المجهر- تقرير خاص
منذ اليوم الأول للانقلاب، عملت جماعة الحوثي على تدمير مؤسسات الدولة، وإهانة الكادر الحكومي لحساب مؤسسات وأجهزة موازية تابعة لها، ناهيك عن استغلالها وعبثها بالقطاع الخاص.
وكما استهدف الحوثيون رمزية الجيش والأمن وبقية مؤسسات الدولة، كان للمؤسسات الإعلامية والصحفية نصيبها كذلك من عملية الاقصاء المتعمدة لموظفيها وإفراغها من مهامها، تنبها لخطورتها وأهميتها في التأثير على الرأي العام المحلي والخارجي وانعكاس ذلك عليهم.
هذا، وسارعت الجماعة إلى تغيير المدير العام لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) في سبتمبر 2014، واستبدلت العشرات من مدراء الأقسام والمكاتب بشخصيات دخيلة على المهنة ولا تملك من المؤهلات سوى مناصرة المشروع السلالي للجماعة، لتجعل بذلك من الصحافة مهنة من لا مهنة له.
معاناة صحفي
يروي الصحفي صادق الشرعبي، وضعه البائس بعد أن كان يعمل مديراً لإدارة الإعلام الخارجي بوكالة سبأ في ظل عبث جماعة الحوثي بالوظيفة العامة، وما يواجه العمل الصحفي من مخاطر نظراً لأدوات القمع الحوثية.
ومؤخراً نزح الصحفي صادق الشرعبي من العاصمة صنعاء، بعد أن تم استبعاده وإقصاءه وقطع رواتبه من قبل سلطة الحوثيين، فاضطر للعمل في أحد الأفران بالعاصمة المؤقتة عدن ليوفر لقمة العيش لعائلته.
يقول الصحفي الشرعبي في حديثه لـ "المجهر" إن المعاملة التي وجدها في عمله بوكالة سبأ بصنعاء من قبل الحوثيين أفقدته شفعه في العمل بالمجال الصحفي، ليجد نفسيته منهارة من وضعه السيء الذي وصل إليه نتيجة ذلك.
ورغم أنه كان من الكوادر الصحفية الجيدة في وكالة سبأ بصنعاء، إلا أن يشتكي من عدم تجاوب وزارة الإعلام ووكالة سبأ التابعتين للحكومة الشرعية.
ونتيجة الوضع المعيشي المتحسن نسبياً في المناطق المحررة يلجأ كثيرون من أمثال الصحفي صادق الشرعبي، إلى النزوح من مناطق سيطرة الحوثيين بعد أن انقطعت مرتباتهم وفقدوا وظائفهم وتعرض بعضهم للتهديدات والملاحقات.
تسريح الصحفيين
بدأ مستوى وكالة سبأ بدأ في التراجع بعد تولي طارق الشامي إدارتها في مارس من العام 2011، والذي استمر حتى العام 2014، ما يفسر تواطأوه مع الحوثيين للسيطرة على الوكالة ضمن مخططهم للانقلاب على مؤسسات الدولة.
وبعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، قاموا بإيقاف مرتبات معظم موظفي وكالة سبأ وفصلوا مجموعة كبيرة من موظفي الوكالة وعطلوا مناصب ومهام مجموعة أخرى من كبار الموظفين وأحالوا جانب منهم للتقاعد.
ومن ضمن الصحفيين الذين قام الحوثيون بفصلهم الصحفية أروى الشرجبي، والتي كانت تعمل ضمن فريق صحفي مهمته تقديم تغطية إخبارية للحفلات والفعاليات والمناسبات. بحسب توضيح مدير مكتب الإعلام بمحافظة تعز أمين الخرساني.
وأضاف الخرساني في حديثه لـ "المجهر" أن الحوثيين قاموا كذلك بفصل الصحفي محمد الجبوبي، والذي كان يعمل في إدارة الأخبار المحلية بوكالة سبأ.
وهناك قائمة كبيرة من الصحفيين الذين تعرضوا للإقصاء في وكالة سبأ بعد دخول الحوثيين إلى صنعاء مباشرة، كثير منهم نزحوا إلى مناطق الشرعية ومنهم ما زالوا يتواجدون في صنعاء.
وذكر مدير الإعلام بتعز أمين الخرساني، أنه كان ضمن الصحفيين الذين تعرضوا للإقصاء والتهميش حيث كان عضوا في هيئة تحرير وكالة سبأ، إلى جانب زميله في الهيئة الصحفي محمد ثابت الحكيمي.
وبعد عملية التجريف هذه التي سبقها إيقاف المرتبات، قامت جماعة الحوثي بتعيين كادر جديد لوكالة سبأ من أتباعها وصرفت لهم مكافئات، وهو الأمر الذي سرى أيضا على كل المؤسسات الحكومية التي سعت الجماعة لقبيلتها ولم تسلم منه حتى الجامعات.
استقطاب
أجرى الحوثيون كذلك عملية استقطاب واسعة لصحفيين وإداريين في وكالة سبأ للعمل في صفهم، قبل أن يقوموا بإقصاء ومضايقة كل من يرفض التجاوب مع أخبارهم والتنسيق مع مؤسساتهم الطائفية.
يقول أحد الصحفيين في وكالة سبأ -رفض الكشف عن اسمه- إن الصحفي محمد الديلمي وهو أحد أعضاء هيئة التحرير اتصل به ذات مره يقترح عليه ضمه للجنة الثورة في الوكالة والمشكلة من قبل الحوثيين.
والصحفي الديلمي يعمل حالياً مراسل صحفي لصالح جماعة الحوثي من خارج وكالة سبأ، في حين يحتفظ بمنصبة عضواً في اللجنة الثورية للجماعة وضمن مجموعة من الصحفيين الحوثيين الذين قاموا باستقطاب زملائهم في الوكالة وخارج الوكالة.
يتفق عدة صحفيين ممن كانوا يعملون في مقر الوكالة بصنعاء، أن نسبة التغيير لسياسة الوكالة بلغت 100% لجميع الاقسام بما فيها أقسام الترجمة والتحرير الصحفي والمكتب الصحفي ومركز المعلومات والرقابة.. وغيرها من أقسام الوكالة التي تم فقدت دورها الإعلامي الحقيقي.
كما شمل مخطط الحوثيين تعطيل واقتحام مقرات وسائل الإعلام والصحف والحزبية والأهلية، إلى جانب تجميد دور وسائل الإعلام الرسمية وجعلها بلا فعالية لحساب إعلام الجماعة.
وهذا في أساسه نتيجة طبيعية لتوجه زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي الذي ظل يتوعد بملاحقة الصحفيين والإعلاميين باعتبارهم عملاء للخارج وجرى استهدافهم وتعذيبهم بشكل كبير.
إدارة بلا مؤهل
بعد سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، اقتحم عناصرها مقر وكالة الأنباء اليمنية وأصدر زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي قرارا بتعيين ضيف الله قاسم الشامي، رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة وكالة الأنباء اليمنية (سبأ).
جاء ضيف الله الشامي لإدارة وكالة سبأ وهو من خارج الوسط الصحفي، ولا يمتلك مؤهلات تمكنه من إدارة مؤسسة صحفية ضخمة بحجم الوكالة سوى أنه يعد عضواً في المجلس السياسي لجماعة الحوثيين.
ولد ضيف الله الشامي في عام 1979، بمحافظة عمران، وله دور في المجال الحركي والديني للجماعة كما أنه من القيادات الحوثية البارزة، ويظهر بصورة متكررة في القنوات الفضائية للحديث عن وجهة نظر الحوثيين تجاه القضايا المختلفة، ما يعني أنه يحظى بثقة كبيرة لدى الجماعة.
وأجرى الشامي، تغييراً كبيرة في الهيكل الإداري للوكالة، كما عمل على فرض سياسة الحوثيين حيث أصدر تعميمات تقضي بتوظيف كل أقسام الوكالة لصالح الجماعة، وهذه أسوأ كارثة في تاريخ الوكالة منذ تأسيسها.
وأوضح مدير مكتب وكالة الانباء اليمنية سبأ بمحافظة تعز محمد طاهر، أن ضيف الله الشامي عمل على عسكرة الوكالة وذلك من خلال فرض مسلحين من أتباعهم في الأقسام والإدارات ومراقبة عمل الصحفيين والصحفيات.
كما قام الشامي بإغلاق برامج المراسلات بين الأقسام والإدارات وأتاحها لمكتبه فقط، وزادت حدة المضايقات إلى درجة فرض رقابة لصيقة على الصحفيين والصحفيات بالوكالة.
ويضيف محمد طاهر في حديثه لـ "المجهر" أن الموظفين كانوا يجلسون للعمل وبجانبهم " مسلح من المليشيات يسأل عن كل حركة ويهدد ويتوعد، كما تم منع استخدام برامج الواتس والماسينجر داخل الوكالة واعتبروا استخدامهما جريمة".
ومع اقتحام الحوثيين لوكالة سبأ قاموا بنهب أجهزة بتقنية متطورة وطابعات حديثة كانت تتميز بها وكالة سبأ، كلفت ميزانيتها قرابة (مليار وثمانمائة مليون) ريال يمني وتم بيعها في الأسواق بثمن بخس لعدم علم الحوثيين بتكلفتها الكبيرة.
قوة السلاح
أصدر الحوثيون في ظل إدارة ضيف الله الشامي، تعميماً بقوة السلاح يفضي بخصم 50 % من الراتب الأساسي لصالح المجهود الحربي وقبلها تم إصدار تعميمات بعدم صرف المكافئات وبدل المواصلات.
وحينما بدأ موظفو وكالة سبأ بالاحتجاج، يقول طاهر، إن الرد كان عنيفاً من قبل الحوثيين وبطريقة مستفزة أبلغونا "ستعملون بالصميل وإلا بتقرح رؤوسكم".
وبعد ذلك تغيب كثير من الموظفين في الوكالة ولجأ بعضهم للعمل في صحف أخرى نظرا لإيقاف وخصم رواتب العشرات من الصحفيين في مختلف الأقسام بما فيها قسم اللغات والترجمة وصحيفة السياسية.
ومع بداية تولي ضيف الله الشامي إدارة وكالة سبأ، تم فرض سياسة إعلامية على موظفي الوكالة تكتفي بنشر أخبار جماعة الحوثي وقيادتها، كما تم تهديد الصحفيين المتغيبين باستخدام القوة ضدهم.
وذكر محمد طاهر، أن مليشيات الحوثي عملت على تشديد الرقابة على أبناء محافظة تعز العاملين في الوكالة، بعد انطلاق المواجهات في المحافظة بتاريخ 17 أبريل/ نيسان 2015.
وتم مطاردة كثير من الصحفيين إلى أماكن عملهم في الصحف والقنوات والإذاعات والزج بهم في السجون، كما تعرض كثيرون للمضايقات ووجهت لهم جملة من الاتهامات أثناء التحقيق معهم. كما جرت موجه من التغييرات والتعيينات غير المهنية.
تطييف الوكالة
بعد انطلاق عاصفة الحزم، تم إجبار معظم الصحفيين في الوكالة على الغياب واستدعائهم وقت الحاجة، وصدرت تعميمات بعدم تناول أخبار الدول العربية والدول المؤيد لعاصفة الحزم، ولم يتق سوى أخبار إيران وروسيا والصين. وفقا لمدير مكتب وكالة سبأ بتعز محمد طاهر.
لكنه أضاف أن جماعة الحوثيين أصدرت قرارا بعد أسبوع من انطلاق عاصفة الحزم بمنع تداول أخبار روسيا والصين في الوكالة نتيجة تأييدهما للعاصفة واكتفت بتناول الأخبار الخارجية الخاصة بإيران وحزب الله.
وفي 26 يناير/ كانون الثاني 2022، أصدر ما يسمى برئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، قراراً بتعيين نصر الدين علي عامر، رئيساً للوكالة، ويعد هو الآخر بلا مؤهلات إعلامية.
وعمل نصر الدين عامر قبل ذلك كنائب لرئيس الهيئة الإعلامية لجماعة الحوثيين، ويعرف بأساليبه وممارساته الطائفية والعنصرية، إلى جانب أنه يتحدث في مواقع التواصل الاجتماعي بلغة سوقية لا تنم عن قدرات شخصية صحفية بحجم رئيس وكالة أنباء رسمية.
وقام عامر خلال الفترة الأخيرة بتهديد الصحفيين والموظفين العاملين في الأقسام الفنية والتقنية داخل بوكالة سبأ في صنعاء، وفقا لمصادر داخل الوكالة. كما أجبرهم على العمل تحت إدارة أشخاص لا يملكون أيه مؤهلات صحفية.
وما تزال وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" في صنعاء تعمل حتى اليوم وفق السياسة الطائفية لجماعة الحوثيين، وبكادر صحفي يعمل تحت التهديد بأسرهم وعوائلهم وليس لهم حيلة لمغادرة مناطق سيطرة الحوثيين.
تجريف ممنهج
تعرضت وكالة سبأ في صنعاء لعملية تجريف ممنهجة من قبل الحوثيين للكادر الصحفي والإداري خصوصاً خلال الفترة الاخيرة، ما يجعل إمكانية معالجة الآثار التي لحقت بها وإعادتها إلى السابق أمراً ميؤوسا منه.
وإلى ما قبل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، كانت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) مزدهرة بالعمل الصحفي وتمتلئ مكاتبها بالكوادر الصحفية والإدارية. وفقا لمدير مكتب الإعلام بتعز أمين الخرساني، والذي يعد من مؤسسي الوكالة وأحد كبار الصحفيين فيها.
وبلغت وكالة سبأ أوج عطاؤها في ظل إدارة نصر طه مصطفى، وشهدت استقرارا إدارياً منذ توليه المنصب في عام 2001، وحتى 2011، قبل أن يقدم استقالته وينظم للثورة الشبابية.
وقامت الوكالة خلال تلك الفترة بتشكيل هيئة تحرير لأول مرة منذ تأسيسها، وكانت تحتوي في حدود 12 عضوا من نخبة الصحفيين اليمنيين يتوزعون على عدة مجالات، قبل أن يقوم الحوثيين بإلغاء الهيئة وبعض الأقسام.
كما تم إصدار صحيفة يومية تابعة للوكالة كانت تسمى "السياسية" وكان للوكالة فروع في عدة محافظات يمنية وبدأت بإرسال صحفيين إلى خارج اليمن للعمل كمراسلين.
وبحسب مدير مكتب الإعلام بمحافظة تعز أمين الخرساني، فأن قوام موظفي وكالة سبأ وصل إلى 800 موظف بعد عام 2000، في حين تجاوزت الألف موظف بعد قيام الوحدة في عام 1990.
كانت وكالة
واليوم، صل مستوى وكالة سبأ في صنعاء إلى وضع هزيل جداً، ولا يمكن أن يطلق عليها مصطلح وكالة وإنما تحولت إلى موقع الكتروني عادي، ولعل ذلك أبرز ما أنتجه انقلاب الحوثيين على مؤسسات الدولة في سبتمبر 2014.
وتأسست وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" أثناء حصار السبعين عام 1967، على يد عمر الجاوي، وكانت عبار عن مكتب ضمن وزارة الإعلام وكان يديرها من 2 إلى 3 أشخاص مهمتهم نشر الأخبار عبر التليفونات.
وتعد وكالات الأنباء -بما فيها الرسمية- عبارة عن منبع لمختلف الأخبار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية.. وغيرها، إلى جانب أن دورها يقوم على تزود الصحف والقنوات والإذاعات وكل وسائل الإعلام بالمعلومات.