الثلاثاء 03/ديسمبر/2024
عاجلعاجل

اليمن: انتشار محلات الصرافة.. تعطيل لعمل البنوك وتلاعب بأسعار الصرف

اليمن: انتشار محلات الصرافة.. تعطيل لعمل البنوك وتلاعب بأسعار الصرف

المجهر- هبة التبعي

منذ مطلع العام 2015 بدأ ظهور منشآت وشركات الصرافة بشكل عشوائي في البلاد، وتصاعد انتشارها بشكل مخيف في العام الذي يليه، بالتزامن مع غياب الأعين الرقابية للدولة التي باتت شبه عاجزة عن القيام بمهامها في ضبط السوق الاقتصادي.

وخلال فترة وجيزة باتت محلات وشركات الصرافة الوسيلة الأسرع للثراء وجني ملايين الريالات بطرق غير قانونية، مثل فتح الحسابات والتورط في عمليات غسيل الأموال، والمضاربة بالعملة، واستغلال الحوالات غير المستلمة (المنسية أو المعمرة) لأغراض استثمارية.

جوهر المشكلة

يعود الانتشار المخيف والمتسارع لمنشآت وشركات ومحلات الصرافة في عموم المحافظات اليمنية، إلى جملة من الأسباب البارزة التي مهدت للإضرار بالاقتصاد الوطني، وخروج الكتلة النقدية إلى السوق، وهو ما أعقبه انهيار متكرر لقيمة العملة المحلية.

يرى الباحث الاقتصادي ياسر المقطري بأن من أسباب انتشار منشآت ومحلات الصرافة يعود إلى التضييق على البنوك اليمنية من قِبل البنوك الأمريكية والمراسلة حيث أغلقت كل البنوك اليمنية حينها ومنعت إصدار حوالات في الدولار الأمريكي.

ويضيف المقطري في تصريح خاص لـ"المجهر" بأن تلك الأسباب جعلت الكثير من التجار يتجهون للتحويل عبر شركات الصرافة بطرق شرعية وغير شرعية.

ويشير الباحث المقطري إلى أن ذلك ساهم في انتشار محلات الصرافة وإحلالها مكان البنوك، حيث اعتمدت تلك المنشآت على تحويل حوالات الدولار الأمريكي بطريقة ملتوية على الطرق والقوانين السائدة، حد قوله.

من جهته، يقول الصحفي والمحلل الاقتصادي وفيق صالح: "الحرب هي العامل الأساسي وراء انتشار محلات الصرافة، حيث ضعفت السيطرة النقدية في البلاد, بالإضافة إلى التأثيرات التي حدثت على البنوك التجارية والإسلامية جراء سياسة الحوثي التي أدت إلى تراجع دور القطاع المصرفي الرسمي".

ويضيف الصحفي صالح "عقب سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة والبنك المركزي اليمني بصنعاء ، تعرض البنك إلى نهب الاحتياطي النقدي فيه سواء المحلي أو الأجنبي".

ويؤكد لـ"المجهر" بأن هذا الأمر جعل البنك المركزي عاجزًا عن دفع عائدات استثمارات البنوك في أذون الخزانة ، مما تسبب بعجز كافة البنوك التجارية والإسلامية عن الإيفاء بالتزاماتها أمام العملاء والمودعين.

غياب الرقابة

يعتقد الباحث والمحلل الاقتصادي وحيد الفودعي أن غياب الرقابة الذي أعقب انهيار المؤسسات الحكومية منح الفرصة لمنشآت وشركات الصرافة للقيام بعمل ودور البنوك.

ويضيف بأن توقف الاستثمارات الحقيقية في البلاد بكافة المجالات أوجدت للعاملين في الصرافة بيئة خصبة خصوصًا مع الانفلات الأمني والحرب وعدم وجود الرقابة على هذه الشركات.

ويؤكد الباحث الفودعي بأن منشآت وشركات الصرافة مثلت البديل الأنسب لاستثمار أموال المواطنين المودعة لديهم، والتربح من الحوالات المعمرة أو عن طريق المضاربة بالعملة وغسيل الأموال.

فوضى "التراخيص"

يعتقد محللون اقتصاديون أن الفوضى التي رافقت عملية منح التراخيص ساهمت في الحصول عليها بصورة سهلة، الأمر الذي مكن من انتشار محلات الصرافة بشكل عشوائي، دون قوانين نافذة تنظم عمل السوق المصرفي، ضمن إشراف مباشر من البنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن.

وبهذا الخصوص يتحدث مهيب الكريمي (مالك محل صرافة) في مدينة تعز لـ"المجهر" قائلا بأن مبلغ التأمين للصرافات والذي يقدر بـ(300 ألف ريال يمني) ساهم بشكل كبير في حصول الكثيرين على تصريحات رسمية لممارسة المهنة.

ويؤكد الكريمي أنه وعلى الرغم من ارتفاع قيمة التأمين لمنشآت الصرافة من 300 الف يمني إلى 150 مليون ريال يمني إلا أن هذا مازال دافع لاستثمار المضاربين بهذا المجال، حد قوله.

ويضيف "ستظل هذه المعضلة الاقتصادية موجودة مادام الصرف بيد الهوامير والبنك المركزي غافل عن دور الرقابة، وينجر خلف سعر السوق فحسب".

ويشير الكريمي إلى وجود تقليص كبير في النشاط المصرفي، وبالتالي يمكن أن تفلس الشركات، كما حدث مع شركات أفلست في السابق، الأمر الذي سيؤدي إلى حدوث شرخ كبير في القطاع المصرفي، وضياع أموال المودعين وحوالاتهم، حد وصفه.

اقرأ أيضا: اليمن: انهيار متسارع للعملة الوطنية في ظل الحديث عن تغييرات سياسية مرتقبة (تحليل)

الانقسام النقدي

شهد القطاع المصرفي تدهورًا كبيرًا خصوصًا عقب قرار الحكومة المعترف بها دوليًا نقل البنك المركزي من صنعاء إلى مدينة عدن في سبتمبر/ أيلول 2016، أعقبه إجراءات وممارسات خاطئة كرست الانقسام النقدي وخلقت نظامين مصرفيين مختلفين.

وفي العام 2018م أعلنت جماعة الحوثي، منع تداول العملة ذات الطبعة الجديدة، في مناطق سيطرتها، لينعكس ذلك سلبًا على القطاع المصرفي وحياة المواطنين، وفاقمت من معاناتهم اليومية في بلد تعصف به الحرب منذ أكثر من تسع سنوات.

وتفاقمت مشكلة الانقسام النقدي إثر ارتفاع رسوم التحويل إلى مناطق سيطرة الحوثيين، حيث تضاعفت تدريجيا إلى أن وصلت عمولة التحويل ما يقارب 200%، الأمر الذي دفع الجماعة للاستفادة من العملة ذات الطبعة الجديدة المسحوبة من مناطقها لسحب أكبر قدر ممكن من العملات الأجنبية من مناطق الحكومة المعترف بها دوليا.

وبهذا الصدد يعتقد الباحث الاقتصادي وفيق صالح بأن شركات الصرافة استغلت غياب الرقابة ومارست عملية تلاعب واضحة بالسيولة النقدية من العملات الصعبة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل سابقت نحو الثراء الفاحش على حساب المواطن المغلوب الذي يعيش ظروفًا معيشية قاسية.

ويضيف صالح لـ"المجهر" بأن شركات الصرافة في مختلف المحافظات اليمنية استغلت حالة الانقسام النقدي والمالي بين مناطق سيطرة جماعة الحوثي ومناطق سيطرة الحكومة في الإضرار بالمواطنين، والاقتصاد الوطني ومصادرة حقوق عشرات الآلاف من اليمنيين.

الحوالات "المنسيّة"

في أواخر يناير/ كانون ثاني الماضي، نشر موظف سابق لدى إحدى الصرافات سجلات لحوالات تخلّف أصحابها عن استلامها لأي سبب كان سواء عدم علم المستفيد بها أو عدم إبلاغه أو التواصل معه من قبل الصرافة أو المرسل.

وأزاحت تلك الكشوفات الستار عن مليارات الريالات الموجودة لدى منشآت وشركات الصرافة، والتي تم استثمارها واستغلالها على مدى سنوات، والتي بدورها حاولت تدارك فضحية الحوالات المعمرة، من خلال دعوة أصحابها لاستلامها.

يشير الباحث الاقتصادي الفودعي إلى أن الأسباب لهذه الحوالات قد تكون تجارية أو سياسية بحتة مثل أن تكون عبارة عن مبلغ كبير جدًا لشخص مغرض سياسيًا فلا يستطيع سحبها حتى لا يكتشف أمره فيتم توزيعها عشوائيًا باسم "الحوالات المعمرة" وهو الاسم المهني لها.

ويوضح بأن ضعف الدولة والتواطؤ وغياب البنك المركزي اليمني وعدم وجود رقابة من قِبل السلطات الشرعية عليها ووضع التعاميم والإرشادات الخاصة بها سيظهر الكثير من الحوالات المعمرة جديدة قادمة، حد وصفه.

ويضيف الفودعي :"يجب إطالة المدة التي تمنح للمستلم لاستلام حوالته حيث أنهم يقصروا المدة لرغبتهم في استثمارها بدل أن تبقى في الصرافة كما يجب وضع حلول وتعليل وتأطير ناظري بكيفية التعامل مع هذه الحوالات".

في المقابل، يرى محللون اقتصاديون أن هناك خطوة واحدة إيجابية قام بها البنك المركزي اليمني حتى الآن وهي إصدار إجراءات وتعميمات وشروط ورفع نسبة رأس المال إلا أن هذه الإجراءات لا تنهي المشكلة بل تُحد منها نوعًا ما.

فيما يهدد وجود الحوالات المنسيّة كظاهرة مستمرة بدون وضع أي حلول، بانهيار الوضع الاقتصادي لليمن لدرجة يصعب إيجاد حل لها حينها، حيث أن هذه الظاهرة لم تتطور دفعة واحدة بل أتت عبر مراحل، وبقاء انتشار محلات الصرافة بهذه العشوائية يعني بقاء الكتلة النقدية خارج الاقطاع البنكي، وبالتالي استمرار الأثار السلبية وتطورها، بحسب مراقبين.

تبعات كارثية

الانتشار العشوائي لشركات ومنشآت ومحلات الصرافة، أعقبه ضريبة باهضة دفع ثمنها الاقتصاد الوطني، الأمر الذي أدى إلى فقدان العملة الوطنية لقيمتها أمام العملات الأجنبية بشكل تدريجي، وصلت أحيانًا إلى حد الانهيار.

وبدأت الأثار السلبية تخطو خطاها بشكل واضح على اقتصاد البلاد المنقسمة إلى شطرين تبرز في عدم استقلال الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات الصرف بشكل كبير تفوق قدرة المواطنين مما أدى ارتفاع معدلات التضخم ( ارتفاع في سعر السلع الغذائية) حيث وصل نسبة ارتفاع بعضها إلى 200%.

ويؤكد خبراء الاقتصاد ضرورة وجود حزمة من المعالجات العاجلة لتفادي انهيار الوضع الاقتصادي في البلاد الذي تضرر كثيرا بفعل الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من تسع سنوات، مشددين على توحيد السياسيات النقدية واستئناف تصدير النفط، ودعم البنك المركزي بالنقد الأجنبي، ووضع قيود صارمة على منح التراخيص لمنشآت الصرافة، حفاظًا على ما تبقى من هيكل الاقتصاد الوطني.

اقرأ أيضا: نهب وابتزاز.. جماعة الحوثي تصعد حربها على القطاع الخاص في مناطق سيطرتها