تتصاعد التساؤلات في أوساط اليمنيين عن خارطة الطريق للحل السياسي في اليمن، وما إذا كانت منطلقة من المرجعيات الثلاث ومُلبية لطموحات اليمنيين، خصوصًا أنها تجري بتكتٌم وسرّية شديدة، دونما إعلان عن طبيعتها وآلية تنفيذها.
وكانت تسريبات وتصريحات مُبهمة تحدّثت خلال الأشهُر الماضية، عن تسوية سياسية مرتقبة على المستوى الوطني بين الانقلابيين الحوثيين والحكومة المعترف بها والسعودية، دون الكشف عن تفاصيلها وحيثياتها، وهو ما أثار تخوفات اليمنيين من نتائج هذه التسوية التي تجري في الخفاء.
خارطة مُبهمة
مطلع يوليو/ تموز الفائت، أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في تصريحات صحفية، أن خارطة الطريق اليمنية جاهزة، وأن بلاده تتمنى التوقيع عليها في أقرب وقت ممكن. مضيفًا: "نعتقد أنه بالتوقيع على خارطة الطريق سيكون بوسعنا المضي قدما ونأمل أن يحدث ذلك عاجلاً وليس آجلاً"
وفي 23 ديسمبر/ كانون الأول 2023، أعلن المبعوث الأممي هانس غروندبرغ عن توصل الأطراف اليمنية إلى تفاهمات للالتزام بحزمة تدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة، مؤكدًا "العمل مع الأطراف لوضع خارطة طريق تحت رعاية الأمم المتحدة تتضمن هذه الالتزامات وتدعم تنفيذها".
وفي ذات الفترة، أوضح غروندبرغ أن "خارطة الطريق تشمل، من بين عناصر أخرى، التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة"، مؤكدًا أن "خارطة الطريق ستنشئ آليات للتنفيذ وستعد لعملية سياسية برعاية الأمم المتحدة".
لكن مراقبون سياسيون يرون أن هذه البنود هي نقاط عامّة، وأن كثيرا من التعقيدات موجودة في كل بند، وتكمن أكثر في آلية التنفيذ، وهي آليات مُبهمة، يجري نقاشها حاليًا بشكّل غير معلن بين الحوثيين والسعودية وسلطنة عمان، في حين هناك شبه غياب أو تغييب للأحزاب والمكونات اليمنية المؤيدة للشرعية.
بنود بلا تفاصيل
في 30 يوليو الفائت، ذكر رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي، خلال لقائه بممثلي الأحزاب والمكونات السياسية في محافظة حضرموت، بنود خارطة الطريق على هيئة خطوط عريضة، دون تطرق إلى تفاصيلها وآلية تنفيذها.
وقال الرئيس العليمي إنه "بالرغم من أن معظم بنود خارطة الطريق باتت متداولة في وسائل الإعلام، إلا أن المليشيات (الحوثية) ما تزال تمارس نهجا مضللا بشأن مضامينها".
وأوضح رئيس مجلس القيادة بأن خارطة الطريق تبدأ بوقف لإطلاق النار، وإجراءات اقتصادية وإنسانية لبناء الثقة في المرحلة الأولى وفي المرحلة الثانية يفترض الذهاب إلى حوار يمني لصياغة أسس فترة انتقالية جديدة كمرحلة ثالثة.
تخوّف شعبي
ولا يُخفي اليمنيون، قلقهم وتخوّفهم من أن تهدف خارطة الطريق، التي تشمل تسوية سياسية، إلى تحقيق أجندة تتعارض مع طموحاتهم وإرادتهم، وتتجاوز المرجعيات الثلاث للحل وفي مقدمتها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، لاسيما أن هذه الخارطة تتناول ما أنتجه الانقلاب والحرب، ولا تقف عند جذر المشكلة المتمثلة بالانقلاب على الدولة، وهو ما اعتبروه "مكافأة ومكسب وتقوية للحوثيين الذين تسببوا بمعاناة اليمنيين".
وزاد قلق اليمنيين من خارطة الطريق عقب ضغوط أممية وإقليمية أجبرت البنك المركزي اليمني في عدن للتراجع عن قراراته وإجراءاته التي حظيت بتأييد شعبي وسياسي واسع، والتي كان في مقدمتها إلغاء الطبعة القديمة من العملة (المتداولة في مناطق الحوثيين)، إضافة إلى سحب السويفت عن الستّة البنوك التجارية التي تخلّفت عن قرار نقل مراكزها من صنعاء إلى عدن، بعد انقضاء مهلة الـ60 يومًا، التي منحها لها البنك.
الأحزاب تستهجن التكتم
ولم يقتصر القلق من التكتم على خارطة الطريق، على اليمنيين كأفراد وشخصيات وشعب، بل حتى الأحزاب اليمنية، التي يجب أن تلعب دورا بارزا في هذه المرحلة، انتقدت هذا الغموض والتكتم الشديد في هذه الخارطة، وهو ما أثار لدى نشطاء ومواطنين الكثير من التساؤلات التي وصلت حدّ التشاؤم من أي تسوية تنتج عنها.
حيث استهجنت فروع الأحزاب السياسية بمحافظة تعز حالة التكتم الشديد على خارطة الطريق التي يجري الحديث عنها، معتبرة هذا التكتم "مصادرة لحق اليمنيين وتعبيراتهم السياسية والمدنية في تقرير مصيرهم السياسي والسيادي"، ومحذرة "من أي مفاوضات تكرس التقسيم للمؤسسات السيادية الوطنية". كما شددت على ضرورة التمسك بالمرجعيات الثلاث كمرجعيات في كل الحوارات والمفاوضات، وعلى ضرورة أن تركز أي مفاوضات على إنهاء أسباب الانقلاب والحرب في اليمن.
وأكدت فروع الأحزاب والتنظيمات السياسية أن المدخل الأساسي لأي تسوية هو إيقاف أي تشريعات وإجراءات وممارسات تكرس الطائفية والمذهبية وخصوصا ما يحدث في المناهج الدراسية وهو أمر يجرف الذاكرة الوطنية والسياسية اليمنية لدى الأجيال الحالية والقادمة، مشددة على أن أي تسوية سياسية لا تشارك فيها مختلف التعبيرات السياسية والمدنية اليمنية ستكون تسوية لا تعني ولا تعبر عن إرادة اليمنيين.
التفاف على المرجعيات
في ذات السياق، يرى باسم الحاج، سكرتير أول منظمة الحزب الاشتراكي بتعز، أن "التكتم على خارطة الطريق ومضامينها يثير الكثير من المخاوف من مآلات تسوية لا تفضي عمليًا إلى تحقيق سلام جاد لليمن"، مضيفًا أنه "ليس هناك تفسيرا واضحا لهذا التكتم الشديد سوى أن هناك التفافًا على عدد من المرجعيات التي يجب أن تحكم عملية المفاوضات بين الأطراف اليمنية، ومن بينها مخرجات الحوار الوطني التي توافق عليها اليمنيون".
ويشير الحاج، إلى أن أيّ مفاوضات لا يترتب عليها إزالة أسباب الانقلاب ونتائجه خلال عشر سنوات من الحرب العبثية، سيجعل البلاد مفتوحة لحروب أهلية ودورات عنف قادمة".
ويؤكد "نحن كيمنيين وكمكونات سياسية غير معنيين بخارطة طريق لا يشارك فيها مجموع اليمنيين ممثلا بتعبيراتهم السياسية والمدنية المختلفة".
مراوغة حوثية
ومع أن جماعة الحوثيين سبق أن أعلنت في أكثر من مناسبة للتوقيع على خارطة السلام، إلا أنها في الوقت لم تلتزم بأيٍ من بنوده المُسرّبة، كما أنها لم تُبدِ عمليا حسن نية للالتزام بتلك البنود، وهو ما دفع مراقبون للتشكيك في جدية الجماعة التي لديها حساباتها في ظل عملها كذراع للمشروع الإيراني.
وكان رئيس المجلس السياسي التابع للحوثيين، مهدي المشاط، في خطاب له عشية الذكرى العاشرة لانطلاق "عاصفة الحزم" بقيادة الرياض 2015، أعلن استعداد جماعته للمضي في طريق السلام، داعيا السعودية، إلى التوقيع على خارطة الطريق التي تم التوصل إليها وتنفيذها.
مراقبون سياسيون وعسكريون، يرون أن إطلاق جماعة الحوثي هذه الإعلانات والدعوات بشأن خارطة الطريق، مجرد مغالطات لكسب الوقت وضحك على العامّة والمتابعين، لأنها في الواقع ترفض أي نقاش يعالج أسباب الحرب في اليمن.
وأضافوا، أن الجماعة لجأت لرفع سقف مطالبها وشروطها أمام السعودية، عقب أحداث البحر الأحمر، من خلال الحديث عن تعويضات وإعادة الإعمار، وفي الوقت ذاته، ترفض مناقشة إنهاء الانقلاب باعتباره السبب الرئيس للحرب والتدخلات في اليمن.
مباحثات غير معلنة
يعتقد الدكتور فيصل الحذيفي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحديدة، في حديثه لـ "المجهر"، أن الحاصل بشأن خارطة الطريق "ليس تعتيمًا.. ولكن لا يزال البحث عن تفاصيل خارطة الطريق الممكنة من خلال المباحثات غير المعلنة"، مضيفًا: "ولذلك لا يمكن الاعلان عن خارطة لم تتشكل بعد ولا يزال البحث جارٍ عن الاتفاق عليها".
ويؤكد الحذيفي أن "كل محادثات تتجاوز المرجعيات الثلاث، وخصوصا مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، لن تلبي تطلعات اليمنيين، وإنما ستلبي مطامح الدول المتدخلة في اليمن بشكل مباشر أو غير مباشر. مُردفًا: "وعلى الأقل مرحليا خفض التصعيد والتصالح بين إيران والسعودية، من جهة من خلال تطويع جماعة الحوثي سعوديا بتلبية مطالبه وتمكينه".
تفاؤل مشروط
يرى الصحفي تيسير السامعي، أن خارطة الطريق ستكون جيدة وتلبي تطلعات الشعب اليمنيين إذا كانت ستحقق السلام العادل الذي يرضي كل الأطراف ويحافظ على هيبة الدولة اليمنية، ولا ينتقص من مبادئ وأهداف النظام الجمهوري ويستند إلى المرجعيات وخصوصًا مخرجات الحوار الوطني.
ويضيف السامعي لـ "المجهر": لن نستبق الأحداث، سننتظر حتى يتم الإعلان عنها رسميًا وندرك تفاصيل بنودها، وبعد ذلك سنطرح رأينا. لافتًا إلى أنه "علينا أن نتفاءل، وأي شيء يحقن الدماء ويحقق السلام فهو خير للشعب اليمني".
وبالتزامن مع الحديث المكثّف عن خارطة الطريق والتسوية السياسية المرتقبة، تواصل جماعة الحوثي فرض أجندتها الطائفية والمذهبية في مناطق سيطرتها، فضلًا عن استمرار هجماتها على السفن في البحر الأحمر، ضمن سيناريو أمريكي غربي وإيراني يهدف لنفخ الجماعة وتضخيمها وترويضها كقوة إقليمية، للتلويح بها ضد السعودية ودول أخرى، وهو ما يؤكد أن الجماعة ستواصل رفع سقفها وشروطها في المفاوضات، وذلك ضمن مساعيها لشرعنة سلطتها الانقلابية، وفق مراقبين.
وفي ظل هكذا تخوفات من التكتم الشديد على مسار خارطة طريق مشبوهة يُراد لها أن ترسم مستقبل اليمن، يبقى السؤال: هل ستسمح الشرعية والأحزاب الوطنية وكذا الجيش والمقاومة، بنجاح تسوية لا تعبّر عن إرادة اليمنيين وتضحياتهم، وتتجاوز المرجعيات الثلاث؟!