تعد متلازمة غيلان باريه أو شلل الأطراف السفلية اضطراب نادر يهاجم فيه الجهاز المناعي للجسم الأعصاب, وعادة ما تكون الأعراض الأولى هي الشعور بضعف ووخز في اليدين والقدمين.
وسرعان ما تنتشر هذه الأعراض حتى يصاب كامل الجسم بالشلل, حيث يعتبر المرض حالة طبية طارئة في أشد صورها, ويُدخَل معظم المصابين بهذه الحالة المرضية إلى المستشفى لتلقي العلاج.
والأسبوع الماضي, تداول ناشطون في مدينة تعز (جنوبي غرب البلاد) على نطاقٍ واسع معلومات تفيد بتفشي هذا المرض الوبائي الجديد الذي يحمل مسمى "شلل الأطراف السفلية"، موضحين أن مستشفيات المدينة استقبلت حالات إصابة عديدة بهذا النوع من المرض.
حقيقة أم شائعة؟
أكدت تصريحات صادرة عن السلطات الصحية في مدينة تعز التي يحاصرها الحوثيون للعام العاشر تواليًا أن المعلومات التي تتحدث عن وجود حالات إصابة بمرض شلل الأطراف السفلية ليست صحيحة، حيث أشار مكتب الصحة بالمحافظة إلى أن ما يتم تداوله هو عبارة عن إشاعات لا أساس لها من الصحة.
ويوضح نائب وحدة الإعلام والتثقيف الصحي في مكتب صحة تعز تيسير السامعي في حديثه لـ"المجهر" أنه لم يتم رصد أي حالة بهذا المرض وأن المتداول الشائع عن وجود أكثر من 81 حالة في المدينة لا أساس له من الصحة بحسب التقارير الرسمية الصادرة عن المكتب.
وأضاف السامعي أنه قد يحتمل وجود هذا المرض النادر لكن وإن وجد فهو لا يعد مرض وبائي ، وقد تكون شخصت حالة واحدة وتم تشخيص باقي الحالات حسب الحالة الأولى, حد وصفه.
من جهته, نفى مدير مستشفى الروضة عباس القباطي عن وجود أي حالة في المستشفى بهذا المرض, مؤكدا أن ما يتم تداوله عبارة عن تكهنات وإشاعات.
ويعبر القباطي في حديثه لـ"المجهر" عن اعتقاده بعدم وجود هذه الحالات في أي مستشفى , لافتا إلى أن مثل هذه الحالات وإن وجدت فلابد من على أي ناشر للخبر إيجاد دليل واضح حولها .
وبدوره, أكد مدير مستشفى اليمن الأكاديمي طارق نعمان عن وصول حالة واحدة إلى المستشفى , موضحا أن هذا المرض هو مرض نادر جداً قد يصيب من المليون واحد أي أنه ليس بمرض وبائي وإنما هو مرض يسمى Autoimmune disease أي مرض المناعة الذاتية فهذا يعني أن الجسم هو من ضر نفسه فبسبب دخول أي بكتيريا أو فيروس أو أي جسم غريب تقوم الخلايا بمهاجمته.
ويضيف نعمان في حديثه لـ"المجهر" بأن هذا أمر طبيعي ويوجد الكثير من الأمراض الأخطر من هذا المرض والمنتشرة, قائلا: "لابد أن نعي إلى أن الشائعات والأخبار الزائفة يمكن أن تسبب حالة من الهلع والقلق بين الناس، وقد تؤدي إلى تعطيل الحياة العامة وتأثيرات سلبية على الاقتصاد والمجتمع. لذلك، فإن توفير المعلومات الدقيقة والموثوقة يعد أمرًا حيويًا للتصدي لتلك الشائعات".
خدمات صحية متدهورة
على مدى سنوات, تعرض القطاع الصحي والخدمات الصحية في مدينة تعز لتأثيرات كارثية جراء الحرب المستمرة والحصار التي تفرضه جماعة الحوثي الإرهابية, واستمرار إغلاقها للمنافذ الرئيسية والطرقات, مما تسبب في تدهور مستمر للبنية التحتية الصحية وتعطيل الخدمات الطبية الضرورية لسكان المدينة .
وبحسب تقرير سابق لمنظمة سام للحقوق والحريات فإن التقارير الطبية المحلية أظهرت وصول الأوضاع الصحية في المحافظة المنكوبة بالحرب وحصار الحوثيون إلى درجة الانهيار، بالتوازي مع شح الإمكانات والأدوية ونقص الأطباء ومغادرة بعضهم ورفض المشافي استقبال المرضى في ظل تفشي الأوبئة.
وذكرت "سام" بأن مكتب الصحة في "تعز" يواجه تحديًا في توفير الأدوية والمستلزمات الطبية في المستشفيات الحكومية العاملة ، حيث تسبب الحصار بإتلاف العديد من التجهيزات الطبية، نظرا لعدم وجود قطع غيار، فضلًا عن شح الإمكانيات.
وأكدت المنظمة نقلا عن السلطات الصحية أن المستشفيات الرئيسية في تعز تفتقر إلى معظم التجهيزات الطبية الحديثة، إذ لا يوجد مستشفى حكومي في المحافظة يمتلك جهازا طبقيا محوريا أو جهاز رنين مغناطيسي وإنما يوجد في بعض المستشفيات الخاصة وبمواصفات قديمة جدا، ناهيك عن التكلفة العالية للغاية.
ومطلع العام الماضي في ظل الأوضاع الكارثية التي يعانيها القطاع الصحي بتعز؛ أطلقت نقابة الأطباء بالمحافظة مناشدة عاجلة إلى الأطباء في المهجر تطالبهم بالعودة للمحافظة لإنقاذ أهلهم كواجب تحتمه الظروف وتوجبه المهنة.
وأوضح رئيس النقابة الدكتور عبدالله الاهدل في تصريح لوسائل إعلام محلية, أن "معظم الأطباء اتخذوا الحرب مبررا للهجرة والأرجح أن يكون هذا الوضع سببا في عودتهم كواجب إنساني".
وهو الأمر الذي لا يختلف كثيرا عن واقع الصحة في اليمن عموما, حيث تشير التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية (WHO) أن أكثر من 13 مليون طفل وامرأة في اليمن بحاجة ماسة للخدمات الصحية خلال عام 2024م.
وأوضحت بأن هناك حوالي 17.8 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات صحية, فيما حوالي 75% من المحتاجين هم أطفال ونساء, مشيرة إلى أن حوالي 24% من النساء في اليمن، أي ما يقرب من 4.3 مليون امرأة، يحتجن إلى خدمات طبية وصحية متعلقة بالصحة الإنجابية والمنقذة للحياة
وأكدت المنظمة الأممية, أن حوالي 540 ألف طفل في اليمن دون سن الخامسة يحتاجون إلى علاج منقذ للحياة بسبب الهزال الشديد، و10% منهم يعانون من سوء التغذية الحادة, وكذلك يحتاجون إلى رعاية متخصصة وبقاء في المستشفى.
وباء الكوليرا
إن الحالة الصحية في اليمن بشكل عام تعاني من تحديات جمة، وتشهد انتشار بعض الأمراض الأخرى المعروفة مثل الكوليرا والحميات ، وهذا يعود جزئيًا إلى الصراع المستمر في البلاد وتدهور الأوضاع الصحية والبنية التحتية, وفق تقارير أممية.
وفي أحدث إحصائية, أعلنت السلطات الصحية في مدينة تعز عن ارتفاع عدد حالات الإصابة بوباء الكوليرا إلى 374 حالة بينهما 122 حالة مؤكدة بينهما 3 حالات وفاة.
وأكد المسؤول في مكتب صحة تعز تيسير السامعي أن وجود حالة إصابة واحدة بالكوليرا يعنى أن جميع الناس معرضين للخطر الإصابة لذلك لابد علينا جميعا الحذر وأخذ جميع التدابير الوقائية.
وأضاف أن عدد حالات الإصابة المسجلة حتى الآن لا تزال قليلة جداً إذا ما قورنت بعدد حالات الإصابة فى الأعوام الماضية بدأت في عام ٢٠١٩, الذي سجل أكثر من عشر آلاف حالة إصابة منها 36 حالة وفاة.
وأشار السامعي إلى أنه في ظل تفشي وباء الكوليرا والمعاناة التي يعاني منها الناس، تنتشر شائعة عن مرض المناعة الذاتية المسبب لشلل الأطراف السفلية، هذه الشائعة تلفت انتباه الناس وتشغلهم عن خطورة وباء الكوليرا وتداعياته، ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن الخطر الحقيقي الأكبر لا يزال هو وباء الكوليرا الذي ينتشر بشكل واسع ويشكل تهديدا جسيما للصحة العامة.
واختتم حديثه بالقول : "يجب أن نضع الأولويات الصحية في المقام الأول ونركز جهودنا على مكافحة وباء الكوليرا وتوفير الرعاية الصحية اللازمة للمصابين. ينبغي على الجميع الوعي بأهمية النظافة الشخصية وتوفير المياه النظيفة والمرافق الصحية السليمة. كما ينبغي علينا أن نعمل على تعزيز التوعية حول أعراض الكوليرا وطرق انتقالها وكيفية الوقاية منها".
جهود المكافحة
يعتبر وباء الكوليرا وغيره من الأمراض التي تنتشر سريعا من خلال العدوى تحديًا صحيًا كبيرًا في العديد من المجتمعات, ويقع على عاتق السلطات الصحية تنفيذ وتنسيق الإجراءات كونها الجهة الأساسية المسؤولة لمواجهة هذا الوباء والحد من تأثيراته على المجتمع.
وبحسب مكتب الصحة العامة والسكان بمحافظة تعز فإنه يقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة في حالة ظهور أي مرض وبائي جديد بالمحافظة، ويحرص على الاستجابة السريعة واتخاذ الإجراءات للسيطرة على المرض وحماية صحة السكان.
ومطلع الأسبوع الجاري, عقدت السلطات بمدينة تعز اجتماعا برئاسة المحافظ نبيل شمسان لمراجعة البيانات الوبائية والإجراءات المتبعة لمكافحة الكوليرا في المدينة, منوهة على أن يتم الإعلان عن أي تطورات صحية مهمة من خلال الوسائل الإعلامية الرسمية والمصادر الحكومية الموثوقة.
وأعلنت عن فتح خمسة مراكز لاستقبال وعلاج حالات الكوليرا بالمحافظة, تضمنت :المستشفى الجمهوري ومركز 22 مايو ومستشفى خليفة العام بالتربة ومستشفى المخاء ومركز أطباء بلا حدود, لاستقبال الحالات من الساحل الغربي.
وأوضحت أنها تعمل على تدريب وتأهيل العاملين الصحيين للتعامل مع الحالات المشتبه بها, بالإضافة إلى توعية السكان بأعراض الكوليرا وطرق انتقالها، وأهمية النظافة وتوفير مياه الشرب النظيفة وتعقيم المياه للوقاية من الكوليرا.
كما اعتمدت السلطات الصحية بتعز خطط وقائية وتدابير احترازية للحد من انتشار الكوليرا والسيطرة على الإصابات، حيث تم تجهيز المختبر المركزي ومركز نقل الدم لاستقبال الحالات على مدار الساعة، وإجراء فحص عينات المياه للآبار والمياه المنزلية وخزانات توزيع المياه في الأحياء السكنية, وفق السامعي.