السبت 23/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

الصبيحة.. سلطة القبيلة وتأثيرها في حسابات المشهد اليمني (تحقيق خاص)

الصبيحة.. سلطة القبيلة وتأثيرها في حسابات المشهد اليمني (تحقيق خاص)

المجهر- تحقيق خاص

شكلت قبائل الصبيحة دوراً محورياً ضمن تركيبة المجتمع اليمني، مكنها ذلك من تسجيل حضورها على الصعيد الاقتصادي والعسكري وكذلك السياسي، بصورة إيجابية أو سلبية أحيانا لا سيما في ظل التطورات التي شهدتها البلاد منذ أكثر من ثمان سنوات.

ولا بد أن نشير في البداية إلى أن مناطق الصبيحة تُعد الواجهة الجنوبية للبحر العربي وصولاً إلى مدينة البريقة، وإلى الشرق منها تقع محافظتي عدن ولحج، ومن الغرب مدينة المخا والبحر الأحمر، أما من الشمال فتحدها المديريات الجنوبية والغربية من محافظة تعز.

الأهمية الاستراتيجية

اكتسبت قبائل الصبيحة قوة حضورها، انطلاقاً من موقعها الجغرافي في أقصى جنوب غرب اليمن والممتد من باب المندب حتى ساحل رأس عمران، باعتبارها خط الدفاع الأول للبلاد من أي استهداف خارجي محتمل عبر المياه الإقليمية.

وبذلك يمكننا أن نلخص الدور المهم الذي حظيت به قبائل الصبيحة في ثلاثة محاور رئيسية وهي : -
أولاً: أن قبائل الصبيحة تحتوي على مخزون بشري كبير يتوزع في عشرات الألوية والوحدات العسكرية والأمنية سواء كقوة نظامية أو تلك المندرجة في إطار قوات المجلس الانتقالي الجنوبي بطريقة غير نظامية.

ثانياً: تعد مناطق الصبيحة حلقة ربط حدودية بين شمال اليمن وجنوبه، ما يجعل الجميع يتهافت إليها للعب أدوار مؤثرة في الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية والاجتماعية خصوصاً في ظل الوضع القائم داخل البلاد، سواءً فيما يتعلق بالدعوات المناطقية الجنوبية ومشاريع التمزيق التي تدعمها قوى داخلية وإقليمية، أو فيما يتعلق بالحرب ضد جماعة الحوثي الذراع الإيراني في المنطقة.

ثالثاً: تتوزع قبائل الصبيحة في مناطق متفرقة من مديرية المضاربة ورأس العارة الساحلية وعلى أطرافها يوجد مركز إنزال جمركي قرب باب المندب، يستحوذ على إيراداته مشايخ ووجهاء من أبناء الصبيحة بمشاركة قيادة السلطة المحلية بمحافظة لحج، ويعد هذا المنفذ ثغرة لتهريب الأسلحة والمشتقات النفطية والأسمدة الكيماوية وغيرها من البضائع الممنوعة إلى البلاد.

والمريب في الأمر أن عملية تحصيل الإيرادات ونقل البضائع تمر بعيداً عن إشراف الحكومة الشرعية إضافة إلى تعمد قيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي عزل ميناء رأس العارة عن الاهتمام الحكومي، وبالطبع فقد اصطدمت فرص الاستثمار لتشغيل وتطوير الميناء بالكثير من هذه العوائق.

ناهيك عن الصراع الحاصل في الوسط القبلي نتيجة إصرار معظم قبائل الصبيحة على الاستئثار بإدارة ميناء رأس العارة وعدم السماح بتدخل أي طرف من خارج مكوناتها للسيطرة عليه، باعتباره مصدر دخل وسلطة للكثير من قيادات ومشايخ الصبيحة.

إلى جانب ذلك، يقع منفذ طور الباحة البري في إطار مناطق الصبيحة، ويُعد خطاً ساخناً لنقل البضائع من ميناء رأس العارة إلى مدينة تعز وغيرها من المدن اليمنية سواء في المناطق المحررة أو تلك الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي والمجاورة لمحافظة لحج.

حيث تقع ضمن التقسيم الإداري لمحافظة لحج مديرية القبيطة – يسيطر الحوثيون على جزء منها - وتمر عبرها الشاحنات المحملة بمختلف البضائع بما فيها الممنوعة قادمة من ميناء رأس العارة وغيرها من موانئ الاستيراد والتصدير، لتذهب غالبيتها إلى مناطق الحوثيين.

مصالح مشتركة

من خلال البحث الميداني وما قام به فريق "المجهر" من تقصي للحقائق وتفسيرها، اتضح لنا أن قبائل الصبيحة تتمتع بمرونة كبيرة في المواقف وتستطيع تجاوز صراعاتها الداخلية عندما يتعلق الأمر بمصالحها.

وبالنظر إلى طبيعة مشايخ وأبناء قبائل الصبيحة تبين وجود تعاون ملموس فيما بينهم على اختلاف انتماءاتهم، فهناك من هو محسوب على الحكومة الشرعية وهناك من هو محسوب على المجلس الانتقالي الجنوبي أو غيرهما من المكونات السياسية والحزبية.

كما نجد أن قبائل الصبيحة تتجنب تأثير صراعاتها الداخلية على تماسكها أمام أي قوة خارج إطارها القبلي حتى ولو كانت سلطة الدولة مالم يكن لها حضور يضمن لها الحفاظ على مصالحها وبما يتوافق مع تكوينها القبلي.

وهذا ما حدث بالفعل بخصوص تقاسم إيرادات ميناء رأس العارة، حيث كشف تحقيق نشره "المجهر" في مايو/ آيار الماضي، عن تقاسم عائدات الميناء بين المجلس الانتقالي الجنوبي والسلطة المحلية بمديرية المضاربة ورأس العارة ومحافظ محافظة لحج.

وبنفس الطريقة تتم عملية تحصيل الجبايات في النقاط المنتشرة على طول خط طور الباحة، فقد ذكر تحقيق آخر لـ"المجهر" نشر في فبراير/ شباط الماضي، أن معظم هذه النقاط تم استحداثها مؤخراً بشكل غير قانوني وهي محسوبة على قوات محلية ذات نفوذ في المنطقة.

فرغم أن هذه الأطراف تستغل مواقعها ومناصبها الوظيفية لخدمة مصالحها إلا أنها لا تتنازل عن مرجعها القبلي تحت أي ظرف كان، ومع ذلك لا تمانع قبائل الصبيحة من تنفيذ مهام لصالح جهة أو أخرى بما لا يؤثر على مصالحها القبلية.

وعلى ما يبدو أن ذلك جعل حضورها السياسي داخل مؤسسات الدولة محدوداً وهامشياً، إلا أنها ظلت محتفظة بحضورها على المستوى العسكري والأمني من خلال عمليات الحشد والتجنيد في مختلف الوحدات والألوية، إلى جانب حضورها في عمليات تهريب البضائع وغيرها من العمليات التي انخرطت فيها بحكم موقعها الجغرافي.

ويرى مراقبون أن ضعف الدور السياسي لقبائل الصبيحة واكتفاءها بعمليات الحشد والتجنيد إلى جانب انخراطها بعمليات التهريب يرجع إلى عدة عوامل أهمها: -
1- الأمية وعدم التحضر.
2- غياب الوعي السياسي لدى كثير من أبناءها.
3- وضعها الداخلي الذي تسوده الثارات والصراعات الداخلية المستمرة.
4- تكتلها القبلي الرافض لأي مكون خارجي.
وبشكل عام ترى قبائل الصبيحة في الصراع الداخلي حول ميناء رأس العارة ومنفذ طور الباحة أو غيره، صراعا صورياً بين قيادات موالية للانتقالي وأخرى تابعة للحكومة الشرعية، وتعتقد أن بقاءه ضرورياً لاستمرار مصالح هذه الأطراف بما يحفظ لها تماسكها القبلي.

أولويات القبلية

كما هو معروف تتوزع قبائل الصبيحة على ثلاث مديريات وهي (مديرية المضاربة ورأس العارة، ومديرية طور الباحة، وأجزاء من مديرية القبيطة تحديداً في منطقة كرش ومحيطها).

ولدى قبائل الصبيحة توجه عام نحو تجارة السلاح والاهتمام الكبير بجمعها وحيازتها خصوصاً القبائل البارزة منها، ويصل الأمر إلى حد القيام بعمليات تقطع وقتل من أجل السطو على قطعة سلاح أو أكثر.

لم تسلم جماعة الحوثي من هذه العمليات، إذ أن أبناء الصبيحة يتقاتلون بضراوة مع عناصرها في عدة جبهات لكسب المزيد من أسلحة الحوثيين، كما أنهم يتهافتون للحصول على السلاح الحكومي الذي يتم صرفه خلال اندلاع المعارك أو في الفترات السابقة.

وتستفيد هذه القبائل من جمع الأسلحة لتكوين قوة مسلحة تكون في خدمتها عند الضرورة، ومن جهة أخرى يتاجر أبنائها بالسلاح الذي يحصلون عليه بكميات كبيرة في عمليات بيع منظمة وليس كعمليات بيع شخصية.

وللتركيز أكثر حول طبيعة قبائل الصبيحة، قام فريق عمل "المجهر" بفرز دقيق لأهم قبائلها من خلال المعلومات التي حصل عليها موفدنا من مصادر مختلفة أثناء النزول الميداني إلى هناك.

تتكون مناطق الصبيحة من تسع قبائل وأفخاذ رئيسية، إلا أن هناك أربع قبائل برز حضورها بشكل ملفت في الفترة الماضية بعد أن شكلت حلقة دائرية مترابطة حول خطوط ومنافذ التهريب في تغييب مُتعمد لحضور الدولة. وفقاً للمصادر.

هذه القبائل الأربع هي؛ (قبيلة الزفيتة، قبيلة الصميتة، قبيلة الحميدة، وقبيلة العطويين) وعلى محيطها يتواجد ميناء رأس العارة البحري، ومثلث طور الباحة المنفذ البري الوحيد الذي يربط مناطق الشرعية بمحافظة تعز، وهما العاملين الرئيسين وراء الحضور البارز لقبائل الصبيحة.

ولا بد أن نتطرق هنا لخصائص كل قبيلة من هذه القبائل الأربع لنتعرف أكثر على دورها في كل ما يحدث بإطار مناطق ومحيط الصبيحة: -
1- قبيلة الزفيتة: يعرف أبناءها بتركيبتهم البدوية إلى حد كبير، ويمارسون عمليات قتل وتقطع وابتزاز للمسافرين في مناطق تواجدهم، وقبل اندلاع الحرب في اليمن اتجهوا نحو التجنيد على نطاق واسع.


في الآونة الأخيرة تم استخدام أبناء قبائل الزفيتة لتنفيذ أعمال قتل ونهب وتقطع من قبل قيادات عسكرية وأمنية ومشايخ قبليين، ما يجعلهم الطرف الرئيسي وراء تنفيذ غالبية الجرائم المنتشرة في مناطق الصبيحة.

2- قبيلة الصميتة: يهتم أبناءها بالمصالح التجارية والمالية بشكل عام، وانخرط جزء كبير منهم في عمليات التهريب بما في ذلك تهريب الأسلحة والمشتقات النفطية وغير ذلك من البضائع الممنوعة.

3- قبيلة الحميدة: يمتلك أبناءها نوعا من الوعي والتحضر في التعامل مع الآخرين، كما أن لديهم نشاط فاعل في الجانب السياسي والإداري.
4- قبيلة العطويين: هناك تشابه كبير بين خصائصها وخصائص قبيلة الحميدة، وينتمي لهما معظم الشخصيات السياسية والعسكرية والقبلية البارزة، أمثال العميد حمدي شكري والشيخ جلال الصبيحي وغيرهما.

وعلى سبيل لا الحصر نستطيع أن نذكر أبرز الشخصيات المؤثرة من أبناء الصبيحة ولحج بشكل عام: -

  • العميد حمدي شكري: له حضور قوي ومؤثر في الجانب العسكري، ويحظى باحترام الكثير من القيادات العليا للحكومة الشرعية.
  • الشيخ جلال الصبيحي: يُعد الرجل الأول في مناطق الصبيحة، وتخضع له مشايخ ووجهاء وأبناء القبائل.
  • سالم الصبيحي: وهو قيادي كبير له حضور بارز على المستوى السياسي والعسكري والقبلي في المنطقة.

مصادر الدخل

ارتبطت قبائل الصبيحة تاريخياً بتجارة التهريب عبر منفذ رأس العارة منذ عشرات السنين، وتوسعت عمليات التهريب مؤخراً مع تدهور الوضع الأمني في البلاد نتيجة الحرب الدائرة بين قوات الجيش الوطني وميليشيات جماعة الحوثي.

تمر تجارة التهريب بشكل يومي وفق آليات منظمة، ولديها شبكات خاصة تتولى مهمة نقل البضائع فيما تقوم قيادات وشخصيات قبلية بتأمين عملية مرورها، منذ عبورها من ميناء رأس العارة وكذلك ميناء عدن إلى جانب مختلف الممرات البحرية والبرية.

وهنا تبرز مصالح المجلس الانتقالي الجنوبي في استمرار عمليات التهريب ونقاط الجبايات عبر أدوات نفوذه التجارية والسياسية والعسكرية بغطاء مناطقي، إلى جانب مصالح القبائل التي تلاقي تواطئاً من قبل قيادات في السلطة المحلية وأخرى عسكرية وأمنية في محافظة لحج مقابل حصول الكل على حصصهم من عائدات التهريب.

وأبرز القيادات الضالعة في تسهيل عمليات التهريب هي: -

  • قائد المنطقة العسكرية الرابعة اللواء الركن/ فضل حسن محمد
  • محافظ محافظة لحج أحمد عبدالله التركي
  • مدير أمن محافظة لحج السابق العميد صالح السيد
  • شيخ مشايخ الصبيحة جلال الصبيحي
    إلى جانب قيادات أخرى عسكرية وأمنية وقبلية تحصل على حصتها من عائدات التهريب بدرجات متفاوتة، والكل هنا بما فيهم قبائل الصبيحة يرون في ذلك مصدراً لكسب الرزق.
    كل هؤلاء المستفيدين مرتبطين بعصابات وتجار التهريب، حيث كشف مصدر أمني لـ"المجهر" أن "الرأس الأكبر لمافيا النفط وتجارته وتهريبه من خارج البلاد إلى داخلها هو رجل أعمال يدعى علاء الشبواني، من أبناء محافظة شبوة".
  • وأوضح المصدر - الذي تحفظ عن ذكر اسمه - أن المدعو الشبواني " لديه أذرع وتجار في مناطق الصبيحة من أبناء قبيلة الصميتة، ومهمتهم تسويق وتمرير البضائع المهربة عبر خطوط ومنافذ مختلفة في أنحاء المناطق والمدن اليمنية".

مبررات الحكومة وخذلان الانتقالي

تتفق عصابات التهريب في مناطق الصبيحة ومعها بقية مديريات محافظة لحج المختلفة على مسارين يتم بموجبها تهريب البضائع ونقل المشتقات النفطية للعديد من التجار بمن فيهم التابعين لجماعة الحوثي: -

  • المسار الأول: عبر طريق (القبيطة - الراهدة) ومنه يتم تهريب مختلف البضائع الممنوعة بما فيها الأسلحة والأسمدة والسجائر بدرجة كبيرة.
  • المسار الثاني: يأتي عبر محطة الفرشة في مديرية طور الباحة، والتي تمثل نقطة انطلاق لنقل المشتقات النفطية المتجهة إلى مختلف المناطق والمدن اليمنية بما فيها الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في عملية تجارية لا ترتبط بالصراعات القائمة.
    تتخلل هذين المسارين نقاط عسكرية وأمنية وقبلية كذلك، تبدأ من رأس العارة وتمتد إلى خط طور الباحة في الإطار الجغرافي لقبائل الصبيحة.
    ثم تأتي نقاط عسكرية تابعة لمدير أمن لحج السابق العميد صالح السيد، وكذلك نقاط تابعة للواء 62 يشرف عليها قائد المنطقة العسكرية الرابعة اللواء الركن فضل حسن، بالإضافة إلى نقاط تابعة للقيادي في المجلس الانتقالي محمد سالم.
    وفي حين تدخل أكبر عمليات التهريب إلى البلاد عبر محافظة لحج، تتخذ قيادات المجلس الانتقالي في المحافظة سياسة التماهي وتتهرب من مسؤوليتها حفاظاً على حصتها من عائدات ميناء رأس العارة والجبايات التي يتم تحصيلها في خطوط نقل البضائع.
    والغريب في الأمر أن قيادة الشرعية مطلعة على كل ما يحدث في محافظة لحج من عمليات تهريب ولديها علم بتورط قيادات حكومية داخل المحافظة في تسهيل ذلك إلا أنها لم تحرك ساكناً.
    وبخصوص ذلك قال مصدر حكومي مطلع – اشترط عدم ذكر اسمه – إن " الحكومة تتخذ استراتيجية غض الطرف بحجة تجنب الدخول في صراع داخلي مع هذه القبائل المترامية الأطراف كونها بعيدة عن الوعي السياسي والحضاري".
    وأوضح المصدر في حديثه لـ"المجهر" أن " الوضع يتطلب إتاحة المجال لهذه القبائل في التجارة وكسب المال بعيداً عن أي موجهات سياسية" حد قوله، مضيفاً أن ذلك يسهل فرصة استقطابها من قبل القوى المختلفة وفقاً للمصلحة القبلية.

أمثلة ونماذج

في العام 2020م مرت ثلاث قاطرات محملة بمختلف أنواع الأسلحة والذخائر المتنوعة عبر منفذ طور الباحة، وما أثار الريبة أن هذه القاطرات موحدة في شكلها وهيكلها، وفيها من العتاد العسكري ما يكفي للقتال والصمود أكثر من نصف عام.

لم يتم اعتراض هذه القاطرات في أي من نقاط التفتيش، ويبدو أنها عبرت بتهاون وتعاون من قبل قيادات وقوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي التي يشرف عليها قائد المنطقة العسكرية الرابعة اللواء الركن فضل حسن.

لكن صادف أن مرت هذه الشحنات المهربة خلال الفترة التي انتقلت فيها كتائب تابعة لقائد اللواء الرابع حماية رئاسية العميد مهران القباطي، إلى خطوط التماس في جبهات القبيطة، وعندما وصلت القاطرات إلى أخر نقطة قبل نقيل الراهدة تفاجأت هذه القوات بوجود كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، فتم ضبطها ومصادرتها.

وفي يونيو/ حزيران من العام الجاري، تمكنت قوات اللواء الثاني عمالقة من ضبط شحنة قطع طيران مُسير في نقطة مصنع الحديد بمحافظة لحج كانت في طريقها إلى الحوثيين.

وأوضحت مصادر عسكرية لـ "المجهر" أن الشحنة كانت مخبأة وسط ألعاب أطفال، وتم ضبطها قادمة من العاصمة عدن بعد خضوعها للتفتيش الدقيق.

وفي أواخر مايو/ آيار الماضي، تمكنت حملة أمنية بقيادة العميد حمدي شكري قائد اللواء السابع مشاة، من اقتحام محزن للسلاح داخل محطة لبيع المشتقات النفطية في منطقة طور الباحة.

وذكرت المصادر أن المخزن كان يحتوي على مختلف أنواع الأسلحة والمقذوفات بينها صواريخ آر بي جي وعبوات ناسفة مع أجهزة تحكم عن بعد، وتم مصادرتها وإغلاق المحطة.

تأثير عمليات التهريب

من الواضح أن بقاء ميناء رأس العارة خارج سيطرة الدولة، جعله بوابة مفتوحة أمام عمليات التهريب وهذا له تداعيات واسعة على المستوى الاقتصادي قبل أن يكون له تأثير على المستويين السياسي والأمني.

فعلى المستوى الاقتصادي أفاد الباحث في علم الاجتماع السياسي الدكتور عبدالكريم غانم، بأن استمرار عمليات التهريب عبر ميناء رأس العارة يؤثر في حرمان الحكومة من عائدات الضرائب والجمارك التي يفترض أخذها في حال تم اخضاعه لسيطرة الدولة.

وأوضح الدكتور عبدالكريم غانم في حديثه لـ"المجهر" أن من المهم إغلاق ميناء رأس العارة في الفترة الحالية طالماً أن حضور الدولة ما يزال ضعيفاً للرقابة على البضائع التي تأتي عبر الميناء دون فحص مستوى جودتها ومدى مطابقتها للمواصفات والمعايير ودون مراعاة أبسط قواعد حفظ وتخزين المنتجات بما فيها الأدوية التي قد تلحق أضرارا جسيمة بحياة المواطنين.

كما أن من التداعيات الاقتصادية لهذا الميناء استغلاله في تهريب المنتجات الزراعية المحلية نحو دول القرن الافريقي، وكما هو معلوم أن انخفاض عرض هذه المنتجات عن مستوى الطلب في السوق المحلية يترتب عليه ارتفاع أسعارها في الداخل بما يفاقم معاناة المواطنين ودون تحقيق أي عائد مالي لخزينة الدولة.

ولا شك أن استمرار تدفق البضائع المختلفة من ميناء رأس العارة وغيرها من المنافذ الخارجة عن سيطرة الدولة له تأثيراته السياسية والأمنية على الوضع في اليمن، حيث يدفع الجماعات المسلحة المسيطرة عليها لإعاقة أي حل سياسي من شأنه بسط سيطرة الدولة على كامل ترابها الوطني بما فيها هذه المنافذ.

وفي هذا الجانب يشير الباحث في علم الاجتماع السياسي الدكتور عبدالكريم غانم، إلى أن بقاء ميناء رأس العارة خارج سيطرة الدولة، وبعيدا عن رقابة الأمم المتحدة يترك الباب مفتوحا أمام تهريب الأسلحة والمواد التي تدخل في تصنيعها لتصل إلى أيادي الحوثيين، الأمر الذي يسهم في إطالة أمد الصراع.

وتطرق الدكتور غانم إلى نقطة في غاية الأهمية، تتلخص في أن بقاء هذا المنفذ البحري خارج سيطرة الدولة من شأنه أن يخلق طبقة من المستفيدين تقف ضد المصلحة العامة، وضد مصلحة أبناء الصبيحة ومنطقة رأس العارة على وجه الخصوص.

ويعتقد أن ذلك السبب وراء إعاقة الاستغلال المشروع للميناء، الأمر الذي قد يعرض السلم الأهلي ووحدة النسيج الاجتماعي لقبائل الصبيحة للخطر. حد وصفه.

الوحدة.. وقبائل الصبيحة

تُعد قبائل الصبيحة جزءاً من التكوين الاجتماعي والثقافي لمناطق الحجرية، والسبب وراء تصنيف قبائل الصبيحة في إطار الجنوب يرجع إلى قيام الاحتلال البريطاني بشق طريق ساحلي طويل من البُريقة جنوباً إلى ذو باب غرباً للإشراف على مضيق باب المندب. وفقا للدكتور عبدالكريم غانم الباحث في علم الاجتماع السياسي.

وذكر الدكتور عبدالكريم غانم في حديثه لـ"المجهر" أن "فصل قبائل الصبيحة عن شمال اليمن لم يغير من تكوينها وهويتها، بل على العكس من ذلك فهي اليوم تمثل شوكة الميزان في كسر أي تغول للجنوب ضد الشمال أو للشمال ضد الجنوب".

مستشهداً ببقاء منفذ طور الباحة الطريق الرئيسي لعبور اليمنيين من وإلى المحافظات الجنوبية، وهذا يؤكد استجابة روابط الدم والثقافة التي جعلت من قبائل الصبيحة حلقة وصل بين الشمال والجنوب، بعيدا عن أي اعتبارات سياسية.

ويرى غانم، أن قبائل الصبيحة أقل قابلية للاستقطابات السياسية على المستوى الداخلي والخارجي، مضيفاً أن "انتماء الصبيحة اجتماعياً وثقافياً للحجرية المصنفة ضمن شمال اليمن وانتماؤها السياسي لجنوب اليمن، جعل من مصلحتها عدم فصل الشمال عن الجنوب لأن ذلك سوف يقلل من تأثيرها".

كما يعتقد أن قبائل الصبيحة لن تستلم لأي محاولات استقطاب إقليمية من جانب الإمارات أو السعودية، لأنها حملت على كاهلها الأهمية الاستراتيجية لموقعها نيابة عن أبناء اليمن على مدى مئات السنين.

ويُبِّين الدكتور عبدالكريم غانم، أن أي طرف سياسي يسعى لاستقطاب قبائل الصبيحة عليه أن يحمل مشروعا يحافظ على نسيجها الاجتماعي من التمزق والذي يمتد شمالاً نحو تعز، ولا يحول دون انتماءها السياسي الممتد جذوره جنوبا حتى عدن.

وبالطبع فقد حاولت قوى وأطراف داخلية وخارجية العمل على استقطاب وتوظيف قبائل الصبيحة لتنفيذ مشاريع متعددة ومن ضمنها دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان الهدف من ذلك تمرير مخططاتها من جهة ومن جهة أخرى تهدف إلى اضعاف وتفكيك التماسك القبلي لأبناء الصبيحة، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل.

اقرأ أيضا: تعز: المخا.. مسرح للعبث في أراضي الدولة برعاية رسمية (تحقيق خاص)