المجهر- تقرير خاص
في زيارة نادرة إلى مدينة صنعاء، الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، منذ بداية الحرب، يجري وفد سعودي وآخر عماني منذ السبت الماضي محادثات سلام مع "أنصار الله" الحوثيين، برئاسة السفير السعودي محمد آل جابر.. كل ذلك في سبيل التوصل لحل سياسي شامل، واتفاق دائم لإنهاء الحرب، وإحياء عملية السلام في البلد.
ونشرت بالأمس وكالة سبأ، التابعة لسلطة صنعاء، صورًا توضح التقاء وتصافح الوفد ورئيس ما يسمى بالمجلس السياسي، مهدي المشاط، وأخرى وهما يتوسطان وفدًا عمانيًا، يقود الوساطة بين الجانبين، حيث أثار هذا التقارب تفاعلًا واسعًا في وسائل التواصل الاجتماعي، وسخطًا كبيرًا لدى سياسيين ومثقفين يمنيين.. لذا يسعى موقع "المجهر" رصد غالبية الآراء السياسية في الساحة اليمنية، وتتبع حديث أبرز الشخصيات، وكيف انقسم اليمنيون بين مؤيد ومعارض، ناهيك عن سخرية الكثيرين.
السلام مطلب أساسي
يقول وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني في تغريدة، إن الحكومة الشرعية أكدت منذ اللحظة الأولى للحرب التي فجرها الانقلاب الحوثي، المدعوم من إيران، وعلى مختلف المستويات، وفي مختلف المنابر والمراحل والظروف التي مرت بها البلاد، حرصها وسعيها لتحقيق السلام الشامل والعادل والمستدام، الذي يضمن عدم تكرار دورات الصراع، ويحفظ تضحيات الشعب، وحقوقه وكرامته.
ورحب مختار الرحبي، صحفي سابق بالرئاسة اليمنية بهذا التقارب، قائلًا: "خطوات إيجابية تجري في صنعاء بين وفد السعودية وجماعة الحوثي، قد تضع حد لحرب استمرت ثمانية أعوام، دفع ثمنها الشعب اليمني، وهو الوحيد الذي يحق له الفرح والسرور، والترحيب بأي خطوة تنهي الحرب والدمار.
وتساءل عبدالقادر عثمان، صحفي لدى الجماعة، عن ما إذا كانت السعودية قد شعرت بالهزيمة، ليشير في حديثه إلى أن صور الوفد السعودي هي أكبر هزيمة للسعودية.. "بالأمس توعدت بدخول صنعاء، واليوم تمد يدها للسلام، بعد أن تأكدت لها هزيمتها".
كما عبر الوزير السابق، خالد الرويشان عن استغرابه، واصفًا لقاء الوفد بالمشاط بفرقة إنشاد في ليلة رمضانية.. "اعقلوا، اليمن الكبير، والجمهورية أولًا، هذه عقيدة 35 مليون يمني".
وتحدث أصيل سارية، صحفي يقيم بصنعاء: "انتهى العدوان، وسقطت أعذار التضييق على الحياة والحريات، وسقطت الجبايات باسم الجبهات، وسقطت أعذار التصرفات الفردية.. الآن المواجهة مع الشعب".
وبالمقابل علق الدكتور اسماعيل الكبسي: "عندما أشاهد لقاء الوفد السعودي بالحوثي في صنعاء.. أرى فيه أن الطرفين يأخذون صورًا تذكارية، ولا علاقة للشعب اليمني بما يحدث".
ويصف عبدالوهاب نمران، قيادي مؤتمري أن الحرب يمنية إيرانية، وأنه عندما اتفق السعوديون مع الإيرانيين، وصل آل جابر صنعاء، مشيرًا إلى أن الجميع مع السلم، والسلام لتخفيف معاناة الشعب اليمني، لكن يؤكد أن الميليشيا عدوة السلام، ولن تجنح له.
يوافقه عبدالرحمن أنيس، مدير تحرير صحيفة 14 أكتوبر: "قناعتي بما يجري هو سلام مشوه يحمل في طياته بذور صراع قادم، ومع ذلك نقول حي على السلام".
ويشير علي العمراني، دبلوماسي وسفير في الحكومة الشرعية إلى أن السلام الحقيقي في اليمن ما زال بعيد المنال، وأنه مهما كثر الحديث عن السلام مع الحوثي فهو مجرد وهم، والأكيد أنه سيستمر بالتشبث بالسلاح والعنف والتعبئة، كما كان في حروبه السابقة.. "منذ 20 عامًا والحوثي يخوض حربًا مقدسة".
ويسخر عبدالسلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات، قائلًا: "لا الحوثي حقق حلمه بالوصول إلى مكة، ولا الشرعية حققت هدفها باستعادة صنعاء، ولا إيران حققت طموحها باخضاع السعودية، ولا السعودية قضت على مخاوفها باسقاط النظام الملالي.. الكل اكتفى بجولة من جولات الصراع عن الحد الذي لا يذهب الصراع إلى اندلاع حرب إقليمية مباشرة بين طهران والرياض.
من جهته، كتب عبدالرحمن أنيس متسائلًا: "من يقول أن الاتفاق القادم يمثل نصرًا سياسيًا لطرف.. لقد قلناها ونعيدها سيخرج كل طرف بنصف نصر، ونصف هزيمة، لا غالب ولا مغلوب في هذا الاتفاق".
وفي ذات السياق، يرى الصحفي بشير الحارثي أن حقيقة ما يحصل اليوم، لا علاقة له بالسلام الذي ينشده اليمنيون، وأن طريق السلام معروف، تتمثل بعودة الشرعية، وإنهاء الانقلاب، وتسليم السلاح ، وفقًا للقرار الأممي، 2216، أما سلام عنوانه تطبيع الأوضاع مثلما هي عملية دخول اليمن في مرحلة اللا سلم واللا حرب، هو ترحيل الحرب لفترة مقبلة، ستكون أشد قساوة وضراوة.
ويؤكد المحامي محمد المسوري، قيادي في حزب المؤتمر، أنه لن تستمر أي اتفاقية سلام مع الحوثي، تبعًا لأنه سينقلب كعادته، وسيزعم أن الأطراف الأخرى هي السبب، ومن المحتمل أنه سيوقع على الاتفاقية التي يجري التوافق عليها، كي يظهر بأنه مع السلام، لكنه لن يلتزم، وعشرات الاتفاقيات السابقة تؤكد هذه الحقيقة.
ترحيب حذر
وبالتزامن مع هذه التطورات، قال رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الركن صغير بن عزيز أن الدماء التي قدمت في ميادين العزة والكرامة ضد جماعة الحوثي لن تذهب هدرًا، مؤكدًا أن أفراد الجيش ماضون قدمًا في تحقيق السلام، والأمن والاستقرار لليمن، سواء بالقوة أو بغيرها.
وشدد مبخوت الشريف، رئيس حزب الإصلاح، على أن الكل يعلم بأن مأرب بجميع أبنائها والنازحين إليها هي من كسرت المشروع الإيراني، الذي أراد ابتلاع اليمن، والتمكين لأقلية دموية، وكما انتصرنا عسكريًا سننتصر سياسيًا، فالصراع له وجهان (عسكري، وسياسي)، وعلينا الآن أن نستعد للوجه الثاني، مع بقاء اليد على الزناد.
كما لفت عدنان الجبرني، صحفي بوزارة الدفاع، إلى أن معركة اليمنيين، ونضالهم من أجل الحرية والكرامة والجمهورية، والمواطنة المتساوية، لم ولن تنتهي إلا بتحقيق هذه الغايات، وأي تحول للمواجهة لا يضمن تحققها فإن بنادق المقاومين لن تبارح أكتافهم، بل سيضاعفون قوتهم، وعتادهم، لإنجاز خيار الشعب في العيش الكريم، وهزيمة الإرهاب الحوثي.
ويستذكر محمد النقيب، قيادي في المجلس الانتقالي أن الدماء التي سالت بسخاء وغزارة في ساحات وميادين الجنوب، السلمية والعسكرية القتالية، قد صاغت شروط السلام، ومحت وإلى الأبد المشاريع المنتقصة، وقررت مصير الجنوب، وحددت المستقبل الذي يجب أن يعيش فيه شعبنا بدولته المستقلة كاملة السيادة.
يضيف توفيق الحميدي، رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، أن السلام الذي لا ينتصر للضحايا، ولا يفكك منظومة الحرب القتالية والمالية والإعلامية، ويطبع الحياة المعيشية والاقتصادية، ولا يؤسس لخط تصالحي ينتهي بعودة الإرادة الشعبية الحاكمة، ويتجاوز حقوق الضحايا وحقهم في الإنصاف والمسآلة.. "أعتقد ما يجري هو هدنة مؤقتة لاستئناف دورة عنف سياسي جديدة".
من جهته يقول الناشط رامز الشارحي، في صفحته على فيسبوك: "الشعب الذي صمد في وجه ترسانة الحوثي لم يخسر المعركة، لم يواجه الحوثي سواه ولم يبدل مواقفه، اما الشرعية فقد خلقت عاجزة منذُ يومها الأول، يوم ميلاد المبادرة الخليجية بجنين مشوه خلقيًا خلف للبلاد كل هذه المتاعب. لم يستطيعوا إدارة المعركة الإعلامية وهم الذين يمتلكون كل الوسائل والأدوات لمواجهة ذلك، نخب تافهة حملت مصالحها وتركت هموم الناس في كومة الملفات المتراكمة".
ويستطرد في حديثه: "تقلصت مطالبنا من هذه النخب التعيسة ولم نعد نطالبهم سوى بإدارة المعركة الإعلامية مع الحوثي ومنع الخسارة التي يلعب عليها الحوثي ،ستكلف البلاد الكثير. ساعدوا الشعب في التماسك وهو جدير بإدارة معركة على الأرض وكتابة الخلاص".
سلام مشوه
يعتقد الدبلوماسي عبدالوهاب طواف أن الخلاف بين المملكة العربية السعودية، والحوثيين قد وجد له مسارات للحل، أما بالنسبة لمشكلة الشعب اليمني مع إيران، وذيلها في اليمن، فما زالت عالقة، وفي وضع أسوأ حالًا مما كانت عليه في مارس 2015.
ويرى بأن ما حدث في الصين، ويطبخ في مسقط، جميعها جهود تصب في صالح العديد من الدول، إلا أنها لا تعني شيئًا للشعب اليمني، ولا تخدم استقراره، ولن تحقق له السلام والأمن، ولا تبسط له دولة.
يوافقه الرأي، عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي، سالم العولقي الذي أوضح بأنه مهما تجزأت الملفات والمراحل الخاصة بصناعة السلام، سيقى الأخير وهمًا وسرابًا طالما بقت جماعة الحوثي تعتقد وتعمل على ابتلاع الآخرين.
ويفيد بأن المبعوث الأسبق جمال بن عمر، زار صعدة قبل سقوط صنعاء بأيام، حيث دار حوارًا بين الطرفين: "«قال عبدالملك الحوثي، إن مناطق الشمال حقنا، حكمناها وسنحكمها من جديد.. سأله بن عمر، والجنوب؟، فأجاب الحوثي سنقاتل فيه حتى آخر رجل» هذا هو مفهوم السلام عند الحوثي، ومفهومنا للسلام أن الجنوب حقنا، وخط أحمر على الجميع".
وتذكر المعلومات بأن الحوثي رفض مبادرة السعودية المقدمة 2021، وقبلها يوم أمس بإيعاز من إيران بعد التقارب السعودي الايراني.
رؤية سعودية
وقف الحرب في اليمن.. تعد خطوة مهمة في طريق إحلال السلام، بحسب عبدالرشيد الفقيه، نائب رئيس منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، الذي يؤكد بأنه لن يتحقق السلام في اليمن إلا بعملية واسعة تراعي تحقيق مصالح جميع اليمنيين واليمنيات، وفق محددات دولة ديموقراطية حديثة، تضمن سيادة القانون والمساواة، والتعددية السياسية، وكذلك حقوق الإنسان.
وتأتي زيارة السفير السعودي إلى صنعاء، لتثبيت الهدنة الإنسانية، والدفع بالمكونات السياسية نحو سلام دائم كما يقول "آل جابر" حيث اكتسبت جهود السلام قوة دافعة بعد اتفاق الرياض وطهران على استئناف العلاقات بموجب اتفاقية بكين.
وتؤكد مصادر مطلعة لـ "المجهر" أن جماعة الحوثي توافق مبدئيًا على المشاركة في لقاء مكة، والذي سيقام خلال الأيام القادمة، وأن هذه الجماعة بصدد تشكيل وفد التفاوض، كما تشير المعلومات إلى أن النقاش مستمر بين الوفدين السعودي العماني، وطرف الحوثيين لبنود التسوية، ولن يجري اجتماع مكة إلا بعد التوصل لتوافق نهائي على مختلف القضايا، بينها تفاصيل تتعلق بصرف المرتبات.
الجدير بالذكر أنه سبق أن زارت وفود سعودية العاصمة صنعاء، لإجراء محادثات حول عمليات تبادل الأسرى مع الحوثيين، لكن هذه الزيارة استثنائية، ورفيعة المستوى حد وصف سياسيين- تأتي في خضم مساع إقليمية ودولية للدفع بأطراف الصراع تجاه حل سياسي يفتح الباب أمام السعودية للخروج من الحرب، وإسدال الستار على النزاع بين حكومة الشرعية وجماعة الحوثي.
وتستمد هذه الجهود زخمها من اتفاق السعودية، التي تقود تحالفًا عسكريًا بجانب الشرعية، وإيران، التي تقف خلف دعم الحوثيين، بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من القطيعة.
وبحسب كثيرون فإن السلام في اليمن يعد أولوية لدى السعوديين؛ لكنه من دون الإيرانيين وتعاونهم لم ولن تكون الأمور لتسير بمثل هذه السرعة، كما يرى مراقبون أن الصراع باليمن هو حرب بالوكالة بين إيران والسعودية.
وتفيد مصادر حكومية لـ "المجهر" بأنه مؤخرًا وافق أعضاء المجلس الرئاسي، على تصور سعودي بشأن حل الأزمة اليمنية، وذلك بعد مباحثات سعودية حديثة استمرت لشهرين في مسقط، وتشير المصادر إلى أن التصور السعودي للحل في اليمن يقوم على الموافقة على هدنة لمدة 6 أشهر، في مرحلة أولى لبناء الثقة، ثم فترة تفاوض لمدة 3 أشهر حول إدارة المرحلة الانتقالية، والتي تستمر سنتين، يجري خلالها التفاوض بشأن الحل النهائي والجذري للأزمة اليمنية.
اقرأ أيضا: البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي يستعرض جهود حل الأزمة اليمنية