السبت 23/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

اليمن: المراكز الصيفية.. حرب الحوثيين الناعمة لتطييف عقول الصغار

اليمن: المراكز الصيفية.. حرب الحوثيين الناعمة لتطييف عقول الصغار

المجهر- تقرير خاص

أواخر أبريل/نيسان المنصرم أعلن الحوثيون أن قرابة مليون ونصف المليون طفل سيلتحقون بالمراكز الصيفية التابعة للجماعة هذا العام، وأعقب ذلك ردود أفعال تحذيرية حول خطورة هذه المراكز على أطفال اليمن ومستقبل السلام في البلاد بعد ثمانِ سنوات من الحرب.

الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، خرجت عن صمتها وأطلقت تحذيرا للمواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي بعدم الدفع بأطفالهم إلى تلك المراكز التي وصفتها بـ"المعسكرات"، موضحةً أنها تمثل وباءً فكريًا، وتلوثًا عقليًا وخطرًا آنيًا ومستقبليًا على النشء.

مراكز صيفية

المسؤول الأول للمراكز الصيفية هو وزير التربية والتعليم في الحكومة غير المعترف بها يحيى بدر الدين الحوثي (شقيق زعيم الجماعة)، وتنقسم هذه المراكز إلى قسمين أساسين أحدهما خاص بالأطفال والآخر خاص بالنساء، ويتم تقسيم الموسم الصيفي إلى دورات مغلقة يتم تنفيذها على فترات زمنية محددة، كل دورة منها تستمر أربعين يوما.

ويعد الأطفال الفئة الأكثر استقطابا من قبل هذه المراكز، ويركز القائمون عليها على أطفال الفقراء بشكل خاص، وذلك لسهولة إيهامهم بالحصول على مقابل مادي على هيئة تكريم أو جائزة، وكذلك أبناء الفئات الأقل وعيا بخطورة هذه المراكز على الأطفال حاضرا ومستقبلا، وفق مراقبين.

وتعتبر الأرياف بيئةً خصبة لرفد هذه المراكز بآلاف الأطفال سنويا، كون تلك المناطق لم تنل نصيبًا كافيًا من التعليم، لذا دفعت مئات الأسر أبناءها إلى المراكز الصيفية دون دراية عن المخاطر المترتبة على ذلك، فيما يتم استقطاب النساء عبر إيهامهن بإقامة دورات تأهيل مهني كالخياطة والإسعافات الأولية.

"معسكرات" لا مراكز

يتحدث الكاتب والباحث اليمني عبدالله إسماعيل لـ"المجهر" قائلا بأن الأنشطة الصيفية التي يقيمها الحوثيون كل عام ليست مراكز بل معسكرات لديها برامج عملية وميدانية، حيث يتدرب الأطفال على استخدام الأسلحة، ويزورون مقابر قتلى الجماعة.

ويضيف إسماعيل بأن ما يحدث داخل هذه المعسكرات هو تشييع كامل وتغيير للمعتقد وزرع للعنصرية والطائفية، والتطرف، وهي استراتيجية حرب طويلة الأمد لجأت إليها الجماعة بعد أن وجدت رفضًا شعبيا، وذلك نابع من قناعتها أن اليمنيين يمكن أن يقلبوا عليها الطاولة في أي لحظة.

فيما يقول سعيد (اسم مستعار) من محافظة إب الخاضعة لسيطرة الجماعة أن عاقل الحارة التي يقطن فيها جاء إليه وحاول إقناعه بأن يدفع بابنه إلى أحد المراكز الصيفية القريبة، بذريعة تعلم القرآن والقراءة والكتابة.

ويوضح "دفعت بابني إلى المركز الصيفي على اعتبار أن التعلم أفضل من اللعب في الشارع، لكني فوجئت أن ما يتعلمونه داخل هذه المراكز هي كتب وملازم خاصة بالجماعة، تعزز فكرها الطائفي".

ويؤكد الأب الذي رفض الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية أن تغييرات كبيرة طرأت على ابنه بعد التحاقه بالمركز الصيفي التابع للحوثيين، مشيرا إلى أن ولده المسالم المحب للدراسة واللعب تحول إلى طفل عنيف يحب الجبهات ومتأثر كثيرا بالفكر العسكري، ودأب على استخدام مصطلحات جديدة « خونة، عملاء، مرتزقة..».

جرائم أسرية

تصاعدت جرائم قتل الأقارب في مناطق سيطرة الحوثيين، بشكل ملحوظ وبلغت أكثر من 100 حالة قتل وإصابة منذ العام 2018، ويعود ذلك إلى تأثير التعبئة الطائفية التي يتلقاها الفرد أثناء التحاقه بمركز صيفي أو دورة ثقافية لدى الجماعة، بحسب حقوقيون.

في يوليو/ تموز 2021 أقدم شخص يدعى محمد علي الحرازي على قتل والديه في محافظة المحويت بعد أيام من عودته من دورة ثقافية لدى الحوثيين، وقبل ذلك بعام واحد وتحديدا في أكتوبر/ تشرين أول 2020 ارتكب عنصر حوثي يدعى عمار الأجدع مجزرة راح ضحيتها 12 من أقاربه في البيضاء.

وشهد العام 2022 أكثر من جريمة قتل بحق الأقارب أحدها قيام شخص يدعى عصام المقري بقتل زوجته حرقًا في العاصمة صنعاء في أكتوبر/تشرين أول، وبعد ذلك بشهر واحد أقدم مسلح حوثي يدعى فارس الوادعي على قتل والده في محافظة عمران.

ومطلع العام الجاري وتحديدا في يناير/ كانون الثاني أقدم مسلح حوثي يدعى هشام وجيه الدين على قتل شقيقه في محافظة تعز، وفي ذات أردى مسلح يدعى فؤاد عران زوجته قتيلة وشخصًا آخر حاول إنقاذها في محافظة ذمار، فيما ارتكب الحوثي حسين الرعوي في أبريل/ نيسان من العام ذاته مجزرة راح ضحيتها ابنته وأولادها الثلاثة في محافظة الحديدة.

وبحسب الكاتب والباحث عبدالله فإن اليمنيين لم يشهدوا مثل ظاهرة قتل الأقارب إلا في ظل سيطرة الحوثيين، مشيرا إلى أن الجماعة تعمل على زرع التطرف في عقول الأطفال، والذي قد يصل إلى تكفير الأبوين.

"توطين الحرب"

يعتقد توفيق الحميدي رئيس منظمة سام للحقوق والحريات أن المراكز الصيفية تشكل خطورة حقيقية تهدد مستقبل اليمن، وتنسف كل الإنجازات المدنية والديموقراطية ووحدتها الاجتماعية، ويوضح في حديثه لـ"المجهر" أن هذه المعسكرات تهدف إلى توطين الحرب في عقول اليمنيين حاضرا ومستقبلا.

ويوضح الحميدي أن هذه المعسكرات تسعى إلى تحويل القوة المستقبلية التي يعول عليها العبور إلى مستقبل آمن ومستقر، مشيرا إلى أن هذه المراكز تحولت إلى ميدان معركة فكري وتعبوي من خلال مناهج منحرفة وشاذة تتعارض مع القيم الوطنية ومبادئ الوحدة والشراكة والسلام.

فيما يقول الناشط أحمد هزاع لـ"المجهر" أن خطورة تلك المراكز تتمثل بانحراف العقيدة وتحويل كل من يذهب إليها إلى قنابل موقوتة موجهة ضد يعارض المشروع الحوثي، مؤكدا أن الأفكار التي يتلقاها مرتادي تلك المراكز ساهمت في تفشي الجريمة الأسرية، ومخرجاتها تنسف كل محاولات إرساء السلام في البلاد.

تحصين فكري

مثلت الحرب الفكرية التي يشنها الحوثيون على أدمغة النشء منحنى خطير في استراتيجية الحرب في اليمن، فالجماعة باتت تسعى إلى إيجاد جيل جديد مشحون بالأحقاد لا يعرف غير لغة السلاح، فيما يبدو أن الجماعة ليس لها أي موانع أخلاقية تجاه الاستمرار في التطييف وخلق شخصيات حاقدة في المجتمع.

يعتقد الكاتب الصحفي سلمان المقرمي في تصريح خاص لـ"المجهر" أن الدور الحكومي لمواجهة هذه البؤر الطائفية محدود، والحكومة ليست مؤهلة لمواجهة كل ذلك لوحدها، مشيرا أن الدور الأبرز يقع على أولياء الأمور والمجتمع ذاته من خلال رفض الدفع بالأطفال إلى تلك المراكز.

فيما يؤكد توفيق الحميدي رئيس منظمة سام للحقوق والحريات أن مواجهة هذه الحرب الفكرية واجب وطني شامل للشعب أفرادا ومؤسسات، كما هو واجب حكومي أيضا، موضحا أن الآباء يجب أن يمنعوا أبناءهم من هذه المعسكرات والتحذير منها.

ويشير الحميدي في حديثه لـ"المجهر" إلى ضرورة مساهمة الجميع في إنشاء مخيمات بديلة تعزز قيم الجمهورية، ومعاني الوطنية والعيش المشترك، منوهًا إلى أن على الإعلام الاضطلاع بدوره في التوعية وتعرية أهداف الحوثي من هذه المعسكرات الصيفية.

ناشطون اعتبروا استمرار هذه المراكز سيكون له تبعات كارثية على النسيج الاجتماعي والسلام في اليمن، وأكدوا أن تكثيف التحصين الفكري لمواجهة الأفكار المتطرفة بات ضرورة حتمية يجب أن تتم من خلال تكامل الجهود الرسمية والشعبية.

اقرأ أيضا: اليمن: الاتفاق السعودي الإيراني.. من الخاسر الشرعية أم الحوثيين؟!