الخميس 21/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

ممارسات الحوثيين ضد القطاع المصرفي تدفع بالبنوك إلى حافة الإفلاس (تقرير خاص)

ممارسات الحوثيين ضد القطاع المصرفي تدفع بالبنوك إلى حافة الإفلاس (تقرير خاص)

تواجه البنوك الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي الإرهابية أزمة سيولة غير مسبوقة، تهدد استقرارها المالي وتدفع بها إلى حافة الإفلاس, وهو ما يعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها القطاع المصرفي، في ظل تزايد المخاوف من عدم قدرة هذه البنوك على الوفاء بالتزاماتها تجاه المودعين.

مؤخرا دفعت الممارسات التعسفية التي تقوم بها جماعة الحوثيين ضد القطاع المصرفي في المناطق الخاضعة لسيطرتها, المودعين للاتجاه بشكل كثيف نحو البنوك التجارية لسحب أموالهم, خشية أن يفقدوها في حال أعلنت تلك البنوك إفلاسها, في ظل فقدان الثقة بمركزي صنعاء التابع للجماعة.

 

شبح الإفلاس

 

يرى مصطفى نصر رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أن البنوك التجارية أو الإسلامية المتواجدة في مناطق سيطرة الحوثيين تواجه وضع صعب للغاية, لاسيما بعد اتخاذ الجماعة للعديد من القرارات والقوانين التي  أعاقت عمل البنوك والنشاط المصرفي ككل.

ويؤكد نصر في حديثه لـ"المجهر" أن تلك البنوك باتت أمام تحدي صعب عقب قرارات الحوثيين بمنع الفائدة أو ما يطلق عليها المعاملات الربوية, وأيضا الإجراءات الأخرى التي اتخذت كقرارات فيما يتعلق ببيع وشراء الأراضي وغيرها من السياسات الانكماشية التي أدت إلى تدمير نشاط البنوك في مناطق سيطرة الجماعة وتضرر من بشكل أكبر البنوك التجارية.

ويضيف: "الحقيقة هي أن البنوك تواجه شبح الإفلاس في مناطق سيطرة جماعة الحوثي لاسيما البنوك التجارية والبنوك التي بنيتها ونشاطها المصرفي محدود", لافتا إلى أن هناك بنوك قوية تستطيع الصمود، لكن البنوك التجارية والبنوك الصغيرة بكل تأكيد هي معرضة لتحديات كبيرة, ولخطر الإفلاس.

وبحسب رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي فإن "إفلاس أي بنك هو مؤشر خطر على وضع القطاع المصرفي والوضع الاقتصادي ككل، فالمسألة تتجاوز أموال المودعين وتتعلق بالثقة في القطاع المصرفي"، حد قوله.

من جهته, يعتقد الصحفي الاقتصادي وفيق صالح أن البنوك اليمنية بشكل عام تعاني من أزمة في السيولة النقدية بفعل قيام مركزي صنعاء الخاضع للحوثيين باحتجاز أرصدتها ورفض الإفراج عن عائدات استثمارها في أدوات الدين العام منذ ما قبل الحرب.

ويشير صالح في حديثه لـ"المجهر" إلى أن أغلب هذه البنوك لديها أصول وممتلكات هائلة، تستطيع من خلالها سد فجوة العجز وتعويض أي خسائر مالية, لكنه من يستبعد أن تواجه "إفلاس حقيقي".

ويوضح أن كل ما تواجهه البنوك في الوقت من إشكالات وأزمات هو بفعل "سياسات مليشيا الحوثي وممارساتها المقوضة للعمل البنكي والمصرفي في البلاد, ومع إزالة هذه العوامل والأسباب التي أوجدتها سلطة المليشيا, قد تعود الأمور إلى وضعها الطبيعي قبل الحرب". حد قوله.

 

ممارسات تدميرية

 

أرجع محللون اقتصاديون الأزمة الحالية إلى قيام جماعة الحوثي الإرهابية الحوثي بمصادرة عوائد أذون الخزانة والدين المحلي، وهي الأموال التي كانت تستثمر فيها البنوك لضمان إيراداتها, وإصدار الجماعة قرارات مصادرة الأرباح على الودائع، مما أدى إلى تآكل ثقة المودعين في النظام المصرفي.

واعتبروا أن مصادرة الحوثيين لعوائد أذون الخزانة والدين المحلي خطوة جذرية تؤثر بشكل مباشر على القدرة المالية للبنوك, حيث تسببت هذه الإجراءات في تفريغ الموارد المتاحة للبنوك من العوائد المتوقعة، مما يجعلها غير قادرة على تلبية احتياجات عملائها والمودعين.

وأكد المحللون أن هذه الأزمة تفاقمت مع استمرار الاحتفاظ بجزء كبير من الأموال في البنك المركزي بصنعاء، وهو ما يزيد من صعوبة الوضع, حيث يلعب البنك الخاضع للحوثيين دورًا أساسيًا في تعزيز الأزمة المالية من خلال سياساته الخاصة. 

وفي وقت سابق, قام مركزي صنعاء بخفض أرباح المصارف إلى الصفر وحوّل الودائع إلى حسابات جارية، الأمر الذي يقوض من قدرة البنوك على تحقيق هوامش ربحية, وهي سياسات تدميرية تجعل من الصعب على البنوك تحمل تكاليف التشغيل، مما يزيد من المخاطر المتعلقة بالإفلاس.

وهو الأمر الذي يؤيده الصحفي الاقتصادي وفيق صالح بأن "الأزمة المالية الآن والعائق الوحيد أمام عمل البنوك وأنشطتها هي مليشيا الحوثي وعقليتها المدمرة للعمل الاقتصادي".

ويضيف صالح : "تذهب يميناً وشمالاً وأنت تبحث وتنقب عن مجمل العوامل والأسباب التي أدت إلى تدهور وضع البنوك بصنعاء وشحة السيولة ، فتجد أن جل العوامل تسببت بها مليشيا الحوثي ".

ويشير إلى أن الانقسام النقدي وحظر الطبعة الجديدة من العملة، ساهم بشكل كبير في تفاقم أزمة السيولة وعجز البنوك والمصارف عن دفع أموال الناس وحقوقهم ، وأوصل القطاع المصرفي إلى هذا السيناريو الخطر.

 

أزمة "اليمن الدولي"

 

تداول ناشطون ووسائل إعلام محلية على نطاق واسع, الأحد, أخبارًا تفيد بأن أكبر البنوك التجارية في البلاد امتلاكا لرأس المال والأصول الثابتة ,أعلن إفلاسه, في حين أكد مراقبون أن شحة السيولة النقدية في بنك اليمن الدولي دفعت بالاعتقاد إلى أنه قد أعلن الإفلاس "رسميا", وهو ما نفاه في بيان لاحق.

وقال البنك في بيانه, إن "تلك الأنباء حملت معلومات مغلوطة بهدف الإثارة وتشويه سمعة ومكانة البنك"، مشيرا إلى أن "ما يمر به البنك من أزمة سيولة تعود لأسباب خارجة عن إرادته ولا يد له فيها".

وأوضح بنك اليمن الدولي مخاطبا عملاءه أن لديه أصول ثابتة بقيمة تتجاوز مليار دولار ورأس مال يبلغ 46 مليار ريال كأكبر رأس مال بين البنوك العاملة في البلاد، وفق البيان.

وفي هذا السياق, يؤكد وفيق صالح أن بنك اليمن الدولي يعاني بشدة ولديه أزمة سيولة مالية حادة، بفعل احتجاز أغلب أرصدته في البنك المركزي بصنعاء الخاضع للحوثيين, لافتا إلى أن الجماعة تحتجز ما يقارب 700 مليار ريال من العملة القديمة و60 مليون دولار من أموال بنك اليمن الدولي دون إخضاع هذه الأموال للفوائد أو السماح له بالسحب منها, بالإضافة إلى أن لدى البنك مديونية لدى القطاع الخاص.

ويشير إلى أن أغلب استثمارات البنك في الخارج ولا يستطيع الاستفادة منها بفعل سياسات البنك المركزي في صنعاء، حيث يواجه مشكلة عدم الإفراج عن أرصدته بفعل ممارسات الحوثيين, كما أنه يعاني من أزمة إدارية قد تسهم في عدم تخطيه للمشاكل الحالية.

ويؤكد الصحفي الاقتصادي وفيق صالح لـ"المجهر" أن بنك اليمن الدولي "حتى وإن وصل إلى حافة الإفلاس لا أعتقد أنه سيعلن ذلك لأن هذا ليس من صالحه", لافتا إلى أن هناك بنوك أخرى (دون أن يسمِها) أفلست بشكل حقيقي لكنها لم تعلن عن ذلك.

ويختتم حديثه بالقول : "على العموم نفي بنك اليمن الدولي ، إفلاسه، لا ينفي وجود أزمة حقيقية تعاني منها كافة البنوك ، جراء احتجاز أرصدتها من قبل مركزي صنعاء ،ورفض الإفراج عنها، أدى إلى عجز غالبية البنوك عن الايفاء بالتزاماتها أمام المودعين".


مخاوف المودعين

 

تعاني إيداعات المودعين من آثار سلبية جراء السياسات المالية الحوثية. حيث يشعر المودعون بعدم الأمان نتيجة لمصادرة الأرباح والتلاعب بأسعار الدولار، مما يؤدي إلى تراجع ثقتهم بالنظام المصرفي، كما أن العواصف المالية الناتجة عن هذه السياسات تعني أن المودعين لا يقع عليهم فقط خطر تقليص قيمة أموالهم، بل أيضاً احتمال فقدانها بالكامل.

وهنا تبرز العديد من التساؤلات حول الضامن لأموال المودعين في حال أفلست البنوك في مناطق سيطرة الحوثيين، كون الجماعة والبنك المركزي في صنعاء لا يقدم أي ضمانات في هذا الجانب.

وبهذا الصدد، يعتقد الباحث والمحلل الاقتصادي وحيد الفودعي أن اندفاع المواطنين لسحب أموالهم من بنك معيَّن بشكل عشوائي يعرض هذا البنك لخطر الإفلاس الفعلي، حتى لو كانت كافة مؤشرات السلامة المالية الخاصة به جيدة ومستقرة.

 ويضيف الفودعي في منشور على "فيسبوك" أن التدافع والضغط الجماعي لسحب الودائع، حتى من أقوى البنوك في أي دولة مستقرة، يؤدي بالضرورة إلى عجز البنك عن تلبية طلبات العملاء كافة، وقد ينتهي الأمر بإفلاسه, حد قوله.

ويوضح أن "الوضع في اليمن أشد تعقيدًا، فالقطاع المصرفي يواجه تحديات جسيمة أبرزها عجز السيولة، إلى جانب الأزمات التي ولّدتها الحرب والسياسات الحوثية الممنهجة التي تهدف إلى تدمير الاقتصاد الوطني وتخريب المؤسسات المالية". 

ويؤكد الباحث والمحلل الاقتصادي وحيد الفودعي أن "أي تحرك غير محسوب، كالتشجيع على سحب الأرصدة الجماعي، سيكون له عواقب كارثية على الاقتصاد والمجتمع برمته"، داعيًا الجميع إلى "التحلي بالوعي والمسؤولية تجاه هذه المسائل الحساسة، وعدم الانجرار وراء مواقف قد تساهم في زيادة تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها المواطنون أصلاً".

من جهته, يؤكد مصطفى نصر أن البنك المركزي في صنعاء هو الضامن لأموال المودعين بحكم أن هذه البنوك تتواجد هناك، لافتا إلى أن "البنك المركزي في عدن كان قد أعلن عند قرار نقل البنوك بالإيفاء بكافة الالتزامات، لكن عدم انتقالها وخضوعها للحوثيين يجعل من الصعب على مركزي عدن تحمل تبعات إفلاس أي بنك".

ويوضح رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أن مركزي صنعاء هو المعني بالدرجة الأولى تجاه الإيفاء بأموال المودعين ، بحكم أن لديه نسبة من هذه الأموال لهذا الغرض.

 

ضريبة التراجع

 

يرى مراقبون أن الأزمة التي يشهدها القطاع المصرفي هي ضريبة للتراجع عن تنفيذ قرارات البنك المركزي في عدن بنقل المراكز الرئيسية لأكبر ستة بنوك من العاصمة المختطفة صنعاء إلى المدينة المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد.

وكان مكتب المبعوث الأممي قد أعلن في 23 من يوليو/ تموز عن اتفاق بين الحكومة المعترف بها والحوثيين يتضمن إلغاء قرارات البنك المركزي في عدن، بعد نحو أسبوع من تقديم مقترح أممي يطالب بتأجيل تنفيذ القرارات إلى أواخر الشهر التالي. 

وأعقب هذا التراجع دونما مقابل سخط شعبي كبير، بعد أن كانت الحكومة المعترف بها قد طرحت شروطا على الحوثيين منها: إعادة تصدير النفط ، وتوحيد العملة، وإنهاء الانقسام النقدي، لكن مراقبين رأوا بأن ذلك تم في ظل ضغوط دولية وإقليمية مورست على المجلس الرئاسي وحكومته.

في السياق, يعتقد الصحفي الاقتصادي وفيق صالح أن "قرارات البنك المركزي اليمني في عدن سابقا بنقل المقرات الرئيسية للبنوك من صنعاء ، كانت تهدف إلى تجنب هذه البنوك شبح الإفلاس بعد ما دمرتها مليشيا الحوثي ، وأعلن أنه ضامن لأموال المودعين والعملاء".

ويشير صالح إلى أنه وبعد التراجع عن القرارات، وبقاء المقرات الرئيسية للبنوك في صنعاء لم تسلم من الممارسات الحوثية التي تعرض هذه المنشآت والمؤسسات المالية للخطر، حيث لا يكاد يمر يوم إلا وتتضاعف معاناة هذه البنوك بفعل ممارسات الحوثيين وتقييدها لأنشطتهم المالية على كافة المستويات. 

 

ظروف معقدة

 

يؤكد خبراء ومحللون أن الحديث عن القطاع المصرفي في اليمن يحمل أبعادًا بالغة الحساسية، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية المعقدة التي تعيشها البلاد بعد عشر سنوات من الحرب المستمرة.

ويعبرون عن مخاوفهم من أن الإفلاس المحتمل للبنوك التجارية سيكون له تداعيات خطيرة على الاقتصاد المحلي، وقد يؤدي ذلك إلى فقدان الثقة في النظام المصرفي بشكل عام، مما يؤثر سلبًا على الاستثمارات والودائع. 

بالإضافة إلى ذلك، ستتأثر الأنشطة التجارية نتيجة لتوقف التمويل، مما يغلق الأبواب أمام العديد من المشاريع. وبالتالي، تصبح الأوضاع الاقتصادية أكثر تعقيدًا في ظل غياب استقرار مالي، يوضح الخبراء والمحللين.
 
إلى ذلك، يرى رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر أن البنوك الستة المشمولة بقرار مركزي عدن سابقا لن تفلس كلها، لكنه لا يستبعد أن يحدث ذلك مع بنوك تجارية محدودة، مُنعت من الاستثمار في السندات وأذون الخزانة والسندات الحكومية وغيرها، بعد أن كان نشاطها الوحيد، فأصبحت معرضة للإفلاس.

ويضيف نصر أن هناك بنوك قوية تستطيع أن تتحمل الصدمات رغم أنها تواجه أيضا وضعها صعب، لكنها قادرة على مواجهة التحديات لا سيما البنوك الإسلامية.

وفي حديثه حول المفاوضات الاقتصادية المزمع عقدها بين الحكومة والحوثيين، يقول المحلل الاقتصادي مصطفى نصر : "هناك تكتيم كبير في هذه المسألة، لا يوجد أي معلومات حتى الآن عن خطوات فعلية تم البدء فيها للمضي في خارطة الطريق، كل ما أُعلن عنه هو هناك شبه تفاهم بين الحوثيين والسعودية بوساطة عمانية وهو ما تم على ضوءه تجميد قرارات البنك المركزي في عدن، والتراجع عنها". 

ويؤكد نصر أن "حالة الانقسام أثرت بصورة مباشرة على المواطنين بالدرجة الأولى، ومن المهم أن يكون هناك توحيد للعملة وتوحيد للسياسة النقدية، ابتداء من السيطرة على مستوى التضخم وتدهور سعر العملة وغيرها من التداعيات المرتبطة بمبالغ التحويلات وغيرها".

 ويختتم حديثه بالقول : "هذه كلها، الحقيقة هي آثار سلبية لعملية الانقسام في القطاع المصرفي، والحل باعتقادي هو أن يكون هناك معالجات للوضع الاقتصادي ككل".