المجهر- تقرير خاص
شهدت العلاقات السعودية الإيرانية منذ سنوات توترا كبيرا، نتج عنه احتقان سياسي معقد بين البلدين وصراع محموم حول نفوذ طهران المتسارع في المنطقة، الذي تمكن عبر أدواته من السيطرة على أربع عواصم عربية، شكلت تهديدا حقيقيا لأمن الخليج والسعودية في المقام الأول.
لم يكن الصراع السعودي الإيراني وليد اللحظة بل سبقته مراحل من التجاذبات والتراشق الإعلامي والسياسي والدبلوماسي بين الجانبين حتى وصل إلى قطع الرياض علاقاتها كاملة بطهران إثر حادثة احراق السفارة السعودية في مدينة "مشهد" الإيرانية على خلفية إعدام الرياض في العام 2016 رجل الدين ذا التوجه الشيعي نمر النمر ضمن مجموعة تمت إدانتهم بقضايا إرهاب.
وبعد أكثر من سبع سنوات من القطيعة عاد الحديث عن اتفاق سعودي إيراني محتمل بين البلدين اللدودين، حتى تم الافصاح رسميا عن عودة العلاقات بينهما في العاشر من مارس/ آذار الجاري، بوساطة صينية بعد أشهر من المحادثاث بين دبلوماسي البلدين في عُمان والأردن والعراق.
نقاط الاتفاق
ومع عودة العلاقات السعودية الإيرانية أفصح الطرفين على بنود الاتفاق التي تؤسس لمرحلة قادمة يكتنفها الغموض ستشهدها المنطقة، حيث اتفقا على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهرين من تأريخه.
اتفاق الرياض وطهران تضمن أيضا تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، على أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعا لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما.
وضمن بنود الاتفاق التي قالت الدول الثلاث أنها تحرص على بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الاقليمي والدولي، اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقعة في 2001 والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة في عام 1998.
اقرأ أيضا: اليمن: ثنائي الحصار والخذلان يخنقان مدينة تعز
وتباينت ردود الأفعال الدولية حيال هذا الاتفاق، وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية التي أشارت إلى أنها كانت على علم مسبق بهذا الاتفاق، وقالت واشنطن عبر متحدث الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي أنها "ترحب بأي جهود تساعد في إنهاء الحرب باليمن وخفض التوتر في الشرق الأوسط".
ويضيف كيربي أن بلاده ترحب بالاتفاق إذا ما تم الحفاظ عليه وأدى ذلك إلى نهاية حرب اليمن، مبديا حرص بلاده على أن السعودية ستكون غير مجبرة عن مواصلة الدفاع عن نفسها نتيجة هجمات الحوثيين.
ويشكك المسؤول الأمريكي في جدية التزام طهران بالاتفاق قائلا: "سنرى إذا ما كان الإيرانيون سيحافظون على تعهداتهم ضمن الاتفاق"، فيما يشدد على التزام بلاده بالركائز الأسياسية التي حددها الرئيس بايدن، المتمثلة بالدبلوماسية وخفض التصعيد في المنطقة.
ردود الأفعال
الإعلان استئناف العلاقات السعودية الإيرانية تبعه ردود أفعال متباينة، بين مرحب بالاتفاق ومتحفظ، وكانت البداية من الخارجية العمانية التي أعربت عن أملها في أن يسهم استئناف تلك العلاقات في تعزيز ركائز الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو الأمر ذهبت إليه الخارجية العراقية التي قالت أن صفحة جديدة قد بدأت بموجبه.
وعربيا أيضا، أعلنت الخارجية المصرية أنها تابعت الاتفاق باهتمام بالغ، وتطلعت في أن يسهم في تخفيف حدة التوتر في المنطقة يعزز من دعائم الاستقرار والحفاظ على مقدرات الأمن القومي العربي، فيما أعرب الأردن عن أمله في أن "يسهم الاتفاق السعودي الإيراني في تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة".
حلفاء إيران في المنطقة العربية رحبوا بالاتفاق حيث وصف حسن نصر الله الاتفاق بـ" الأمر الجيد"، مؤكدا بأنه في مصلحة شعوب المنطقة، ومشيرا إلى أنه سيفتح آفاقا جديدة فيها، فيما ذهبت جماعة الحوثيين ذراع طهران في اليمن للحديث على أن المنطقة كانت بحاجة لعودة العلاقات الطبيعية فيما بينها.
وبدورها لم تعلق الحكومة اليمنية عن موقفها من الاتفاق بشكل واضح، وطالبت إيران بالكف عن سلوكها المزعزع للأمن والإستقرار في اليمن والمنطقة، في إشارة إلى استمرار طهران بتهريب الأسلحة إلى الحوثيين، فيما رحب المجلس الانتقالي (المُطالب بفصل جنوب البلاد) بالاتفاق، وتطلع إلى أن يسهم ذلك توطيد أمن واستقرار المنطقة.
الاتفاق.. والملف اليمني
بعد الاتفاق السعودي الإيراني، اتجه محللون للحديث عن تداعيات الاتفاق على الملف اليمني، وتعقيدات المشهد في البلاد التي تشهد حربا طاحنة بين حلفاء الرياض وحلفاء طهران منذ أكثر من ثمانِ سنوات، وبالتزامن مع التعثر المستمر في الوصول إلى سلام مستدام يضمن انخراط الأطراف اليمنية في تسوية سياسية شاملة.
يعتقد الصحفي صلاح أحمد غالب أن اسئناف العلاقات السعودية الإيرانية ليس له أي صلة بالحرب في اليمن، مؤكدا أن قطع العلاقات بين البلدين في 2016 جاء بعد عام من انطلاق عاصفة الحزم بقيادة السعودية.
ويوضح أن الملف اليمني لا علاقة له بالاتفاق، لأن الحرب في البلاد مستمرة بوجود أسبابها المتملثة بانقلاب جماعة الحوثي على السياسة التوافقية، وسيطرتها على السلطة بقوة السلاح، حد وصفه.
فيما يتحدث الصحفي سمير اليوسفي لـ"المجهر" أن الاتفاق يمثل مكسبا ثمينا السعودية ورؤية 2030 ، مشيرًا إلى أنها قادت تحولات نهضوية جذرية خلال العامين الماضيين، الأمر الذي مكنها من أن تصبح مركزا للقرار بثقل عالمي.
ويضيف اليوسفي أن صلابة موقف السعودية يتزامن مع ضعف دور إيران وتضاءل تأثير أدواتها في المنطقة، معتقدا أن تلك الأدوات ليست سوى مهددات للسلم العالم، وقد تتلاشى إذا لم تستجب للمتغيرات.
ويؤكد أن هذا الاتفاق إن صاحبته جدية في التنفيذ سيكون رافعة للأمن والاستقرار للمنطقة وصولاً لشراكة اقتصادية استراتيجية شرق أوسطية قوامها تنفيذ خارطة الحزام والطريق التى ترعاها الصين وتشارك فيها السعودية وإيران بفاعلية .
ويرى الدبلوماسي اليمني محمد جميح أن الاتفاق يصب في مصلحة الدبلوماسية الصينية التي رعته لأهدافها الاقتصادية والجيوسياسية، وللرياض وطهران إذا كفت عن سياسة كسب الوقت بالاتفاقات، فيما يعتقد أن الاتفاق سيحقق فائدة للملف اليمني إذا أحسنت الأطراف استغلاله لصالح سلام شامل وعادل.
الحوثيون أم الشرعية.. من الخاسر؟!
في تغريدة له على منصة تويتر، يقول أحمد المسيبلي مستشار وزير الإعلام اليمني معلقا على الاتفاق السعودي الإيراني "اليوم سقط مشروع الحوثيين الانقلابيين في اليمن".
ويضيف المسيبلي: بهذا الاتفاق سيتم عزل جماعة الحوثي وبشكل كامل محليا وأقليميا ودوليا، وليس أمامهم من خيار إلا الرضوخ للسلام والتفاوض مع المجلس الرئاسي أو مواجهة مصيرهم المحتوم، حد قوله.
فيما يعتقد الصحفي عبدالله المعمري أن الأيام القادمة ستشهد هجرات لقادات جماعة الحوثيين إلى خارج البلاد، إلى جانب تصفيات لأبرز القادة في الجماعة بعد تخلي إيران عنهم وفقا للاتفاق السعودي الإيراني.
ويرى الدكتور عبدالقادر الجنيد أن إيران والحوثيون هما الرابحين إلى جانب الصين من هذا الاتفاق، مستدلا على أن طهران كانت تعيش وضعا اقتصاديا مزريا إثر انهيار عملتها المحلية وسيعمل الاتفاق على انعاش الاقتصاد الإيراني من خلال فتح الأسواق السعودية لها.
ويضيف الجنيد أن الاتفاق يعد مكسبا للحوثيين ذراع إيران في اليمن، موضحا: الحوثيون، قد ابتلعوا غنائم ضخمة وشرعنة وقانونية ويحتاجون لفترة زمنية ليهضموا ما امتلأت به بطونهم تماما مثل ثعبان الأناكوندا الضخم بعد أن يبتلع حمارا وحشيا كبيرا ويحتاج لأن يرتاح بعدها لفترة طويلة ليتمكن من الهضم".
وبين هذا وذاك يبدو الحديث عن الخاسر والرابح في اليمن من الاتفاق السعودي الإيراني مجرد تكهنات، إذ يتوقف ذلك على طرفي الاتفاق التي تمسك بزمام حلفائها في اليمن والمنطقة، طهران والرياض هما من سيقرران ما سيؤول إليه مستقبل الملف اليمني.
محللون رأوا أنه من المبكر جدا الحديث عن تداعيات الاتفاق السعودي الإيراني على الحرب في اليمن لكنهم أبدوا أملهم في أن يساهم ذلك في الوصول إلى تسوية سياسية شاملة في البلد الذي حربا منذ أكثر من ثمان سنوات، تسببت في أسوأ كارثة إنسانية في العالم.