الاثنين 16/سبتمبر/2024
عاجلعاجل

“الضنك” يفتُك بتعز

“الضنك” يفتُك بتعز

تقرير خاص

تعيش مدينة تعز (جنوب غربي اليمن) وضعًا صحيًا سيئًا بفعل تفشي الأوبئة التي طالت المدينة المحاصرة في السنوات الأخيرة، وآخرها وباء ” حمى الضنك” الذي حصد أرواح العشرات هذا العام، وخلّف أكثر من 12 ألف حالة إصابة .

حمى “الضنك” وباءٌ مستوطن في المدينة، وينشط مع موسم هطول الأمطار بفعل المياة الراكدة التي تعد بيئةً خصبةً لتكاثر البعوض الناقل للعدوى.

وبحسب مكتب الصحة بالمحافظة فإن عدد حالات الإصابة مرتفعٌ هذا العام مقارنةً بالأعوام الماضية، والاحصائيات الموجودة تمثل أولئك الذين زاروا فعليا المراكز والمستشفيات الصحية، فيما لم تشمل أولئك الذين فضلوا البقاء في منازلهم.

“على مدار سنوات الحرب والحصار على مدينة تعز، أخذ وباء الضنك في التوسع والانتشار بفعل سوء تخزين المياه، وبؤر المياه الراكدة لكن يرى الأطباء أن موجة “الوباء” ستخف مع دخول فصل الشتاء وتوقف موسم هطول الأمطار”

جهود مكافحة الوباء”

يقول تيسير السامعي، نائب مدير إداة الإعلام والتقيف الصحي بمكتب الصحة، إن وباء “الضنك” مستوطن، لكن يزداد تأثيره مع موسم هطول الأمطار في فصل الصيف، وهذا العام كان الأسوأ مقارنةً بالأعوام الماضية.

وبحسب السامعي، فإن مكتب الصحة نفذ ثلاث حملات رش في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني، استهدفت بعض الأحياء والحارات السكنية في مديريات المدينة الثلاث، صالة، والقاهرة، والمظفر، الحملة الأولى بدعم منظمة الصحة العالمية، والثانية والثانية بدعم السلطة المحلية.

ويؤكد ، أن تلك الحملات لم تغطِ 25٪ من احتياج المحافظة، في ظل غياب الدعم الحكومي، وأن عمليات الرش غير كافية لمواجهة الوباء والقضاء عليه، وتعمل فقط على الحد من انتشاره.

ويضيف السامعي، بأن القضاء على الوباء يتطلب جهودا متكاملة، للقضاء على البؤر المسببة لانتشاره، وتكثيف حملات التوعية والثقيف الصحي.

ويوضح أن مكتب الصحة بذل جهودا في مكافحة الوباء منذ وقت مبكر، من خلال مخاطبة وزارة الصحة، ومنظمة الصحة العالمية، والمنظمات المحلية من أجل تقديم الدعم اللازم لمواجهة الوباء لكن لم يكن هناك أي استجابة.

وقد تم تخصيص 4 مراكز لمكافحة الضنك في مستشفيات، الجمهوري، والثورة، والمظفر، والسويدي، لكنها تفتقر للإمكانات التشغيلية اللازمة لمواجهة الوباء.

وبحسب أشواق العبسي، رئيس قسم التمريض في المستشفى الجمهوري فإن تخاذل الجهات المختصة يعد سببا رئيسيًا في تفشي الوباء، وتتوقع أن تخف حدة الوباء مع دخول فصل الشتاء وتوقف موسم هطول الأمطار.

الوباء “القاتل”

نواف المليكي، طالب جامعي حصد “الضنك” روحه نهاية أكتوبر/ تشرين الأول بعد ثمانِ أيام إصابته.

يتحدث شقيقه، بأن الأعراض ظهرت على أخيه منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، ونقل على إثرها إلى مستشفى الروضة، وكانت نسبة الصفائح لديه 217 فقرروا له بعض الأدوية، وغادر إلى مسقط رأسه في الريف ليتم الإعتناء به.

ويتابع أن حالته تفاقمت، وبدأ يشكو من آلام شديدة في الظهر والمعدة، ليتم نقله إلى المستشفى الجمهوري، وتبين أنه يعاني من إلتهاب حاد في الدم والمفاصل، وفي اليوم التالي هبط مستوى الصفائح لديه إلى 40 فتم إدخاله إلى العناية المركزة.

وتضاعفت حالة نواف بعد أن ظهرت لديه أعراض ضيق التنفس ليبقى على التنفس الصناعي لمدة يوم حتى وفاته مساء الاثنين نهاية أكتوبر/تشرين الأول.

ويضيف بأن المستشفيات لا تقدم الرعاية الصحية والاهتمام المطلوب للمرضى، وعلى الجهات المختصة أن تتابع جوانب القصور والإهمال في المستشفيات خصوصا الحكومية منها.

في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني خطف “الضنك” أرواح الشقيقين محمد (١٠ سنوات) ومروى (٧ سنوات) بعد عشرة أيام من إصابتهما بالحمى.

يتحدث والدهما علاء الزغروري؛ ومرارة الفقد تعتصر قلبه بعد أن خسر طفليه الوحيدين، قائلا أن ولديه لم يجدا الرعاية الصحية الكاملة، ومستوى الخدمة الطبية في تعز ضعيف جدا، حد وصفه.

ويضيف أن المستشفيات تضع العائد المادي في مجال اهتمامها الأول دون أن تكون الأولوية للرعاية الصحية، وجميع الأطباء والجهات التي أسعف ولديه إليهم لم يسألوا عن الفحوصات والأدوية السابقة.

ويطالب الزغروري، السلطة المحلية والجهات المختصة بأن يكونوا على قدر المسؤولية، ويقوموا بواجبهم تجاه مكافحة هذا الوباء الذي لا يستثني أحدا.

احصائيات وأرقام “مُخيفة”

بحسب إدارة الترصد الوبائي في مكتب الصحة فإن عدد الاصابات منذ مطلع العام الجاري حتى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني بلغ 12332 إصابة و 18 حالة وفاة.

احصائيات يراها مكتب الصحة مرتفعة نوعا ما مقارنة بالأعوام الماضية التي سجل فيها آلاف الاصابات، لكن خبراء حذروا من تدهور الوضع الصحي في المدينة ووصفوا الاحصائيات بالمخيفة.

فيما يعتقد محمد الحسني، مُمَرضٌ في المستشفى الجمهوري أن رقم الإصابات أكبر بكثير من المُعلن عنه كون هناك حالات لا يسمح لها وضعها المادي بالذهاب إلى المستشفى وتخضع للعلاج التقليدي باستخدام “الحِمضيّات” لذا لا يتم تقييدها ضمن احصائيات مكتب الصحة.

ويوضح الحسني أن أحد أسباب تفاقم وباء الضنك عدم وجود طبيب متخصص في “الحُميّات” في المدينة وجميع الحالات المصابة تخصع للتشخيص والعلاج لدى أطباء باطنية.

ضنك العيش.. والوباء

الوضع الاقتصادي المتردي بفعل الحرب، فاقم من معاناة سكان المدينة المحاصرة، وهو ما جعل الكثير من الأسر غير قادرة على تأمين الأدوية والفحوصات اللازمة للمصابين.

محفوظ الوازعي، أب لثلاثة أطفال، أصيبوا جميعا بوباء الضنك، يتحدث بأنه غير قادر على توفير قيمة الدواء والفحوصات لأبناءه المصابين كون دخله محدود ولا يكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية لأسرته.

ويضيف الوازعي أن الحالة المعيشية للسكان سيئة للغاية، ويعزوا ذلك إلى الحصار المفروض على المدينة منذ أكثر من سبع سنوات.
ويرى أن السلطة المحلية ممثلة بمكتب الصحة تتحمل كل المسؤولية جراء الاهمال، وعدم إتخاذ خطوات جدية في مكافحة وباء الضنك.

وفي ذات السياق يقول شادي جميل: أصبت بالحمى لأكثر من أسبوع، واستخدمت الكثير من الأدوية الذي كان معظمه عبارة عن مغذيات ومحاليل دون تشخيص حقيقي للمرض.

ويضيف أن وضعه الاقتصادي متحسن نوعا ما لكن هناك من لا يمكنه عمل الفحوصات وشراء الأدوية وخصوصا ذوي الدخل المحدود والنازحين.

في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني صدر قرار المحافظ بإقالة مدير مكتب الصحة راجح المليكي، وتعيين عبدالرحمن الصبري خلفا له، وجاء القرار بعد مطالبات شعبية اتهمت الأول بالضلوع في قضايا فساد المساعدات الطبية التي قدمتها منظمات دولية ومحلية.

وتباينت ردود الفعل حول قرار التعيين، حيث رأى مواطنون أن تغيير الإدارة فقط لن يُحدث أي تغيير لأن الخلل يكمن في فساد المنظومة الصحية بِرُمتها.