بعد سلسلة من الإجراءات والممارسات المقوضة للقطاع المصرفي، طوال الأعوام الماضية، من قبل جماعة الحوثيين، بدأت ملامح أزمة حادة داخل هذه القطاع الحيوي، تُنذر بمزيد من الخسائر للبنوك والمصارف التي تتواجد مراكزها الرئيسية في صنعاء.
مصادر خاصة أفادت لـ"المجهر" بوجود أزمة سيولة خانقة لدى جماعة الحوثيين، كنتيجة طبيعية لما ألحقته الجماعة بالقطاع المصرفي، من أضرار وخسائر، فضلا عن شرعنة عملية النهب ومصادرة الأصول وأموال المودعين.
ومنذ سنوات يحتجز البنك المركزي بصنعاء، أرصدة البنوك التجارية والإسلامية، كما عمل على نهب فوائد استثمارات البنوك في أذون الخزانة، إذ بلغت إجمالي استثمارات البنوك لدى أذون الخزانة، ثلاثة ترليون وسبعمائة مليار ريال، حتى عام 2015.
وفي هزة ارتدادية للضربات التي تعرض لها القطاع البنكي، من قبل جماعة الحوثيين، تراجعت الأنشطة المالية للبنوك، بسبب أزمة السيولة التي تضرب السوق المصرفية بمناطق سيطرة الجماعة، علاوة على منع هذه البنوك من ممارسة مهامها وأنشطتها التي تعد ركيزة أساسية للعمل البنكي.
وكشفت مصادر خاصة لـ"المجهر" عن شروع بعض البنوك التجارية في صنعاء، بتسريح مدراء إدارات وفروع ورؤساء أقسام وموظفين، نتيجة تراجع كثير من الأنشطة المالية، واقتصار ذلك على عدد، لا يزيد عن خمسة موظفين بالفرع الواحد، لإدارة الفرع وتنفيذ الأعمال.
في مارس الماضي، أقرت جماعة الحوثيين قانون منع الفائدة، تحت مسمى محاربة التعاملات الربوية وهو ما أدى إلى شلل شبه تام في القطاع البنكي، وتسبب بتجفيف السيولة لدى البنوك، مما أدى إلى عزوف القطاع التجاري والعملاء من التعامل مع البنوك، نتيجة عجز هذه البنوك عن الإيفاء بالتزاماتها المالية وإعادة الودائع إلى أصحابها.
ويرى خبراء اقتصاديون أن قرار منع الفوائد الذي أقرته جماعة الحوثيين، بدأ في ظاهره أنه استهداف للبنوك التجارية، لكنّ آثاره شملت حتى البنوك الإسلامية، والتي منعت من التعامل بالمرابحة، ومن تسييل ما لديها من أصول استثمارية في القطاع العقاري، وعدم السماح ببيعها إلا بموافقة البنك المركزي بصنعاء التي تديره جماعة الحوثيين، وهذا ما وضع قيودًا إضافية على هذه البنوك.
وكانت جماعة الحوثيين قد وجهت ضربة للقطاع المصرفي، عبر تكريس الانقسام النقدي، وشطر العملة الوطنية، حيث أدت هذه الممارسات الحوثية، إلى تراجع قيمة الريال اليمني في المحافظات المحررة، وارتفاع منسوب التضخم، وإحداث أزمات لا حصر لها بحق المواطنين.
وفرضت الجماعة منذ سنوات، سعر صرف ثابت، للعملات الأجنبية بالقوة، لدعم مزاعم الاستقرار الاقتصادي والمصرفي بمناطق سيطرتها، لكنها اضطرت أخيرًا إلى السماح لنسختها من البنك المركزي في صنعاء بصرف الدولار بنفس السعر في المناطق المحررة، في مؤشر على أزمة سيولة حادة تواجهها الجماعة، وفقا لمصادر متطابقة.
وقال خبراء ماليون، إن هذه الخطوة الحوثية، تُفند أكذوبة ثبات سعر الصرف في مناطق سيطرتها، التي لطالما تحججت به الجماعة طوال الفترة الماضية، وتكشف زيف البالونة المنفوخة لاستقرار الريال بصنعاء، إذا لا يعد عن كونه ثباتًا وهميًا ليس له أي علاقة بالإصلاحات المالية، أو فعالية السياسة النقدية.
وفي وقت سابق، جمدت إدارة البنك المركزي في صنعاء التابعة لجماعة الحوثيين كافة استثمارات البنوك التجارية، ولم تستطع الوصول إليها، وهو ما أثر على تراجع نشاطها وعجزها عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين والمودعين.
وأدى استمرار هذه الاختلالات، إلى انعدام الثقة بالجهاز المصرفي، وبقي البنك المركزي بصنعاء، يتحكم بأرصدة البنوك والمصارف، وأدوات السياسة النقدية مثل أدوات الدين العام، وأرصدة الحسابات الجارية للبنوك، والاحتياطي الإلزامي للبنوك.
مشروع القرار الحوثي الذي أقرته تحت مبرر منع التعاملات الربوية، أجهز على ما تبقى من نشاط مصرفي محدود في مناطق الجماعة، إذا انعكس بشكل سلبي على العملية الإنتاجية في البلاد، وحركة التنمية الاقتصادية، فضلاً عن آثاره الخطيرة، في فتح سوق سوداء للمضاربة بالعملة، وانتعاش السوق الموازية التي تعمل خارج إطار الرقابة الرسمية.
وتشير مصادر مطلعة، إلى أن جماعة الحوثيين دائمًا ما تتخذ قرارات تجاه القطاع المصرفي، لاستباق أي خطوات من قبل الحكومة لإعادة لملمة هذا القطاع، وتفعيل أدوات السياسة النقدية، وفتح الاستثمار بأدوات الدين العام، والاكتتاب، وأذون الخزانة والصكوك الإسلامية.
وتتعامل جماعة الحوثيين مع الاقتصاد الوطني، وبقية القطاعات الأساسية، على طريقة "عليّ وعلى أعدائي"، وفقًا لمراقبين، إذ تكشف كافة الممارسات الحوثية، خلال السنوات الماضية، ضد البنوك والمصارف، مدى الخسائر والأضرار التي ألحقتها بحق البنوك وبحق الاقتصاد الوطني برمته.
وخلال وقت سابق، قاد البنك المركزي اليمني في عدن، جهودًا لإعادة فتح الاكتتاب بأدوات الدين العام، والسندات، أمام البنوك التجارية، للسيطرة على المعروض النقدي، حيث أثارت هذه الخطوة حفيظة جماعة الحوثيين، وعززت مخاوفها من تجاوب البنوك التجارية والإسلامية، مع البنك المركزي بعدن، والشروع في الاكتتاب والاستثمار في السندات والصكوك، لا سيما وأن البنك المركزي اعتمد نسبة فوائد عالية، تتراوح ما بين 18 إلى 20 بالمئة من قيمة الاكتتاب.
ومنذ بداية الحرب، تعرض القطاع المصرفي الرسمي للعديد من المتغيرات، التي أثرت على أدائه، وحدت من قدرته على الإيفاء بالتزاماته تجاه العملاء والمواطنين، وهو ما كان له تأثير سلبي على تراجع نشاطه، لصالح تمدد وانتشار شركات الصرافة وشبكات التحويلات المالية، الغير مرخصة، والتي استحوذت على النسبة الأكبر من النشاط المالي في البلاد.