المعلومات التي حصل عليها "المجهر" بأن عناصر الجماعة اعتدت على طالبات بحجة ارتدائهن عباءات قصيرة، الأمر الذي لا يتناسب مع رؤية الحوثيين.

ولرصد أبرز القيود التي تكبل حرية المرأة في مناطق الحوثيين، فقد تطلب الأمر نزولًا ميدانيًا إلى العديد من المدارس والجامعات بصنعاء.

ففي إحدى المدارس وسط العاصمة صنعاء، تشكو الطالبات من مضايقات كثيرة، وتعاني هيئة التدريس وإدارة المدرسة من قرارات منع الاحتفال بذكرى المناسبات الوطنية، وغيرها من احتفالات المدارس.

تقول "س. م" إحدى معلمات المدرسة: "يعمل الحوثي منذ قرابة عام على فرض إجراءات صارمة، تتمثل بضرورة ارتداء الحجاب، وعدم لبس العباءات القصيرة، حيث تمر شرطة الأخلاق شهريًا على المدارس الحكومية والخاصة، كي تتأكد من التزام الطالبات بحشمة الزي المدرسي الطويل الذي يغطي الأطراف بشكل كامل".

وتضيف بأن هذه القيود تشمل جميع المدارس الحكومية، وغالبية المدارس الخاصة.. حيث تمنع جميعها من إقامة الحفلات والاحتفالات داخل المدارس، ومن يبدي مخالفته أو اعتراضه لقواعد الحوثيين، يجري معاقبة إدارة المدرسة بدفع غرامة مالية، وتأديب الأفراد المخالفين.

ليست وحدها شرطة الأخلاق التابعة للحركة الحوثية من تقف خلف تشريع هذه الإجراءات المفروضة على المجتمع، بل تشارك وزارة التربية والتعليم بصورة واضحة في تلبية أوامر الحوثيين، وتوجيه القرارات، ممثلة بالوزير عبدالكريم الحوثي، ونائبه قاسم الحمران، إضافة إلى إشراف شخصيات قيادية مثل أحمد حامد، مدير مكتب المشاط، الذي منح نفسه صفة مستحدثة، لرئاسة القطاع الإداري، والمسؤول على إشراف المكاتب الإدارية، والوزارات، واللجان المعنية بالمال والقيود والمضايقات والجبايات .

مضايقات لا حصر لها

في صنعاء، تتعدد المضايقات بحق النساء وتتنوع بين تنفيذ حملات مداهمة تستهدف معامل خياطة، ومحلات بيع ملابس نسائية، حيث تقوم بمصادرة بعضها بحجة أنها غير محتشمة، ومخالفة اللباس الشرعي.. وبين الفترة والأخرى، تستهدف هذه الميليشيا عدد من محلات بيع المعاطف والعباءات النسائية بمبرر أنها تثير الفتنة، وتجلب الانتباه.

كما أجبرت هذه الجماعة نساء صنعاء، والمناطق التي تقع تحت سيطرتها، بعدم ارتداء العباءات التي تحتوي على ربطة في المنتصف، وتوعدوا بمعاقبة كل من تخالف الأوامر، إضافة إلى تكليف عناصر نسائية لملاحقة النساء والفتيات، اللاتي يرفضن الالتزام بالضوابط المحددة في مختلف الأماكن، خصوصًا الجامعات.

وفي حديث الطالبة نسيبة حمود، لـ "المجهر" فإن مليشيا الحوثي أسست ملتقى الطالب الجامعي، بغرض النشاط الطلابي والنقابي لصالح الحوثيين؛ لكن مؤخرًا تحول إلى أداة من أدوات شرطة الأخلاق، مهمتها مراقبة الطلاب والطالبات، ومنع الاختلاط داخل ساحة جامعة صنعاء، وكذلك حديث الزملاء مع الزميلات.

وتضيف الطالبة: "يجري القبض على الطالب داخل جامعة صنعاء، لمجرد حديثه مع زميلته.. الهيئة الرقابية التابعة لشرطة الأخلاق، ترفع بلاغات يومية، ليتم حجز طلاب وطالبات من قبل الأمن الجامعي، وإلزامهم بدفع غرامة، والتوقيع على تعهد والتزام خطي، بعدم تكرار الحادثة".

هكذا كان للمرأة اليمنية، نصيب الأسد من تلك الممارسات والإجراءات المجحفة، والتي تتنافى مع الواقع والمجتمع، والبعيدة عن الشريعة الإسلامية السمحة.

نماذج انتهاكات

يبدو أن ظاهرة تقييد حركة المرأة وحرياتها قد برزت كثيرًا خلال الفترة الماضية، خصوصًا تبعًا لمنع النساء اليمنيات من السفر في الداخل اليمني والخارج تحت أية ظروف كانت، ناهيك عن حرمانها من أحقيتها في الخروج والتسوق والتنقل إلا بضوابط ومعايير مفروضة ومشروطة من قبل الحوثيين .

تفاجأت بشرى محمد، 40 عامًا، الشهر الماضي، بقرار منعها من السفر عبر مطار صنعاء، بحجة عدم وجود رجل يرافقها أثناء رحلتها العلاجية إلى القاهرة.. لم تكن تدرك وقتها أن هناك توجيهات تمنع سفر النساء بمفردهن، من صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

تقول في حديثها لـ "المجهر": "كنت مسافرة القاهرة، لكن الحوثيون منعوني.. قالوا ما عندي محرم يسافر معي، خرجت لهم أوراق العلاج بروح القاهرة، أعمل عملية للحصوات، وعلمتهم بصورة ابني الذي سيعالجني هناك لكنهم رفضوا".

“شيعة شوارع”.. الحوثيون ورقة طهران المؤقتة لتوسيع نفوذها في المنطقة

وبنبرة أشد حزنًا تضيف بتساؤل: "ما فائدة هذه القرارات، يخسروا المواطن قيمة تذاكر، ومعاملات من أول وجديد.. اتصلت لأخي يطلع من إب يعامل على تذكرة مقعد ونسافر.. أمرهم لله".

ما حدث لهذه المرأة يعد نموذجًا يعكس الأساليب التي تتعامل بها ميليشيا الحوثي مع النساء، وما تفرضه من قرارات للتضييق على المجتمع، وتقييد حرياته، وتنقلاته .

منع سفر المرأة بمفردها وتقييد حرية النساء في الأعراس، ومصادرة العباءات النسائية من المحلات وإحراقها، بعدما قالوا إنها تبرز مفاتن المرأة، وتساهم في نشر الفساد في الوسط اليمني، ناهيك عن إغلاق المطاعم والعديد من الكافيهات بذريعة الاختلاط.. هذه الإجراءات والممارسات القمعية لا تختلف كثيرًا عن تلك المواقف التي تقوم بها الجماعات الإرهابية في دول العالم.

" سفر" مشروط

منذ الوحدة اليمنية كان السفر للنساء ممكنًا بحرية، من دون شروط خلال الرحلات الخارجية، وبدون أية عراقيل أو عقبات أثناء التنقل بين مدن اليمن، لكن ما يحدث اليوم، هو انعكاس آخر لمآسي حرب الحوثيين، التي تتهاوى على الشعب .

وبالرغم من قدرة النساء على الحركة داخل البلد، وخارجه، إلا أن منع الحوثي لسفر المرأة بدون محرم، ينسف قدرتها على الحركة في مناطق سيطرة الميليشيا بشكل نهائي.

الطالبة ثريا محسن، تدرس قسم صيدلة بجامعة صنعاء، اعتادت أن تقضي فترة الإجازة الدراسية من كل عام، وسط أسرتها في مدينة عدن، إلا أن إجراءات الحوثيين الخاصة بتوكيل السفر من قبل ولي الأمر حال بينها وبين قرارها،

إذ رفض مكتب النقل منحها تذكرة خاصة بالسفر إلا بمرافقة محرم، أو بحضوره إلى الشركة، وتوقيع وثيقة تضمن مسؤولية سفرها، أو توكيلًا خطيًا من والدها، حتى يسمح لها بالسفر.

توضح ثريا: "ذهبت إلى شركة نقل محلية في صنعاء من أجل حجز تذكرة سفر إلى عدن لزيارة أسرتي في بداية العام، قالوا ممنوع السفر إلا بوكالة من الأب، أو الأخ.. تراجعت عن فكرة السفر هذا العام طالما المرأة في مناطق الحوثي لازم تسافر مع محرم، أو ممنوع السفر".

من جهتها كتبت الصحافية فاطمة الأغبري على صفحتها في فيسبوك بأنها تعرضت للرفض ذاته: "ذهبت إلى مقر شركة باصات الراحة، أخبروني أن عندهم أوامر تمنع إعطاء التذاكر للنساء المسافرات بمفردهن.. هؤلاء الحوثيون عادهم أدعش من داعش".

وتضيف: "لأنني امرأة أسكن في مناطق سيطرة الحوثيين لا أستطيع السفر إلا بمحرم.. هكذا قرروا وكأن مشكلات اليمن انتهت كلها، ولم يتبقَ سوى قضية سفر المرأة سبب الحرب والحصار".

إجراءات تعسفية

تقول المعلومات بأن الحوثيين أصدروا توجيهات لشركات النقل والسفر المحلية، توجب مرافقة محرم للنساء عند السفر بين مدن ومحافظات البلد .

حيث تفيد المؤشرات أن حوادث التشديد واشتراط وجود محرم أثناء تنقل النساء، تكررت بشكل كبير خلال السنوات الماضية في مناطق سيطرة الحوثيين، وتكثر مطالبة الرجال المسافرين مع النساء بإثبات علاقة القرابة، وإبراز وثيقة عقد الزواج أو الهوية التي تثبت صلة الرجل بالمرأة.

تأتي هذه التعليمات من هيئة النقل البري التابعة للحوثيين، بحيث يتعرض الشخص غير الملتزم بالتوجيهات للمساءلة القانونية والسجن .

تبعًا لحديث مدير إحدى شركات النقل البري بصنعاء، يؤكد: "نزل تعميم على شركات النقل ونموذج استمارة بيانات، تشترط تعبئتها أي امرأة يمنية تريد السفر إلى مدينة أخرى.. أيضا هناك بند يضم موافقة ولي أمر المرأة وما دون ذلك، فالسفر ممنوع لأي امرأة وتحت أية ظروف كانت، سواء كبيرة في السن أو مريضة".

يتابع لـ "المجهر": "شركات النقل ملزمة برفع صور هوية المسافرة والمؤكل، أو ولي الأمر إلى هيئة النقل، والتي تتكفل بالسماح لنا بالعبور في النقاط العسكرية التابعة للحوثيين بموجب تصريح يفيد بذلك".

يرى البعض أن هذه التوجيهات تعبر عن وجهة نظر أصحابها الحوثيين، والذين يريدون وضع المرأة في قالب الوصاية.. كما توضح مدى تخبط الميليشيا في ساحة القمع، وتضييق الحريات، وفرض القيود على النساء، في جميع مناحي الحياة.

السفر حق أساسي

ولأن دور المرأة في المجتمع يفرض منحها الحق في التنقل والسفر داخل البلاد وخارجها، فالسفر بمفردها لم يعد جريمة تبعًا للقانون اليمني الذي يساوي بين الرجل والمرأة، ويكفل حرية التنقل من مكان لآخر في الأراضي اليمنية لكل مواطن، ولا يجوز تقييدها إلا في الحالات التي يبينها القانون لمقتضيات أمن وسلامة المدنيين وحرية الدخول إلى الجمهورية اليمنية والخروج منها، ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن الأراضي اليمنية أو منعه من العودة إليها.

وعلى الرغم من عدم قانونية قرارات منع النساء من السفر بمفردهن أو اشتراط وجود المحرم، إلا أن الحوثيين ما زالوا يعملون بها حتى اليوم .

كل ذلك من أجل أن تعود المرأة إلى المنزل لتمارس أدوار محددة، دون الوعي بأن المرأة اليوم أصبحت تعمل لتعيل نفسها وأسرتها، فالعمل يتطلب تنقلات بين المدن والدول.

مليشيا الحوثي من خلال ذلك تحاول تسويق نفسها على أنها حارسة للفضيلة والضوابط الشرعية والأخلاقية، في حين تكتظ زنازين الجماعة بالنساء اللواتي تم اختطافهن من المنازل والشوارع دون وجه حق، فضلًا عن مقتل المئات من النساء بالألغام التي زرعتها الجماعة في المدن والجبال والأحياء السكنية .

يصف حقوقيون قرار منع المرأة من السفر دون موافقة ولي الأمر، بأنه أنهى هامش الحرية المتاحة للنساء، والتي وصلت إلى أقصى مستوياتها، حيث تعد قرارات تعسفية قد تقود الحوثيين إلى مزيد من الانتهاكات، واتساع دائرة القيود المفروضة التي تأتي ضمن سياسة قمع الحريات بشكل عام، والمرأة خصوصًا.

تحجيم وجود المرأة

المنظمات الحقوقية والمدنية في اليمن أكدت بأن الحوثي يسعى إلى تقويض حريات النساء، وحقوق الفتيات.

فالتقارير وثقت عددًا من الانتهاكات التي تمارسها الميليشيا من ممارسات تعسفية بحق عدد من النساء، إضافة إلى تعرضهن لعمليات ابتزاز بتهمة السفر دون محرم، لكن التوثيق لا يكفي، فقد دعت هذه المنظمات الحوثيين إلى التوقف عن استهداف المرأة، وحضورها في الحياة والمجتمع.

لم تكن اجراءات منع السفر هي البادرة الأولى التي تمارسها ميليشيا الحوثي تجاه المرأة في اليمن، ففي وقت سابق عمل هؤلاء على منع الفتيات من العمل وحرمانهن من مصادر الدخل، بحجج عقائدية، وإلزامهن بطقوس تتناسب مع عقيدتهم .

بين فترة وأخرى يصدر الحوثيون تعميمات وقرارات تقصي المرأة وتساهم في التضييق على النساء.. هذه الانتهاكات ليست سوى جزء صغير من ممارسات عديدة توضح أو تبين توجهًا خطيرًا لتحجيم وجود المرأة في الحياة العامة، وإنهاء جميع المكاسب التي كافحت من أجلها على مدى سنوات كثيرة.

تطييف المجتمع

يرى كثيرون أن هذه الإجراءات تخدم الأهداف الدينية والسياسية على حد سواء، وتأتي لإرضاء الجناح الأكثر تشددًا من الحوثيين، الذين يستلهمون أساليب القمع من النموذج الإيراني، ونموذج نظام طالبان لتركيع المجتمع.

ويؤكد اجتماعيون بجامعة صنعاء أن الميليشيا تريد خلق مجتمع نمطي يتصف بالولاء والتبعية، بحيث لا يجرؤ أبناء الشعب على تجاوز نهج وسلوك جماعة الحوثي .

مشيرين إلى أن الجماعات المتطرفة تسعى لإجبار المجتمعات التي تسيطر عليها، على السير وفق منهج محدد، وتقوم بمعاقبة المخالفين، ووصمهم بتهم جسيمة.

هكذا باتت ممارسة الحريات الفردية، في زمن الحوثيين، تمردًا وسلوكًا ينبغي قمعه، وعدم السماح بتكراره وتقليده، إضافة إلى حرمان الجميع من التفكير خارج ذهنية الجماعة ومؤسسيها.

بهذه الأساليب تحاول ميليشيا الحوثي منذ أعوام تطييف المجتمع، وغرس فكرة الطائفية الشيعية؛ لكن يبدو أن الضغط عادة يولد الانفجار، فالمجتمع في مناطق سيطرة الحوثي، يمر بحالة من التذمر والحنق الشديد من هذه التدخلات في خصوصيات المرأة والمجتمع المدني.. الأمر الذي قد يؤدي إلى انفجار الشعب في محاولة للتخلص من امتداد هذه الجماعات الدينية، وإعادة البلد إلى الحكم الجمهوري.