الخميس 21/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

الضربات الأمريكية.. هل تُوقف تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر؟ (تقرير خاص)

الضربات الأمريكية.. هل تُوقف تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر؟ (تقرير خاص)

وسط مخاوف من توسع الصراع في المنطقة، نتيجة التوتر المستمر في الممر التجاري الاستراتيجي بالبحر الأحمر، وما يحدث في غزة من "إبادة جماعية" للفلسطينيين، رأى الأمريكان أن الدخول في حرب استنزاف طويلة الأمد سيجعلهم يفجرون حربًا كبيرة، يتسنّى من خلالها إعادة رسم خارطة أمنية للشرق الأوسط، نزولًا عند السياسية الأمريكية التي تقضي بأن الحرب تعد حلًا ناجحًا في بعض الأحيان للأزمات المعقدة.

في الثاني عشر من يناير/ كانون ثاني 2024، نفّذت القوات الأمريكية بالتعاون مع القوات البريطانية، وبدعم من أستراليا والبحرين وكندا وهولندا، غارات على "ستين هدفًا في ستة عشر موقعًا تابعًا للحوثيين في اليمن" بحسب بيان القوات الجوية الأمريكية.

وتأتي هذه الغارات، بعد أن حذرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وحلفاؤها من أن الجماعة المسلحة المدعومة من إيران ستتحمل العواقب المترتبة على الهجمات المتكررة بالطائرات بدون طيار والصواريخ على الشحن التجاري في البحر الأحمر.

وأكد بايدن، أنها "أهداف يستخدمها المتمردون الحوثيون لتعريض حرية الملاحة في أحد الممرات المائية الأكثر حيوية في العالم للخطر".

ومنذ بداية هذا العام بدت آفاق الحرب وكأنها تتسع إقليميًا ودوليًا، وبالمقابل يضيق أفق السلام والتسويات المنتظرة في اليمن، ورغم ذلك تساءل الكثير من اليمنيين عن سبب تأخر الرد الهجومي الأمريكي البريطاني إلى الآن، وما الذي أحدثته الضربات في الخارطة الأمنية والسياسية الإقليمية والمحلية.

باحثون في شؤون الشرق الأوسط أكدوا أن سبب التأخر يعود إلى أن تصعيد القتال يعني ضرورة وجود عسكري على الأرض، بهدف تحرير ميناء الحديدة الاستراتيجي ودفع الحوثين نحو الداخل، بعيدًا عن خط الساحل، وبالتالي تقليص قدرتهم على تعطيل حركة السفن في البحر الأحمر، مشيرين إلى أن الحوثيين سيحاولون خلال الأيام القادمة، وقف تدفق السفن عبر باب المندب بشكل كامل.

رسالة مفتوحة

الكاتب السياسي، عبدالباري طاهر في تصريح خاص لـ "المجهر": "الضربات الأمريكية البريطانية على اليمن عدوان سافر، ومرتبط بالحرب في غزة والضفة الغربية، وهدفها الأساس ردع اليمن عن الموقف القومي إلى جانب فلسطين، وأهلنا في غزة، وهي تستهدف تخفيف وطأة الهزيمة ضد الجيش الإسرائيلي وصرف الأنظار، ورسالة مفتوحة لإيران وللأمة العربية كلها".

يضيف طاهر، أن استمرار الضربات من عدمه مرتبط بالحرب في غزة، واستمرار اليمن إلى جانب اخوتهم الفلسطينيين، ولابد أن ندرك أن الأنظمة العربية حتى المطبعة والحليفة مستهدفة من قبل إسرائيل وأمريكا، حصار مصر المطبعة، والتضييق عليها وخنقها اقتصاديا، والاتهامات والتهديدات لقطر ومصر لا يعني إلا أن الجميع مستهدف، فأي قوة عربية، أو كيان متماسك هدف للتغيير، المنطقة كلها هدف، فإسرائيل وحدها هي الحليف الأمين، وهي حارس المصالح الأمريكية والبريطانية والأوروبية ولإسرائيل وأمريكا وأوروبا مصلحة في الحرب العربية لتدمير الأمة كلها، وتفرد إسرائيل بقيادة المنطقة وتسيدها".

ويستطرد قائلًا: "ما جرى في العراق، وسوريا وليبيا، والسودان شواهد الحال والمطلوب لنصرة فلسطين تعافي الجسم العربي، وتصالح الأنظمة مع شعوبها ومع أخوتها العربية ، ومصالح أمريكا وأوروبا تحميها بالأساس إسرائيل وصراع الأنظمة العربية ضد بعضها، وضد شعوبها فتصالح الأنظمة مع شعوبها وجوارها خصوصا في الراهن غاية في الأهمية لتفويت الفرصة على مخططات الشرق الأوسط الجديد، والموقف اليمني العظيم والعراقي حزب الله في لبنان، كما هو الحال في سوريا وليبيا وتونس يكون الأنفع والأفيد والأقوى بالتعافي والتصالح المجتمعي والقومي و بالأخص في السودان الوطن الذي تدمره قيادة الجيش والجنجويد المواليان لأمريكا وإسرائيل والمعاديان لشعبها وأمتهما".

إضعاف الحوثيين

أثارت هذه الضربات الجوية على عدد من المواقع في اليمن، تساؤلات ومخاوف من توسع الصراع في المنطقة، فيما تباينت مواقف عدد من الدول بين دعم وإدانة، بررت الولايات المتحدة وعشر دول حليفة لها في بيان مشترك الضربات، وقال مسؤول أمريكي إن العملية لم تنتهِ وأن واشنطن تحتفظ بحق الرد في حال تواصلت التهديدات على الملاحة البحرية.

وفي هذا السياق، تحدث عادل الأحمدي، رئيس مركز نشوان للدراسات لـ "المجهر": "الضربات الأمريكية كانت متوقعة بعد الهجمات الحوثية الإيرانية في البحر الأحمر.. وهذه الهجمات وإن كانت اتخذت من غزة غطاءً إلا أنها في النهاية استهداف للتجارة الدولية في ممر عالمي، وأعتقد أن الضربات لم تأتِ إلا بعد أن واجهت إدارة بايدن انتقادات حادة كذلك".

وأضاف متسائلًا في حديثه، "هل ستسمر هذه الضربات على الحوثيين وماذا ستحقق، فهذا يعتمد على ما لدى الأمريكيين من أجندة في هذا الخصوص وعلى مدى وصول الوضع لدرجة أكبر من التعقيد".

وفي وقت سابق، أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، أن ضربات بلاده في اليمن، تهدف بشكل أساسي إلى إضعاف قدرة الحوثيين، ووضع حد للهجمات ضد السفن، موضحًا أن التقييم الأولي يشير إلى أن الغارات على الحوثيين كانت لها آثارًا جيدة، وأن البنتاغون سيستمر في مراقبة الوضع.

نسف جهود السلام

بالمقابل توعد الحوثيون بالرد على الضربات الأمريكية البريطانية، معتبرين الهجمات التي استهدفت مواقعهم، غير مشروعة، مؤكدين أن هذه الضربات هي المهدد الحقيقي للسلام والأمن الدوليين كما تعرض المنطقة لمخاطر حقيقية.

وتعهدت الجماعة الحوثية، بأن مصالح واشنطن ولندن أصبحت أهدافًا مشروعة لقواتها، كما أكدت أن التواجد الأجنبي في البحر الأحمر وباب المندب مرفوض وسيتم التعامل معه بالصورة المناسبة.

وحذرت الأنظمة العربية خصوصًا دول الجوار من التورط في مساندة "الأميركي والبريطاني"، مشيرة إلى أن هجماتها على السفن في البحر الأحمر تأتي من منطلق تضامنهم ومؤازرتهم للفلسطينيين في غزة.

ويرى خبراء في المنطقة أن الحوثيين وجدوا في حرب غزة فرصة لتعزيز شعبيتهم، واستعراض قدراتهم في محاولة لإثبات جدارتهم بالتحالف مع طهران، ومدى فاعليتهم ضمن "محور المقاومة" الذي يحتوي حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، ونظام الأسد في سوريا، والحوثيين في اليمن، إضافة لجماعات عراقية حول إيران.

وحسب سياسيين يمنيين، تحدثوا لـ "المجهر"، أن الضربات ضد الحوثيين قد تؤدي إلى انهيار مفاوضات السلام اليمنية، والعودة إلى نقطة الصفر، ناهيك عن استئناف جماعة الحوثي هجماتها الصاروخية وإرسال الطائرات المسيرة على أهداف سعودية وإماراتية أو قواعد أمريكية في المنطقة.

وبهذا الشأن، وصف الأحمدي التكهنات التي ترجح عملية استهداف الحوثي لقواعد أمريكية في دول عربية بأنه مجرد حديث في الهواء، تبعًا لأن "هذه القواعد محمية بأقوى أنظمة الدفاع الجوي، واستهدافها يتطلب قدرات خارقة لا تمتلكها إلا دول كبرى، وحتى استهداف المدمرات الأمريكية في البحر الأحمر، عملية ليست سهلة بالنسبة للصواريخ والطائرات المسيرة، ويبقى الأمر مفتوحًا على كافة المفتوحات".

دعاية إعلامية

بدا الحوثيون في بياناتهم الرسمية، وتصريحات الإعلامية كما لو أنهم يستندون إلى قدرات وإمكانيات خارقة، تمكنهم من تهديد مصالح الدول الغربية، فيما تفيد المؤشرات أن الأسلحة والدفاعات الجوية التي لطالما استعرضت بها الجماعة في احتفالات وعروض عسكرية عدة في السبعين بصنعاء، عاجزة أمام الغارات الأمريكية.

ومن خلال الهجمات الحوثية الأخيرة في البحر الأحمر، تبين أن الحوثيين استخدموا صواريخ كروز مضادة للسفن، وصواريخ باليستية وطائرات "انتحارية"، كما استخدمت هذه الجماعة قوارب صغيرة محملة بالمتفجرات.. الأمر الذي جعل القيادة المركزية الأمريكية تصف هجوم الحوثيين في العاشر من يناير بالمعقد.

وكشف معهد "واشنطن" أن جماعة الحوثي تملك ترسانة صواريخ كروز مضادة للسفن يتراوح مداها بين 80 و300 كيلومترًا، من بينها صواريخ "صياد وسجيل".

وأوضح المعهد بأن أقصى مدى يمكن أن تصله صواريخ الحوثيين المضادة للسفن، هو 300 كيلومترًا إذا أطلقت من مناطق الحوثيين، مشيرًا إلى أن هذه الصواريخ تعد واحدة من أكبر المخاوف مقارنة بهجمات الطائرات المسيرة.

وعلل ذلك، بأن هذه الصواريخ أسرع وقوتها الحركية أكبر بكثير من الطائرات المُسيّرة البطيئة نسبيا، وبالتالي اصطيادها يكون أصعب، واعتراضها يحتاج لأسلحة وقدرات خاصة.

وعن تحدي جماعة الحوثيين للتحالف الغربي، وتوعدهم بالرد وتهديهم لمصالح أمريكا وبريطانيا، يرى مراقبون أن "الحوثي في ورطة حقيقية، وأن التحدي مسألة إعلامية لا أكثر، لأن عدم التحدي يجعله عاريًا وشعاراته وشعارات محركيه الإيرانيين". مؤكدين أن الجماعة الحوثية غير قادرة على الإضرار سوى بمسألة السفن في البحر الأحمر أو مناطق في إطار التواجد الإيراني.

خلط الأوراق

تشابك مسارات حل الأزمة، واختلافاتها السياسية المتعادية داخل كل طرف، ثم إن تعدد وتداخل الحرب بين الحرب الأهلية، والأطراف الإقليمية وهي كثيرة، وأكثر منها الأطراف الدولية الداعمة للحرب.. أطراف الحرب في المستوى الأهلي كثيرة أنصار الله الحوثيون والشرعية والانتقالي، وداخل كل طرف من هذه الأطراف جبهات وجهات عديدة واتجاهات سياسية وقبائلية و جهوية متباينة، بل ومتصارعة.

أما في المستوى الاقليمي، فإيران والتحالف العربي، وتحديدًا العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة وهما الحليفان الأساسيان فهما مختلفان وخلافاتهما جلية، تنعكس سلبًا على صراعات الانتقالي المسلح، الأحزمة الأمنية، والنخب، والشرعية، كما أن داخل إيران مراكز قوى داعمه ولكل رؤيته في الدعم.

الكاتب طاهر، أكد بأن الطرف الدولي وتحديدًا أمريكا وبريطانيا هما من يتحكم في إدارة الحرب، ولا يريدان الحل، ومستفيدان من استمرار حذوتها مشتعلة تحت الرماد، فالحرب لديهما لتمزيق اليمن، وابتزاز ثروات المنطقة، وإرغامها باستمرار الصراع على التطبيع وقبول الوجود الأجنبي، وعدم الذهاب بعيدًا في علاقاتها مع الجوار الإقليمي -إيران، ومع الروس والصين وتعدد أطراف الصراع، وخلافاتها الكاثرة مصدر الغموض، والأهم في هذا الغموض أن النهايات مختلفة ومتباينة، ويعجز كل طرف عن الإفصاح عنها، ومازق الجميع "الرغبة في اقتسام جلد الدب قبل اصطياده" أو بالأحرى تحقيق بالتفاوض ما عجزت الحرب عن تحقيقه، فمصدر الغموض أن أهداف أطراف الحرب كل أطراف الحرب غير مبررة ولا مشروعة، ولا يجرؤن على الافصاح عنها.

وبالتالي يعتقد أن مسار الحرب شائك ومعقد، وبعيد بعد القدرة على تحقيق الانتصار لأي طرف، والعجز أيضًا عن الافصاح عن الأهداف المتوخاه من الحرب. "لا تستطيع العربية السعودية أن تعلن أنها لا تريد قيام كيان وطني ديمقراطي وموحد، وقوي في جارتها الجنوبية، ولا تستطيع الإمارات أن تعلن تعطيل الموانئ اليمنية، والاستيلاء على الجزر، ونهب الثروات كشرط للحل، ولا تستطيع إيران أن تعلن أن اليمن ورقة مساومة، أما أطراف الصراع الأهلي فمجرد "أدوات في الحرب، ولكل مطامعه" غير المشروعة طبعًا.

وأشار إلى أن صعوبة الحل مصدره ضعف الإدارة الوطنية، وانقسام اليمن والمجتمع اليمني، وتحويل اليمن إلى كنتونات متباعدة ومتصارعة، والأخطر ارتهان الأهلي للإقليمي، وارتهان الإقليمي للدولي.

حالة اللا حرب واللا سلم لا تقل خطورة عن الحرب نفسها كما يقول طاهر، لأنها تعني انتظار عودة الحرب، وابقاء الأوضاع الكارثية على حالها، ورهن مصير الثلاثين مليونا لمشيئة صناع الكارثة، وهندسة بناء الدولة مطلب وطني، لابد من صنع السلام الذي يعم الأرض اليمنية كلها بإرادة كل ابنائها، فالحراك لصنع السلام يتطلب إرادة وطنية شاملة واسقاط حاجز الخوف من النفوس، ورفع صوت الاحتجاج ضد الحالة القائمة، والتمويت بالاحتراب.

وأوضح عبدالباري طاهر لـ "المجهر": بأن جماعة الحوثي لا تستطيع أن تحكم اليمن بمفردها، ويستحيل على الانتقالي فصل الجنوب عن الشمال، كما لا تستطيع السعودية السيطرة على اليمن أو اقتطاع حضرموت، ووهم كبير أن تستولي الإمارات على موانئ اليمن وجزرها، أو الاستيلاء على سقطرى.